تتناقل وسائل إعلام سورية، أخبارًا تفيد بأن رئيس النظام السوري بشار الأسد، وضع ابن خاله رجل الأعمال النافذ رامي مخلوف وشقيقه قيد الإقامة الجبرية، وهو ما يمثل سابقةً في سوريا، وما يؤكد هذه الأنباء بعض المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي من أعضاء بعائلة مخلوف ومقربين من رجل الأعمال الشهير.
يُفسر وضع مخلوف قيد الإقامة الجبرية كما ذكرت المصادر، بأن النظام السوري عازم على نقل حصة رامي مخلوف من شركة الاتصلات الخلوية “سيرتيل” التي يملكها لصالح مؤسسة الاتصالات الحكومية، فيما ذكرت أنباء أخرى أن موسكو طلبت من دمشق مبالغ كبيرة، والأسد اتصل بخاله الموجود في روسيا لهذا الغرض، لكن مخلوف لم يستطع توفير المبلغ ما أدى إلى تكليف “هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالتحقيق مع أكبر 29 رجل أعمال سوري بمن فيهم مخلوف لتأمين المبالغ، وفقًا لما جاء في صحيفة “الشرق الأوسط“.
وفي منشور على “فيسبوك”، ذكر فراس طلاس رجل الأعمال السوري البارز، أن الأسد طلب من مخلوف مبلغ ملياري، فتحجج الأخير بعدم وجود سيولة مباشرة لهذا المبلغ، فطلب بشار من مكتب أمن القصر الخاص (أعلى وأخطر جهة أمنية في سوريا وقلة يعرفونه) جلب كل مديرين شركات رامي ودفاتر حساباتهم، والأمن ذهب بطريقته المعهودة علنًا لجلبهم وبدأت الإشاعات.
من جهةٍ أخرى نقل ناشطون عن نسرين علي مخلوف، ابنة عم رجل الأعمال رامي مخلوف، استياءها مما حصل ووصفها لسوريا بـ”الغابة”، مشيرةً أن الأمور لن تقف عند عمها وأبنائه.
لا شكّ أن النظام السوري يعاني أزمة مالية بشكل خاص من حيث توافر القطع الأجنبي، ويستنفد أصول الدولة السورية مقابل تسديد فواتير حربه على الشعب السوري، من خلال عقود استثمارية طويلة الأمد للثروات المعدنية السورية، ليصل الإفلاس عنده لدرجة تقديم الموانئ البحرية والجوية للاستثمار مقابل ديونه لروسيا وإيران، وفقًا لما قاله الصحفي السوري فراس ديبة لـ”نون بوست”.
وأضاف ديبة “بشار الأسد لا يملك ما يمكن تقديمه للروس والإيرانيين الذين يعانون أيضًا من أزمات اقتصادية”، مشيرًا “لم يعد أمامه لدفع فواتير مواصلة حربه على الشعب السوري إلا طريق كبار رجال الأعمال المرتبطين عضويًا بالنظام ذاته، الذين يعتبرون واجهات النظام الاقتصادية”.
وليس معلومًا ما إذا كان الأسد بهذه الحركة يريد نقل الأمور المالية والاقتصادية من يد رجال الأعمال الذين يرزحون تحت العقوبات الأمريكية والأوروبية إلى آخرين لتشكيل طرق جديدة للتعامل مع العالم الخارجي في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بدمشق.
ما حصل في دمشق نسخة مطابقة لما حصل في ريتز كارلتون الرياض، الفارق أن الريتز شهد عملية توقيف جماعية، بينما في دمشق كانت هناك عائلة واحدة مستهدفة
عقوبات
عام 2011 أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية قرارًا بفرض عقوبات على رامي مخلوف، وقالت الوزارة إن مخلوف “هو المستفيد من الفساد العام في سوريا والمسؤول عنه، ونفوذه واتصالاته داخل النظام سمحت له بالسيطرة على صفقات مربحة لأنواع محددة من السلع”، وفي نفس العام وضع الاتحاد الأوروبي، مخلوفًا على قائمة عقوباته الاقتصادية والسياسية.
وبحسب الخزانة الأمريكية فإن مخلوفًا “يُعتبر أقوى شخصية اقتصادية في سوريا على الإطلاق، ليس لأنه يملك إمبراطورية مالية على رأسها شركة “سيريتل” للاتصالات، بل لأنه يتلاعب بالنظام القضائي في سوريا، ويستخدم مسؤولي المخابرات لترويع خصومه من رجال الأعمال”.
ولد مخلوف في جبلة عام 1969، وهو ابن محمد مخلوف مدير المصرف العقاري في عهد حافظ الأسد، ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه الأسرة تتمتع بعلاقات تجارية مميزة مع عائلة الأسد، ولم ينسَ المتظاهرون في سوريا في أيام ثورتهم الأولى عام 2011 أن يكون جزءًا كبيرًا من هتافاتهم ضد عائلة مخلوف لا تهامها بأكبر عمليات فساد في سوريا.
وإذا صحت الأحاديث عن الخلاف الحاليّ بين عائلة الأسد ومخلوف، فإنه من المؤكد أن الخلاف ماليّ، لكنه يخفي وراءه تغيرات في ترتيب البيت الداخلي للنظام، كون محمد مخلوف يلعب على مدى عقود أدوارًا سياسية داخلية وخارجية في كواليس المشهد السوري، كما قال الصحفي فراس ديبة.
سيناريو الريتز
بعد هذه العملية ضد أبرز رجالات الاقتصاد السوري، من المؤكد أن رؤوس المال الكبيرة في دمشق بدأت تتحسس رقبتها، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تحيط بالأسد، الأمر الذي يدفع الأخير للجوء لهم لطلب المال بالطريقة التي يراها مناسبة كما حدث مع مخلوف، وهو ما شبهه نشطاء وصحافيون سوريون بعملية “الريتز” حين اعتقل محمد بن سلمان ولي العهد السعودي كبار رؤوس الأموال السعودين في الرياض لتحصيل المال.
الأمر الذي أكده الصحفي فراس ديبة بقوله: “ما حصل في دمشق نسخة مطابقة لما حصل في ريتز كارلتون الرياض، الفارق أن الريتز شهد عملية توقيف جماعية، بينما في دمشق كانت هناك عائلة واحدة مستهدفة”، مؤكدًا “تأزم الحالة الاقتصادية لدى الأسد تدفعه لمزيد من العمليات المماثلة التي سيحصل فيها مرحليًا على المبالغ التي سيطلبها، لكنه إذا استمر في التعامل مع واجهات النظام الاقتصادية على أنهم الدجاج الذي يبيض له الذهب فسنكون حينها أمام سيناريوهات لم يتوقعها أبدًا الشعب السوري، وقد نشهد هروب البعض واختفاء البعض وتصفية آخرين”.
وعما إذا ستطول الأزمة بين مخلوف والأسد قال الصحفي ديبة لـ”نون بوست”: “لا أعتقد أن الأزمة الراهنة ستدوم طويلًا وتوقعاتي أن تنتهي في غضون أيام”، مشيرًا “ستترك وراءها انعكاسات سلبية كبيرة فيما يخص ثقة واجهات النظام بشخص بشار الأسد”.
إلى ذلك يعتبر مؤيدو النظام، أن مخلوف كان من عالم المال والفساد يأتي ذلك بانقلاب مفاجئ على الرجل الذي يعتبر من منظومة الأسد الكبيرة، واعتبرت بعض الصفحات التابعة لنظام الاسد أن “القرار كبير وفعل عظيم لا يقوم به الاٌ الكبار والقادة ورجال الدولة الحقيقيون”، وبحسب الصفحاتهذه فإنها تنتظر “الصفوف الآخرى من أثرياء الحرب وآكلي حقوق المواطن”.