“العربية”.. سقطات إعلامية متواصلة في حق الديمقراطية التونسية

2th2th

سقطة مهنية وأخلاقية جديدة تضاف إلى السجل الحافل لسقطات القناة السعودية “العربية” بحق تونس وشعبها، سقطة تبين حجم الكراهية التي تكنها هذه القناة التليفزيونية والقائمون عليها سواء في الإمارات أم السعودية للثورة التونسية وعملية الانتقال الديمقراطي الذي تشهده البلاد منذ يناير/كانون الثاني 2011.

مغالطات وإشاعات

فضيحة هذه المرة جاءت في شكل تقرير إخباري بثته القناة، ليلة أمس الثلاثاء، عن منطقة الذهيبة الواقعة على الحدود التونسية الليبية الجنوبية، جاء فيه أن هذه المنطقة معقل لتنظيم داعش الإرهابي، وسكانها يقتاتون من التهريب.

جاء فيه أيضًا أن سكان هذه المنطقة الجنوبية ندموا على تصويتهم في الانتخابات الماضية لصالح حركة النهضة الإسلامية، واكتشفوا أنها توظف الدين للوصول إلى السلطة، وأنها امتداد للإخوان المسلمين، محملينها مسؤولية الوضع الدقيق الذي وصلت له البلاد.

ما أقدمت عليه القناة السعودية لم يكن عملاً صحفيًا ولا يرتكز على أي قيمة إخبارية ومعايير مهنية صحيحة، وفق الصحفية التونسية عائشة الغربي، وأشارت الغربي في تصريح لنون بوست إلى أن ما بثته قناة العربية في تقريرها عن منطقة الذهيبة الحدودية بالجنوب التونسي، قائم على المغالطات.

هذا التقرير يضاف إلى سلسلة تقارير سابقة بثتها القناة تهدف إلى نشر الفوضى في البلاد

أولى هذه المغالطات وفق الغربي، أنهم اعتبروا المنطقة معقلاً للإرهابيين في تونس حتى إنهم أطلقوا عليها وصف “العمق الإستراتيجي لداعش في تونس” وهذا مجانب للصواب، أما ثاني هذه المغالطات، فهي ربط أهاليها بالتهريب والإرهاب، وتصويتهم لحركة النهضة في الانتخابات التشريعية وخطورة ذلك على المنطقة خصوصًا والبلاد عمومًا.

وأوضحت الصحفية التونسية أن القناة السعودية استغلت المواطنين لتشويه صورة تونس في فترة تستعد فيها البلاد لاستحقاق انتخابي هو الـ3 منذ إزاحة نظام بن علي من الحكم وبداية نهاية الموسم السياحي الذي ينتظر أن يساعد الاقتصاد الوطني على التعافي.

ورأت الغربي ضرورة تصحيح المغالطات وتقديم اعتذار رسمي من القناة التي تنشط في تونس في إطار من الحرية والديمقراطية، دون رقابة أو تضليل، و”يجب أن يتحمل صاحب التقرير مسؤوليته الأخلاقية والاجتماعية تجاه البلاد التي ينشط بها حتى لا تتكرر مثل هذه المهازل الإعلامية، خاصة أن منطقة الجنوب وقفت سدًا منيعًا أمام الإرهابيين وضحت بأبنائها في معركة بن قردان الشهيرة”.

ليست الأولى

لم تكن هذه المرة الأولى التي تنزل فيها العربية إلى القاع، فهذا التقرير يضاف إلى سلسلة تقارير سابقة بثتها القناة تهدف إلى نشر الفوضى في البلاد، فقبل نحو شهر عمدت القناة إلى نشر إشاعة تفيد بموت الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي من دون الرجوع  إلى مصدر رسمي، تزامنًا مع حدوث عمليتين إرهابيتين في العاصمة تونس، ما ساهم في توتير الأجواء على الساحة الوطنية.

لم تكتف القناة حينها بنشر إشاعة وفاة الرئيس، بل تمادت أكثر ووصل بهم الحال إلى وصف العمليات الإرهابية التي عرفتها البلاد في ذلك اليوم بالناجحة، فخلال اتصال هاتفي أجرته القناة مع العميد سفيان الزعق الناطق باسم وزارة الداخلية التونسية، سألت المذيعة “كيف تفسرون نجاح هؤلاء بالقيام بالأعمال الإرهابية، رغم المعلومات السابقة عن إمكانية حصولها”، قبل أن يقاطعها الزعق بقوله: “أنتم تقيمون هذه العمليات بالناجحة ونحن نقيمها بالفاشلة”.

بعد ذلك بأيام، تحديدًا يوم وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي في الـ25 من يوليو/تموز، فتحت قناة العربية منابرها للحديث عن صعوبة الوضع في تونس واتجاه البلاد نحو الهاوية مع بث خطاب تحريضي على العنف، والحديث عن أشياء لم يتمكن أحد من رؤيتهم إلا مخيلاتهم الشاسعة.

وكشف يومها الإعلامي التونسي يوسف الوسلاتي، أن قناة العربية الحدث قطعت الاتصال به بمجرد أن تحدثت عن سيناريو الانتقال السلمي للسلطة وفق الدستور، حيث قال الوسلاتي: قطعوا الاتصال حين قلت إنه ليس للبلاد مشكلة بفضل دستورها ومجتمعها المدني”.

سياسة معتمدة

ما قامت به العربية، لم يكن خطأ بل سياسة معتمدة وفق الصحفي التونسي هشام بن أحمد، حيث قال بن أحمد في تصريح لنون بوست: “قناة العربية وسلسلة القنوات الإخبارية التي تتماهى مع خطها العام معتادة على نشر الإشاعات والأخبار الزائفة خاصة فيما يتعلق بالشأن الوطني التونسي وهذا لمسناه في نشر إشاعة وفاة رئيس الجمهورية الراحل خلال الوعكة الصحية الأولى التي أصابته فيما سمي بيوم الخميس الأسود”.

اللوبي السعودي الإماراتي المعروف عداءه للربيع العربي، لم يبق أمامه إلا تسخير وسائل الإعلام الموالية له كخيار أخير ووسيلة وحيدة متبقية لإشعال فتيل الفتنة في تونس

يضيف بن أحمد “قناة الحدث والعربية كانت من القنوات الأولى الضالعة في نشر هذه الإشاعة التي قوبلت بتنديد كبير من كل الأوساط الشعبية هنا في تونس وكذلك من النخب السياسية والإعلامية على وجه الخصوص، حيث نشرت نقابة الصحفيين التونسيين بلاغًا على إثر تلك الواقعة عبرت فيه عن استنكارها لترويج الإشاعات ودعت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية على وجه الخصوص من التثبت في معطياتهم وعدم التسرع في نشر الأخبار والاستناد إلى مصادر رسمية قبل إعلانها”.

عداء للتجربة الديمقراطية التونسية

أكدت قناة العربية وغيرها من القنوات التي تصنف ضمن الذراع الإعلامي لدولتي السعودية والإمارات من خلال هذه السقطات المهنية والأخلاقية المتكررة، وفق هشام بن أحمد، عدائها الكبير للثورات العربية وللديمقراطية التونسية الناشئة.

وأوضح بن أحمد أن اللوبي السعودي الإماراتي فقد الأمل في إجهاض التجربة الجديدة في تونس عن طريق المراهنة بسياسيين موالين لها، وهو ما حتم عليهم اعتماد مثل هذا الأساليب وترويج الإشاعات والأخبار المغلوطة.

بيّن محدثنا أن هذا اللوبي المعروف بعدائه للربيع العربي، لم يبق أمامه إلا تسخير وسائل الإعلام الموالية له كخيار أخير ووسيلة وحيدة متبقية لإشعال فتيل الفتنة في بلاد تتبنى نظامًا ديمقراطيًا تعدديًا، يعتبره هذا اللوبي خطرًا عليه.

بدوره يقول الصحفي حمدي الزايدي: “قناة العربية دأبت منذ سنوات على تكييف الأحداث في تونس وفق أجندات تخدم الأطراف التابعة لها وتجاوزت ذلك في الكثير من المرات لمحاولة بث الفتنة داخل الشعب التونسي”.

وأضاف الزايدي في تصريح لنون بوست “لا يخفى اليوم على المتابع أن هذه القناة تخدم أجندات معينة، فالكل يتحدث عن ارتباطها بالمحور السعودي الإماراتي الذي يدعم أطرافًا سياسية معينة في تونس وتلعب دورًا مهمًا في الاستقطاب الجماهيري إعلاميًا وتكيف الأحداث وفق زاوية نظر تخدم توجهها”.