أغلقت مراكز الاقتراع في دولة الاحتلال الإسرائيلي أبوابها أمس عند الساعة العاشرة مساءً، لتبدأ معها عملية فرز أصوات الناخبين التي تُظهر نتائجها الأولية تساوٍ لحزب “كاحول – لافان” بقيادة بيني غانتس مع حزب “الليكود” بقيادة بنيامين نتنياهو، في عدد المقاعد البرلمانية، بواقع 32 مقعدًا لكلٍ منهما، فيما تحل القائمة المشتركة (تحالف الأحزاب العربية في الداخل) ثالثةً بحصولها على 12 مقعدًا حتى الآن، وهو عدد مرشح للزيادة أو النقصان بعد انتهاء الفرز.
في المكان الرابع حل كل من حزب “يسرائيل بيتينو” بقيادة وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، والحزب الديني “شاس” بقيادة آرييه درع، بفوز كل منهما بـ9 مقاعد، كما نجح “يهدوت هتوراة” بكسب 8 مقاعد، وحزب “إلى اليمين” بقيادة وزيرة القضاء السابقة آيليت شاكيد حصل على 7 مقاعد، فيما حاز تحالف حزب “العمل – غيشر” (وسط) على 6 مقاعد، أما “المعسكر الديمقراطي” الذي يشكل حزب “ميرتس” اليساري الصهيوني جزءًا منه فقد حاز 5 مقاعد، بينما لم يتجاوز حزب “عوتسما يهوديت” (صهيوني ديني) نسبة الحسم البالغة 3.25%.
تأتي هذه الانتخابات بمثابة إعادةٍ للانتخابات التي جرت في أبريل/ نيسان من العام الحاليّ، التي كَلف فيها رئيس الدولة رؤوفين ريفلين رئيس حزب الليكود نتنياهو والحكومة السابقة بتشكيل الحكومة الجديدة
من المهم الإشارة إلى أن عملية فرز أصوات الناخبين لم تنته بشكلٍ كامل بعد (تم فرز 92% من الأصوات حتى ظهيرة الأربعاء)، فهناك قرابة 400 ألف صوت، لم تُفرز بعد، وهي تشمل أصوات الدبلوماسيين في الخارج والجنود والمرضى والمساجين والبحارة وفئات أخرى كذلك. فالعدد المتبقي كفيل بأن يقلب المعادلة ويرجح الكفة لصالح أي من الأطراف، أي أن يمنح الليكود مقاعد إضافية تمكنه من تشكيل حكومة يترأسها نتنياهو، أو أن تكسب أحزاب أخرى الأصوات المتبقية، ما سيمنحها وزنًا أكبر في أثناء التفاوض على تشكيل الحكومة، هذا بالإضافة لاستمرار فرز الأصوات في العديد من القرى والبلدات العربية في الداخل.
تأتي هذه الانتخابات بمثابة إعادةٍ للانتخابات التي جرت في أبريل/نيسان من العام الحاليّ، التي كَلف فيها رئيس الدولة رؤوفين ريفلين رئيس حزب الليكود نتنياهو والحكومة السابقة بتشكيل الحكومة الجديدة، لكن وعلى إثر الخلاف المحتدم بشأن قانون التجنيد الإجباري لطلبة المدارس الدينية، وتمسك ليبرمان بموقفه من القانون وتعديلاته، فشل نتنياهو في تشكيل ائتلافه الحكومي، ما حذا بالكنيست، وبعد أقل من 50 يومًا على الانتخابات، إلى أن يحل نفسه ويدعو إلى انتخابات عامة جديدة، وهو الأمر الذي يحدث للمرة الأولى في تاريخه.
حكومة وحدة أم انتخابات ثالثة؟
وضع فشل نتنياهو في تشكيل ائتلاف حكومي في الانتخابات الماضية، سؤال قدرته على تشكيلها في الانتخابات الجديدة موضعًا مركزيًا في النقاش السياسي الذي دار عشية الانتخابات الاسرائيلية، واليوم مع ظهور النتائج الأولية التي تُشير إلى تكرار المأزق، بدأت تدور سيناريوهات جديدة على ألسنة الساسة والمحللين وفي مخيلتهم.
نجحت القائمة المشتركة في الحصول على 12 مقعدًا حسب النتائج الأولية للانتخابات، وهو ما يجعلها ثالث أكبر كتلة في الكنيست
فوفقًا للنتائج الأولية للانتخابات، لا أفضلية لأي من المعسكرين الرئيسيين حتى الآن في تشكيل حكومة، فكلاهما لا يستطيع الظفر بـ61 مقعدًا تمكنه من تشكيل الحكومة دون الدخول في دوامة جديدة من التحالفات والابتزازات، وبالتالي يمكن حصر السيناريوهات المطروحة لتشكيل حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلية الجديدة في قسمين تبعًا لتوافر فرص نجاحها.
السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول: حكومة وحدة تجمع نتنياهو وغانتس وحزبهما على طاولة حكومية واحدة يقودها نتنياهو. تتراوح فرص نجاح هذا السيناريو ما بين المتوسط والمنخفض، رغم أنه يبدو الخيار الأكثر منطقية بالنسبة للإسرائيليين، إذ سيجنب كل من نتنياهو وغانتس الدخول في معركة الابتزازات المفضلة للأحزاب الأخرى من جانب، وسيجنب الإسرائيليين احتمالية الذهاب إلى انتخابات جديدة من جانبٍ آخر.
لكن ما يعرقل هذا السيناريو وفرص نجاحه هي وعود غانتس الانتخابية التي أكد فيها رفضه القاطع للجلوس في حكومة واحدة مع نتنياهو، إلا أن المفاوضات القادمة ستبين مدى تمسك غانتس بهذا الوعد، في حال لم تقلب الأصوات المتبقية النتيجة الأولية.
أما السيناريو الثاني فإنه يطرح تشكيل الحكومة المشار إليها في السيناريو السابق مع انضمام الأحزاب اليمينة المتدينة إليها، وبالنظر إلى فرص نجاح هذا السيناريو يبدو الأمر مركبًا، فإضافةً لما قد يعرقل سيناريو تشكيل حكومة من “الليكود” و”كاحول لافان” بالأساس، فإن غالبية الأحزاب الدينية ترفض الانضمام لحكومة تضم حزب “كاحول لافان”.
يبقى سيناريو الذهاب إلى انتخابات مبكرة جديدة، وثالثة خلال عامٍ واحد مطروحًا وبقوة
السيناريو الثالث: تشكيل حكومة يقودها غانتس بمشاركة تحالف “العمل – غيشر” وأحزاب “الحريديم” و”ميرتس” (يسار صهيوني)، ترتبط فرص نجاح هذا السيناريو بقدرة حزب كاحل لافان على الاستجابة لمطالب شركائه وخصوصًا من أحزاب الحريديم، لذلك تبقى فرص نجاح هذه الحكومة منخفضة.
أما السيناريو الرابع، وهو قيادة الليكود لحكومة تجمع الأحزاب اليمينة المتدينة إضافةً إلى تحالف “العمل – غيشر”، هناك فرص لتحقق هذا السيناريو، وهي منوطة بشكلٍ وثيق بقدرة نتنياهو على إقناع عمير بيرتس رئيس حزب العمل، بالانضمام إلى الحكومة، وهي مهمة صعبة المنال.
سيناريوهات صفرية
القسم الثاني من السيناريوهات المطروحة لتشكيل الحكومة الجديدة، فهي سيناريوهات تقترب فرص نجاحها من الصفر. يأتي في مقدمتها سيناريو تشكيل الحكومة في الانتخابات السابقة، الذي فشل نتنياهو في تحقيقه، أي تشكيل حكومة تجمع الليكود بأحزاب اليمين و”الحريديم” جنبًا إلى جنب مع حزب (يسرائيل بيتينو) بقيادة ليبرمان، الأمر الذي يعرقل هذا السيناريو، وكان سببًا رئيسيًا في إعادة الانتخابات.
أما السيناريو الصفري الثاني فهو تشكيل غانتس لحكومة وحدة مع الليكود، ولكن دون وجود نتنياهو في رئاسة الحكومة، لكن هذا يتطلب من حزب الليكود إزاحة نتنياهو من رئاسة المنصب، وهو ما لا يجرؤ أحد على فعله.
إضافةً إلى السيناريوهات السابقة، ومع تبين مدى صعوبة تحققها، يبقى سيناريو الذهاب إلى انتخابات مبكرة جديدة وثالثة خلال عامٍ واحد مطروحًا وبقوة، رغم الرغبة الإسرائيلية في إغلاق ملف الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة، لكن تبقى المصالح السياسية لكل حزب على قمة أولوياته والمحرك الأول لعقد تحالفته.
ماذا عن المشاركة العربية؟
نجحت إذًا القائمة المشتركة في الحصول على 12 مقعدًا حسب النتائج الأولية للانتخابات، وهو ما يجعلها ثالث أكبر كتلة في الكنيست، تضم القائمة الأحزاب العربية التقليدية التي تمثل الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق 1948 وهي: التجمع الوطني الديمقراطي، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، القائمة العربية الموحدة، والحركة العربية للتغير.
خاضت الأحزاب الانتخابات بقائمة مشتركة لأول مرة عام 2015، بعد أن هدد إقرار قانون رفع نسبة الحسم لـ3.25% عبورها، مما يهدد تمثيل العرب في البرلمان.
بلغت نسبة المشاركة العربية في انتخابات الكنيست الحاليّة 60% تقريبًا، ما يمثّل ارتفاعًا عن نسبة المشاركة في انتخابات أبريل نيسان الماضي (50%)، وحصلت على 12 مقعدًا مرشح للزيادة، فيما كانت قد حصلت في الانتخابات الماضية على مجموع 10 مقاعد، بعد دخولها الانتخابات بقائمتين منفصلتين، على إثر انفراط عقد “القائمة المشتركة” بداية العام مع انشقاق رئيس الحركة العربية للتغيير أحمد الطيبي عن القائمة.
نهجت القائمة المشتركة وقيادتها نهجها المعتاد خلال حملتها الدعائية، إذ كان نتنياهو فزاعة “المشتركة” هذه المرة، إذ لم تكن سياسات نتنياهو ورؤاه السياسية هي المشكلة لخصومه في الانتخابات، بل كانت زعامته ووجوده على رأس الحكومة هي المشكل الرئيس
لكن يمكن القول في ذات الوقت، إن نسبة المشاركة لم ترتفع كثيرًا، إذا أخذنا بعين الاعتبار احتمالية أن جزءًا من الأصوات الجديدة التي حصلت عليها القائمة المشتركة في الانتخابات الحاليّة، هي أصوات ناخبين تراجعوا عن “التصويت العقابي” الذي اتخذوه احتجاجًا على قرار الأحزاب بحل القائمة المشتركة في الانتخابات السابقة.
نهجت القائمة المشتركة وقيادتها نهجها المعتاد خلال حملتها الدعاية، إذ كان نتنياهو هو فزاعة “المشتركة” هذه المرة، إذ لم تكن سياسات نتنياهو ورؤاه السياسية هي المشكلة لخصومه في الانتخابات، بل كانت زعامته ووجوده على رأس الحكومة هي المشكل الرئيس، كما اعتمدت الحملة الدعائية للقائمة المشتركة على حث الناس على المشاركة بالانتخابات معترضة ومهاجمة بشدة حملات المقاطعة والامتناع عن المشاركة في التصويت، وهو سلوك منتشر في الداخل الفلسطيني في ظل الاعتقاد بعدم جدوى المشاركة السياسية للفلسطينيين في البرلمان الإسرائيلي، وهو ما يرونه “تجميلًا” لـ “الديمقراطية الإسرائيلية” المزعومة أو لعبًا داخل منظومة حكم استعمارية لا مساحة للتأثير فيها.
ختامًا، وفي ظل النتائج الحاليّة لا يمكن القطع بما ستؤول إليه مشاورات رئيس دولة الاحتلال مع أحزاب الكنيست لاختيار رئيس الحكومة القادمة وتكليفه بتشكيلها، وما إن كان سينجح رئيس الحكومة بتشكيلها أم سيبوء بالفشل كسابقه، كل ذلك متعلق بما ستنجم عنه مفاوضات الأحزاب من اتفاقيات بينها لدخول الحكومة أو البقاء في المعارضة، أو الذهاب لانتخابات كنيست جديدة، كل هذا ولم نتطرق بعد لسؤال مهم ربما تأتي إجابته لاحقًا، وهو: كيف سيكون المشهد السياسي في الكنيست مع اقتراب جلسة الاستماع لنتنياهو في إطار التحقيقات في ملفات الفساد؟