يجمع المؤرخون المعاصرون على تسمية ما بين عامي 1718 و1730 في الدولة العثمانية بـ”عهد التوليب”، حيث وقّع العثمانيون معاهدة “بساروفتشا” مع كل من النمسا والبندقية، وبدأ عهد جديد بعد هذه المعاهدة، واستمر حتى تمرد “بترونا خليل”.
وبحسب الباحث عبد القادر أوزجان في بحث له بعنوان “عهد التوليب”، فإن الوثائق العثمانية التي تعود إلى القرن الـ18 لم يرد فيها ذكر لتسمية هذه المرحلة بعهد التوليب، وأول استخدام لهذه التسمية جاء في مقالة للأديب التركي الشهير يحيى كمال بياتلي (1884- 1958)، واستخدمها بعد ذلك الباحثون والمؤرخون حتى اليوم، حتى إن المؤرخ المعروف رفيق ألتيناي وضع كتابًا عن هذه المرحلة باسم “عهد التوليب”، واختار الأديب كمال بياتلي هذا الاسم نظرًا لانتشار زهرة التوليب في هذه المرحلة.
بحسب الموسوعة الإسلامية التركية، فإن أحد أبناء شلبي محمد أفندي، وهو محمد سعيد أفندي، هو أول من أسس مع صديقه إبراهيم متفرقة أول مطبعة عثمانية رسمية للمرة الأولى في عهد التوليب، وتحديدًا عام 1727
ووفقًا للمؤرخ إسماعيل حقي تشارشلي في كتابه المعروف عن تاريخ الدولة العثمانية، فإن السلطان العثماني الذي بدأت هذه المرحلة في عهده هو أحمد الثالث، ووزيره الأعظم هو إبراهيم باشا ناوشهيرلي، وكانت لديهما الرغبة في ازدهار الدولة العثمانية ولكن على الطراز الغربي، وشهدت هذه المرحلة أول اعتراف من العثمانيين بتقدُّم الغرب والسعي إلى محاولة تقليده.
زهرة التوليب في ساحة السلطان أحمد في إسطنبول
يضيف تشارشلي أن الدولة العثمانية أرسلت في هذه المرحلة سفرائها إلى باريس وفيينا، ليس كسفراء سياسيين فقط، ولكن مهمتهم الرئيسية هي إعداد تقارير متعلقة بكل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية للدول الأوروبية، وإرسالها بشكل دوري كل شهر، وبالفعل أُرسل شلبي محمد أفندي إلى باريس، وإلى جانب عمله كسفير في فرنسا، تعلم علوم السياسة وفقًا لذلك العصر، وساهم بعد عودته في تغيير النظام السياسي العثماني.
وبحسب الموسوعة الإسلامية التركية، فإن أحد أبناء شلبي محمد أفندي، وهو محمد سعيد أفندي، هو أول من أسس مع صديقه إبراهيم متفرقة أول مطبعة عثمانية رسمية للمرة الأولى في عهد التوليب، وتحديدًا عام 1727، ومن بين التحديثات التي قام بها الفرنسيون في الدولة العثمانية أيضًا، هي أول إطفائية في شيخ زاده باشي، وصممها الفرنسي داوود أغا.
في بحث له بعنوان “تمرد بترونا” يذكر الباحث منير أكتابا أن هذه المرحلة شهدت تحديثات في مجالات عدة، حيث وُضعت أول منارة في برج البنت لتأمين مضيق البوسفور، كما صمم العثمانيان سيد وهبي ومحمد حزين أول غواصة عثمانية على شكل تمساح، ويضيف الباحث نفسه أن مجال المعمار أيضًا شهد ازدهارًا في تلك المرحلة، وقد تأثر العثمانيون بالطراز الفرنسي، وتم بناء قصر سادابات على هذا الطراز في حي كاتهانه بإسطنبول.
بحسب الموسوعة الإسلامية التركية، فإن فن المنمنمات العثماني ازدهر أيضًا في هذه المرحلة، ومن أبرز الأسماء التي برزت في هذا الفن، هو لَوْنِي الذي غير النمط التقليدي لهذا الفن العثماني
يذكر الباحث إسكندر بالا في بحث بعنوان “الأدب والثقافة في عهد التوليب” أن هذه المرحلة شهدت تقدمًا أيضًا في الثقافة والفنون، حيث كان السلطان أحمد نفسه شاعرًا وموسيقيًا وخطاطًا، وكان الصدر الأعظم إبراهيم باشا يدعو الشعراء والرسامين والفنانين إلى القصر بشكل دوري، وكانت تُقام هذه الأمسيات في قصر تشيرغان، بحضور السفراء الغربيين في الدولة العثمانية، ومن أبرز شعراء تلك المرحلة: نديم ونحيفي وكامي، وقد وثق الرسام الفرنسي جان بابتيست فانمو هذه الأمسيات في لوحاته.
وبحسب الموسوعة الإسلامية التركية، فإن فن المنمنمات العثماني ازدهر أيضًا في هذه المرحلة، ومن أبرز الأسماء التي برزت في هذا الفن، هو لَوْنِي الذي غير النمط التقليدي لهذا الفن العثماني، ووفقًا للباحث عبد القادر أوزجان، في بحثه المذكور سلفًا، فإن الدولة العثمانية أسست هيئة للترجمة في عهد التوليب، كما منعت في تلك المرحلة خروج أي كتاب كُتب بخط اليد خارج حدود الدولة العثمانية.
السلطان العثماني أحمد الثالث
وكما ذُكر سابقًا عن انتشار زهرة التوليب في تلك المرحلة، فإنه وفقًا للموسوعة الإسلامية التركية، كان هناك أنواع لا حصر لها من زهرة التوليب، وعُقدت المسابقات لأفضل من يزرع هذه الزهرة، وكان السلطان أحمد الثالث مولعًا بهذه الزهرة، ومن المعروف أن وجود التوليب ورمزيتها يسبقان أحمد الثالث لكن اهتمامه الكبير بها جعل المؤرخين ينسبونها إلى فترة ولايته، حيث كانت تملأ حدائق القصور في عهده.
طالب زعيم التمرد المسلح بترونا خليل السلطان بقتل الصدر الأعظم والمفتي وأميرال الأساطيل البحرية، بحجة أنهم مائلون للسلم، فامتنع السلطان عن إجابة طلبه، لكنه قبل مجبرًا بعد ذلك
تكاد تجمع المصادر التاريخية التركية على أن التقدم الذي شهده عهد التوليب انعكس بطبيعة الحال على الحياة الاجتماعية للعثمانيين آنذاك، إلا أنها انتهت نهاية مروعة، حيث قام شخص ينحدر من أصول ألبانية، يدعى بترونا خليل بتحريض الإنكشارية على السلطان ووزيره الأعظم، وخصوصًا بعدما خسرت الدولة العثمانية حربها مع الفرس عام 1726، وميل السلطان إلى السلم، وبحسب المؤرخ إسماعيل تشارتلي، فإن الصدر الأعظم إبراهيم باشا كان بيده كل الصلاحيات لإدارة الدولة، وكان يميل إلى إبعاد الدولة عن الدخول في الحروب.
بحسب الموسوعة الإسلامية التركية، فقد طالب زعيم التمرد المسلح بترونا خليل السلطان بقتل الصدر الأعظم والمفتي وأميرال الأساطيل البحرية، بحجة أنهم مائلون للسلم، فامتنع السلطان عن إجابة طلبه، لكنه قبل مجبرًا بعد ذلك، وقتل المتمردون الصدر الأعظم والأميرال، وانقلبوا بعد ذلك على السلطان، وعينوا محمود الأول من بعده.
أخيرًا، فإنه من الجدير بالذكر أن محاولات التحديث التي شهدها عهد التوليب، لم يواكبها تحديثات عسكرية مهمة، فبحسب الموسوعة الإسلامية التركية، قام العسكري الفرنسي دي روشيفورت بعدة محاولات بشأن الإصلاحات العسكرية للجيش العثماني، لكن جيش الإنكشارية منعه من ذلك.