قبل أيام قليلة، أقام الناطق الرسمي باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، مؤتمرًا صحفيًا في أبو ظبي، حاول خلاله إبراز الدعم الإماراتي لحفتر والعملية العسكرية التي تشنها قواته منذ أشهر على طرابلس الخاضعة لحكومة تعترف بها الأمم المتحدة، ما جعل حكومة الوفاق تؤكد تحول الإمارات إلى منصة إعلامية عدائية.
لم يتوقف الحال عند هذا الأمر، فاللواء المتقاعد خليفة حفتر نفسه دخل على الخط، حيث استقبل السفير الأمريكي بليبيا في أبو ظبي أيضًا وليس في ليبيا، ما يؤكد تحول الإمارات العربية المتحدة إلى غرفة عمليات سياسية لدعم الميليشيات المخالفة للقانون في ليبيا بعد أن اشتد الخناق عليهم في بلادهما
في أبو ظبي عوض بنغازي
على غير العادة، التقى قائد ميليشيات الكرامة حفتر، السفير الأمريكي لدي ليبيا، ريتشارد بنورلاند، في العاصمة الإماراتية أبو ظبي عوض مدينة بنغازي (مقر قوات حفتر في الشرق الليبي) لبحث الأوضاع العسكرية في ليبيا، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت تشديد الخناق على حفتر وقواته الخارجة عن القانون.
التقى السفير الأمريكي نورلاند يوم الخميس في أبوظبي بالمشير خليفة حفتر لمناقشة الأوضاع الراهنة في ليبيا وإمكانية التوصّل إلى حلّ سياسي للصراع في #ليبيا. pic.twitter.com/sIjZfkOwTa
— U.S. Embassy – Libya (@USAEmbassyLibya) September 19, 2019
كانت السفارة الأمريكية في ليبيا، قد أعلنت في وقت سابق في بيان صحفي نشرته على صفحتها في “فيسبوك”، أن السفير الأمريكي ناقش مع حفتر في العاصمة الإماراتية أبو ظبي الأوضاع الراهنة في ليبيا وبحثا آفاق التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الصراع بالبلاد.
ويرى العديد من الليبيين أن حفتر والإمارات أرادا من خلال تنظيم هذا اللقاء في أبو ظبي بالذات إيصال رسائل عديدة للداخل الليبي أو للدول الإقليمية ذات العلاقة بالشأن الليبي في هذه الظرفية التي تعرف فيها البلاد تطورات كبرى.
غرفة عمليات شاملة دعمًا لحفتر
“يبدو أن الإمارات أسفرت عن وجهها الحقيقي دون مورابة”، يقول الناشط الإعلامي الليبي فرج المجبري، ويضيف في تصريح لنون بوست “أصبحت أبو ظبي غرفة العمليات العسكرية والسياسية للعدوان على طرابلس، فالناطق باسم عملية الكرامة المسماري يخرج في لقاء صحفي من أبو ظبى مرتديًا البزة العسكرية الإماراتية وحفتر تضيق به مرتفعات الرجمة فلا يجد إلا أبو ظبى ليكون لقاؤه بالسفير الأمريكي”.
كان وزير الخارجية الليبي محمد سيالة قد استنكر في وقت سابق موقف الإمارات “العدائي” بجعل عاصمتها منصة إعلامية لمليشيات حفتر للتحريض على طرابلس، ردًا على احتضان أبو ظبي مؤتمرًا صحفيًا للناطق باسم قوات حفتر، العميد أحمد المسماري، بعد أن ظل لأشهر طويلة يخرج من بنغازي، مطالبًا مجلس الأمن بالتدخل.
تأمل الإمارات في بسط نفوذها على ليبيا وخاصة المنطقة الشرقية ومنطقة الهلال النفطي لما لهما من موقع إستراتيجي ومستقبل اقتصادي كبير
واعتبر سيالة في رسالة قدمها إلى مجلس الأمن، أن تصرف الإمارات دعمٌ للمعتدين على العاصمة الليبية وإعانة لهم على قتل الليبيين ودعم لارتكابهم المزيد من الانتهاكات وجرائم الحرب، وأضاف سيالة أن تصرف دولة الإمارات يعد دعمًا للانقلاب على الحكومة الشرعية وخرقًا صارخًا لقرارات مجلس الأمن، داعيًا المجلس للقيام بواجباته وحفظ السلم والأمن الدوليين، ووضع المسؤولين والداعمين لهذا العدوان تحت طائلة القانون الدولي.
تتهم السلطات الليبية في طرابلس دولة الإمارات بدعم قوات حفتر إعلاميًا وسياسيًا وعسكريًا بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ما جعل حكومة الوفاق تصف الموقف الإماراتي تجاه ليبيا بالعدائي والمساهم في تأجيج الوضع بالبلاد.
تقدم الإمارات دعمًا كبيرًا لحفتر
يرى هؤلاء أن دولة الإمارات العربية المتحدة أكدت في أكثر من مرة، تحولها إلى منصة إعلامية وسياسية وعسكرية تعمل خصيصًا لضرب ليبيا التي يطمح شعبها في التحرر من الاستبداد والقطع مع الأنظمة الشمولية الديكتاتورية الشبيهة بالنظام الإماراتي الحاليّ.
وكانت تقارير أممية وحقوقية، قد كشف عن خرق دولة الإمارات وبصورة متكررة نظام العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، من خلال تجاوز حظر التسليح المفروض عليها وزيادة قدرات قوات حفتر الجوية بصورة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى تزايد أعداد الضحايا في النزاع الدائر في ليبيا.
ومنذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في فبراير 2011، تحدثت تقارير إعلامية واستخباراتية عدة عن دور إماراتي مشبوه بقيادة محمد بن زايد، في دعم قوات حفتر والمشاركة في عمليات عسكرية ضد فرقاء ليبيين، الأمر الذي ساهم حسب مراقبين في تأجيج الأزمة السياسية في ليبيا وخلق حالة من التباعد بين شركاء الوطن الواحد.
فرض حفتر وحماية مصالحها
بدوره يرى الإعلامي الليبي عصام زبير أن الإمارات تريد فرض خليفة حفتر الفاقد لأي شرعية والمتمرد على السلطة الشرعية، بالقوة في المشهد الليبي، حتى يكون له منصب في الفترة القادمة التي تعقب وقف إطلاق النار في البلاد.
يعتقد زبير أن استقبال حفتر للسفير في أبو ظبي يمثل رسالة مفادها تواصل دعم الإمارات لقائد ميليشيات الكرامة، فضلاً عن أن الأمريكان يدعمون ويعترفون بوجود حفتر وسلطته في المشهد الليبي الحاليّ والمستقبلي، خاصة أن السفارة الأمريكية في إعلانها الخبر وصفته بالمشير.
يسعى حفتر إلى تسويق نفسه عسكريًا وسياسيًا، فرغم الهزائم التي ما فتئ يتكبدها منذ إعلان حربه على العاصمة طرابلس، ما زال يبحث له عن مكان في الخريطة السياسية للبلاد
يسعى الإماراتيون وفق الإعلامي الليبي إلى إثبات قوة حفتر وأنه المسيطر على الوضع ولديه القوة لاستكمال الحرب على طرابلس، وبفرض ما يريد على الطاولة رغم الوهن والضعف وجرائمه الكبرى في حق الليبيين المدنيين.
ويرى محدثنا أن الإمارات تدافع بقوة عن وجودها في المغرب العربي وليبيا بالذات، مستغلة ضعف حكومة الوفاق الوطني والأطراف المساندة لها، وذلك حتى تنفذ أجنداتها في المنطقة وتحقق مصالحها هناك دون أن ينافسها أحد، وإن كان يملك الشرعية.
وتأمل الإمارات في بسط نفوذها على ليبيا وخاصة المنطقة الشرقية ومنطقة الهلال النفطي لما لهما من موقع إستراتيجي ومستقبل اقتصادي كبير نظرًا لتوافر كميات كبيرة من النفط هناك، كما أنها تنوي التحكم في عقود عمليات الإعمار.
إشباع غرور
إلى جانب ذلك، يرى الناشط فرج المجبري أن لقاء حفتر بالسفير الأمريكي بليبيا في مدينة أبوظبي الإماراتية يتنزل في إطار إشباع قائد ميليشيات الكرامة لغروره، ويقول في هذا الشأن: “ربما يريد حفتر إشباع غروره وحضوره السياسي بعد تصريحات السراج في روما التي عبر فيها عن رفضه له كشريك سياسي”.
ويسعى حفتر إلى تسويق نفسه عسكريًا وسياسيًا، فرغم الهزائم التي ما فتئ يتكبدها منذ إعلان حربه على العاصمة طرابلس، ما زال يبحث له عن مكان في الخريطة السياسية للبلاد بالاستناد إلى الدعم الخارجي الذي يلقاه خاصة الإماراتي.
يأمل حفتر في إيجاد مكان له في الخريطة السياسية الليبية
في أبريل/نيسان الماضي، أعلن حفتر الذي يقود “ميلشيات الكرامة”، بداية حملة عسكرية تستهدف العاصمة الليبية طرابلس التي توجد فيها حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا، فضلاً عن سفارات وبعثات الدول الأجنبية وهيئة الأمم المتحدة، وقال حينها إن احتلال العاصمة لن يستغرق أكثر من 48 ساعة إلا أنه فشل في ذلك، حيث لم يتمكن إلى الآن من إحراز أي تقدم يذكر.
منذ ذلك التاريخ، أصبح حفتر يعاني، إلا أنه وجد في بعض الصور التي يلتقطها مع مسؤولين أجانب كبار فرصة لإشباع الذات والترويج لشخصه خارجيًا، رغم الصورة السيئة التي يحملها عنه الليبيون داخليًا، فهو في نظرهم “مجرم حرب” وجب محاسبته قضائيًا.