فشله المتتالي في تحقيق أي تقدم عسكري نحو العاصمة طرابلس، حتم على اللواء المتقاعد المناهض للشرعية في ليبيا خليفة حفتر، الاستعانة بمرتزقة أفارقة في البداية لكن ذلك لم يف بالغرض، ما حتم عليه اللجوء للمرتزقة الروس، علّه يتقدم ولو قليلاً في المعركة التي قال إنها لن تدوم أكثر من 48 ساعة وها هي الآن على أبواب الشهر السادس.
مرتزقة روس ضمن قوات حفتر
ظل الحديث عن وجود مرتزقة روس يحاربون في صف حفتر لفترة طويلة في السر، لكنه انتقل مؤخرًا للعلن، حيث ذكرت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية في تقرير لها أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أرسل مرتزقة إلى ليبيا لدعم خليفة حفتر في حربه على حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا.
بلومبرغ نقلت عن مصادر ليبية، أن نحو مئة رجل من المرتزقة التابعين لما يعرف بـ”مجموعة فيغنر” – التي يرأسها يفغيني بريغوزين المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين – وصلوا هذا الشهر إلى شرق ليبيا لدعم قوات حفتر في محاولاتها للسيطرة على العاصمة طرابلس.
وصول هؤلاء المرتزقة تزامن مع تصاعد الغارات الجوية لدعم حفتر الذي يسعى لتحقيق مكاسب حاسمة في ساحة المعركة قبل مؤتمر السلام الدولي المتوقع انعقاده الشهر المقبل في العاصمة الألمانية برلين.
ونقلت بلومبرغ عن مسؤول مقرب من حكومة موسكو، أن روسيا تنأى بنفسها عن الحكومة المؤقتة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس لأنها تتوقع أن يكسب حفتر الحرب الأخيرة، رغم فشله إلى الآن في تحقيق أي انتصار.
ينتمي هؤلاء المرتزقة إلى مجموعة “فيغنر” التي تضم في صفوفها ما يقارب 2500 رجل روسي
كان يفغيني بريغوزين، رجل الأعمال الروسي مالك فيغنر، قد حضر في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، اجتماعًا بين حفتر ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، بعد ذلك بأشهر وتحديدًا في مارس/آذار الماضي، تمكنت المخابرات الغربية من تحديد موقع 300 من المرتزقة التابعين لفيغنر في ليبيا، وقال مصدر بالحكومة البريطانية لصحيفة “ذا تايمز” آنذاك إن هذه القوات تتمركز في مينائي طبرق ودرنة.
وذكرت المعلومات الاستخباراتية أن مجموعات المرتزقة تدعم قوات حفتر بالتدريبات، وتساعده في توطيد نفوذه العسكري عن طريق إمداده بقطع المدفعية والدبابات والطائرات دون طيار والذخيرة، وغيرها من أشكال الدعم اللوجيستي.
في ذات السياق، كشف آمر غرفة العمليات المشتركة في ليبيا أسامة جويلي أن دولاً داعمة للواء المتقاعد خليفة حفتر بدأت تلجأ إلى خدمات شركات، بعضها من روسيا، لتجنيد مرتزقة للقتال مع مليشيا حفتر في ليبيا.
وتداول ناشطون ليبيون على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، صورًا لمستندات وخطط عسكرية مكتوبة بخط اليد وصورًا شخصية وهواتف نقالة وبطاقات ائتمان مصرفية لمرتزقة من شركة فيغنر الروسي.
تنشط مجموعة “فينغر” في العديد من الدول
فضلاً عن ذلك، كشف وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا في لقاء مع قناة تليفزيونية محلية استعانة قوات حفتر بمرتزقة تابعين لشركة فيغنر الروسية لدعمه في مواجهات طرابلس، متهمًا دولاً لم يسمها بمساعدة حفتر في هذا الشأن.
ويستعين حفتر بهؤلاء المرتزقة الروس في إطلاق قذائف مدافع الهاوتزر، ما يعني أن مهامهم تجاوزت التخطيط والتدريب إلى المشاركة فعليًا في قصف العاصمة طرابلس مقر الحكومة المعترف بها دوليًا بقذائف المدفعية.
مجموعة “فيغنر”
ينتمي هؤلاء المرتزقة إلى مجموعة “فيغنر” التي تضم في صفوفها ما يقارب 2500 رجل روسي، يصل راتب الضابط الواحد منهم إلى 5300 دولار شهريًا، وتعمل فيغنر لصالح شركة أمنية خاصة، منتشرة في العديد من الدول من بينها سوريا والسودان وإفريقيا الوسطى.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أدرجت في يونيو/حزيران 2017 مجموعة فيغنر على قائمة الأفراد والكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات بسبب مشاركتها في الصراع الأوكراني، وقالت إن الشركة الأمنية الخاصة التي تعمل لصالحها هذه المجموعة أرسلت جنودًا للقتال إلى جانب الانفصاليين الأوكرانيين في شرق أوكرانيا.
هذه الخسائر المتتالية دفعت حفتر إلى الاستعانة بالمرتزقة من دول عدة، فضلاً عن الاستعانة بجنود فرنسيين والطيران الحربي المصري والإماراتي والمال السعودي، عله يعوض فشله
تستخدم هذه المجموعة المسلحة قاعدة تدريبية في مولكينو، بمنطقة كراسنودار جنوبي روسيا، وهي ليست بعيدة عن شرق أوكرانيا، ويرأس هؤلاء المرتزقة رجل أعمال غني مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين يدعى “يفغيني بريغوزين” وهو مدرج على لائحة العقوبات الأمريكية بسبب صلته بالانفصاليين في شرق أوكرانيا.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول 2016، إن بريغوزين لديه “معاملات تجارية واسعة” مع وزارة الدفاع الروسية وكان مرتبطًا ببناء قاعدة عسكرية جديدة بالقرب من أوكرانيا، وعرف بريغوزين في السابق باسم “طباخ بوتين”، ذلك أنه يورد مستلزمات الأطعمة للحفلات في الكرملين، ثم توسعت أعماله من سلسلة مطاعم فاخرة إلى خدمة القوات المسلحة الروسية.
وتلجأ الحكومة الروسية عادة إلى الاستعانة بهذه الميليشيا المسلحة للقيام بالعديد من العمليات العسكرية في مناطق مختلفة من العالم، للهروب من المحاسبة وحتى لا تتم ملاحقتها رسميًا، فلا وجود رسمي لهذه المجموعة.
كما تستعين بها الحكومة لتدعيم مكانتها في تلك الدول، ففي ليبيا مثلاً تطمح روسيا أن يكون لها النصيب الأوفر في ثروات البلاد الباطنية وفي عقود إعادة الأعمار القادمة، وأيضًا في صفقات الأسلحة التي ينوي الجيش الليبي القيام بها بعد رفع الحظر الدولي عنه.
حفتر يتهاوى
استعانة حفتر بهذه الميليشيات الروسية جاءت نتيجة الضربات المتتالية والخسائر المتعاقبة التي تكبدتها قواتها في معركتها ضد العاصمة طرابلس، فبعد أن روج في بداية الحرب أن المعركة لن تتجاوز اليومين ها هي الآن تشرف على الشهر السادس لكن دون تقدم.
يأمل حفتر في الاستعانة بكل الدول التي تشاركه الهدف، لكسب معركة طرابلس، ولا تخفي روسيا كذلك دعمها الرسمي لحفتر، إذ تمده بالأسلحة والتدريب العسكري، وتوجد بالفعل نقاط تمركز للقوات الروسية في طبرق وبنغازي، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، ذكرت تقارير صحفية أن روسيا أرسلت العشرات من أفراد القوات الخاصة والمدربين العسكريين لدعم قوات حفتر وتدريبهم وإمدادهم بالأسلحة.
تلقت قوات حفتر خسائر كبرى منذ بداية الحرب على طرابلس
يذكر أن القوات العسكرية التابعة لحكومة الوفاق الليبية، تواصل تقدمها على حساب ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في محاور قتالية عدة، بعد أن كثف الطيران الحربي للوفاق ضرباته الجوية مستهدفًا الآليات العسكرية ونقاط تمركز قوات حفتر.
وكان حفتر قد أعلن في الـ4 من أبريل/نيسان الماضي، وقبل أكثر من شهر، بداية حملة عسكرية تستهدف العاصمة طرابلس التي توجد فيها حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا، فضلاً عن سفارات وبعثات الدول الأجنبية وهيئة الأمم المتحدة، وقال حينها إن احتلال العاصمة لن يستغرق أكثر من 48 ساعة إلا أنه فشل في ذلك، حيث لم يتمكن إلى الآن من إحراز أي تقدم يذكر.
لم يبق لقوات حفتر التي ترابط على تخوم العاصمة طرابلس منذ أكثر من 5 أشهر، إلا المناوشة واستهداف مواقع مدنية بينها مطار معيتيقة الدولي، بشكل متكرر كلما تلقت ضربة موجعة من قوات الوفاق الوطني.
هذه الخسائر المتتالية دفعت حفتر إلى الاستعانة بالمرتزقة من دول عدة، فضلاً عن الاستعانة بجنود فرنسيين والطيران الحربي المصري والإماراتي والمال السعودي، عله يعوض فشله المتواصل في تحقيق أي تقدم يذكر على حساب القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني، لكن ذلك لم يحصل إلى الآن.