يقوم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بزيارة عمل إلى الجزائر تدوم يومين بهدف تعزيز التعاون الثنائي في شتى المجالات، خاصة الاقتصادية التي جعلت الجزائر أول شريك للأتراك في إفريقيا وقطاعات متعددة.
منذ الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الجزائر في فبراير/شباط 2018، تعززت العلاقات بين البلدين خاصة الاقتصادية منها، غير أن الإجراءات الأخيرة تجاه الجزائريين بشأن التأشيرة فتحت نقطة للخلاف قد يتم تداركها في لقاء وزيري خارجية البلدين، وفي لقاء جاويش أوغلو مع الوزير الأول ورئيس الدولة عبد القادر بن صالح.
تقييم
أعلنت السفارة التركية بالجزائر أن جاويش أوغلو سيناقش خلال هذه الزيارة جميع جوانب العلاقات الثنائية التركية – الجزائرية، كما سيقوم بتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية، كما سيلتقي رجال الأعمال الأتراك في الجزائر.
تأتي أهمية هذه الزيارة كونها قد تصنف على أنها رسالة دعم من تركيا للسلطة الحاليّة في الجزائر بعد سقوط نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة
وأفاد بيان لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية أن “هذه الزيارة التي تندرج في إطار التشاور القائم منذ زمن بعيد بين الجزائر وتركيا سيسمح لرئيس الدبلوماسية الجزائرية ونظيره التركي بدراسة جميع جوانب العلاقات الثنائية والشروع في تقييم مرحلي للتعاون بين البلدين”. وبالنسبة للطرف الجزائري، فإن هذه الزيارة “ستشكل أيضًا فرصة للتشاور وتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.
ولفتت الخارجية الجزائرية إلى أن زيارة جاويش أوغلو تأتي في ظرف يعرف فيه التعاون والشراكة بين البلدين “دفعًا جديدًا وتنمية مستدامة في مختلف الميادين لا سيما في مجال الطاقة والحديد والصلب والنسيج”.
وتأتي أهمية هذه الزيارة كونها قد تصنف على أنها رسالة دعم من تركيا للسلطة الحاليّة في الجزائر بعد سقوط نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خاصة أن أنقرة احترمت المبادئ الجزائرية التي ترفض أي تدخل أجنبي في شؤونها.
مئات الشركات
قال جاويش أوغلو عقب نزوله بالمطار الدولي هواري بومدين أين كان في استقباله نظيره صبري بوقادوم: “تركيا تولي أهمية كبيرة لعلاقاتها مع الجزائر، ونحن نفتخر بوجود مئات من شركاتنا تعمل وتستثمر فيها، ونقدم جزيل الشكر للدولة الجزائرية للثقة التي وضعتها فيهم”.
تظهر أرقام الجمارك الجزائرية خلال الأشهر السبع الأولى من 2019، أن تركيا احتلت المركز السادس في قائمة الدول المصدرة نحو الجزائر بمبلغ وصل 1.446 مليار دولار بارتفاع بلغ 10.78% مقارنة بالفترة ذاتها من 2018
وفي 2018، خلال زيارة أردوغان إلى الجزائر، كشف الوزير الأول السابق أحمد أويحيى وجود نحو 800 مؤسسة تركية تعمل في العديد من القطاعات بالجزائر التي تعد البلد الرابع في العالم الذي حصلت فيه المؤسسات التركية على أكبر عدد من العقود لإنجاز مشاريع بمبلغ يقدر بنحو 3.5 مليار دولار سنة 2015.
وتظهر أرقام الجمارك الجزائرية خلال الأشهر السبع الأولى من 2019، أن تركيا احتلت المركز السادس في قائمة الدول المصدرة للجزائر بمبلغ وصل 1.446 مليار دولار بارتفاع بلغ 10.78% مقارنة بالفترة ذاتها من 2018.
وبلغت الصادرات الجزائرية نحو تركيا في 2018 ما قيمته 2.318 مليار دولار بزيادة بلغت 26%، في حين قدّرت وارداتها من أنقرة بـ2.310 مليار دولار بزيادة وصلت 14.78% مقارنة بـ2017.
ورغم وجود تركيا في الجزائر في عدة قطاعات، إلا أن استثمارها البارز يبقى ممثلاً في مصنع للحديد والصلب الذي أنجزته الشركة التركية الخاضعة للقانون الجزائري “توسيالي أيرون أند ستيل” بدائرة بطيوة بوهران غرب البلاد الذي تصل طاقته الإنتاجية لمليون و200 ألف طن سنويًا، وسيحقق مداخيل تصل مليار دولار عند دخول جميع وحداته العمل بشكل نهائي، إضافة إلى مصنع غزل القطن والنسيج بولاية غليزان غرب البلاد الذي تصل طاقة إنتاجه إلى 9 آلاف طن/سنة.
ووقع البلدان خلال زيارة أردوغان الأخيرة 7 اتفاقات شراكة وتعاون ومذكرات تفاهم تتمثل في بروتوكول تعاون بين جامعة سطيف ومعهد “يونوس أيمره” التركي لتطوير اللغة التركية بالجزائر، ومذكرتي تفاهم بين مجمع سوناطراك الجزائري الطاقوي والشركات التركية بوتاس ورونيسونس وباييجان الذي يتضمن بناء منشأة للبتروكيماويات في المنطقة الحرة بأضنة بتركيا تصل قيمته لمليار دولار.
تم التوقيع منذ بضعة أيام أيضًا على اتفاق بين سوناطراك والمؤسسة التركية “رونسانس” بشأن استثمار بقيمة 1.4 مليار دولار لإنجاز مركب لإنتاج مادة بولي بروبيلين
وستنتج هذه المنشأة 450 ألف طن من البروبلين سنويًا باستخدام مواد خام توردها الجزائر، مما سيخفض اعتماد بلاده على البتروكيماويات المستوردة من الخارج بنسبة 25%.
وتم التوقيع منذ بضعة أيام أيضًا على اتفاق بين سوناطراك والمؤسسة التركية “رونسانس” بشأن استثمار بقيمة 1.4 مليار دولار لإنجاز مركب لإنتاج مادة بولي بروبيلين.
وتمثلت الاتفاقات الأخرى في اتفاق تعاون في السياحة وبروتوكول تعاون لتثمين التراث الثقافي المشترك بين الجزائر وتركيا، ومذكرة تفاهم وتعاون في مجال الفلاحة، إضافة إلى مذكرة تفاهم وتعاون بين المعهد الدبلوماسي للعلاقات الدولية الجزائرية والأكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية التركية.
ورغم هذا التعاون المتواصل بين البلدين الذي يظهر شبه توازن في الميزان التجاري لمبادلاتهما الثنائية، يبقى دون مستوى الإمكانات التي يحوزانها ووزنهما الإقليمي، وكذا أقل من 10 مليارات دولار التي وعد أردوغان بتحقيقها مع الجزائر.
تقاطع وتنافر
إذا كان التعاون الاقتصادي بين البلدين يسير ضمن توافق مستمر، فإن المواقف السياسية للبلدين تتقاطع وتتباعد باختلاف القضايا، غير أن التصريح الذي أدلى به جاويش أوغلو يظهر نية تركيا في تقريب وجهات النظر الخلافية، خاصة بالنظر لحاجة كل طرف في دعم الآخر بالنسبة لعدة قضايا كسوريا وإفريقيا على سبيل المثل لا الحصر.
رغم حرص الجزائر أن تبقى على مسافة واحدة من الأطراف المتنازعة في ليبيا، فإنها تتفق مع تركيا في رفضها لما تقوم به مليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر
وقال الوزير التركي إن بلده “يصرّ دائمًا على أن تكون الجزائر في كل الاجتماعات الدولية”، مشيرًا في هذا الإطار إلى الدور “المهم” الذي تلعبه في حل الأزمة الليبية وكذا في المنطقة.
ورغم حرص الجزائر على أن تبقى على مسافة واحدة من الأطراف المتنازعة في ليبيا، فإنها تتفق مع تركيا في رفضها لما تقوم به مليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
وتستهجن الجزائر مثل أنقرة الدور الذي تقوم به تركيا والإمارات في ليبيا من خلال الدعم العلني لحفتر حتى ولم لن تعلن ذلك صراحة مثل تركيا، غير أنها لا تريد أيضًا دعم فصيل على حساب آخر.
لكن الخلاف يبقى بين الطرفين بشأن سوريا، بالنظر إلى أن الجزائر تبقى حتى اليوم على علاقاتها مع نظام بشار الأسد وترفض أي تدخل أجنبي في بلاد الشام حتى ولو كان من تركيا، في حين ترى الأخيرة أن الرئيس السوري سبب الأزمة في بلاده وتطالبه بالرحيل، بل إن الوجود التركي أصبح واقعًا في شمال سوريا لما تراه إدارة أردوغان حماية لأمنها القومي وللسوريين الذين استنجدوا بها.
غير أن هذا الاختلاف في وجهات النظر لم يؤثر على تنسيق البلدين في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، لذلك أكد جاويش أوغلو أن “الجزائر بلد مهم جدًا لهاته المنطقة وللعالم الإسلامي”.
الأكيد أن التعاون الثنائي بين البلدين لن يكون مرتبطًا فقط بنية الطرفين في تطويره فقط، إنما بالاستقرار الداخلي للبلدين
ويبدو أن المحافظة على التعاون بين البلدين في المجال السياسي والاقتصادي في هذا المستوى وتطوره يبقى مرهونًا بمدى تحرير تنقل الأشخاص، خاصة بعد أن عرفت العملية اهتزازًا في الأشهر الأخيرة، فرغم أن تركيا تعد الوجهة السياحية الثانية للجزائريين بعد الجارة تونس، فإن أنقرة باشرت هذا الشهر وضع شروط جديدة على الجزائريين للحصول على التأشيرة الإلكترونية من صنف “بي1” التي تشترط أن يكون طالب التأشيرة سنه أقل من 18 سنة أو أكثر من 35 سنة، مع ضرورة حيازته تأشيرة ذات صلاحية تخص فضاء “شنغن” وأخرى تخص فضاء دول الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وأيرلندا.
والأكيد أن التعاون الثنائي بين البلدين لن يكون مرتبطًا فقط بنية الطرفين في تطويره فقط، إنما بالاستقرار الداخلي للبلدين وبمدى استطاعتهما ربح التحديات الخارجية التي يواجهونها في محيطهما الإقليمي والدولي.