استهداف ناقلة النفط الإيرانية.. مخاوف من اشتعال أسعار النفط
حالة من الترقب تنتاب أسواق النفط العالمية في أعقاب تعرض ناقلة النفط الإيرانية “سابيتي” لهجومين صاروخين، أمس الجمعة، في إطار حرب الناقلات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ استهدف ناقلتي النفط في بحر عمان في الـ13 من يونيو/حزيران الماضي.
وبعيدًا عن التداعيات الأمنية لمثل هذه الخطوة التي من المتوقع أن يكون لطهران رد فعل عليها في أقرب وقت، فإنها في الوقت ذاته ستحدث ارتباكًا كبيرًا في أسعار النفط المتأرجحة بطبيعتها منذ تفجير معملي شركة أرامكو السعودية في الـ14 من سبتمبر الماضي.
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي قد أشار إلى أن الناقلة استهدفت مرتين في غضون نصف ساعة في شرق البحر الأحمر، محملاً مرتكبي هذه المغامرة الخطيرة – على حد وصفه – مسؤولية التبعات الناجمة عنها، منوهًا إلى أن التحقيقات التي أجرتها الشركة الوطنية الإيرانية لناقلات النفط، تبين أن هذه الناقلة أصيبت بأضرار إثر تعرضها فجر اليوم الجمعة إلى انفجارين على مسافة 60 ميلاً عن سواحل ميناء جدة السعودي في البحر الأحمر.
أضرار محدودة
تسبب استهداف الناقلة بصاروخين صباح الجمعة في تمام الساعة الخامسة والخامسة وعشرين دقيقة بتوقيت طهران (1:30 و1:50 دقيقة بتوقيت غرينتش) في تعرض الخزانين الرئيسين في الجهة اليمنى للناقلة لأضرار وخلفت حفرة بأبعاد نصف متر إلى متر ونصف في هيكل الناقلة ولم يتم تحديد مصدر الهجمات بعد، حيث يجري الخبراء والمختصون والأمنيون الدراسات اللازمة، وفق ما أعلنت العلاقات العامة والشؤون الدولية لشركة النفط الوطنية الإيرانية في تقريرها.
التقرير أكد أن “الناقلة لحسن الحظ لم تتعرض لحريق يذكر وأن جميع طاقم الناقلة في خير وأن الناقلة أيضًا هي في وضع تحت السيطرة بجهود طاقمها وتوجيه الخبراء الموجودين في غرفة الطوارئ للشركة الوطنية لناقلات النفط”، منوهًا إلى أنها غادرت المنطقة بسرعة بطيئة صوب مياه الخليج العربي بعد معالجة الآثار الناجمة عن الاستهداف.
العملية بهذه الطريقة تسعى لتقديم عدة رسائل للجانب الإيراني، على رأسها أن النفط الإيراني المصدر إلى سوريا، تحت المجهر الأمريكي رغم العقوبات
لم تكن هذه العملية الأولى ضد الناقلات النفطية الإيرانية، فبحسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي فإن: “في الأشهر القليلة الماضية، جرت أعمال تخريبية أخرى ضد ناقلات النفط الإيرانية في البحر الأحمر، حيث يجري حاليًّا إجراء تحقيقات عن الجهات الضالعة في هذه الحوادث”.
موسوى أعرب عن قلقه حیال التلوث الناجم عن تسرب النفط من صهاريج هذا الناقلة المتضررة، مؤكدًا أن كل المسؤولية الناجمة عن عواقب هذا العمل التخريبي ومن بينها التلوث البيئي الشديد في المنطقة، تقع على عاتق منفذي هذه المغامرة الخطيرة، مؤكدًا “سيستمر التحقيق عن التفاصيل والعناصر التي تقف وراء هذا الحادث الخطير، وسيتم إعلانها بعد التوصل إلى النتائج”.
أضرار ليست بالغة تعرضت لها الناقلة الإيرانية
رسائل
رغم عدم الإعلان رسميًا عن الجهة التي تقف خلف هذا الاستهداف، فإن البعض ذهب في تفسيره إلى مسؤولية أمريكية من الطراز الأول عن الحادث، حتى إن لم يكن بأيادي الأمريكان أنفسهم، إنما تم ذلك تحت رعايتهم وإشرافهم والحصول على الضوء الأخضر من البيت الأبيض.
الكاتبة هند الضاوي الصحفية المتخصصة في الشأن العربي، بوكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” ألمحت إلى بعد أمريكي في عملية الجمعة، معتبرة أنها تمت بدقة عالية، فالصاروخان لم يتسببا في إحراق السفية بالكامل ولا إلحاق الضرر بطاقمها كما جاء على لسان الشركة الوطنية الإيرانية مالكة الناقلة.
وأضافت في تحليل لها على صفحتها الرسمية على “فيسبوك” أن العملية بهذه الطريقة تسعى لتقديم عدة رسائل للجانب الإيراني، على رأسها أن النفط الإيراني المصدر إلى سوريا، تحت المجهر الأمريكي رغم العقوبات، ويمكن إيقافه في أي وقت إذا رغب البيت الأبيض، لافتة إلى تصريحات بومبيو خلال اليومين السابقين وتأكيده بأن السفينة الإيرانية التي احتجزت من قبل في جبل طارق أفرغت حمولتها في سوريا رغم التعهدات الإيرانية، ما يعكس تمهيدًا واضحًا لما حدث صباح اليوم.
بعد ساعات قليلة من إعلان وكالات الأنباء الإيرانية تعرض الناقلة “سابيتي” لهجومين صاروخين ارتفعت أسعار النفط أكثر من 2%
وهناك رسالة ثانية، تشير إلى أن الانسحاب الأمريكي من شمال سوريا والعملية العسكرية التركية على شمال شرق سوريا لن تشغل أمريكا عن ملفها الرئيسي “إيران”، كذلك التأكيد على اتفاق الغرب مجتمعًا على ضرورة الرد على استهداف أرامكو، حيث اتهمت الدول الثلاثة “بريطانيا وفرنسا وألمانيا ” إيران بمسؤوليتها عن الحادث بل وصل الأمر لتهديد سري من دول الترويكا لطهران بالانسحاب من الاتفاق النووي في نوفمبر القادم إذا أقبلت على تقليص التزاماتها مرة أخرى بالاتفاق النووي، ما يعني توافق غربي على أهمية الرد على استهداف ارامكو.
فيما تتمحور رسالة أخرى -بحسب الضاوي – إلى أنه رغم عدم تحديد الرد على استهداف طائرة الاستطلاع الأمريكية التي أسقطتها إيران، لكنه مدروس وموضوع بدقة مهما اختلفت الظروف والمعطيات، مختتمة حديثها بأن الرد الإيراني المنتظر يبقى هو المؤشر الفعلي على مستوى التصعيد في المرحلة القادمة مع وضع المظاهرات العراقية عين الاعتبار وما تبعها من إعلان إيران إرسال 7500 عنصر من القوات الخاصة الإيرانية لتأمين المناسبة الدينية الشيعية القادمة.
ارتفاع أسعار النفط
بعد ساعات قليلة من إعلان وكالات الأنباء الإيرانية تعرض الناقلة “سابيتي” لهجومين صاروخين ارتفعت أسعار النفط أكثر من 2%، وذلك وفق الأسعار الواردة أمس الجمعة، حيث ارتفع سعر مزيج برنت إلى نحو 60.5 دولار للبرميل، بينما صعد سعر خام تكساس الأمريكي إلى نحو 55 دولارًا.
وتشهد سوق النفط العالمية حالة من الارتباك خلال الأشهر القليلة الماضية، بداية من استهداف ناقلتي النفط في بحر عمان في الـ13 من يونيو/حزيران الماضي، الذي كان الشرارة الأولى لحرب ناقلات عالمية من الواضح أن رحاها ستدور فوق ملعب الشرق الأوسط، هذا الملعب الذي يبدو أنه سيكون ساحة كبرى للعديد من المعارك الجانبية، بعضها يحمل تغييرًا كبيرًا في خريطة المنطقة، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
الأمور تصاعدت بشكل متسارع في الـ4 من يوليو/تموز الماضي مع احتجاز القوات البحرية البريطانية لناقلة نفط إيرانية “غريس 1” بجبل طارق للاشتباه في تهريبها النفط إلى سوريا بما ينتهك عقوبات مفروضة من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي توعدت فيه طهران بالرد الحازم في أسرع وقت.
ارتفاع في أسعار النفط بعد استهداف الناقلة الإيرانية
وبالفعل وصلت الأوضاع إلى ذروتها بعد اتهام لندن لطهران باحتجاز سفينتين، إحداهما ترفع عَلم بريطانيا وأخرى ترفع عَلم ليبيريا في مضيق هرمز، التصرف الذي أثار غضب البريطانيين ومعهم الحليف الأمريكي الذي تعهد بالعمل مع حلفائه للتصدي لما وصفه “سلوك إيران الخبيث”.
ومع استهداف شركة أرامكو السعودية منتصف سبتمبر الماضي تعرضت سوق النفط العالمية لهزة عنيفة لم تتعرض لها منذ عقدين ويزيد، حيث صعدت أسعار النفط بصورة جنونية، إذ سجّل خام برنت أكبر مكسب بالنسبة المئوية خلال يوم منذ بداية حرب الخليج عام 1991، وقفزت العقود الآجلة لخام برنت ما يصل إلى 19.5% إلى 71.95 دولار للبرميل.
فيما قفزت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الأمريكي الوسيط لما يصل إلى 15.5% إلى 63.34 دولار للبرميل وهو أكبر مكسب بالنسبة المئوية خلال يوم منذ 22 من يونيو/حزيران 1998، وبحلول الساعة 0343 بتوقيت جرينتش صباح اليوم التالي لاستهداف المعملين، 15 من سبتمبر، ارتفع عقد الشهر المقبل إلى 59.73 دولار للبرميل بزيادة 4.88 دولار أو 8.9%.
وكانت الشركة السعودية قد قالت إن الهجمات خفضت إنتاج النفط بنحو 5.7 مليون برميل يوميًا، ولم تقدم الشركة إطارًا زمنيًا لاستئناف الإنتاج بالكامل، فيما كشف مصدر مطلع لـ”رويترز” أن العودة إلى الطاقة الإنتاجية الكاملة قد تستغرق أسابيع، فيما أشار آخرون أن الأمر قد يحتاج إلى عدة أشهر، وهو ما يعني استمرار الهزة في الأسعار لفترة ليست بالقصيرة.
حالة التأرجح في أسواق النفط يبدو أنها لن تهدأ في الوقت الراهن لأكثر من سبب، بعضها يتعلق بالمستجدات المتعلقة على الساحة الإقليمية، لكن يبقى رد فعل طهران على استهداف ناقلتها النفطية الأكثر ترقبًا لما يحمله من غموض ربما يلقي بظلاله على أسعار الطاقة برمتها.