ترجمة وتحرير: نون بوست
التقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالقادة السعوديين، خلال زيارته الأولى إلى الرياض منذ سنة 2007. وخلال المحادثات التي جمعت بينها، ناقش الطرفان الجوانب الرئيسية للأمن في الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد، تحتفظ روسيا بعلاقات متساوية مع مختلف الدول، مما يجعل وسائل الإعلام العالمية تتحدث عن الدور الفعال الذي تلعبه موسكو في المنطقة.
من جهته، استقبل الملك، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وابنه ولي العهد، محمد بن سلمان، الرئيس الروسي خلال زيارته إلى الرياض. ورافق الرئيس الروسي كلا من وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، ووزير التنمية الاقتصادية، ماكسيم أوريشكين، ووزير الصناعة والتجارة، دينيس مانتروف، ووزير الثقافة، فلاديمير ميدنسكي، ووزيرة الصحة، فيرونيكا سكفورتسوفا. بالإضافة إلى ذلك، ضم الوفد رئيس الشيشان، رمضان قديروف، الذي يحافظ على الكثير من الاتصالات غير الرسمية مع الرياض، ويُعرف بالعلاقات التي تجمعه مع السياسيين السعوديين رفيعي المستوى.
تحتاج موسكو إلى شراكة السعوديين، لا سيما وأن الرياض يمكن أن تصبح حليفا طبيعيا في إعادة إعمار سوريا، على الرغم من أنها غير راضية عن التواجد الإيراني في سوريا
وخلال الزيارة، وقع فلاديمير بوتين وسلمان بن عبد العزيز آل سعود على أكثر من 20 وثيقة، بما في ذلك ميثاق للتعاون الطويل الأجل بين البلدان المنتجة للنفط. وبشكل عام، أولي قدر كبير من الاهتمام بتنسيق الإجراءات وتبادل الآراء بين موسكو والرياض. ووفقا لما ذكره الرئيس الروسي، يعد الحفاظ على الاتصالات بين الجانبين عاملا ضروريا لضمان الأمن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما على خلفية تفاقم الوضع في سوريا، حيث شنت تركيا عملية ضد الميليشيات الكردية.
في الوقت نفسه، تحتاج موسكو إلى شراكة السعوديين، لا سيما وأن الرياض يمكن أن تصبح حليفا طبيعيا في إعادة إعمار سوريا، على الرغم من أنها غير راضية عن التواجد الإيراني في سوريا. علاوة على ذلك، أكد بوتين أثناء زيارته إلى المملكة أنه دون مشاركة الرياض، لا يمكن التوصل إلى تسوية عادلة وطويلة المدى لمختلف المشاكل التي يتخبط فيها الشرق الأوسط. وبشكل عام، عادة ما تُعقد الاجتماعات بين ممثلي السلطات الروسية والسعودية على منصات دولة ثالثة، حيث تعتبر الزيارة التي قام بها بوتين إلى الرياض الأولى من نوعها منذ سنة 2007.
في هذا الصدد، يرى المحلل البارز في معهد جولف ستيت أناليتيك، ثيودور كاراسيك، أن زيارة بوتين إلى المملكة العربية السعودية رمزية للغاية وتوضح تطور العلاقات بين موسكو والرياض. وعلى الرغم من اختلاف وجهات نظر البلدين في بعض المسائل، إلا أن أن آفاق العلاقات بين روسيا والمملكة العربية السعودية تتوسع خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، وإنتاج المواد الغذائية والطاقة.
تُعتبر المملكة غير متدخلة بشكل مباشر في الصراع السوري، غير أن خصمها الإقليمي، الذي تتهمه واشنطن بتنفيذ هجمات ضد مصافي النفط السعودية، يعمل بنشاط داخل سوريا
في الحقيقة، على الرغم من الاستقبال، الذي حظي به الرئيس الروسي، إلا أن الزيارة تمت في ظل مرور المنطقة بظروف عصيبة، فضلا عن قلق الطرفين إزاء الوضع في سوريا حيث تقوم تركيا حاليًا بعملية منبع السلام ضد الوحدات الكردية. والجدير بالذكر أن أنقرة تعتبر التشكيلات الكردية منظمة إرهابية وتخشى نمو نشاطها على حدودها الجنوبية. ومن هذا المنطلق، أدانت الولايات المتحدة الخطوة التي اتخذتها تركيا، مهددة بفرض عقوبات اقتصادية ضدها. فضلا عن ذلك، أدانت كل من واشنطن والرياض تصرفات أنقرة.
تُعتبر المملكة غير متدخلة بشكل مباشر في الصراع السوري، غير أن خصمها الإقليمي، الذي تتهمه واشنطن بتنفيذ هجمات ضد مصافي النفط السعودية، يعمل بنشاط داخل سوريا. وعلى الرغم من إعلان المتمردين الحوثيين اليمنيين الذين تقاتلهم المملكة العربية السعودية مسؤولية الهجوم على مصافي النفط في أيلول/ سبتمبر من العام الجاري، إلا أن الولايات المتحدة توجه أصابع الاتهام نحو طهران باعتبارها الداعم الرئيسي للحوثيين.
في هذا الإطار، أضاف كاراسيك قائلا “على الرغم من الموقف السلبي الذي تتخذه رياض تجاه إيران، بدأت موسكو وطهران في اتباع مناهج متقاربة إزاء الوضع في سوريا. كما يدرك كلا الطرفين الحاجة إلى تحقيق الاستقرار في سوريا، وأن الأسد باق على رأس السلطة، الأمر الذي يدفع بالبعض للتساؤل حول كيفية تفاعل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مع روسيا بشأن القضية السورية. في المقابل، يحاول الغرب أن يفرق بين الطرفين خاصة عندما يتعلق الأمر بإعادة إعمار سوريا”.
من المرجح أن تكون قضية التواجد العسكري الإيراني داخل سوريا من المواضيع التي طرحت على طاولة المحادثات بين بوتين والقادة السعوديين
إلى جانب ذلك، تهتم موسكو بدعوة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا. في هذا الصدد، حضر وفد من رجال الأعمال من دولة الإمارات العربية المتحدة في أحد المعارض التجارية في سوريا، ما يشير إلى أنه قبل اندلاع الحرب الأهلية كان لأبوظبي مشاريع بناء في سوريا. ومع ذلك، ترى الإمارات العربية المتحدة، وخاصة المملكة العربية السعودية أن الوجود العسكري لإيران في سوريا بمثابة مشكلة بالنسبة لها.
علاوة على ذلك، من المرجح أن تكون قضية التواجد العسكري الإيراني داخل سوريا من المواضيع التي طرحت على طاولة المحادثات بين بوتين والقادة السعوديين. وفي الوقت نفسه، تفاعلت الرياض بشكل إيجابي مع البيان الذي أصدره بوتين والذي أشار فيه إلى الحاجة إلى مغادرة القوات الأجنبية جميعا دون استثناء سوريا. إلى جانب ذلك، أشار الرئيس الروسي إلى أنه ناقش هذا الموضوع خلال العديد من المناسبات مع كل من الشركاء الإيرانيين والأتراك، وكذلك مع البعثة الأمريكية. وأفاد بوتين أنه في حال أعلنت سوريا عن عدم جدوى الوجود الروسي على أراضيها، ستغادر روسيا هذا البلد.
في وقت سابق، أعلنت الولايات المتحدة عن عزمها سحب أكثر من ألف جندي من قواتها العسكرية من سوريا. وعموما، يعود ذلك إلى رغبة رئيس البيت الأبيض، دونالد ترامب، في تقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط ككل. ومع ذلك، تعتبر الشراكة مع المملكة العربية السعودية أولوية بالنسبة لواشنطن. من هذا المنطلق، أكّد البنتاغون مؤخرًا نشر قوات إضافية داخل المملكة العربية السعودية.
بينما تحاول واشنطن إظهار قوتها، تبني موسكو علاقات جيدة مع كل من طهران والرياض، وتلعب دور الوسيط الإقليمي، بالنظر إلى زيادة ثقلها في المنطقة مؤخرا
وفقًا لممثلي الإدارة العسكرية، أذن رئيس البنتاغون، مارك إسبر، بإرسال قوات عسكرية أمريكية إضافية، فضلا عن سربين من المقاتلات ومنظومة ثاد إلى الرياض. كنتيجة لذلك، سيناهز العدد الجملي للجيش الأمريكي المتواجد في الرياض حوالي ثلاثة آلاف جندي، وذلك لصد الهجمات وتقليص النفوذ الإيراني.
في الواقع، بينما تحاول واشنطن إظهار قوتها، تبني موسكو علاقات جيدة مع كل من طهران والرياض، وتلعب دور الوسيط الإقليمي، بالنظر إلى زيادة ثقلها في المنطقة مؤخرا. ومن جهتها، ذكرت وكالة رويترز أن “زيارة بوتين إلى المملكة العربية السعودية تظهر تأثيره المتنامي في الشرق الأوسط”.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال الزيارة، أدلى بوتين بتصريح ذكر فيه أنه من غير الضروري تحديد المسؤولين عن الهجوم على مصافي النفط في المملكة العربية السعودية، مشيرا إلى عدم امتلاك المخابرات الروسية ووزارة الدفاع معلومات موثوقة حول هذه المسألة.
المصدر: غازيتا