تواجه الحكومة المغربية الجديدة بقيادة سعد الدين العثماني، تحديات عديدة أبرزها مسألة التنمية، فالمغاربة يأملون أن تجد هذه الحكومة “المصغّرة” حلولاً كفيلة بإنقاذ بلادهم وتحقيق التنمية الغائبة منذ عقود عن معظم مناطقها وإزالة الفوارق الاجتماعية في المملكة.
تعديل حكومي
تضم الحكومة الجديدة المعلنة في المغرب، الأربعاء الماضي، 23 وزيرًا (4 نساء) بعد أن كانت 39 وزيرًا، لتكون بذلك الأصغر في تاريخ المغرب السياسي الحديث، وذلك بعد تجميع عدد من القطاعات الوزارية وحذف كتابات الدولة وهي قطاع حكومي أقل من الوزارة يكون تحت مسؤولية وزارة ما، وتضم الهيكلة الجديدة 18 وزارة وخمس وزارات منتدبة وهي “وزارة ملحقة” بوزارة رئيسة.
هذه النسخة الجديدة غيّرت توزيع الحقائب بين الأحزاب المكونة لها، فقد أصبحت الحكومة موزعة بين 7 حقائب وزارية لحزب “العدالة والتنمية”، منها رئاسة الحكومة، و4 حقائب وزارية لحزب “التجمع الوطني للأحرار”، وحقيبتان وزاريتان لحزب “الحركة الشعبية”، وحقيبة واحدة لكل من حزبي “الاتحاد الاشتراكي” و”الاتحاد الدستوري”. في المقابل، أصبح الوزراء غير المنتمين إلى الأحزاب السياسية يشكلون أكبر كتلة داخل الحكومة، بحيازتهم 9 حقائب تتضمن أهم القطاعات السيادية.
يشهد المغرب في السنوات الأخيرة موجة احتجاجات وتحركات، بداية من حراك الريف، حيث تشهد مدن الشمال احتجاجات متواصلة للمطالبة بالتنمية ورفع التهميش ومحاربة الفساد
التشكيلة المعدلة تضمّ 6 وزراء جدد، وباستثناء وزارة العدل، احتفظ وزراء القطاعات السيادية والقطاعات الاقتصادية (المالية والفلاحة والصناعة) بمناصبهم، ويعود تاريخ الحكومات المصغرة في المغرب إلى فترة ما بعد الاستقلال بين منتصف الخمسينيات والستينيات، حيث كان عدد أعضاء الحكومة حينها يتراوح بين 11 و20 وزيرًا.
وضع عام استثنائي
يعتقد الخبير المغربي في المجال السياسي رشيد لزرق أن “المرحلة الدقيقة التي تمر بها المملكة المغربية تندرج في إطار الوضع العام الاستثنائي الذي نعيشه، خاصة على مستوى الاحتقان الاجتماعي الذي عرفته العديد من الجهات، ويعتبر انعكاسًا طبيعيًا لعسر التحول على صعيد جميع المستويات”.
هذا الاحتقان الاجتماعي، يقول لزرق في تصريح لنون بوست: “يكاد يكون أمرًا طبيعيًا يوضح عسر التحول من أجل تكريس الخيار الديمقراطي، فالاحتجاجات الشعبية إفرازات طبيعية، للفجوة الكبيرة بين انتظارات المواطن في تنزيل الحقوق الدستورية الجديدة، وفشل حكومة العثماني في ذلك”.
تتميز المغرب بتفاوت طبقي كبير
يشهد المغرب في السنوات الأخيرة موجة احتجاجات وتحركات، بداية من حراك الريف، حيث تشهد مدن الشمال احتجاجات متواصلة للمطالبة بالتنمية ورفع التهميش ومحاربة الفساد، وصولاً إلى احتجاجات منطقة “جرادة”، مرورًا بـ”حراك العطش”، في مدينة زاكورة، للمطالبة بتوفير الماء الصالح للشرب في المنطقة التي تعاني منذ فصل الصيف نقصًا شديدًا في المياه، فضلاً عن الانقطاع المتكرر، واحتجاجات الأساتذة المتعاقدين واحتجاجات الأطباء.
تفاوت طبقي وتوزيع غير عادل للثروة
المتأمّل لاقتصاد المغرب، يرى نجاحات كبرى خاصة في السنوات الأخيرة، فقد تمكنت المملكة، خلال العقدين الماضيين، من مضاعفة ناتجها الإجمالي من 41.6 مليار دولار عام 1999 إلى 121.4 مليار عام 2019 لتصبح بذلك القوة الاقتصادية الخامسة في إفريقيا، كما تحولت إلى واحدة من أكثر الدول جذبًا للاستثمار في القارة السمراء.
غير أن هذه النجاحات لم ير الكثير من المغاربة منها شيئًا، فلا عائدات ولا فوائد مباشرة على حياتهم اليومية، فالمظاهر السلبية ما زالت منتشرة على غرار البطالة، وخاصة عند فئة الشباب التي تعتبر أكبر الفئات في المجتمع المغربي.
نجح المغرب في جلب الاستثمارات وتطوير الاقتصاد لكنه فشل في تحقيق التنمية العادلة، فالفقر زاد والتهميش ارتفع والعوز والفوارق البنيوية بين المدينة والبادية، المركز والهوامش، ازدادت حدّتها وبلغت مستويات قياسية.
ويعود هذا التفاوت إلى النموذج التنموي الذي تعتمد عليه المملكة المغربية، فقد كان هذا النموذج بمثابة الحاجز أمام عمليات التنمية، فما فتئ يكرس الفوارق الاجتماعية والطبقية والمجالية، ويولد الإقصاء والتفقير في حق عدد مهم من مواطني المملكة.
للفساد نصيب
ارتفاع حدة الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء والتفاوت الحاصل بين الجهات على المستوى الاقتصادي في المغرب رغم السياسات التي تستهدف الفئات الهشة والدعوات المتكررة إلى توزيع عادل للثورة بين الجهات، يرجع في جزء كبير منه إلى الفساد المنتشر في قطاعات كبرى في المملكة.
وأسهم الفساد في المغرب في تكوين مجموعات مالية مرتبطة بالسلطة السياسية استحوذت على خيرات البلاد، وكانت تقارير سابقة قد أكّدت أن “فئة اجتماعية قليلة مقربة من دوائر القرار السياسي في المغرب هي الوحيدة التي استفادت من الثروة التي أنتجها المملكة في العشرية الأولى للقرن الـ21، فيما لم يتم توزيع هذا الكم من الإنتاج بشكل عادل بين كل فئات المجتمع”
وتتمثل مظاهر الفساد مثلاً في التهرب الجبائي، ويؤدّي التهرب الضريبي للمقربين من السلطة وإعفاء كبار رجال الأعمال والفلاحين من دفع الضرائب مقابل فرضها على الفقراء في مزيد من اتساع رقعة الفوارق الاجتماعية في المملكة.
يتطلّب وضع المغرب الكفّ عن الترقيع السياسي الذي يؤجج التحركات الاجتماعية ويوسع من رقعتها يومًا بعد يوم، والتوجّه نحو تقديم الحكومة للحلول البديلة
حل المغرب في المرتبة الـ73 من أصل 180 دولة في التصنيف الدولي لمؤشر مدركات الفساد لعام 2018 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، وترتكز منظمة الشفافية الدولية في تصنيفها للدول على بيانات مرتبطة بسلوكيات الفساد كالرشوة واختلاس المال العام واستغلال السلطة لمصالح شخصية والمحسوبية في الخدمة المدنية.
كما تقيس بعض البيانات الآليات الموضوعة لمكافحة الفساد مثل آليات محاسبة المسؤولين الفاسدين، وقدرة الحكومة على تطبيق آليات تعزز النزاهة، ووجود قوانين كافية بشأن الإفصاح المالي ومنع تضارب المصالح.
يرى العديد من المغاربة أن محاربة الفساد ضرورة مركزية، دونها لا مجال لتفعيل الإصلاح الذي يتم عبر تكريس قيم الحكامة الجيدة، ومواجهة كل أشكال العبث الحكومي بأحكام الدستور، فالسياسات العمومية توضح أن أحزاب التحالف الحكومي، ولأكثر من 7 سنوات، نجدها عاجزة عن مواجهة هذه المعضلة، وفق قولهم.
الدخول في مرحلة التنمية الحقيقية
يرى الخبير المغربي رشيد لزرق، أن إيجاد حلول حقيقية للأزمة الاجتماعية المتصاعدة في البلاد على خلفية المطالبة بالتنمية والعمل، يفترض تكاتف جهود الجميع للدخول في مرحلة التنمية الحقيقية، عملاً بتوصيات الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير.
وكان العاهل المغربي محمد السادس قد أعلن في خطاب بمناسبة الذكرى العشرين لجلوسه على العرش في أغسطس/آب الماضي هذا التعديل الحكومي، بهدف “تجديد مناصب المسؤولية”، وتعهد بتدشين مرحلة جديدة قوامها: المسؤولية والإقلاع الشامل، مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة، كما أعلن إحداث لجنة سيعهد إليها صياغة نموذج تنموي جديد.
واعتبر محمد السادس حينها أن “نجاح هذه المرحلة الجديدة يقتضي انخراط جميع المؤسسات والفعاليات الوطنية المعنية، في إعطاء نفس جديد لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا، كما يتطلب التعبئة الجماعية، وجعل مصالح الوطن والمواطنين تسمو فوق أي اعتبار، حقيقة ملموسة، وليس مجرد شعارات”.
ويؤكّد رشيد لزرق ضرورة مراجعة حكومة العثماني في نسختها الثانية سياساتها الإستراتيجية، وتكوين أغلبية مسؤولة تعمل على رفع إنجازاتها حتى تصير في مستوى انتظارات الشعب وحتى تقوم بتكريس بعد اجتماعي في سياساتها العمومية يعمل على التأسيس لمغرب صاعد.
تواصل التهميش في المغرب
هذا الأمر يتمّ، وفق الخبير المغربي، عبر اعتماد نموذج تنموي، يستجيب لمطالب المغاربة في التشغيل والعدالة الاجتماعية، وعبر الاستثمار العمومي ومواجهة الاقتصاد غير المهيكل وتكريس عدالة ضريبية وإعادة توزيع الدخل الوطني.
وكان التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي لعام 2019 بشأن الاقتصاد المغربي قد دقّ ناقوس الخطر بتأكيد ضرورة “التوجه نحو نموذج تنموي أكثر استيعابًا للمواطنين يكون مبنيًا على القطاع الخاص، مع العمل على تقليص الفوارق الاجتماعية وحماية الفئات الأكثر هشاشة”.
انطلاقًا مما قلنا نرى أن وضع المغرب يتطلب الكفّ عن الترقيع السياسي الذي يؤجج التحركات الاجتماعية ويوسع من رقعتها يومًا بعد يوم، والتوجّه نحو تقديم الحكومة للحلول البديلة والكفيلة لوقف هذا الانحدار، فالوضع بات مقلقًا وعلى صفيح ساخن، وقابل للانفجار في أي وقت.