مساء الثلاثاء الماضي، تداولت عدد من وكالات الأنباء خبرًا عن زيارة سرية يقوم بها أمير قطر إلي العاصمة التركية أنقرة، ومع اشتعال الوضع السياسي في المنطقة، قالت مصادر تركية إن وزيري الخارجية أحمد داود أوغلو والطاقة تانر يلديز ووكيل وزارة الخارجية فريدون سينرلي أوغلو، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ومستشار رئاسة الوزراء إبرهيم كالين شاركوا في الاجتماع.
وتطرقت المحادثات – بحسب صحيفة النهار اللبنانية – إلى الأزمة السورية والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة والتطورات الجارية في العراق بعد زيادة نفوذ تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وفي هذا الإطار، نقوم في نون بوست بترجمة ورقة سياسات صغيرة أعدها مركز ستراتفور الاستخباراتي ونشرها بتاريخ 8 يناير 2013، ورغم التغير الجذري في موازين القوى في المنطقة على مدار الثمانية عشر شهرًا الأخيرة، إلا أن الورقة تحاول رسم العلاقات المتشابكة بين أنقرة والدوحة في إطار المصالح الإقليمية المشتركة.
ترجمة وتحرير نون بوست
مع ازدياد عدد الدول العربية المشغولة في التعامل مع الاضطرابات السياسية الداخلية، ومع افتراض صعود إيران كقوة ذات أهداف دفاعية، تبرز تركيا وقطر باعتبارهما الجهتين الفاعلتين الأكثر انشغالاً بالسياسة الخارجية في المنطقة، كلا الدولتين تواجهان قيودًا فريدة وثقيلة لتحجيم طموحاتهما في السياسة الخارجية، إلا أن هناك عدد من المصالح المشتركة يمكن أن يرسم توجهات الدولتين معًا، حيث تحاول كل منهما أن تبسط نفوذها في مناخ جيوسياسي يتغير بسرعة.
تركيا وقطر لديهما العديد من الأهداف المتقاطعة في الآونة الأخيرة، فبعد تمديد عقد لتصدير الغاز المسال مع الجزائر، والعمل على المزيد من صفقات الطاقة مع الليبيين، طار وزير الطاقة التركي “تانر يلدز” إلى الدوحة صباح الإثنين الماضي لمناقشة احتمال توقيع عقد طويل الأجل لتزويد تركيا بالغاز المسال، ناقش يلدز ونظيره القطري مقترحًا قطريًا لمساعدة تركيا في بناء محطة ثالثة للغاز المسال على ساحل بحر إيجة، بالقرب من الحدود التركية مع بلغاريا واليونان.
وبينما كان يلدز في الدوحة، كان أمير قطر السابق “حمد بن خليفة آل ثاني” في زيارة رسمية إلى الجزائر لتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون، لاحقًا، قام رئيس الوزراء القطري “حمد بن جاسم آل ثاني” بزيارة رسمية إلى القاهرة يوم الثلاثاء، حيث التقى بحكومة الإخوان المسلمين ووعد بمدهم بمساعدة قدرها 2 مليار دولار لمنع حدوث انهيار اقتصادي في مصر، كما أن مصر تتوقع قسطًا لقرض آخر من تركيا يبلغ 500 مليون دولار في نهاية يناير، وهذا ربما يساعد مصر على كسب الوقت للتفاوض على قرض 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي على الرغم من الشروط المؤلمة.
للوهلة الأولى، ليس لدى تركيا وقطر أي من القواسم المشتركة، تركيا التي تقف على مفترق الطرق بين أوروبا وأسيا، هي بلد متعطشة للطاقة، لديها 73 مليون نسمة واقتصادها يحتل المرتبة السابعة عشرة بين أكبر اقتصادات العالم، ولديها قرون من الخبرة باعتبارها مهد الخلافة العثمانية.
أما قطر فهي شبه جزيرة صغيرة لا تحتوي على أكثر من 2 مليون نسمة (نحو 20٪ منهم فقط هم من المواطنين القطريين)، لديها احتياطيات وفيرة للطاقة، وقد تأسست كدولة مستقلة منذ أربعة عقود، وعلى الرغم من الفارق الكبير بين قطر وتركيا إلا أن هناك العديد من العوامل التي ترسم السياسات المشتركة لكلا البلدين.
العامل أو الرابط الأكثر وضوحًا هو الطاقة، تركيا تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الغاز الروسي، في حين أن إيران كمورد للغاز، لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير، استهلاك الطاقة في تركيا يتنامى ويمنعها من الهرب من قبضة روسيا، لكنه يؤدي بتركيا أيضًا أن تنوع إمداداتها من الطاقة.
وبالتالي فإنه ليس من المستغرب أن وزير الطاقة التركي كان مشغولاً بجولة شمال أفريقيا والاجتماع مع المسئولين القطريين لتأمين عقود الغاز المسال على المدى الطويل، قطر من ناحيتها لا يوجد لديها أي نقص في عملاء الغاز الطبيعي، لكنها تبحث عن عملاء على استعداد لتوقيع عقود طويلة الأجل لتحل محل الصفقات الفورية، هذا من شأنه أن يسمح للدوحة بأن تكبر حصتها السوقية من السوق شديدة التنافسية للغاز، القطريون والأتراك يضعون اللمسات الأخيرة على شروط عقد بيع الغاز، لأن هناك عدد من الاعتبارات التجارية يجب النظر فيها، لكن هذه العلاقة لديها القدرة على تجاوز التجارة والطاقة لتصبح شراكة استراتيجية أكثر فأكثر.
كل من تركيا وقطر لديهما أجندات طموحة للغاية في السياسة الخارجية، تركيا تسعى لاستعادة نفوذها في المجال العثماني السابق، والمشاركة مع إيران في تحقيق توازن قوى في المنطقة، قطر تسعى لتحقيق توازن مع جيرانها الأكبر، فقطر تقع بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهي تحاول شراء النفوذ الإقليمي بعائداتها من بيع الطاقة، وكلا البلدين – تركيا وقطر – تعملان في نفس المناطق، فقد كانت تركيا وقطر من أشد المؤيدين للإخوان المسلمين في مصر، وللثوار السوريين، ولحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين، كلا الدولتين لديهما علاقات متوترة مع إيران، لكنهم يخففون من حدة هذا التوتر بمساعدة الإيرانيين بهدوء شديد على الالتفاف حول العقوبات الدولية، لأسباب متفاوتة، الدولتين يحاولان أن يضعا بصمة في سوق الطاقة في شمال أفريقيا وفي المساعدة في تشكيل الحكومات بعد الربيع العربي.
لكن لا يمكن تجاهل القيود التي تواجهها الدولتين: فما زالت هناك جذور استياء لتوغل الإمبراطورية العثمانية في العالم العربي، والحكومات العربية – حتى الإسلامية منها – لا تستمتع كثيرًا بالاستماع للتوجيهات التركية، كما أن هناك مشكلة تركية أزلية يمكن استخدامها مثل “كعب أخيل” من قبل خصومها، وهي المنطقة الكردية في الجنوب الشرقي للبلاد.
قطر، على الناحية الأخرى، لديها الكثير من المال لإنفاقه، والكثير من موارد الطاقة لتقدمها، لكنها تجد صعوبة في ترجمة هذه العلاقات إلى نفوذ فعلي، خصوصًا أن سياستها الخارجية – بالتعريف – تنحي جيرانها الكبار في السعودية أو الإمارات أو الكويت.
لكن علاقات الدوحة مع حكومة الإخوان المسلمين في القاهرة تعطي الدوحة نفوذًا كبيرًا في تفاعلاتها مع السعودية، وبالمثل، يمكن لتركيا محاولة استغلال الإخوان المسلمين في مصر وسوريا والأردن وفقًا لمصالحها الاستراتيجية وغير بعيد عن القيم الإسلامية التي يؤمن بها الطرفين (تركيا والإخوان)، لكن السؤال عما إذا كان سيتم قبول ذلك بين العرب وخاصة المصريين.
يمكن القول إن هناك نوع من التآزر يتطور تدريجيًا بين أنقرة والدوحة، وعلى الرغم من أن كليهما يواجهان تحديات كبيرة، إلا أن قطر يمكنها أن تستفيد من وجود قوة إقليمية كبيرة مثل تركيا كحليف، أما الأتراك فإنها ستستفيد من وجود شريك عربي في المنطقة يضخ الودائع بالدولار ولديه ذراع إعلامي شديد القوة وله إسهام كبير في تشكيل تصورات العرب عن السياسة وعن العالم.
وبدلاً من أن يشكل كل من البلدين تهديدًا للآخر، ترغب تركيا وقطر في العمل معًا ضد نفس المنافسين الإقليميين، هناك مصالح مشتركة لكلا البلدين في سوريا وليبيا ومصر، ويمكنهما أن يستكشفا سويًا سبل التعاون في مجال الطاقة، على الرغم من أنه لن يمكن القضاء على كل التحديات بين البلدين، إلا أن علاقة العمل الناشئة بين الدوحة وإسطنبول يمكنها تعزيز المصالح المتداخلة في السياسة الخارجية.