استفقت من نومي على هذا الكابوس الذي فتح مصراعيه على عقلي ووجداني حتى وصل إلى أن ينغص عليّ منامي، فمنذ ظهور التنظيم في سوريا ثم العراق، وبعد إعلان الخلافة المشوه لتنظيم الدولة بعد السيطرة المفاجئة على مناطق واسعة في العراق؛ بدأت المخاوف تصيبني من انتشار الفكر الداعشي في منطقة الشرق الأوسط كله.
ورغم أن المراقبين يقولون إن جاذبية التنظيم خارج العراق أقوى وأكبر الآن بعد ما حدث في مصر وليبا وغزة إلا أن الأستاذ يزيد الصايغ – الخبير فى مركز كارنيجى للشرق الأوسط – يرى عكس ذلك حيث قال فى مقاله “داعش خلافة إسلامية عالمية أم دويلة إسلامية”: “لكنّ الحقيقة هي أن التنظيم يتبع مسارًا قديمًا وباليًا للاستيلاء على السلطة وتوطيدها في المساحة الجغرافية المحدودة لدولة قطرية واحدة، حيث توجد حاضنته الاجتماعية الحقيقية، يقيّد هذا آمال تنظيم داعش باكتساب عمق استراتيجي أوسع، ويكذّب مزاعمه بأنه يمثّل الأمة الإسلامية في العالم، ناهيك عن ممارسة سلطة ذات مغزى عليها، وعلى الرغم من الدراما المذهلة لتقدمه السريع في العراق في حزيران/ يونيو الماضي، يبدو الواقع أكثر براغماتية؛ فقد أحرز تنظيم داعش تقدمًا في بيئته الطبيعية وصل الآن إلى حدوده القصوى، فالعراق هو المكان الذي بقي فيه التنظيم على قيد الحياة بعد هزيمة التمرّد السنّي في الفترة 2006 – 2008، ثم انبعث لاحقًا، وهو المكان الذي سيتقرّر فيه مصير دولته الإسلامية”.
وتولد لديّ تخوف رهيب من انتشار الفكر الداعشى في مصر عامة وبين أبناء التيار الإسلامي – الذي كان يوصف بالوسطي – خاصة وذلك لتوافر بيئة خصبة وتربة ملائمة لنمو هذا التيار الداعشي، وتظهر بوادر هذا التخوف وملامحه في الآتي:
(1) الانقلاب العسكري المجرم على أول تجربة ديمقراطية وليدة في مصر أطاحت برئيس جمهورية منتخب وعصفت بأحلام وطموحات جيل كامل في بناء أمة ناهضة قوية .
(2)انتشار الظلم والطغيان وسفك الدماء وانتهاك الحرمات واعتقال الشرفاء مع عدم القصاص من قتلة الثوار ومغتصبي النساء.
(3)الإحساس المنتشر بين أبناء التيار الوسطي بخيبة الأمل واليأس ممزوجًا بالمظلومية وحالة الكربلائية وارتداء ثوب الضحية المستضعفة وإجادتها على طول الخط.
(4) الدور المخابراتي الداخلي والخارجي في خنق الحالة الثورية وتأزيمها وتوجيهها نحو المشهد السوري.
(5) الدور الدولي والإقليمي في رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وترسيم حدوده وتقسيم المقسم فيه.
(6) كثرة أعداد المصريين المنضويين داخل تنظيم داعش في سوريا والعراق وأغلبهم من الشباب المتعلم المثقف والذي كان يحيا حياة طبيعية وليس بها منغصات معيشية وشوائب حياتية.
(7) المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي والراصد لحركة الثوار واتجاهاتهم يجد ترحيب كبير واستقبال شرس لأخبار داعش ونوادرهم وإظهار محاسن مواقفهم مع حاضنتهم الشعبية وترويجها وفرحهم بداعش وبما يفعلونه فى الأنظمة المستبدة.
ويؤكد هذا الكلام ما قاله الأستاذ “يزيد الصائغ” في نفس المقال السابق عن تنظيم داعش ودوره في ترسيخ مفهوم دولته وكسب حاضنته الشعبية: “يدعم تنظيم داعش البعد الرمزي للدولة بأشكال أخرى من أعمال بناء الدولة، ففي سورية، اهتم أكثر من معظم منافسيه المتمرّدين السوريين، وفعل ذلك بقدر أكبر من النجاح، بإدارة المناطق الخاضعة إلى سيطرته، وضمان توفير الخدمات الأساسية والاحتياجات المعيشية وتنظيم الأسعار ونقل عائدات صادراته النفطية ومصادر دخله الأخرى عند الحاجة، أما في العراق، فقد ترك هذه المهام لشركائه السنّة، بينما احتفظ بالإشراف على شئون السياسة والأمن وإقامة العدل وفقًا لتصوّره للشريعة”.
(8) استمرار سفك الدماء وقتل الأبرياء واعتقال الشرفاء وسرقة الأحلام والأمنيات والأوطان.
(9) انسداد الأفق السياسي والحلول الثورية مع غياب الرؤية وعجز القيادة وجلد الظالم وفجره.
وحتى يكتمل المشهد ذكرت في مقال بعنوان “الجهاد الربانى والجهاد الداعشي” على موقع نون بوست، خطورة الفكر الداعشي على الأمة وعلى جهادها الرباني والرسالي وذكرت فيه مثالب هذا الفكر وعواره على إجمال.
فلقد ظلم الجهاد كما ظلم الإسلام مرتين مرة من أبنائه ومرة من أعدائه، وظلم الأعداء للجهاد طبيعي ومنطقي، لكن أن يظلم الجهاد من أبناء الأمة الإسلامية فهذا غير المنطقي وليس طبيعى – سواء من يحملون راية الجهاد المسلح أو من من يحملون راية الجهاد السلمي – وهنا لا نذكر دور التيار السلفي المستنعج من قبل الطواغيت والدكتاتورية العسكرية وأكواخ المخابرات وكهوف أمن الدولة.
فالجهل والغرور واتباع الهوى وعبادة الأمراء والتنظيمات وخلق الأصنام الجهادية والتضليل الإعلامي وترديد الشائعات ونشرها من أهم أعراض تشويه صور الجهاد الإسلامي وتنفير الناس وتأخير الدعوة ومحاربتها في كل مكان.
وهنا لابد من توضيح مهم هو أنني لست ضد الجهاد أو الكفاح المسلح المنظم، لكني ضد الفوضى وسرقة الثورة وتوتير المشهد المصرى وتحويله للمشهد السوري.
فأنا مع الثورة المؤلمة الموجعة لكنها في ذات الوقت الواعية الفاهمة للواقع في صورته الكلية، فالتصفية الجسدية للقتلة والمجرمين ومغتصبي النساء وتكوين مجموعات ردع لحماية المتظاهرين وكأنياب حقيقية مؤلمة لأعداء الثورة والثوار.
أما ما يحدث من حمل سلاح أهوج وغير منظم وتكوين مليشيات ومجموعات وكتائب مسلحة مراهقة مثل ما حدث فى جنوب حلوان فهذا يضر بالرزمة الثورية كلها فضلاً عن إضرارها بمفهوم الجهاد ورساليته وتشويه الدين الإسلامي وصفحاته الناصعة البيضاء.
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ