أقل من شهر ونصف تفصل الجزائريين على موعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة، انتخابات لم يترشّح لها أي من الشخصيات المحسوبة على الحراك الشعبي أو القريبة منه، واكتفى بالترشّح لخوض غمارها رموز نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، كأننا في إعادة رسكلة للنظام الذي يسعى المحتجون لإسقاط كلّ رموزه منذ فبراير/ شباط الماضي.
في هذا التقرير سنتعرف على هؤلاء المرشحين الساعين إلى شغل منصب رئيس الـ 11 للجزائر منذ تأسيسها والتاسع منذ الاستقلال.
5 مرشحين
من بين 143 مرشحًا تقدموا للانتخابات الرئاسية، تم النظر في ملفات 23 مرشحًا ممن استوفوا شروط السباق الرئاسي، إلا أن القائمة النهائية للمرشحين ضمّت 5 مرشحين فقط، وفق رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي.
ومثّل عدم اكتمال نصاب توكيلات المواطنين السبب الأول في إسقاط أغلب الملفات الأخرى، وفق محمد الشرفي، حيث يشترط جمع خمسين ألف استمارة موقعة من قبل مواطنين مسجلين في القوائم الانتخابية، على أن تكون موزعة على 25 ولاية من أصل 48 ولاية في الجزائر.
ووفق قانون الانتخاب، يتعين على الراغب في خوض سباق الرئاسة تقديم ملف يضم إلى جانب الشروط التقليدية للترشح، 50 ألف توكيل من المواطنين إلى سلطة الانتخابات خلال 40 يومًا من صدور مرسوم دعوة الناخبين إلى الاقتراع (تحديد تاريخ الانتخابات).
يعتبر تبوّن، المرشح الأول للنظام أو بالأحرى الطائفة المدافعة لما تبقى من النظام، ذلك أنه الابن المطيع لبوتفليقة
سبق أن أعلن الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح أن الانتخابات الرئاسية ستجرى في 12 من ديسمبر/كانون الأول المقبل، ليتوافق مع التوقيت الذي كان قد اقترحه رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الماسك بزمام الأمور في البلاد.
جدير بالذكر أن الجزائريين كانوا قد أسقطوا الانتخابات التي كانت مبرمجة في 18 من أبريل/نيسان 2019، نتيجة اعتزام بوتفليقة الترشح لها، كما أسقطوا الانتخابات التي كانت مزمعة في 4 من يوليو/تموز الماضي، وكان سبب إلغاء الانتخابات في يوليو/تموز، رفض أغلب الشخصيات الوطنية والأحزاب السياسية المشاركة فيها ومقاطعتها من طرف الحراك الشعبي.
عبد المجيد تبون.. الابن “البار” للنظام
تضم قائمة المرشحين لهذا الاستحقاق الانتخابي الذي ظلت قيادة المؤسسة العسكرية تتعجله تجنبًا لأي عملية انتقالية خارج إطار الدستور، كما تقول، رئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبون.
ويرى القابضون على السلطة في الجزائر في ابنهم “البار” عبد المجيد تبون، أحد أبرز الشخصيات التي يمكن لها أن تعيد رصّ صفوف النظام المتهالك دون الخوف من تغوّله واللعب لمصلحته، في هذه الفترة الحرجة التي تمرّ بها البلاد.
يعتبر تبوّن، المرشح الأول للنظام أو بالأحرى الطائفة المدافعة لما تبقى من النظام، ذلك أنه الابن المطيع لبوتفليقة، حيث تبوأ في عهده عددًا من المناصب المهمة، ابتداء بشغل منصب وزير السكن والعمران عام 1999 ووزيرًا للاتصال عام 2000، وعاد لوزارة السكن والعمران عامي 2001 و2002، وهو نفس المنصب الذي تبوأه منذ عام 2012، قبل أن يتم تعيينه مكلفًا بمهام وزير التجارة بالنيابة سنة 2017 مكان بختي بلعايب الذي غادر الوزارة لظروف صحية.
كما شغل في عهد بوتفليقة أيضًا منصب رئيس للحكومة، وإن كان لمدّة قصيرة، حيث تولى رئاسة الحكومة الجزائرية في 25 مايو / أيار 2017 وأقيل في 15 أغسطس/ آب من نفس السنة بعد بسبب المس برجال أعمال مقربين من السلطة والتلويح بمحاسبتهم، فضلاً عن قيامه بتحركات يراها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحاشيته تعديًا على صلاحيات الرئاسة.
ميهوبي.. مثقف النظام
لم يكتفي النظام بالمراهنة على عبد المجيد تبون فقط، فهو لا يدخل بخيار واحد، فدائمًا ما يقدم العديد من المرشحين تحسبًا لكلّ السيناريوهات التي من الممكن أن تحصل، لذلك فإننا نجد وزير الثقافة السابق والأمين العام بالنيابة لـ”التجمع الوطني الديمقراطي” ( حزب السلطة الثاني)، عز الدين ميهوبي، كأحد الخيارات المطروحة للنظام أيضًا.
رغم عدم تقلّده مناصب وزارية في عهد بوتفليقة، يعتبر عبد العزيز بلعيد أحد الذين خدموا بتفان منظومة الحكم
برز عز الدين ميهوبي بخطاباته المدافعة على بوتفليقة ونظامه، حيث كان قياديا في حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” الذي كان ثاني قوة سياسية في الائتلاف الحاكم أثناء فترة رئاسة عبد العزيز بوتفليقة للبلاد، وقد شكل مع الحزب الحاكم وحزبي “تجمع أمل الجزائر” و”الجبهة الشعبية الوطنية” تحالفًا لدعم سياسات بوتفليقة.
هذا الأمر مكّنه من شغل عديد المناصب السامية في عهد بوتفليقة، حيث تولى حقيبتين وزاريتين في عهده، الأولى كتابة دولة للإعلام ثم وزيرا للثقافة حتى الأيام الأخيرة من حكومة أحمد أويحيى، الأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي والموجود في السجن، لاتهامه في قضايا فساد، كما سبق أن تولى ميهوبي منصب رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، التابع لرئاسة الجمهورية.
عز الدين ميهوبي
ويعتبر الصحفي والأديب “ميهوبي” أحد مرشحي النظام لشغل منصب الرئاسة، ليس لكفاءته وإنما لولائه للحاكمين الفعليين في البلاد، حتى أنه أؤتمن على مستقبل حزب النظام الثاني الأرندي”، حيث عيّن أمينا عاما بالنيابة لـ”التجمع الوطني الديمقراطي”، مباشرة بعد القبض على رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى.
بلعيد.. أصغار الرهانات
ثالث المرشحين المقبولين هو عبد العزيز بلعيد، ورغم انتقاده لبوتفليقة قبل أيام قليلة من استقالته، يعدّ بلعيد أحد رجال النظام، فحتى بعد انشقاقه من حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الذي عمل فيه لسنوات عدّة، أسّس سنة 2012، حزبا جديدا مقرّبا هو الأخر من السلطة وحمل اسم “جبهة المستقبل”.
يعتبر عبد العزيز بلعيد أحد الذين خدموا بتفان منظومة الحكم، وقدّ أثّث انتخابات الرئاسة السابقة التي قاطعتها المعارضة سنة 2014
يعتبر عبد العزيز بلعيد (56 عاما) أصغر المرشحين لرئاسة الجزائر سنا، فقد ولد في العام 1963 بولاية باتنة الشرقية، ولديه شهادة في الطب وأخرى في الحقوق، وجمع بلعيد 77 ألف استمارة صحيحة، من أصل 85 ألفا.
عمل هذا المرشّح في معظم ردهات مسيرته السياسية ضمن صفوف حزب جبهة التحرير الوطني الذي يعرف اختصار بـ “الأفلان”، وقد كان أصغر عضو بلجنته المركزية، حيث شغل هذا المنصب وعمره لم يتجاوز حينها الـ 23 ربيعا.
عبد العزيز بلعيد
رغم عدم تقلّده مناصب وزارية في عهد بوتفليقة، يعتبر عبد العزيز بلعيد أحد الذين خدموا بتفان منظومة الحكم، وقدّ أثّث انتخابات الرئاسة السابقة التي قاطعتها المعارضة سنة 2014، وحصل فيها على 3% من الأصوات فقط، كما كان أبرز الداعمين للانتخابات التي كانت مبرمجة في ابريل/ نيسان الماضي رغم اعتزام بوتفليقة الترشّح فيها ورفض المحتجين لذلك، حتى يمنح الشرعية لهذه الانتخابات المرفوضة شعبيا.
بن قرينة.. للإسلاميين نصيب
رابع المرشحين هو عبد القادر بن قرينة، ويرأس حركة البناء الوطني، الحزب الإسلامي الذي ينتمي إليه رئيس المجلس الشعبي الوطني، الغرفة الأولى في البرلمان الجزائري، سليمان شنين، ويعد بن قرينة “الإسلامي” الوحيد المرشح للانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة.
رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة
يعتبر رئيس حركة البناء الوطني، مرشحا للمعارضة لكن المتأمل لمسيرته يرى أنه أحد رجال النظام، فقد عمل تحت إمرتهم لسنوات عدّة وفي مناصب كثيرة، رغم ركوبه موجة الحراك وإعلانه معارضة بوتفليقة أياما قليلة قبل استقالته.
وقد سبق لهذا النائب السابق الترشح لانتخابات 18 أبريل/نيسان التي كانت سبب بدء الحركة الاحتجاجية في 22 فبراير/شباط بعد ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة وهو على فراش المرض بمستشفى سويسري، قبل أن تلغى ويضطر بوتفليقة تحت ضغط الاحتجاجات والجيش إلى الاستقالة في 2 أبريل/نيسان الماضي.
هذه الأسماء الخمسة سيراهن عليها النظام الحاكم في الجزائر لرصّ صفوفه، وإعادة الهيبة إليه بعد ما لحقه من “خلخلة” نتيجة الحراك الشعبي الكبير المطالب بسقوطه منذ أشهر
شغل بن قرينة منصب وزير السياحة بين 1997 و1999 في حكومة ائتلافية شارك فيها حزبه السابق حركة مجتمع السلم، الذي انشق منه مع قياديين آخرين ليؤسس حزب حركة البناء الوطني سنة 2013 ويزعم معارضة نظام بوتفليقة.
ويتبيّن من خلال انتخاب النائب حركة البناء الوطني سليمان شنين لقيادة البرلمان خلفا لرئيسه السابق معاذ بوشارب الذي ينتمي إلى حزب جبهة التحرير الوطني الذي حكم البلاد منذ الاستقلال عن فرنسا في عام 1962، أن حكام الجزائر يراهنون على هذا الحزب وقياداته لشغل مناصب عليا في الدولة.
علي بن فليس
خامس المرشحين المقبولين رئيس الوزراء الأسبق “علي بن فليس“، الذي يعتبر أحد أبرز رجالات النظام سواء حين كان في الموالاة أو في المعارضة أيضا، فهو دائما ما يخرج لتأثيث الانتخابات ويضفي لها الشرعية ويجعل منها تعددية حتى لا يترك بوتفليقة يترشّح لوحده.
وتراوحت مسيرة بن فليس بين الموالاة والمعارضة، إلا أنه كان دائما قريبا من النظام والماسكين بالحكم في البلاد، وعمل هذا السياسي الجزائري المثير للجدل لسنوات عدّة مع بوتفليقة، حيث أدار حملة هذا الأخير الانتخابية سنة 1999.
بعد فوز بوتفليقة بالرئاسة تم تعيينه أمينًا عامًا لرئاسة الجمهورية بالنيابة ثم مديرًا لديوان رئيس الجمهورية من 27 ديسمبر/كانون الأول 1999 إلى 26 أغسطس/آب 2000 ثم وزيرًا أولًا، وقد تمت إقالته من هذه الوظيفة في مايو/ أيار 2003 كما أقال بوتفليقة 6 وزراء موالين لبن فليس.
رئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس
إلى جانب ترؤسه لحكومة، فقد ترأس “علي بن فليس” الذي ولد في ولاية باتنة شرقي الجزائر – وهي منطقة لها نفوذ كبير في السلطة والجيش منذ استقلال الجزائر سنة 1962- حزب جبهة التحرير الوطني الذي يعتبر حزب السلطة الأول.
شغل الأمين العام لحزب “طلائع الحريات”، عديد المناصب الوزائرية في عهد بوتفليقة وقبله أيضا، حيث تم تعيينه وزيرا للعدل في سنة 1988 واحتفظ بهذا المنصب في حكومة قاصدي مرباح، وحكومة مولود حمروش، وحكومة سيد أحمد غزالي.
هذه الأسماء الخمسة سيراهن عليها النظام الحاكم في الجزائر لرصّ صفوفه، وإعادة الهيبة إليه بعد ما لحقه من “خلخلة” نتيجة الحراك الشعبي الكبير المطالب بسقوطه منذ أشهر، فأيًّا من كان الفائز في هذه الانتخابات المرفوضة شعبيًا، فإن الفائدة سترجع حتما للنظام والماسكين بحكم البلاد، وستزداد مشاكل الجزائريين أكثر.