منذ أن طرح الرئيس الماليزي، مهاتير محمد، مبادرة تقضي بتشكيل تحالف إسلامي مع تركيا وباكستان من أجل تحقيق النهضة الإسلامية، وأعين العالم تترقب خطوات هذه الدول التي رحبت بهذه الدعوة ورأت أنها الطريق الأسلم لضمان استقرار البلدان الإسلامية وتخفيف تبعيتها وحدة الضغوط التي تتعرض لها مثل الإسلاموفوبيا.
وبعد أشهر من التساؤلات والتحليلات، تم الإعلان عن استضافة العاصمة الماليزية، كوالالمبور، قمة إسلامية مصغرة، أطلق عليها اسم “قمة كوالالمبور”، في تاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وتستمر حتى الـ21 من الشهر نفسه. تجمع بين زعماء 6 دول، وهم ماليزيا وتركيا وباكستان وإندونيسيا وقطر وإيران، مع استثناء السعودية والإمارات ومصر، كإحدى القوى المؤسسة للقمة.
يرأس الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الوفد التركي، ومن إيران الرئيس حسن روحاني، ونائب الرئيس الإندونيسي معروف مأمون، ومن قطر الشيخ تميم بن حمد ورئيس وزراء باكستان عمر خان، إضافة إلى 450 من القادة والمفكرين والمثقفين الآخرين من العالم الإسلامي، وأبرزهم شأنًا رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي.
أهداف القمة: استعادة المجد وتجنب الاضطهاد
في تقرير سابق لـ “نون بوست”، بعنوان: “تركيا وماليزيا وباكستان.. سيناريو التحالف الإسلامي الكبير”، أشرنا آنفًا إلى احتمالية تحول هذه المبادرة إلى واقع، وبحثنا في القواسم المشتركة والأهداف الإقليمية والعالمية التي تجمع بين تلك الدول، كما تتبعنا علاقاتهم الدبلوماسية والاقتصادية، واستنتجنا في النهاية، بالاعتماد على مبدأ جيرمان لقوة الدول، بأن التحالف الإسلامي بين الدول الثلاث سيخلق قوة عظمى متكاملة. خاصةً، لو ازداد عدد الدول المشاركة في التكتل.
وهي نفس الزاوية والخلاصة التي أشار إليها مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، ياسين أقطاي، الذي قال: “إن تركيا وباكستان وقطر وإندونيسيا وماليزيا، لديها هواجس ومشاكل مشتركة”، مضيفًا أن 4 من تلك البلدان تشكل أقوى وأضخم كثافة سكانية مسلمة من غير العرب، إذ تحتوي هذه الدول مجتمعةً على 550 مليون نسمة، وأهم خصائصها الاقتصادية بأنها تعتمد على إنتاجها ومواردها البشرية المتطورة.
وبكل ما تملكه هذه الدول من نقاط قوة، تجتمع الأسبوع المقبل في القمة تحت عنوان “دور التنمية في الوصول إلى السيادة الوطنية”، بهدف تسليط الضوء على مشاكل العالم الإسلامي واقتراح الحلول لها. ومن أبرز تلك القضايا: طرد المسلمين من أوطانهم، وتصنيف الإسلام كدين إرهاب، وهي المشاكل التي تتخذ حيزًا في سياسات مهاتير وتتفق مع مواقفه تجاه ما يتعرض له مسلمو الروهينغا في ميانمار ومعاملة الهند للمسلمين بكشمير، إضافة إلى انتقاداته المتكررة والمعروفة للاحتلال الإسرائيلي وممارساته غير القانونية ضد الفلسطينيين.
ستكون البداية في طرح ومناقشة مواضيع مثل: “لماذا التعليم مفتاح التنمية الوطنية؟”، و”إعادة توزيع الثروة-الرخاء المشترك”، و”الأمن الغذائي”، و”التكنولوجيا المتقدمة”، و”الحفاظ على الهوية الوطنية”.
وبحسب قوله، فإن القمة وما يصاحبها من نقاشات وأجندة قد “تساعد المسلمين على استعادة أمجادهم الماضية، أو على الأقل تساعدهم على تجنب الإذلال والاضطهاد الذي نراه حول العالم هذه الأيام”، واصفًا هذه القمة بـ “الخطوة الأولى نحو إعادة بناء حضارة إسلامية عظيمة”، وذلك من خلال إقامة علاقات فعالة وتوقيع مذكرات تفاهم ثنائية ومتعددة الأطراف في مجالات مختلفة مثل الدفاع والأمن الغذائي والصناعة والتكنولوجيا والابتكار.
وعلى هذا الأساس، سيتم، على مدار أربعة أيام، تبادل المعارف والخبرات وإيجاد حل لكل مشكلة على حدة، عبر صنع مجموعة من السياسات والتوصيات القادرة على تغيير المشهد الاقتصادي والاجتماعي في البلدان الإسلامية، وستكون البداية في طرح ومناقشة مواضيع مثل: “لماذا التعليم هو مفتاح التنمية الوطنية؟”، و”إعادة توزيع الثروة-الرخاء المشترك”، و”الأمن الغذائي”، و”التكنولوجيا المتقدمة”، و”الحفاظ على الهوية الوطنية”.
رؤية القمة: 7 ركائز أساسية لا يمكن إغفالها
تعتمد رؤية القمة على 7 ركائز أساسية، وهي: التنمية والسيادة، التجارة والاستثمار، التكنولوجيا وإدارة الإنترنت، الثقافة والهوية، السلام والأمن والدفاع، العدالة والحرية، والنزاهة والحكم الرشيد.
على سبيل المثال، في جانب التنمية والسيادة، تؤمن القمة بأن الإنسان هو مصدر الثروة الاقتصادية، إذ لا يمكن أن تتحقق التنمية دون التطوير الذاتي لكل مواطن، وخصوصًا في عالمنا الحالي الذي تشتد فيه المنافسة على جميع الأصعدة، ولذلك يتعين على الحكومات أن تدرك بأن الاستثمار في الناس ومهاراتهم وبيئاتهم الاجتماعية والصحية، يعود بفوائده الاقتصادية على الدول، ومن خلاله فقط يمكن صنع ثروة وتعزيز الرخاء والسعادة للشعب.
وبحسب توجهاتها الفكرية، يعتمد ذلك أيضًا على حماية الحقوق الأساسية واحترام الحريات وعلى التزام الدولة بسيادة القانون بجميع أجهزتها. مشيرةً إلى ضرورة التوازي بين هذه الجوانب والتقدم الروحي والأخلاقي والإنساني.
أما فيما يخص محور الثقافة والهوية، تعتقد القمة بأننا في وقت أصبحنا فيه أكثر اهتمامًا في الأمور المادية وأقل تركيزًا على العالم العاطفي والروحي، ما يجعلنا نعيش في بيئة فارغة وخالية من القيم الإنسانية والروابط الدينية والثقافية والتاريخية العميقة، وبالتالي حُصرنا في صورة “المسلم القبيح والمشغول بالمال” ونسينا أن ثقافتنا ليست أوروبية ولا يمكننا أن نجعل حلولها وأنظمتها وعقلياتها جزءًا من أسلوب حياتنا.
وبالنسبة إلى مبدأ السلام والأمن والدفاع، تشير القمة الإسلامية في أجندتها بأن الصراع بين الدول الشقيقة لا يُعرض السلام والاستقرار للخطر فحسب، بل يقوض تضامن الدول الإسلامية، لا سيما فيما يتعلق بنضال الشعب الفلسطيني وتحرير المسجد الأقصى. ولذلك، تسعى القمة إلى دعم جميع جهود السلام والحلول من أجل المصلحة العليا للإسلام واستقرار الأمة الإسلامية وتقدمها.
يرتكز هذا الجانب على فكرتين: الأولى، بأنه إذا تعرضت أي دولة إسلامية للهجوم، فسوف يتعين عليها الدفاع عن نفسها، ولن يتعاطف الآخرون معها ولن يساعدوا أو يخوضوا الحرب معهم إلا إذا كان ذلك بغية تحقيق مكاسبهم الخاصة، وهو ما لا يتناسب مع سياسات الاستقلال وتقليل الاعتماد على الدول الأجنبية في مجال معدات الأمن المحلية والأجنبية. أما الناحية الأخرى، فتعتمد على مبدأ ضرورة تطوير صناعات دفاع وطنية حفاظًا على استقرار واستقلال الدول الإسلامية.
تتضمن أجندة القمة التجارة والاستثمار كواحدة من الأدوات التي من شأنها أن تحول أسواق الدول الإسلامية إلى مراكز تجارية جذابة من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية
وبطبيعة الحال، لا يمكن تحقيق هذه الغايات دون وجود سلطات تتمتع بالشفافية والديمقراطية والمساءلة والقدرة على التنبؤ، أما الفساد فهو الوسيلة الأسرع لهدم الثقة بين الدولة والمواطن وتسهيل التجاوزات غير القانونية لأموال الدولة التي تؤدي بنهاية المطاف إلى أزمة اقتصادية. ونظرًا لأهمية هذه النقطة، أرفقت القمة مبدأ النزاهة والحكم الرشيد ضمن قائمة الركائز الأساسية، لأن “الدولة التي يعيش فيها الفساد، لن تكون قادرة أبدًا على التطور والازدهار، بغض النظر عن مدى ثرائها”.
وعند تحقيق الرخاء الاقتصادي، تحتاج الحكومات إلى الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا للحفاظ على مستويات المعيشة الاجتماعية، ولذلك وضعت القمة الإسلامية، التكنولوجيا وإدارة الإنترنت، أحد المعايير المهمة في جعل البلدان الإسلامية مكتفية ذاتيًا داخل البيئة المحلية ومنافسة قوية على المستوى العالمي.
إضافة إلى ذلك، تتضمن أجندة القمة التجارة والاستثمار بوصفها إحدى الأدوات التي من شأنها أن تحول أسواق الدول الإسلامية إلى مراكز تجارية جذابة من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية وزيادة التداولات والواردات التجارية، كونها وسيلة لزيادة معدل الكفاءة والجودة في التصنيع من جهة، وارتفاع معدلات التوظيف من جهة أخرى. مع الإشارة إلى الرغبة في تجارة عادلة وليس تجارة حرة ومتعددة الوجهات.
“قمة كوالالمبور” ليست الأولى، بل إنها الخامسة من نوعها، ففي عام 2014 تأسست القمة الأولى بدعوة من مهاتير أيضًا
وأخيرًا، يمثل محور الديمقراطية والعدل، أحد أهم قواعد القمة التي ترى بأن الديمقراطية ليست فقط حكم الأغلبية، ولكنها أيضًا شكل من أشكال الحكم التعاوني، على اعتبار أن مصدر قوة كل حكومة هو الشعب. والمقصود هنا، هو الشعب الواثق من مستقبله وحماية الحكومة له، والذي يعيش أيضًا في حياة خالية من الخوف أو عدم اليقين.
يُذكر في الختام أن “قمة كوالالمبور” ليست الأولى، بل إنها الخامسة من نوعها، ففي عام 2014 تأسست القمة الأولى بدعوة من مهاتير أيضًا وبحضور مجموعة من مفكرين مسلمين، بهدف إنتاج منظومةً فكريةً سياسية إسلامية جديدة، ثم أتت القمة الثانية تحت عنوان “دور الحرية والديمقراطية في تحقيق الاستقرار والتنمية”، وأقيمت كذلك في كوالالمبور. أما الثالثة في الخرطوم بعنوان “الحكم الرشيد”، والرابعة باسم “الانتقال الديمقراطي” في إسطنبول.