ثلاثة أيام تفصل الجزائريين عن موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، انتخابات يرفضها الشارع ويصر على إجرائها حكام البلاد الفعليين مهما كلفهم ذلك، الأمر الذي دفع المحتجين لإقرار إضراب عام مفتوح للضغط على العسكر وقائده القائد صالح حتى يعدلوا عن خططهم.
إضراب عام مفتوح
تطورت أساليب المقاومة السلمية وآليات الاحتجاج في الجزائر، حتى وصلت هذه المرة إلى إضراب عام، دعت إلى تنظيمه نقابات عمالية عدة وصفحات على منصات التواصل، لمدة أربعة أيام بداية من أمس الـ8 ديسمبر/كانون الأول الحاليّ بهدف عرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية.
وأظهرت صور ومقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، دخول العديد من أصحاب المحلات وعدد من العمال بمختلف القطاعات، في مناطق مختلفة من البلاد في إضراب، طيلة أمس الأحد وصباح اليوم الإثنين.
Les rues de Tizi Ouzou cet après midi : tout est fermé. #greve8decembre #Yetna7aw_Ga3 #تسقط_انتخابات_العصابات #اضراب_8_ديسمبر pic.twitter.com/VIQdxa0cW2
— Lyès (@LyesOnena) 8 December 2019
بدا الإضراب واضحًا في مختلف بلديات ولاية بجاية، حيث أصيبت الولاية بشلل تام نتيجة إضراب التجار والعمال والناقلين الخواص، كما شل الإضراب كل المؤسسات والإدارات الكائنة بإقليم الولاية باستثناء المؤسسات الصحية التي وفرت الحد الأدنى من الخدمات، ونفس الشيء بالنسبة للخبازين.
#اضراب_8_ديسمبر
كلش مغلوق في باب الواد ليوم??? pic.twitter.com/WTBWOJZEo5— الكاوي ?? (@lkaouii) 8 December 2019
وفي ولاية تيزي وزو، أغلقت المحلات التجارية والمؤسسات التربوية والجامعية وغيرها من المؤسسات الإدارية، أبوابها، ولم تفتح إلا الصيدليات ومراكز الاستعجالي بالمستشفيات لضمان الحد الأدنى من الخدمات في هذه القطاعات الحساسة.
وبدت مدينة البويرة كأنها مدينة أشباح، حيث أغلقت المحال التجارية والإدارات وغيرها من المؤسسات العمومية والخاصة، كما توقفت الجامعات والمدارس ووسائل النقل عبر جميع الخطوط، استجابة لدعوات الإضراب.
Tout un symbole: le consulat algérien protégé par la police française contre les citoyens algériens qui exigent l’Istiqlal.
Ils font appel à la police française contre leur peuple & osent parler de Ayadi kharijya.
Nous devons dégager ces HARKA !#Algérie #Hirak #اضراب_8_ديسمبر pic.twitter.com/6Yr9zGKIao— Houari Boukar ??⭐⭐ (@Houari_Boukar) 8 December 2019
الاحتجاجات المناهضة للانتخابات لم تقتصر على داخل البلاد، حيث عرفت الساحات والشوارع المقابلة للقنصليات والسفارات الجزائرية في الخارج التي خصصت لإدلاء الجزائريين المقيمين في الخارج بأصواتهم، تنظيم وقفات احتجاجية، ورفع المحتجون شعارات ولافتات كتب عليها “لا للتصويت” و”لا لعودة زمرة المافيا إلى السلطة” و”كل من يصوت من 7 إلى 12 كانون الأول/ديسمبر خائن”.
مواجهة تعنت السلطة
تواصل الاحتجاجات ولجوء المحتجين لسلاح الإضراب العام، جاء نتيجة إصرار السلطات الحاكمة – على رأسها قيادة الجيش – على المضي قدمًا في خططها القاضية بإجراء انتخابات رئاسية لاختيار خليفة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.
وتتجاهل السلطات الفعلية في البلاد، مطالب غالبية الشعب الجزائري الذي ينزل كل يوم ثلاثاء وجمعة إلى الشارع، ويصر العديد من الجزائريين على رفض إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة منتصف الشهر المقبل لاختيار خليفة لبوتفليقة، كونها ليست إلا استمرار لنظام الرئيس المستقيل، في ظل بقاء رموز فترة حكمه.
ويرفض المحتجون إشراف السلطة الحاليّة الموروثة عن عهد بوتفليقة، على الانتخابات ويطالبون بمؤسسات انتقالية بشخصيات جديدة، حيث يرددون منذ الأسابيع الأولى لحراكهم شعار “لا انتخابات مع العصابات”، وزاد ترشح رموز نظام بوتفليقة لهذه الانتخابات المرتقبة من رفض الجزائريين لها، فالنظام حسب رأيهم، يريد إجراء انتخابات وفق تصوره، وتفرز نتائج تخدم مصلحته هو لا غيره، دون أن يولي اهتمامًا لإرادة الجزائريين.
يخشى حكام الجزائر زوال الامتيازات التي يتمتعون بها في حال وصول قيادات شعبية لسلم الحكم في البلاد
من الجهة المقابلة، يرى حكام البلاد ضرورة إجراء هذه الانتخابات في موعدها مهما كلفهم الأمر، حيث أعرب الأحد رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح عن اقتناعه بأن “الشعب الجزائري سيخوض هذا الاستحقاق الوطني الحاسم من خلال المشاركة القوية والمكثفة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بكل حرية وشفافية”.
وأوضح في كلمة له في أثناء زيارة عمل إلى قيادة القوات البرية، أن خيبة مسعى ما وصفهم بـ”العصابة وأذنابها” لعرقلة الخيرين من الشعب والجيش، حيث “تأكدوا بأنفسهم بأنهم أخطأوا في حق شعبهم” عند مشاهدة الهبات الشعبية عبر كل ربوع الوطن.
وسبق أن أعلن الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح أن الانتخابات الرئاسية ستجرى في الـ12 من ديسمبر/كانون الأول المقبل، ويأمل الممسكون بالسلطة في البلاد في انتخاب رئيس جديد بدلًا من الرئيس المؤقت الحاليّ عبد القادر بن صالح.
وصل بن صالح إلى الرئاسة يوم 9 من أبريل/نيسان الماضي، إثر تعيينه من البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، رئيسًا مؤقتًا للبلاد لمدة 90 يومًا بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من منصبه، إثر الحراك الشعبي المطالب برحيله وتخلي أبرز حلفائه عنه ومنهم الجيش الذي كان أبرز حليف له وعمود حكمه الفقري طوال فترة حكمه التي امتدت لقرابة الـ20 سنة.
Day 1 of general strike. Biskra responds to the call.#Algeria_strikes #Hirak #Algeria #الجزائر #اضراب_8_ديسمبر pic.twitter.com/YVhWakyHca
— Algeria Revolt (@AlgeriaRevolt) 8 December 2019
جدير بالذكر، أن الجزائريين سبق لهم أن أسقطوا الانتخابات التي كانت مزمعة في 18 من أبريل/نيسان 2019، نتيجة اعتزام بوتفليقة الترشح لها، كما أسقطوا الانتخابات التي كانت مقررة في 4 من يوليو/تموز الماضي، وكان سبب إلغائها غياب المرشحين كما أعلن المجلس الدستوري (أعلى هيئة قضائية في البلاد).
ويتنافس في هذه الانتخابات خمسة مرشحين هم: عز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطنى الديموقراطي، وعبد القادر بن قرينة رئيس حزب حركة البناء الوطني، وعبد المجيد تبون المرشح الحر، وعلي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات، وعبد العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل.
ويخشى حكام الجزائر، زوال الامتيازات التي يتمتعون بها في حال وصول قيادات شعبية لسلم الحكم في البلاد، لذلك فهم يسعون قدر المستطاع لإنجاز انتخابات في ظل حكومة ورئاسة تتبعهم، حتى يتمكن أحد المرشحين للصعود والوصول إلى قصر المرادية، دون مشقة تذكر.
حراك الشارع غير مرتبط بالانتخابات
هذه التحركات المتواصلة منذ أشهر، يقول الصحفي الجزائري فاتح بن حمو، إنها لا ترتبط برفض الانتخابات فقط، ويضيف بن حمو في تصريح لنون بوست: “الحراك الشعبي الذي تعرفه البلاد هو بمثابة ظاهرة أفقية لها مطالب محددة، وغير معنية بأي أجندة أو تواريخ محددة، أو انتخابات بعينها”.
ويتابع مدير موقع شهاب برس الإخباري في الجزائر فاتح بن حمو، في تصريحه لنون “الكل يعلم أن مطالب الحراك الجزائري لم تتحقق في مجملها، ولذا وجب السعي لتحقيقها عبر الطرق السلمية، فالشعب يريد دولة جديدة لا يظلم فيها أبناؤها”.
يعتقد الجزائريون أن حكام بلادهم الماسكين بزمام الأمور، يريدون تجاوز إرادة الشعب
ويعتقد بن حمو، أن الحراك سيتواصل بعد الرئاسيات المزمع تنظيمها الخميس القادم، بنفس النهج الذي سار عليه في الأشهر العشر السابقة، غير أنه من ممكن أن يتخذ أشكالًا أخرى بشرط أن يحافظ على السلمية، خاصة أن المرشحين لهذه الانتخابات عملوا جميعًا مع بوتفليقة.
ويتفق غالبية الجزائريين على ضرورة مواصلة حراكهم السلمي والخروج للشوارع بكثافة للضغط على بقايا نظام عبد العزيز بوتفليقة وتحقيق الديمقراطية التي يتوق لها الشعب منذ أكثر من نصف قرن بحسب شعارات المحتجين.
Les étudiants de l’epau en grève #اضراب_8_ديسمبر pic.twitter.com/v8gPGr4eZg
— Serine M’rah (@RahSerine) 8 December 2019
وتشهد الجزائر منذ 22 من فبراير/شباط 2019، حراكًا شعبيًا بدأ برفض العهدة الخامسة وفرض ابتعاد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم، وصولاً إلى المطالبة بابتعاد رموز نظام بوتفليقة عن السلطة ومحاسبتهم جميعًا على ما اقترفوه في حق البلاد طيلة سنوات حكمهم.
يعتقد الجزائريون أن حكام بلادهم الماسكين بزمام الأمور، يريدون تجاوز إرادة الشعب الذي يتظاهر كل يوم ثلاثاء وجمعة منذ 22 من فبراير/شباط الماضي، فرغم مرور 10 أشهر على انطلاق ما يعرف بـ”حراك الجزائر”، ما زال الشارع يصطدم بالسلطة الحاكمة في البلاد، ممثلة في رئيس الأركان أحمد القايد صالح ورئيس الدولة بن صالح ورئيس الحكومة بدوي الذين يرفضون الاستجابة لأغلب مطالب الحراك.