تتواصل خسائر ميليشيات الكرامة التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر والمرتزقة الأجانب في تخوم العاصمة طرابلس، رغم تأكيد حفتر المتكرر قدرته على حسم المعركة في ساعات قليلة، خسائر من المنتظر أن تتفاقم خاصة في ظلّ الحديث عن إمكانية دخول تركيا مباشرة في المعركة وتنامي الدعم القطري لحكومة الوفاق الوطني التي تحظى بدعم أممي.
“دقت ساعة الصفر”.. مرارًا
خمسة أيام مرّت على دقّ اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ساعة الصفر والحسم لاقتحام العاصمة طرابلس، غير أن ميليشياته التي تتهم بارتكاب جرائم حرب لم تتمكّن بعد من تجاوز أي خط عسكري لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج.
وكان حفتر، قد أعلن الخميس الماضي، بدء ما وصفها بـ “عملية حاسمة” للتقدم نحو العاصمة الليبية طرابلس، حيث ظهر في كلمة متلفزة وهو يرتدي الزي العسكري، قائلًا: “دقت ساعة الصفر، ساعة الاقتحام الواسع الكاسح التي ينتظرها كل ليبي حر شريف، ويترقبها أهلنا في طرابلس منذ أن غزاها الإرهابيون واستوطنوا فيها بقوة السلاح”.
تعتبر هذه المرة الرابعة التي يعلن فيها حفتر بدء ساعة الحسم لاقتحام طرابلس منذ أبريل/نيسان الماضي. وكان حفتر قد شن حملة عسكرية واسعة في ذاك الشهر، بإيعاز من دول عربية على رأسها الإمارات ومصر، بهدف ما أسماه تحرير طرابلس من الجماعات الإرهابية.
معاناة حفتر من المنتظر أن تتفاقم أكثر خاصة بعد إعلان المجلسان البلدي والعسكري في مدينة مصراتة الليبية حالة النفير القصوى
إلى اليوم لم يتمكّن حفتر وقواته والمرتزقة الأجانب الذين يعملون في صفه من تحقيق أي تقدّم يذكر على الميدان، حيث اكتفى بالقيام بطلعات جوية وقصف المدنيين بما فيهم الأطفال والشيوخ والنساء بالطيران المسير الأجنبي.
وفي الوقت الذي كان فيه أنصار حفتر وداعميه الأجانب (مصر، الإمارات، روسيا وفرنسا)، ينتظرون الإعلان عن اقتحام طرابلس وإخراج حكومة الوفاق منها، عزّزت قوات الوفاق مواقعها، مكبدة قوات حفتر خسائر في عدة محاور جنوبي العاصمة.
قالت مصادر تابعة للإعلام الحربي لعملية بركان الغضب إن مقاتلي حكومة الوفاق الليبية قتلوا 11 مسلحا من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في اشتباكات بمحاور اليرموك وعين زارة ووادي الربيع جنوب العاصمة طرابلس. وأكدت المصادر لقناة الجزيرة تقدم قوات الوفاق في هذه المحاور معززة بغطاء مدفعي، كما سيطرت في محور وادي الربيع على سواتر ترابية كان يتحصن خلفها مسلحو حفتر.
وذكر بيان أصدره آمر غرفة العمليات الميدانية في عملية “بركان الغضب” اللواء أحمد أبو شحمة أن قواته شنت هجوما على تمركزات لمسلحي حفتر في محور عين زارة جنوبي طرابلس، مشيراً إلى أن المدفعية الثقيلة تعاملت بدقة مع تجمعات للمليشيات المتعددة الجنسيات في محيط محور اليرموك جنوبي طرابلس.
نفير مصراتة
ورطة حفتر من المنتظر أن تتفاقم أكثر خاصة بعد إعلان المجلسان البلدي والعسكري في مدينة مصراتة الليبية حالة النفير القصوى وإرسال كل القوات للمشاركة في عمليات الدفاع عن العاصمة طرابلس. واعلانهما تشكيل غرفة طوارئ في المدينة تعمل على إنهاء وحسم المعركة، ورد ما وصفاه بالعدوان على طرابلس.
وفي البيان الذي تلي مساء أمس الأحد من أمام مقر المجلس البلدي بمصراتة، أوضح المجلسان أن غرفة الطوارئ ستعمل بطاقتها القصوى لتسخير كافة الإمكانيات والقدرات لمعركة الحسم. وتتكون الغرفة من ممثلين عن المجلس البلدي والمؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية ومجالس الأعيان ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال والإعلاميين بالمدينة.
دعا البيان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، المعترف بها دوليًا، إلى استغلال كل هذه الفرص في معركة الحسم وتسخير كافة إمكانيات القطاعات الحكومية في الدولة لتحقيق هذه الغاية. وطالب البيان كل المدن الليبية بتسجيل موقفها في معركة الوطن ضد قوى “البغي والعدوان” التي تستهدف فيها إمكانيات الليبيين وحريتهم وتهديد أمنهم وسلمهم والمشاركة في معركة الحسم.
وشددت مصراته على عملها بغية “استئصال شأفة الطغيان والاستبداد ونصرة إرادة الشعب ورد كيد المتربصين بليبيا الساعيين للهيمنة على قرارها وثروتها”، في إشارة إلى قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ومن شأن دخول مدينة مصراتة على الخط، أن تزيد خسائر حفتر، خاصة إذا علمنا أن المدينة تضمّ أقوى الفصائل المسلحة في البلاد وكان حفتر قد تجنبها في تقدّم نحو الغرب. وكانت قوات حفتر قد كبّدت تنظيم داعش في سرت خسائر كبرى.
دعم تركي سخي
معاناة حفتر لن تتوقف هنا، خاصة في ظلّ إمكانية تدخّل تركيا مباشرة في المعركة، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد استعداد بلاده لإرسال قوات إلى ليبيا إذا تلقى طلبًا من حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج.
ومن شأن تدخّل تركيا، أن يقلب موازين القوى لصالح حكومة الوفاق الشرعية، على اعتبار أن تركيا هي الدولة الوحيدة تقريبًا، التي تقدم دعمًا حقيقيًا للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، وتجري تعهداتها معها بشكل علني وشفاف، خلافاً لسلوك دول محور الثورات المضادة التي تدعم حفتر.
وتعمل أنقرة بدورها على حماية ليبيا من خطر التقسيم و”العسكرة” الذي يسعى له حفتر بمساعدة دول عربية وغربية، لا هم لها إلا خراب هذا البلد العربي، للسيطرة على موارده الطبيعية والاستفادة من موقعه الجغرافي، ودائمًا ما يؤكد أردوغان أنه داعم أساسي لحكومة الوفاق التي يقودها فائز السراج، وأن بلاده ستسخر كل إمكاناتها لما يصفه بـ”منع المؤامرة عن ليبيا”.
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقع الرئيس التركي مذكرتي تفاهم مع رئيس الحكومة الليبية فائز السراج، تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي.
وتقدم تركيا دعما عسكريا بالفعل لحكومة الوفاق الوطني، في شكل أسلحة وطائرات بدون طيار ومدرعات من طراز (بي. إم. سي كيربي) تركية الصنع
المذكرة الأولى تتعلق بترسيم الحدود الملاحية في البحر المتوسط، أما المذكرة الثانية، فهي متعلقة بإرسال قوات تركية إلى ليبيا إذا طلبت حكومة الوفاق الوطني دعما عسكريا. وتشمل هذه المذكرة التعاون في مجالات الأمن والتدريب العسكري، والصناعات الدفاعية، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وغيرها من أشكال التنسيق العسكري.
واستقبل أردوغان قبل يومين فائز السراج، وذلك للمرة الثانية خلال ثلاثة أسابيع. وبحث الجانبان تطورات الأوضاع في ليبيا، وقد جدد الرئيس التركي موقف بلاده الرافض للهجوم على طرابلس، وقال إنه حريص على عودة الاستقرار إلى ليبيا.
وتقدم تركيا دعماً عسكرياً بالفعل لحكومة الوفاق الوطني، في شكل أسلحة وطائرات بدون طيار ومدرعات من طراز (بي. إم. سي كيربي) تركية الصنع، وقد أحدثت هذه الأسلحة نقلة نوعية في قدرات قوات حكومة الوفاق الوطني، ومن شأن نشر قوات عسكرية تركية في طرابلس أن يحسم المعركة لفائدة الحكومة الشرعية.
قطر تدخل على الخط
فضلاً عن الدعم التركي، تلقّت حكومة الوفاق دعماً قطرياً مهماً، حيث أفادت حكومة “الوفاق الوطني” بأن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد أعرب، خلال استقباله رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج أمس الأحد، عن استعداد بلاده لتقديم أي دعم تطلبه هذه الحكومة في المجالين الأمني والاقتصادي.
لقاء السراج مع أمير قطر
ووفقاً لبيان لحكومة الوفاق، فقد أكد الأمير على أن “دولة قطر ستضاعف العمل من أجل أن تتجاوز ليبيا الأزمة التي تمر بها”، وجدد أمير قطر دعم بلاده لحكومة الوفاق الوطني ولجهود السراج لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا.
تأكيد قطر وتركيا دعمهما لحكومة الوفاق الوطني في جهودها لنشر السلام في ليبيا، من شأنه أن يعيد ترتيب سير المعركة في البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يعجّل بانتهاء مهمة حفتر هناك الرامية إلى تقويض جهود السلام وعسكرة البلاد وتقسيمها خدمة لمصالح الدول الداعمة له.