بمشاركة زعماء ماليزيا، تركيا، قطر، إيران وممثلي 18 دولة وما يقرب من 450 عالمًا ومفكرًا ، انطلقت صباح اليوم، الخميس، في العاصمة الماليزية كوالالمبور، القمة الإسلامية المصغرة، التي دعا إليها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، من أجل بحث إستراتيجية جديدة للتعامل مع القضايا التي يواجهها العالم الإسلامي.
القمة التي من المقرر أن تستمر ثلاثة أيام وتحمل عنوان «دور التنمية في تحقيق السيادة الوطنية» لا تهدف إلى مناقشة الأديان، إنما كل تركيزها هو مناقشة أوضاع المسلمين في العالم وكيفية مواجهة التحديات التي تعيق مسار التنمية في البلدان الإسلامية وفق ما ذكرت الجلسة الافتتاحية لها.
لم تشهد قمة مماثلة حالة الجدل التي شهدتها قمة كوالالمبور هذا العام رغم أنها ليست الأولى من نوعها، وهو ما جعلها هدفًا رئيسيًا للعديد من وسائل الإعلام، حتى غير المعنية بمثل هذه النوعية من القمم، الأمر الذي أثار موجة من التساؤلات حول هذا الاهتمام الذي يعكس ما تمثله من أهمية وتأثير من جانب، وقلق ومخاوف من جانب آخر.
هوية الدول التي وٌجهت لها دعوة الحضور والمشاركة، وما تمثله من ثقل في المنطقة، واستبعاد قوى أخرى كانت ترى في حضورها لأي من تلك الفعاليات جواز سفر لنجاحها، فضلًا عن رفض كيانات ثالثة الدعوة، هذا بخلاف نوعية القضايا المثارة ودوافع التطرق إليها.. كل هذا جعل من قمة 2019 علامة استفهام كل يبحث عن الإجابة عنها لكن وفق مصالحه وأهواءه الخاصة.
رؤية واضحة
منذ أن جاءت فكرة عقد القمة الإسلامية، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، خلال لقاء رئيس الوزراء الماليزي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزراء باكستان عمران خان، كان الهدف من إقامة هذا الحدث واضحًا للجميع، لا لبس فيه.
حينها تطرق مهاتير إلى القضايا التي تواجه المسلمين بشكل عام وعلى رأسها «طرد المسلمين من أوطانهم، وتصنيف الإسلام كدين إرهاب»، بخلاف حالة الفشل التي تخيم على بعض الدول الإسلامية، عندئذ تساءل: «لماذا توجد هذه المشاكل؟ مستدركًا: لا بد من وجود سبب لها، ولا يمكن أن نحدد السبب إلا بجلوس المفكرين والعلماء والقادة، للنقاش وتسجيل الملاحظات والآراء..».
ومن هنا تعمقت الفكرة في عقل رئيس الوزراء الماليزي «ربما يمكننا اتخاذ هذه الخطوة الأولى، كي نساعد المسلمين على استعادة أمجادهم الماضية، أو على الأقل نساعدهم على تجنُّب الإذلال والاضطهاد الذي نراه حول العالم هذه الأيام».. وعلى الفور بدأ الإعداد للقمة بدعوة الدول الخمس (تركيا- قطر- باكستان- إيران – إندونيسيا) بجانب الدولة المستضيفة، ماليزيا.
الجلسة الأولى للقمة كشفت النقاب عن دوافع انعقادها في هذا التوقيت، حيث وجه زعماء الدول المشاركة رسائل متباينة أكدوا خلالها على ضرورة تجاوز مرحلة التنظير لقضايا الأمة الإسلامية إلى آفاق العمل والتنفيذ على أرض الواقع وفق رؤية واضحة العالم وأجندة محددة.
الدول الإسلامية ليست ضعيفة من ناحية القدرات، ولا يوجد فرق كبير بينها وبين الدول المنافسة، خاصة أنها تمتلك نصف الثروة النفطية في العالم
رئيس الوزراء الماليزي في كلمته حذر من أن “بقاء الأوضاع الراهنة على حالها يعني أن معاناتنا ستستمر، والإسلام العظيم سيتم الاستهزاء به بشكل أكبر، ومزيد من المسلمين سيتم طردهم من بلادهم”، مضيفًا «نحن نعتمد على من يبعدوننا عن طريقنا، لقد وصلنا إلى عدم احترام العالم، لم نعد نماذج للحضارة البشرية، منذ زمن طويل أصبح مسيطرًا علينا من قِبل القوى الغربية، يجب الآن أن نحرر أنفسنا».
وقد نوًه مهاتير إلى أن «هذه الحالة الراهنة لم تكن بالماضي، كان المسلمون يعاملون باحترام، لذلك علينا أن نبحث عن أسباب السقوط، التي أدت بنا إلى هذا الحال» ومن ثم كان لابد من عمل ما يجب القيام به لاستعادة أمجاد الأمة وحضارتها العريقة.
أما الرئيس التركي فتعجب من الحالة السيئة التي تعيشها الدول الإسلامية من فقر وحروب وضعف، رغم كل الطاقات الهائلة التي تتمتع بها البلدان الإسلامية، قائلًا في كلمته في الجلسة الافتتاحية: «هذا الأمر يدفعنا للبحث عن أسباب المشاكل التي تواجه المسلمين في العالم».
كما شدًد على أن الدول الإسلامية ليست ضعيفة من ناحية القدرات، ولا يوجد فرق كبير بينها وبين الدول المنافسة، خاصة أنها تمتلك نصف الثروة النفطية في العالم، مرجعًا الضعف الذي تعاني منه الأمة إلى أنه يكمن في عدم تنفيذ قراراتها، مرجعًا أزمة المسلمين إلى التهرب من المسؤوليات، وتابع “نتمنى أن تكون القمة فاتحة خير علينا جميعًا”.
أمير قطر الأمير تميم بن حمد آل ثاني، أكد من جانبه على أن هذه القمة لن تكون مجرد مناظرة بين الزعماء، بل تهدف إلى إيجاد حلول لمشاكل العالم الإسلامي، مخاطبًا العالم الإسلامي قائلًا: «اللجوء لتفسير فشلنا بأنه مؤامرة لن يعود بالنفع علينا، في بعض الأحيان يوجد مؤامرات حقيقية لكن لا يجب استخدامها لتبرير أخطائنا، هذا يعتبر عجزًا سياسيًا وكسلًا فكريًا».. وخلص في كلمته على أنه لا يمكن الحفاظ على السيادة الوطنية في ظل التخلف والتبيعة الاقتصادية، يجب على الدول الإسلامية تحقيق التمكن الذي يعتبر ركنًا من أركان السيادة والتنمية الوطنية.
فيما حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن ضعف الثقافة الإسلامية، وغياب الشباب عن ثقافتهم وهويتهم هو ما تسبب بالمشاكل الكبيرة التي تواجه العالم الإسلامي، مضيفًا في كلمته بختام الجلسة الافتتاحية أن: “هذا الأمر أدى بالنهاية إلى فرض هيمنة الغرب علينا”.
وفي المجمل فقد استقر المشاركون على أن التبعية للغرب هي لب المشاكل، وعليه طالبوا بشكل عاجل بالاعتماد على الذات، بأن يكون هناك استقلال مالي واستثمار في العقل، من أجل أن تكون هناك مواكبة للعلم، مؤكدين أنه ليس لدى الدول الإسلامية إلا البدء بالعمل وتحقيق الإبداع والتقدم التكنولوجي، وإلا ستظل تخضع للغرب.
مكمّل لا بديل
المبرر الذي ساقته الدول المتخوفة من عقد القمة تمحور حول ما إذا كان هذا التجمع بديلًا عن منظمة التعاون الإسلامي بما يفتت جهود وحدة المسلمين ويعزز من الانقسام، إلا أن هذا المبرر سرعان ما تبخر سريعًا مع تأكيد كل من كوالالمبور وأنقرة اكثر من مرة على أن القمة ليست بديلًا للمنظمة بل هي مكمل لها.
رئيس الوزراء الماليزي في حوار صحفي خلال زيارته مؤخرًا لتركيا أكد أن فكرة عقد القمة الإسلامية جاءت من إدراك أن تحقيق التوافق بين أكثر من 50 دولة أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي أمر يكاد يكون مستحيلًا، ونتاجًا لذلك تفاقمت الخلافات والحروب بين الدول الأعضاء في المنظمة، وهو أمر مثير للأسى، على حد قوله، ولذا يجب على الدول الأقل تأثرًا بحالة عدم الاستقرار أن تسعى بنفسها لإظهار التعاليم الحقة للدين الإسلامي.
الدكتور مهاتيرمحمد فى #قمة_كوالامبور_2019 :
عدد المسلمين1,7مليار مسلم يشكلون سوقا كبيرة للتبادل التجارى والقوة الإقتصادية لكننا للأسف لا ننتج احتياجاتنا فنقوم بالإستيراد من غيرنا وأموالنا تذهب خارج العمل الإسلامى والمسلمون يودعون أموالهم فى دول غيرإسلامية
النهضة تبدأ بالتنمية— نجوى (@NajwaaAli) December 19, 2019
فلسفة القمة وفق تلك التصريحات تأتي في إطار معالجتها لفشل المنظمة الإسلامية ومساعيها لسد ثغراتها الناجمة في كثير من تحركاتها لفقدان حياديتها وموضوعيتها وتحولها إلى متحدث تابع للخارجية السعودية –دولة المقر– ومن ثم فقدت تأثيرها وقوتها التي كانت عليها في السابق.
ورغم ما تعاني منه منظمة التعاون من خروقات شاسعة فرغتها من مضمونها وتأثيرها وهو ما كشفته مواقفها الأخيرة حيال حزمة الملفات الساخنة التي يتعرض لها المسلمون في شتى بقاع الأرض، إلا أن المشاركون في القمة أكدوا أن حراكهم يأتي في إطار مواصلة العمل الإسلامي المشترك دون وجود رغبة حقيقية في إزاحة المنظمة.
نقطة تحول فارقة
منذ الإعلان عن القمة وكلما اقترب الوقت، تصاعد الجدل حولها، في البلدان المؤيدة والمعارضة لها على حد سواء، حتى باتت حديث الجميع، ففريق يراها نقطة محورية على الطريق الصحيح لتعزيز العمل الإسلامي وفق أبجديات مختلفة، فيما أبدى آخرون تخوفاتهم بشأن ما يمكن أن تحدثه من زلزال في العقلية المنهجية المتبعة في التعامل مع القضايا الإسلامية والتي احتكرتها منظمات بعينها طيلة عقود دون أن تنجز فيها أي منجز على الأرض.
توقيت القمة
المحور الأول الذي دفع قمة كوالالمبور هذا العام لتكون نقطة محورية حقيقية، كان توقيت عقدها، إذ تأتي في وقت يعاني فيه المسلمون في بعض البلدان من هجوم غير مسبوق، وصل إلى حد المجازر كما هو الحال في الصين والهند.
العام الحالي على وجه التحديد شهد عشرات الاعتداءات على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، هذا بخلاف ما تشهده القضية الفلسطينية من تعميق للجراح في أعقاب الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي بخلاف شرعنة بناء المستوطنات.. كل هذا ولم يتحرك أحد.. ومن ثم جاءت هذه القمة وهي مثقلة بحزمة من الملفات الساخنة التي تجاوزت درجة سخونتها برودة ردود الفعل الرسمية بمراحل.
ومن ثم ومما لا شك فيه فإن تجمُّع القادة والمفكرين والعلماء بهدف النقاش ومحاولة وضع حلول قابلة للتنفيذ على أرض الواقع لمشاكل المسلمين- أمر ضروري وبداية لا بد منها حتى يمكن تثبيت أرضية مشتركة تمثل أساسًا صلبًا يمكن البناء عليه لتقليل التركيز على نقاط الخلاف.
ويكفي القول بأن هذا التحرك هو الأول من نوعه بهذه الكيفية منذ انطلاق قطار الربيع العربي الذي تعثر في كثير من محطاته فأصاب الغالبية باليأس والإحباط من إمكانية التغيير، لتبث هذه القمة الأمل من جديد في الجسد العربي الحالم بربيع يتلاءم مع أحلام وطموحات الملايين من العرب والمسلمين على حد سواء.
قوة التكتل
لم يكن اختيار الدول الخمس (تركيا – قطر – إيران – باكستان – إندونيسيا – ماليزيا) لتدشين القمة اختيارًا عشوائيًا، فهذا التشكيل بلا شك يحقق التناغم والتناسق الذي يؤهله لتدشين تحالف وكيان قوي قادر على الدفاع عن مقدرات الأمة، حتى وإن انسحبت من باكستان وإندونيسيا رضوخًا لضغوط خليجية.
فحين يجلس زعيما أكبر قطبين في العالم الإسلامي، تركيا وإيران، وجهًا لوجه على مائدة واحدة، برعاية ماليزية وحضور قطري، وفي ظل ما يملكونه من مقومات وإمكانيات، فإن ذلك يضفي على القمة حضورًا قويًا ويدفعها لأن تكون كلمة مؤثرة في المشهد السياسي الإقليمي.
الدول الأربع التي شارك زعماءها في القمة تمتلك إمبراطورية اقتصادية هائلة، تضعها على خارطة الاقتصاد العالمي وتؤهلها لترجمة سياساتها بصورة كبيرة
«تواجه كثير من الدول الإسلامية مشكلات تشغلها وتكرّس وقتها للتعامل معها، ولكن (ماليزيا وتركيا وباكستان) إضافة إلى قطر وإندونيسيا، على ما أعتقد، يمكنها أن توفر الوقت اللازم للتعامل مع هذه القضايا المهمة جدًا (التي تواجه المسلمين بشكل عام)».. هكذا أشار مهاتير محمد ردًا على اختيار هذه الدول على وجه التحديد لتدشين هذا الكيان.
تتمتع الدول المشاركة بمخزون بشري وجغرافي قوي يبلغ تعداده بعد انسحاب باكستان وإندونيسيا 200 مليون نسمة، تتصدرها تركيا بتعداد يبلغ 84 مليونًا، بمساحة نحو 783 ألف كيلو متر مربع، في موقع جغرافي استراتيجي، يقع بين قارتي آسيا وأوروبا.
تليها إيران بنسبة تتجاوز 82 مليون نسمة، ومساحة أكثر من 1.6 مليون كيلو متر مربع، بينما يبلغ تعداد ماليزيا نحو 32 مليون نسمة، ومساحة نحو 330 ألف كم مربع، وأخيرًا قطر، التي يبلغ تعدادها نحو ثلاثة ملايين نسمة، على مساحة تبلغ نحو 11.5 ألف كم مربع.
كما أن الدول الأربع التي شارك زعماءها في القمة تمتلك إمبراطورية اقتصادية هائلة، تضعها على خارطة الاقتصاد العالمي وتؤهلها لترجمة سياساتها بصورة كبيرة، تتصدرها أنقرة باحتلالها رقم 13 هذا العام، في قائمة اقتصاديات العالم، كما أنها عضو في حلف الناتو، ومجموعة العشرين لأكبر اقتصاديات العالم، تليها ماليزيا في المرتبة الـ 37 عالميًا من حيث إجمالي الناتج المحلي.
حتى إيران التي تواجه ضغوط اقتصادية شرسة، وتتعرض لتضييق واسع النطاق من الولايات المتحدة على مدار سنوات طويلة مضت، تملك اكتفاء ذاتيًا في الصناعات الغذائية والتحويلية، نهاية بقطر التي تحتل ميزة منفردة، فهي الدولة الثالثة عالميًا، من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي والنفط.
وعسكريًا… يمتلك الرباعي قوة ردع قوية، فتركيا تحتل المركز التاسع عالميًا بين أقوى الجيوش، وفق تصنيف موقع «جلوبال فاير باور» المتخصص في الشؤون العسكرية، والذي ينشر سنويًا ترتيبًا أقوى الجيوش في العالم، وتبلغ ميزانية الجيش التركي حوالي 8 مليار دولار ونصف سنويًا، ويحتل المرتبة الـ25 عالميًا من حيث حجم ميزانية الدفاع.
أما إيران تحتل المرتبة الـ 14 عالميًا، بمزانية تصل إلى 4 مليارات ونصف مليار دولار، فيما تأتي ماليزيا في الترتيب الـ 41 عالميًا، وأخيرًا قطر التي تحتل الترتيب الـ 100 عالميًا، وإن كانت تسير مؤخرًا بوتيرة متسارعة في تحديث بنيتها العسكري، لذا رفعت ميزانية الدفاع إلى ما يتخطى حاجز الـ 19 مليار دولار.
مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، ياسين أقطاي، في تصريح سابق له قال: “إن تركيا وباكستان وقطر وإندونيسيا وماليزيا، لديها هواجس ومشاكل مشتركة”، مضيفًا أن 4 من تلك البلدان تشكل أقوى وأضخم كثافة سكانية مسلمة من غير العرب، وأهم خصائصها الاقتصادية بأنها تعتمد على إنتاجها ومواردها البشرية المتطورة.
منهجية جديدة
تبنت القمة الحالية منهجية مغايرة تماما للمعمول بها في مثل هذا الفعاليات التي تتناول قضايا المسلمين، حيث ابتعدت عن التنظير والخطب الرنانة وعبارات الإدانة والشجب إلى التفكير في وضع حلول عملية قابلة للتطبيق لتحريك المياه الراكدة في تلك الملفات العالقة لسنوات.
تصريحات الزعماء في الجلسة الافتتاحية وما سبقها تكشف ملامح تلك المنهجية التي لم تكتف بمجرد تسجيل موقف لحفظ ماء الوجه فحسب، فعلى سبيل المثال طالب الرئيس التركي بإصلاح مجلس الأمن الدولي الذي يجعل العالم رهينة للدول الخمس الكبرى في العالم.
فيما أعتبر أمير قطر أن بقاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو أحد أهم أسباب عدم الاستقرار في المنطقة، حين قال إن “أحد أهم مصادر عدم الاستقرار في منطقتنا هو تحييد الشرعية الدولية وتهميشها، ومحاولة إملاء إرادة الاحتلال بالقوة في فلسطين، حيث تتواصل سياسات الضم والاستيطان بما في ذلك تهويد القدس، وهي السياسات التي تصفي الطابع العربي للمدينة، وتستفز مشاعر العرب والمسلمين في كل مكان”.
هذا في الوقت الذي أكد فيه الرئيس الإيراني أن الحرب في سوريا واليمن وما سماها الفوضى في العراق ولبنان وليبيا وأفغانستان هي نتيجة التطرف الداخلي والتدخلات الخارجية، مطالبًا بأن تكمل الدول الإسلامية بعضها البعض في المجال الاقتصادي.
القواسم المشتركة التي تجمع بين الدول الكبرى المشاركة في القمة وما تمتلكه من إمكانيات بشرية واقتصادية وعسكرية كفيل بأن يكون نواة حقيقية لتشكيل تكتل قادر على ترجمة ما يخرج عنه من قرارات إلى إجراءات عملية تجبر العالم على احترامها، وهو ما لم يكن متوفرًا في تعاطي المنظمات الأخرى مع ذات الملفات والتي اكتفت بإبراء الذمة عبر بيانات الشجب والإدانة والاستنكار مع كل حادث يتعرض له المسلمون في أي مكان.
الاهتمام بالشباب
إذا كان المفكرون وقادة الرأي هم عقول الأمة التي تفكر فإن الشباب هم سواعدها التي تبني، ولا يستقيم بناء بفكر دون سواعد تترجمه، هذا ما ترجمته قمة كوالالمبور حين انطلقت فعاليات مؤتمر الشباب، أمس الأربعاء، قبل يوم واحد فقط من بدء فعاليات القمة المصغرة.
المؤتمر الذي انطلق بحضور وزير الشباب والرياضة الماليزي سيد صادق عبد الرحمن، إلى جانب محمد قصاب أوغلو، عزز فكرة حرية التعبير وعدم الخوف من إبداء الآراء كونها أحد أهم المحاور لتحقيق التنمية الشاملة، حيث خطاب الوزير الماليزي شباب العالم الإسلامي قائلًا: “لا تخافوا من قول رأيكم، ولا تخافوا من تحمل المسؤولية، لا تخافوا أن تكونوا مع أو ضد أي أحد، كما يحدث في لبنان والعراق، عندما خرج الشباب مطالبين بالتغيير وسماع صوتهم”.
كما استعرض الوزير 3 نماذج من الدول التي أتاحت للشباب مساحة كبيرة في تحمل المسؤولية، هي ماليزيا، تركيا، وإندونيسيا، والتي دعا إلى تطبيق هذه النماذج في كل الدول الإسلامية، لا أن تكون استثناءً في دول محدودة، مضيفًا: “الشباب يطالب بحقوقه الطبيعية، يجب أن تسمع كل الأمم إلى صوتهم وطلباتهم”.
تهديد للكيانات القديمة
لم تنجح المنظمات التقليدية (منظمة التعاون الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي، منظمة دول عدم الانحياز… إلخ) على مدار العقود الطويلة الماضية في تحقيق أي تأثير ملموس في أي ملف من ملفات المسلمين، إذ اكتفت مؤتمراتها التي تتميز بالبذخ الشديد بتسجيل موقف الإدانة وفقط.
فشل تأثير تلك المنظمات يعود في كثير من الأحوال إلى غياب التنسيق بين الدول الأعضاء أنفسهم، فقد يشهد المؤتمر الواحد تباينات وخلافات شديدة بين المشاركين، وهو ما يجعل اتخاذ موقف موحد ووضع إستراتيجية لتنفيذه أمرًا غاية في الصعوبة، ولعل هذا أحد المرتكزات التي دفعت لتدشين قمة كوالالمبور الحالية.
كما أن اتفاق التوجهات العامة للدول المشاركة في القمة حيال ملفات المنطقة أو على الأقل وجود أرضية مشتركة بينها يمهد الطريق نحو تأثير متوقع حال اتخاذ قرارات بعينها، نظرًا لتقاطع مصالح الدول الأربع مع القضايا المثارة، وهي الميزة التي لا تتوفر في المنظمات الأخرى والتي تعاني من انقسامات حادة فضلًا عن فقدانها الحيادية المطلوبة.
السعودية ترى في القمة تهديدًا لزعامتها لدول العالم الإسلامي والتي استمرت لعقود طويلة صدرت خلالها نفسها كمتحدث باسم مليار ونصف المليار مسلم في مختلف انحاء العالم، وهو ما أثار قلقها
تغير في خارطة الزعامة
“لقد دعونا السعودية لتكون جزءًا من هذا التعاون، وأرسلنا اثنين من المبعوثين للمملكة، هما وزير خارجية ماليزيا للقاء ولي العهد السعودي، ووزير التعليم الماليزي للقاء خادم الحرمين الشريفين للترحيب بمشاركة المملكة العربية السعودية في هذه القمة الإسلامية..”.. هكذا أجاب الأمين العام المناوب لقمة كوالالمبور، شمس الدين عثمان، على سؤال حقيقة دعوة السعودية لحضور القمة.
الرفض السعودي للقمة لم يتوقف عند حاجز عدم المشاركة فحسب، بل وظفت ما لديها من نفوذ وإمكانيات لإفشالها بشتى السبل مهما كلفها الأمر، وهو الأمر الذي جسده موقف رئيس وزراء باكستان، عمران خان، الذي أعلن عدم مشاركته في تلك القمة، ليصبح الزعيم الثاني الذي يتراجع عن المشاركة بعد الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو.
فى كلمته أمام #قمة_كوالامبور_2019
الرئيس التركى / رجب الطيب اردوغان العالم الإسلامى ينتج 50% من النفط العالمى و58% من الغاز ومع ذلك ينتشر الفقر والصراعات والحروب بين المسلمين ..لا يمكن ان نترك مصير 1,7 مليار مسلم بيد 5 دول فى مجلس الأمن تقرر مصيرها pic.twitter.com/r8Z3eHYI0f— Ibrahim ilgazzar (@IIlgazzar1) December 19, 2019
في تقرير سابق لـ “نون بوست” نقل عن وسائل إعلام محلية باكستانية تلميحها لدور سعودي إماراتي في الأمر، حيث نقلت صحيفة “ساوث تشاينا موريننج بوست” الباكستانية، عما وصفته مصادر صحفية متعددة، أن الرياض ضغطت على رئيس الوزراء الباكستاني لحمله على عدم حضور القمة، كذلك الرئيس الإندونيسي
السعودية ترى في القمة تهديدًا لزعامتها لدول العالم الإسلامي والتي استمرت لعقود طويلة صدرت خلالها نفسها كمتحدث باسم مليار ونصف المليار مسلم في مختلف أنحاء العالم، وهو ما أثار قلقها في ظل ما تعاني منه من تقليص واضح لدورها في المنطقة لحساب قوى أخرى جرًاء ما تتبعه من سياسات على المستوى الداخلي والخارجي على حد سواء.
لا أحد ينكر أن المعسكر الإسلامي العربي يحيا أسوأ مراحله، تناحر وخلافات وديكتاتورية وفساد، بجانب تبعية مطلقة للأمريكان من جانب وارتماء في أحضان “إسرائيل” من جانب آخر، ومن ثم فإن تكتل جديد يقدم نفسه بهذه القوة والعقلية الجديدة والمنهجية المختلفة من شأنه أن يعيد رسم خارطة الزعامات في المنطقة.
القمة بما تضعه من ثوابت جديدة كتقديم القُدوةً في كُل المجالات، التنمية، الديمقراطيّة، احترام حُقوق الإنسان، العدالة الاجتماعيّة، نبذ الطائفيّة بكُل أشكالها، وتكريس السيادة الوطنيّة، وتكريس أُسس الحُكم الرّشيد، واقتِلاع الفساد بكُل أشكاله، والعمل من أجل التّقريب بين المُسلمين، والانتِصار دون تردّد لقضاياهم العادِلة بكُل الطُّرق والوسائِل، فهي بذلك تضع معايير جديدة للزعامة والريادة، تتعارض بشكل كبير مع الخارطة الحالية، وتعد جرس إنذار وتحذير شديد اللهجة للقوى الحالية، الكبيرة منها والصغيرة.
وفي المجمل يكفي الإشارة إلى أنه في الوقت الذي ترفع فيه قمة كوالالمبور شعار عدم الخوف من إبداء الرأي والجرأة في التعاطي مع القضايا التي تهم المسلمين ينتظر الداعية السعودي الشهير، سلمان العودة، قرار النطق بالحكم في قضيته بسبب أراءه المعلنة على منصات التواصل الاجتماعي، هذا بخلاف مئات من النشطاء والحقوقيين والمفكرين والعلماء خلف السجون في انتظار مصيرهم المجهول.