ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الجمعة، وهو يقود أول سيارة تركية محلية الصنع بالكامل، بعد ما يقرب من نصف قرن من إنتاج السيارة التركية الأولى “ديفريم”، لتدخل بذلك عالم الوجود الحقيقي في انتظار أن تسير نسختها الأولى على الطريق.
حلم قديم يتحقق
خلال عملية التدشين، كشفت أنقرة، نموذجين أوليين للسيارة المحلية، في ولاية قوجة إيلي، وقاد أردوغان النموذج التجريبي عبر جسر معلق في حفل بمنطقة جبزي شمال غرب البلاد، ومن المقرر أن تنشئ مجموعة الشركات المشرفة على تصنيع السيارة التركية المحلية، المصنع في بورصة، وستمتد مدة الاستثمار لـ13 عامًا.
في هذا الحفل التاريخي، كشف عن سيارتين كهربائيتين من طراز رياضي متعدد الاستخدامات غير كلاسيكية هي الأولى من نوعها في أوروبا: الأولى حمراء اللون والأخرى رمادية، وعليهما علامة “توج” TOGG وهو اسم التحالف الصناعي (الكونسورتيوم) الذي سيصنعهما، وقدمت السيارتان وهما تسيران على طرق سريعة وفوق جسر.
بتدشين هذه السيارة المحلية، يكون أردوغان قد حقق حلمه وحلم حزبه الحاكم “العدالة والتنمية” والأتراك جميعًا، فهذا الحلم ظل يراود الجميع منذ عشرات السنين، للتأكيد أن بلادهم أصبحت قوة اقتصادية كبرى لا يستهان بها على الصعيد العالمي في كل المجالات.
ومنذ سنة 2011، أعلن رجب طيب أردوغان حينما كان رئيسًا للوزراء، بأن الوقت حان لتنتج تركيا سيارة محلية الصنع، وإثر ذلك أعدت جمعية صناعة السيارات، تقريرًا بشأن المشروع وقدمته إلى الحكومة في 29 من سبتمبر/أيلول 2011، غير أنه تعرض لانتقادات كثيرة ولم يرَ النور.
خلال مراسم التعريف بالسيارة، قال الرئيس التركي: “نشهد يومًا تاريخيًا بالنسبة لتركيا التي يتحول حلمها إلى حقيقة بعد 60 عامًا”، معربًا عن طموح بلاده بامتلاك سيارة صممها مهندسون ومصممون أتراك ومنتجة بتكنولوجيات محلية، توصل اسم تركيا إلى العالم أجمع.
وتمثل هذه السيارة الوطنية الجديدة تتويجًا لتجارب التصنيع في قطاع السيارات بجهود تركية خالصة، وتتشارك فيها 5 شركات صناعية تركية عملاقة هي مجموعة “الأناضول” و”بي أم سي” و”كراجا القابضة” ومجموعة “توركسيل و”زورلو القابضة”.
وسبق أن وقعت الشركات الخمس، بروتوكولًا للتعاون مع وزارة العلوم والصناعة والتكنولوجيا واتحاد الغرف والبورصات التركي بغية تشكيل مجموعة مشتركة لإنتاج السيارة المحلية، وفقًا للجريدة الرسمية التركية.
بداية القصة
هذا الحلم يعود لعشرات السنين كما سبق أن نقلنا على لسان الرئيس التركي، غير أن التطبيق الفعلي له انطلق في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حين كشف أرودغان، للمرة الأولى، خططًا لإنتاج سيارة محلية بالكامل بحلول سنة 2021. في ذلك الشهر، وقع بروتوكول تعاون لتشكيل مجموعة مشتركة لمبادرة إنتاج السيارة المحلية، بمشاركة 5 شركات.
في 31 من مارس/آذار 2018، وقعت اتفاقية التأسيس والشراكة لـ”الشركة الصناعية التجارية المساهمة لمبادرة إنتاج السيارة التركية”، وتم تعيين المسؤول التنفيذي السابق في بوش محمد غورجان قره قاش، رئيسًا تنفيذيًا للشركة المنتجة الجديدة، فيما تم تعيين المدير التنفيذي السابقة لجنرال موتورز كوريا سيرجي روشا مديرًا للعمليات.
ويرجع تاريخ إنتاج أول سيارة محلية صُنعت في تركيا على أيدي مهندسين وعمال أتراك إلى العام 1961، حين رأت السيارة التركية الأولى “ديفريم” (الثورة) النور وأنتج منها 4 نسخ فقط، فقد أرادت حينها السلطات الانقلابية في تركيا تقديم إنجاز صناعي يعزز شرعيتها بين أبناء الشعب التركي، لكن المشروع فشل.
وفي عام 1966 أنتج رجل الأعمال التركي المشهور وهبي كوتش أول نموذج ناجح للسيارة التركية المحلية الصنع في مصانع شركة “أوتوسان” العملاقة، واستطاعت الشركة إنتاج عدد كبير من النماذج والوحدات التي حققت نجاحًا في السوق التركية.
اعتبرت هذه السيارة التي حملت اسم “الأناضول” الخطوة الصناعية الأهم في تركيا خلال تلك الفترة، وكانت السيارة المحلية الأولى والوحيدة التي لها إنتاج متسلسل. وحتى إيقاف إنتاجها عام 1984، طرحت 93 ألفًا و188 مركبة من “أناضول”، 62 ألفًا و923 من نوع السيارات العادية، و30 ألفًا و265 من طراز “بيك آب”.
خصائص السيارة
خلال تدشين هذه السيارة التي شارك أكثر من 100 مهندس تركي في إنجازها، تم الكشف عن بعض خصائصها، حيث تعمل بنظام تحكم ذاتي ومزودة بنظام اتصال دائم بشبكة الإنترنت، كما يمكن للسيارة الذكية أن تساعد في عدة أمور مثل التسوق من الإنترنت وتسليم المشتريات إلى السيارة حتى وإن لم يكن سائقها موجودًا.
كما أنها “لن تلوث البيئة إطلاقًا، لأنها ستعمل دون انبعاثات على الإطلاق”، وفق الرئيس التركي، ومن المنتظر أن تدخل السيارة الجديدة الأسواق في البداية بطراز SUV الكهربائي، وهو من فئة السيارات العائلية المدمجة C segment (الفئة المتوسطة)، ثم سيتم رفع عدد الأطرزة إلى 5 في السنوات اللاحقة.
ومن المنتظر أن تدخل هذه السيارة الكهربائية SUV السوق في 2022، على أن توجه لأسواق الصادرات بالاتحاد الأوروبي خلال عامين أو ثلاثة، ومن المخطط أن يبدأ الإنتاج التسلسلي للسيارة عام 2022، وعقب ذلك بسنتين أو ثلاث، سيتم الانفتاح على الأسواق الخارجية، وفي مقدمتها أسواق الاتحاد الأوروبي.
أهمية كبرى لاقتصاد البلاد
هذه السيارة الجديدة من المتوقع أن تساهم في الاقتصاد التركي بـ50 مليار يورو خلال 15 عامًا، وتقلص عجز الحساب الجاري بمقدار 7 مليارات يورو، إضافة إلى توفير 4 آلاف فرصة عمل بصورة مباشرة بينهم 300 من أصحاب المؤهلات، و20 ألفًا أخرى بطريقة غير مباشرة.
وتخطط تركيا لإنتاج ما يصل إلى 175 ألف سيارة سنويًا بموجب هذا المشروع، وأن تستقطب استثمارات ثابتة بقيمة 22 مليار ليرة (3.7 مليار دولار) على مدى 13 عامًا، وتضمن الحكومة شراء 30 ألف سيارة بحلول 2035، وفق الجريدة الرسمية التركية.
لذلك، عملت الحكومة التركية على إنجاح هذا المشروع الجديد، حيث ستقدم له دعمًا حكوميًا مثل الإعفاءات الضريبية، وإنشاء منشأة للإنتاج في مركز للسيارات ببورصة شمال غرب تركيا، وفقاً لقرار رئاسي نُشر في الجريدة الرسمية للبلاد.
تعتبر تركيا من كبار مصدري السيارات نحو أوروبا، فهي تضم فوق أراضيها شركات كبرى مثل “فورد” و”فيات كرايسلر” و”رينو” و”تويوتا” و”هيونداي”، وخلال العام الماضي بلغت قيمة صادرات تركيا من السيارات 31.6 مليار دولار، بزيادة قدرها 11% عن العام 2017، في حين توقع اتحاد مصدري السيارات في تركيا أن تتجاوز صادرات البلاد 32 مليار دولار عام 2019، ليبقى قطاع السيارات محافظًا على المرتبة الأولى على التوالي للمرة الـ13 كأعلى قيمة للصادرات التركية.
بهذا المشروع الجديد الذي سينزل إلى الأسواق قريبًا من المتوقع أن تصبح الدولة التركية من كبار منتجي ومصدري السيارات في القارة الأوروبية، ما من شأنه أن يعود بالفائدة على اقتصاد البلاد وعلى الأتراك عمومًا.