لم يمر مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مرور الكرام لدى جمهور الثورة السورية والمعارضين لنظام بشار الأسد، حليف طهران، فقد كان يوم الجمعة، يوم مقتل سليماني، يوم فرحٍ عارم وبهجة غامرة على امتداد الجغرافيا التي اتسعت للسوريين في العالم، فوزعت الحلويات وأقيمت الوقفات الاحتفالية ابتداءًا من مدينة إدلب التي تعاني ويلات قصف روسيا والنظام عليها في هذه الأوقات وانتشرت الاحتفالات إلى البلدان التي لجأ إليها السوريون في تركيا وأوروبا وحتى في بعض الدول العربية.
هذا الفرح وتلك البهجة لم تأتي من فراغ، فالباحث عن الأسباب يجدها كثيرة لدى السوريين الذين عانوا ما عانوا من التدخل الإيراني لمواجهة الثورة الشعبية منذ عام 2011 وحتى اليوم، ويبدو أن المصالح الإيرانية تضررت مع الانتفاضة السورية كثيرًا ما دفع بها لإرسال جيوشها ومليشياتها إلى سوريا والمساهمة في عمليات القمع والإجرام بحق الشعب، فشاركت بالمجازر والتهجير إضافة إلى مشاركتها بأعمال تغيير التركيبة السكانية على أساس طائفي.
تأكيد مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس
مبارك للسوريين والعراقيين والعرب
فقدنا بكل فرح وشماتة أحد أكبر مجرمي البشرية
هذا أعظم وأسعد وأجمل خبر نسمعه منذ زمن بعيد !
— أحمد أبازيد (@abazeid89) January 3, 2020
حشدت طهران أبرز قياداتها العسكريين للحفاظ على الحالة السورية بما يحفظ مصالحها ويحقق غايتها، فكان إرسال قاسم سليماني لإدارة الملف ومساعدة الأسد لما له من خبرة عسكرية ونفوذ سياسي في طهران بالإضافة لرضا المرشد الأعلى علي خامنئي عنه، ليدخل سليماني إلى دمشق ويبدأ بأعماله القتالية ويؤسس للميلشيات الطائفية التي كانت رديفًا مهمًا لقوات جيش الأسد في معركته ضد الثورة السورية بكافة مراحلها.
عانى الشعب السوري كثيرًا من سليماني وجنوده في كافة المناطق، فقد ساهم بحصار عدّة مناطق وتهجير أخرى كما ارتكبت عصاباته مجازر بحق المدنيين، من أجل ذلك فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات عليه منذ 2011 وهو العام الذي تمت ترقية الجنرال الإيراني من رتبة عقيد إلى لواء، وتقول صحيفة “نيويوركر” الأمريكية، إن سليماني عندما “تولى قيادة فيلق القدس كان يعمل على إعادة تشكيل الشرق الأوسط لصالح إيران”.
نسلط في هذا التقرير الضوء على جرائم قام بها قاسم سليماني بحق الشعب السوري خلال السنوات الـ 9 الأخيرة والتي من خلالها أسس لحضور إيراني قوي في المشهد السوري بشكل خاص قائم على القوة والهيمنة والتغيير الديمغرافي.
معركة القصير
تكررت في بداية الثورة السورية زيارات قاسم سليماني الدورية إلى دمشق لقيادة معركة جنوده بنفسه، بحسب تقارير استخباراتية أمريكية. وبحسب مسؤولين أمريكيين، فقد كان سليماني “يدير معركة بقاء الأسد من دمشق”، وللتأكيد على أهمية سوريا بالنسبة لإيران يقول سليماني في أحد خطاباته عام 2013 إن “سوريا هي خط الدفاع الأول للمقاومة، وهذه حقيقة لا تقبل الشك”.
قال تقرير نُشرته في ذات العام مجلة نيويوركر إن قاسم سليماني يدير معركة السيطرة على مدينة القصير في ريف حمص من مبنى محصن بشدة، مكونًا غرفة عمليات تضم قادةً من جيش الأسد وقوات “حزب الله” ومليشيات متعددة الجنسيات من العراق وأفغانستان.
تشير الصحيفة إلى أن سليماني نسق الهجمات ودرّب المليشيات المهاجمة كما أنه استطاع التنصت على اتصالات المعارضة. وتعاون سليماني في معركة القصير مع حسن نصر الله قائد المليشيا اللبنانية “حزب الله”، وذلك بغية أن يرسل الأخير آلاف المقاتلين، وبدأت المعركة بإطباق الحصار على المدينة السورية التي انتفضت في وجه الأسد وشكلت حالة ثورية، إلا أن سليماني وبخليط من المقاتلين استطاع السيطرة عليها ليكون نصره فيها نصرًا محوريًا لإطلاق يده في البلاد.
يذكر أن معركة السيطرة على مدينة القصير تمت بعد أن قتلت المليشيات مئات المدنيين ونكلت بالمدينة كما أنها دمرت جزءًا واسعًا منها بعد حصار خانق للمدينة، وبدأ الناس نتيجة لاشتداد الحصار بمغادرة القصير ليلًا والتسلل عبر البساتين للهروب من جحيم القصف على المدينة وقراها. وتذكر تقارير أن المليشيات الإيرانية واللبنانية إضافةً إلى جنود النظام قتلوا وقتها نحو ثلاثة آلاف إنسان من أهل المنطقة. وهو رقم يُعدّ الأعلى في سورية كلها قياساً إلى نسبة عدد السكان. إذ أن الصواريخ كانت تسقط بشدّة ونتيجة للقصف الهائل والمستمر تم تدمير أكثر من 90% من المدينة، وتهجير أهل القصير يعدّ من أكبر انتهاكات قاسم سليماني ومليشياته في سوريا، إذ أن مدنيي المدينة لم يعودوا إلى بيوتهم وبقي في المدينة بضع مئات من موالي النظام و”حزب الله”.
تدمير حلب
خرج قاسم سليماني مزهوًا بالسيطرة على مدينة حلب أواخر عام 2016، متجولًا على ركامها وفرحًا بانتصار بلاده وحليفها الأسد بدهم جوي روسي وميلشيات أفغانية عراقية لبنانية بالسيطرة على المدينة المهمة بكافة الأصعدة لكافة الأطراف، وتناقلت وسائل إعلام إيرانية صوراً مسربة لسليماني يتجول بين أحياء حلب المهدمة بفعل قصف قواته لها، قتل سليماني وحلفائه من أهالي حلب عشرات الآلاف كما نتج عن حربهم على المدينة أكبر عملية تهجير تحصل في سوريا.
خطر على بال أحد الصحفيين حينها أن يتذكر “شارون وهو يتجول على ركام بيروت وموشيه دايان الصهيوني الذي جال في القدس بعد السيطرة عليها”، وما بين عامي 2014 و2016، انخرط القائد الإيراني في معارك المدينة وكان يقود مقاتلي المليشيات التي استطاعت حصار المدينة الذي أنهكها مما أدى للسيطرة على المدينة وتهجير أهلها منها.
يتهم ناشطون وصحفيون سوريون سليماني بأنه المسؤول الأول عن الدمار الذي لحق بمدينة حلب ومرافقها وتهجير أهلها، ويذكر الناشط السوري عمر مدنية “من أفظع جرائم قاسم سليماني بعد قتل الصغير والكبير في سوريا هو تدميره المسجد الأموي في حلب والذي تجاوز عمره ١٣٠٠ سنة هجرية”.
تجويع مضايا
منذ أن شاع نبأ مقتل قاسم سليماني بدأ ناشطون يتذكرون حصار المليشيات الإيرانية التابعة لقاسم سليماني و”حزب الله” لمدينة مضايا بريف دمشق، ويقول أحدهم بتغريدة على توتير “للراغبين في كتابة سيرة قاسم سليماني.. لا تنسوا حصار مضايا من ضمن إنجازاته”. ويذكر أن هذا الحصار تسبب في وفاة عشرات المدنيين نتيجة لانقطاع الطعام والشراب من بينهم أطفال ونساء.
للراغبين في كتابة سيرة #قاسم_سليماني.. لا تنسوا حصار مضايا من ضمن إنجازاته pic.twitter.com/PzHVmNAfdu
— Thaer Ghandour (@thaerghandour) January 3, 2020
أدت الحملة العسكرية على مدينة الزبداني عام 2015 للجوء معظم سكانها إلى بلدة مضايا المجاورة، وقامت قوات النظام حينها بقصف مضايا بالبراميل المتفجرة، وفرض على المدينة حصاراً محكماً ع ووصلت الحال بالمحاصَرين إلى درجة أكل القطط والكلاب والحشائش وأوراق الأشجار لسد رمقهم.
مهندس التغيير الديمغرافي
رحب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بمقتل “قاسم سليماني”، وذلك لدوره فيما “وصلت إليه الأوضاع في سوريا بعدما شارك نظام الأسد في قتل وتهجير ملايين السوريين الأبرياء”، والمعروف عن سليماني أنه مهندس التهجير الديموغرافي في جل المحافظات السورية، في كثير من المناطق وخاصة دمشق، وعقب الإعلان عن مقتل سليماني، غرد “هشام” وهو أحد المهجرين في سوريا، قائلاً: “بعد خمس سنين من النزوح. مات المسؤول المباشر عن تهجيري وعائلتي من قريتنا”.
بعد خمس سنين من النزوح. مات المسؤول المباشر عن تهجيري وعائلتي من قريتنا.
— Hisham (@Hisham_h_m) January 3, 2020
لم يكتفِ قاسم سليماني بهذه الأفعال وإن كانت هي الأبرز على صفحات سجله الحافل بالموت في سوريا، ما يبرر تلك الأفراح الممزوجة بدمعات أسىً على مدن فُقدت وأرواح أُزهقت، ومازال اللاعبون الآخرون بالدم السوري طليقي الأيدي في فضاء حرٍ وعالم صامت عن كل المجازر التي تُرتكب والتشريد الحاصل وليس آخرها في إدلب وأهلها الذين هتفوا يوم مقتل سليماني بأملٍ على مصيرٍ مشابهٍ للأسد وزبانيته.