أشهر من التسويق والهالة الإعلامية لمؤتمر برلين الخاص بليبيا، حتى ظن البعض أن الفرج قادم، لكن عُقد المؤتمر وانفض الجمع دون أن تكون هناك أي حلول ملموسة، فالأطراف المتدخلة في الشأن الليبي واصلوا اجترار الرؤى والدعوات السابقة دون توضيح كيفية تطبيقها ما يجعلها مجرد حبر على ورق كعاداتها.
مخرجات المؤتمر
المجتمعون في برلين، دعوا في ختام لقائهم، الأطراف الليبية وداعميها لإنهاء الأنشطة العسكرية (الالتزام بقرار الأمم المتحدة الخاص بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا) مع وقف دائم لإطلاق النار والوقف الشامل والدائم لكل الأعمال العدائية في ليبيا، مؤكدين أن الحوار الليبي وحده الكفيل بإنهاء الصراع وفرض السلام في هذا البلد العربي المنكوب نتيجة الأزمات المتتالية التي يشهدها منذ سنوات.
فضلًا عن ذلك، دعا البيان الختامي لهذا المؤتمر إلى تشكيل لجنة عسكرية لتثبيت ومراقبة وقف إطلاق النار، تضم 5 ممثلين عن كل من طرفي النزاع على أن تجتمع الأسبوع المقبل، كما دعا الأمم المتحدة إلى تشكيل لجان فنية لتطبيق ومراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، ولعب دور في مفاوضات تثبيت وقف إطلاق النار.
تقاتل حكومة الوفاق الوطني منذ أبريل/نيسان من السنة الماضية، ميليشيات الكرامة التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في مسعى منها للتصدي للعدوان على العاصمة طرابلس
كما دعا البيان إلى احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان ومحاسبة كل من يتورط في شن هجمات على مدنيين أو المناطق المأهولة أو أعمال خطف وقتل خارج إطار القانون أو العنف الجنسي والتعذيب وتهريب البشر.
وحث المجتمعون في برلين جميع الأطراف الليبية على إنهاء المرحلة الانتقالية بانتخابات حرة وشاملة وعادلة، وإنشاء مجلس رئاسي فاعل وتشكيل حكومة موحدة وشاملة وفعالة تحظى بمصادقة مجلس النواب، كما شدد بيان برلين على ضرورة حل الأزمة الليبية بواسطة الليبيين أنفسهم من دون تدخل خارجي.
وفي مسألة النفط، دعا المؤتمر إلى توزيع عادل وشفاف لعائدات النفط والامتناع عن الأعمال العدائية ضد المنشآت النفطية، فضلًا عن دعم تأسيس منظومة أمن وطنية موحدة في ليبيا، تحت سيطرة السلطة المركزية والمدنية، وقصر استخدام القوة على الدولة وحدها.
دعا البيان النهائي أيضًا إلى إنشاء لجنة مراقبة دولية برعاية الأمم المتحدة، لمواصلة التنسيق بين كل الأطراف المشاركة في المؤتمر، على أن تجتمع شهريًا وتشكيل لجان لمتابعة المسارات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإنسانية.
وشارك في هذا المؤتمر، كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا وتركيا وإيطاليا ومصر والإمارات والجزائر والكونغو، كما شاركت أيضًا أربع منظمات دولية ممثلة في: الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، فيما غاب طرفا النزاع: رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وخليفة حفتر رغم وجودهما في برلين.
إعادة لمخرجات المؤتمرات السابقة
هذا المؤتمر والنتائج المنبثقة عنه، يعتقد المحلل السياسي الليبي عصام الزبير أنها لا تختلف كثيرًا عما حصل سابقًا في لقاءات باريس (فرنسا) وباليرمو (إيطاليا) وأبو ظبي (الإمارات) التي تناولت الأزمة الليبية وبحثت سبل حلها وفق ما روج له.
ويؤكد الزبير في حديث مع نون بوست، أن هناك مساعي من الأمم المتحدة لإفشال هذا المؤتمر على عكس ألمانيا التي أرادت الدفع نحو إنجاحه، فكيف يعقل أن يؤكد الأمين العام للأمم المتحدة عدم وجود وقف إطلاق نار حتى يتم مراقبته.
الشيء الوحيد الذي يختلف فيه هذا المؤتمر عن المؤتمرات السابقة، وفق عصام الزبير، رفض رئيس حكومة الوفاق فائز السراج لقاء خليفة حفتر والجلوس معًا رغم المحاولة المصرية، وهو ما أربك بعض الحضور، وأشار محدثنا إلى أن “تخبط الرؤية الأوروبية ودخول روسيا على الخط والمبادرة التركية الروسية التي سبقت المؤتمر ودعت لوقف إطلاق النار وخوف أوروبا من ضياع ملف ليبيا منها رغم إهمالها له دفع بمؤتمر متسرع ودون آلية ولا خطة عمل واضحة”.
بدوره أكد الصحفي الليبي أنس المسلاتي أن “مؤتمر برلين لم يضف شيئًا في سبيل إنهاء الأزمة الليبية، فما خرجوا به مجرد توصيات كسابقاتها من المؤتمرات والملتقيات وهو الدعوة إلى الحل السياسي وأن الأزمة الليبية لا تحل عسكريًا”.
رغم كل ما قيل في هذا المؤتمر، يأمل العديد من الليبيين أن يكون بادرة لإجراءات جديدة تضع حدًا للميليشيات الرافضة للشرعية الأممية والساعية إلى تقسيم البلاد
نفس الاعتقاد ذهب إليه الصحفي التونسي المختص بالشأن الليبي كريم البوعلي، حيث يعتقد أن مؤتمر برلين لم يأت بجديد يذكر للأزمة الليبية رغم ما أضفته ألمانيا من هالة إعلامية وتشويق عليه، فالتحركات التركية الروسية التي استبقته ومخرجاتها هي تقريبًا نفس مخرجاته من حيث تثبيت وقف إطلاق النار وتكوين لجنة عسكرية مشتركة خمسة زائد خمسة بين قادة قوات الوفاق وقوات حفتر ونزع سلاح المليشيات تدريجيًا.
ويرى البوعلي في مداخلة مع نون بوست، أن الإضافة البسيطة المهمة لمخرجات المؤتمر أنها محل توافق من الدول الأعضاء في مجلس الأمن وستعرض عليه لاحقًا مما قد يجعلها قرارات ملزمة لكل الأطراف المتنازعة خاصة حفتر الذي لا يلتزم بشيء ولا يعير للاتفاقيات والتفاهمات مع خصومه أي قيمة وهو ما تجلى سويعات قليلة بعد المؤتمر حين خرقت قواته وقف إطلاق النار.
تمطيط للأزمة وإذكاء للصراع
ما حصل في برلين، يتنزل وفق أنس المسلاتي في إطار “تمطيط الأزمة الليبية وزيادة إذكاء الصراع، خاصة في ظل عدم وجود وقفة حقيقية بإرجاع المعتدين (قوات حفتر) لحدود ما قبل الـ4 من أبريل/نيسان 2019 وهو بداية الغزو لمحاولة احتلال طرابلس”.
يضيف المسلاتي في حديثه لنون بوست “المجتمع الدولي يشاهد هذا الاعتداء ولم يصدر منه إلا بيانات الاستنكار رغم علم الجميع بأن الحكومة الشرعية حاولت بشتى الطرق منذ استلامها الحكم إيجاد حلول سلمية وهو ما كانت ذاهبة إليه في المؤتمر الجامع الذي نقضه المعتدي وداعموه من السعودية والإمارات ومصر”.
قوات حفتر اخترقت الهدنة مباشرة بعد انتهاء مؤتمر برلين
تقاتل حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج منذ أبريل/نيسان من السنة الماضية، ميليشيات الكرامة التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بمعية مرتزقة من السودان وروسيا والطيران المسير الإماراتي والمصري، في مسعى منها للتصدي للعدوان على العاصمة طرابلس وحماية البلاد من خطر التقسيم والعسكرة.
ويؤكد محدثنا أن “الحل السياسي السلمي لا تريده الدول الداعمة للانقلاب ولمجرم الحرب حفتر، فلا الإمارات ولا السعودية ولا مصر رغم ازدواجية المعايير التي يتعاملون بها التي تعتبر “نفاقًا سياسيًا” باعترافهم بحكومة الوفاق الصادرة عن اتفاق الصخيرات ويدعمون عسكريًا حفتر ومليشياته، يريدون حلًا سلميًا للأزمة الليبية”.
ويرى أنس المسلاتي أن المبعوث الأممي لليبيا غسان سلامة، لا يريد البوح بهذا الأمر أمام الأمم المتحدة حيث ما زال يتستر على هذه الدول الداعمة للانقلابيين في ليبيا، تلك الدول التي تعتبر حجر عثرة أمام كل محاولات إيجاد حلول سلمية للأزمة هناك”.
رغم كل ما قيل في هذا المؤتمر، يأمل العديد من الليبيين أن يكون بادرة لإجراءات جديدة تضع حدًا للميليشيات الرافضة للشرعية الأممية والساعية إلى تقسيم البلاد وفرض نظام عسكري فيه يعيد كابوس نظام معمر القذافي.