يعتبر حزب الله العراقي أول ميليشيا عراقية توالي مرجعية دينية غير عراقية “النجف”، فهي توالي المرجعية الدينية في إيران مع التسليح والتدريب والتمويل وتأتمر بأوامرها وتأخذ نصائحها وإرشاداتها، فهي ميليشيا عقائدية عابرة للحدود لا تعترف بالدولة العراقية ولا بدستورها ولا برئيس وزرائها ولا تخضع للقانون العراقي وتتعامل بفوقية مع الجميع حتى مع من هم بموازاتها من ميليشيات الحشد الشعبي كالنجباء وعصائب أهل الحق، فإيران تعتمد عليها في المهمات الخاصة التي تحقق مصالحها كونها الأشد إخلاصًا والأكثر تدريبًا والأكثر تسليحًا ولها ارتباط مباشر بالحرس الثوري الإيراني.
ظروف النشأة الخاصة
لهذه الميليشيا ظروف نشأة خاصة لحدثين فارقين واكبا نشأتها في لبنان والعراق، فقد تأسست في العراق على وقع الحرب الطائفية في 2006 وهي تجميع لعدد من الميليشيات (كتائب السجاد – كتائب كربلاء – كتائب علي الأكبر – لواء أبو فضل العباس) واختيار العناصر الأكفأ منهم لإنشاء مجموعة منظمة تمارس عملها الميليشياوي بحرفية وانضباط بعيدًا عن فوضى القتل والتعذيب وفرق الموت العشوائي التي كان يقوم بها جيش المهدي وفيلق بدر والقاعدة وغيرهما الكثير من الميليشيات.
في لبنان 2006 وقعت حرب تموز بين حزب الله اللبناني و”إسرائيل”، واعتبرت إيران مواجهة “إسرائيل” نصرًا لمحور المقاومة ولا بد من توسيعه ليضم بلدانًا أخرى ولا يقتصر على لبنان، فعقدت اجتماعات عراقية إيرانية لبنانية (قاسم سليماني، أبو مهدي المهندس، عماد مغنية) لإنشاء ميليشيا عابرة للحدود ذات مهمات خاصة وذات طابع استخباري وبولاء مطلق لمرجعية غير مرجعية النجف، فكانت ميليشيا حزب الله العراقي التي تضطلع اليوم بالكثير من الأدوار العلنية والخفية في العراق ولبنان وسوريا.
قدم في الدولة وأخرى في اللادولة
تطورت ميليشيا حزب الله العراقي وأصبحت على مدى أكثر من عقد على إنشائها من أكثر الميليشيات تأثيرًا وتداخلًا بين منظومة الدولة ومؤسساتها ومنظومات اللادولة، فهي تمتلك قاعدة تنظيمية مؤسساتية وإطار تنظيمي هرمي خفي ومجلس شورى ومكتب سياسي ويتبعون سياسة مستقلة سواء في سلوكهم السياسي أم العسكري، رغم أنهم جزء من الحشد الشعبي، لكونهم مسيطرين على معظم مفاصل الحشد المهمة مع الميليشيات الولائية “الموالية لإيران” ولا يأتمرون بأوامر القائد العام للقوات المسلحة ويتكبرون على الفصائل الأخرى خاصة الفصائل التي تتبع مرجعية النجف (فرقة العباس – فرقة الأمام علي – أنصار المرجعية – لواء على الأكبر) وهم على خلاف كبير معهم خاصة بشأن مسألة الدمج بوزارتي الدفاع والداخية، ومسألة الولاء للنجف أو لغيرها وميزانية الحشد التي تعطيهم الفتات ولا يحصلون إلا على 1% فقط منها.
لدى قوات حزب الله مصادر اقتصاد متعددة في العراق ولبنان ويملكون استثمارات خاصة بهم، ولديهم مؤسسات وشخصيات تساندهم كالتجار والمقاولين ومراكز ثقافية ودينية ومنظمات إغاثية، وشبكة من العلاقات السياسية والاقتصادية مع أحزاب شيعية فاعلة في الحكومة والبرلمان، كما لديها شبكة من المسلحين يعملون كأشباح قدم في مؤسسات الدولة وقدم في منظومات اللادولة، فهم جزء من الحشد الشعبي في ألوية 45 و46 و47 ويتقاضون رواتبهم من الدولة العراقية ومن ميزانية الحشد، ويبلغ تعدادهم 7500 مقاتل داخل العراق وما يقارب 2700 عنصر يقاتلون في سوريا بادعاء حماية مرقد السيدة زينب.
كما لديهم قوة صاروخية ومدفعية ودائرة استخبارات ووحدة هندسية ومؤسسات إعلامية كقناة الاتجاه وإذاعة الاتجاه والكوثر وصحيفة المراقب العراقي، فقد أصبحوا نسخة مصغرة عن حزب الله اللبناني وهم يعتبرونم مثلهم الأعلى في العمل المؤسسي والميليشياوي.
إن دخول هذه الميليشيا في الحشد الشعبي لم يكن من أجل تحقيق مصلحة عراقية إنما من أجل الحصول على الغطاء القانوني من هيئة الحشد الشعبي للقيام بأعمالهم الميليشياوية، بالإضافة إلى الحصول على الرواتب والمخصصات، ناهيك عن الحماية من ردة الفعل الأمريكية حيال أعمالهم لأن الولايات المتحدة وضعتهم على قوائم الإرهاب منذ 2009، علمًا بأن الولايات المتحدة قبل اغتيال سليماني شنت هجومًا عليهم في القائم غرب العراق وفي سوريا واستهدفت مواقع تخزين السلاح والقيادة والسيطرة وقتلت منهم 25 عنصرًا وجرحت 55 من لواء 45 و46 في الحشد الشعبي، وذلك بعد هجوم بالصواريخ على قاعدة k1 المشتركة في كركوك التي أدت لمقتل متعاقد أمريكي.
لكن الحكومة العراقية أدانت الفعل الأمريكي واعتبرته انتهاكًا للسيادة العراقية وهجومًا على جهاز أمني عراقي بينما لم يُدان الهجوم من الميليشيا على قاعدة كركوك رغم أنها قاعدة مشتركة عراقية – أمريكية!
تهديدات.. الاستهتار بالدولة ومسؤوليها
في 19 من ديسمبر 2019 حلقت طائرة مسيرة (درون) فوق قصر رئاسة الجمهورية بالتزامن مع ضغوط كان يتعرض لها رئيس الجمهورية برهم صالح، من أجل تمرير تكليف مرشح تحالف الفتح لمنصب رئيس الوزراء كنوع من الضغط والتهديد لتمرير تكليفه وتجاهل شروط المحتجين، أما في 21 من يناير 2020 هددت ميليشيا حزب الله العراقي رئيس الجمهورية برهم صالح بـ”الطرد من بغداد” إذا أقدم على لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هامش أعمال منتدى دافوس الاقتصادي العالمي الذي انطلقت أعماله في سويسرا كنوع من الاحتجاج على الوجود الأمريكي بعد اغتيال سليماني.
أما رئيس مجلس النواب فقد تعرض هو الآخر للتهديد قبيل جلسة البرلمان العراقي التي ناقشت مصير وجود القوات الأمريكية في البلاد بعد مقتل قاسم سليماني، وقد هددت محمد الحلبوسي تهديدًا مبطنًا من أن الميليشيا تتابعه وعيونها تراقب بدقة ما ستؤول إليه قراراته بخصوص وجود القوات الأمريكية، وذلك بعد مساعي لتأجيل الجلسة أو تعطيلها بعدم اكتمال النصاب القانوني.
لم يسلم من تهديداتهم واستهتارهم بالدولة تلك الشخصيات في الرئاسات أو نواب البرلمان، فقد هددوا بإشعال العراق وإعلان الحرب إذا تم ترشيح رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، لمنصب رئيس الوزراء بعد تداول اسمه لقيادة المرحلة الانتقالية بعد فشل علاوي في إقناع الكتل السياسية بكابينته، كما اتهمت (الكاظمي) بمساعدة القوات الأمريكية في اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، واعتبرت أنّ الأفضل للعراق التمسك بعبد المهدي وإعادته إلى مكانه الطبيعي لتجاوز ما لم يتم تجاوزه!
أخيرًا، إن التنمر على الدولة العراقية من هذه الميليشيات والاستهتار بمسؤوليها يضرب هيبة الدولة ويجعل هؤلاء فوق القانون وفوق الدستور وفوق الدولة ويعطيهم شرعية القوة داخل العملية السياسية الخربة والملفات العراقية المتداخلة التي تؤثر على بعض خيوطها ميليشيا حزب الله، فالدولة في صراع مؤجل مع منظومات اللادولة التي تعطل عمل الحكومة وأجهزتها وتربك أداء مهامها، كما وتنافسها أحيانًا وتفرض شروطها، وهو ما يجعل الدولة تتخبط وتؤدي أدوارًا متناقضة وهي في مسيرة انحدار مستمر نحو الفشل.