لقد زُرع عبد الناصر في جسد الأمة لكي يبقى نظامه الديكتاتوري العسكري لأكثر من ستين عامًا، ونجح انقلابه حتى على من شاركوه، واستقر حكمه أكثر من أربعة عشر سنة ولم يترنح.
وهكذا انقلاب السفاح السيسي وتحالفه الإقليمي والدولي – والذي استطاع تغيير ساحة الشرق الأوسط – زُرع في المنطقة ليبقى ويستمر ويتوغل وينتشر، وهذا ما يحدث في المنطقة حتى وصل لباكستان.
وتخيل معي أن السفاح السيسي الذي رأس جهاز مخابراتي قوي جدًا ومتشابك وكبير، وقام بأكبر عملية خداع استراتيجي في تاريخ الثورات، وقضى على ثورة يناير وأهدافها ومساراتها، وشتت شمل أبنائها وفرق جمعهم وتلاعب بهم جميعًا، وكسر شوكة قواها وفصائلها واحدة تلو الأخرى – ولازال -، وقام بتشويه الثورة في عقول وقلوب قطاع عريض من الشعب المصري، كما خلق رأي عام ضاغط من المسوخ الكارهة للثورة ولأبنائها.
(1) معركة تزييف الوعي
– إمداد قادة الفصائل والقوى السياسية معلومات صحيحة لجس النبض وتوقع حجم رد الفعل ورسم خريطة المستقبل على أساس الاستطلاع.
– إمداد القادة بمعلومات خاطئة لتبني عليها القوى خطتها ومسارها وطريقة تفكيرها، وهكذا يسيطر على عقل القادة وعلى منهج تفكيرهم وقراراتهم وآرائهم.
– الاعتماد على نشر الأكاذيب وخلق الشائعات لتشويه الصورة وخلق رأي عام موجه وضاغط.
– السخرية والاستهزاء لكسر الهيبة وهدم الخيمة واستباحة العرض.
(2) معركة البطن الجائعة
– خلق وتفعيل الأزمات القريبة واللصيقة بالمواطن البسيط (البنزين والسولار).
– تقسيم وتوزيع الأزمات وتفعيلها على شرائح المجتمع وأطيافه (الأطباء والصيادلة والعمال والأزهر والأوقاف والقضاه) لخلق صورة المجتمع الضاغط بكل صوره وأشكاله.
– تفعيل وتهييج المطالب الفئويه ونشرها وتعدد صورها وأشكالها.
(3) معركة التخويف والترويع وخلق البعبع
– داخليًا بنشر الترويع بالقتل والسرقة والتفجير والقصص المفبركة.
– خارجيًا بتشويه الصورة وتخويف الغرب واللعب على وتر الإرهاب وفزاعة القاعدة وداعش.
كما تخلص من مبارك ورجالاته وقضى على فكرة التوريث وحلم جمال مبارك فى حكم مصر، وغير صورة الجيش على الأقل عند كثير من الدهماء والبسطاء والعوام بعد أن ظهرت مثالبه وعيوبه في فترة حكم طنطاوي، واستغل الجيش ومخابراته وقادته وضباطه والشرطة والقضاء والإعلام ومؤسسات الدولة لتحقيق أهدافه وأحلامه ومآربه، وتخلص من طنطاوي وعنان وبأيدي غيره وأعاد هيكلة الجيش وقادته وقوانينه بما يحقق له مايريد.
وخدع ونصب وضحك على أكبر جماعة إسلاميه منظمة فى العالم العربى والإسلامى ألا وهى جماعة الإخوان المسلمين، وورطها في الحكم وعرضها لأكبر حملة تشويه تتعرض له قوى وأحزاب سياسية في التاريخ، وخلق لها العثرات والنكبات وأهل في وجهها بغض الناس وكره رفقاء الميدان.
واختطف الرئيس المنتخب بعد أن انقلب عليه وسجنه وحاكمه، وقتل وسجن واعتقل الآلاف في أكبر حملة إبادة جماعية عرفها التاريخ في ظل صمت العالم.
ودعم تاريخي عالمي عربي وغربي وأمريكي، ومن لواء في جيش إلى قصر الاتحاديه خلال أقل من ثلاثة أعوام.
ونجح في إرباك المشهد الثوري وإشغال الرئيس والإخوان في قضاياهم واعتقالاتهم ماديًا ومعنوًيا حتى ظهر الرئيس وهو يشكو من عدم وجود مايكفى من النقود في السجن، وظهر الشاطر وهو يسأل عن مواعيد زيارته القادمة.
هل كل من فعل هذا – ولازال – جاء ليترنح؟!
ويسألنى سائل الآن كيف تقول هذا ونحن نسمع ونرى ازديادًا في السخط الشعبي لنظام السفاح السيسي وأعوانه؟
السفاح السيسي هو ومن حوله يدرسون الشعب المصري جيدًا ويعلمون أن سخط بعض الشرائح كالباعة الجائلين يعوضه سعادة وفرح أبناء وسط البلد بجمال المنطقة والانسياب المروري فيها والتحسن الأمني، وهكذا تقول الاستراتيجية الاستبدادية، وكما فعل مع الإخوان وغيرهم من الفصائل الثورية بخلق تيار مؤيد له ومعاد لتلك الفصائل مع شحنه إعلاميًا وخلق رأي عام مواز بل ضاغط في كثير من الأحوال يفعل كل ذلك مع اتجهاته وانحيازته وقراراته، ثم قل لي بالله عليك ماذا قدم السخط الشعبي بعد تيار الدماء الجارف لأوراح الأبرياء وموجات الغلاء الرهيبة التي أصابت عناصر حيوية عند المواطن ورفع الدعم عن ضروريات الحياة كالكهرباء والبنزين والسولار، ولا تنسى ما حدث للمواد التموينية والتي تمس قطاع عريض من الشعب المصري.
السخط الشعبي الملحوظ لاقيمة له:
- مع عدم الاستفادة منه وترويجه وتظهيره على السطح الثوري وتعميق آثاره وتثوير الناس من خلاله.
- وأيضًا الشتات الثوري مع حالة الإحباط الفصائلي من التوافق.
- وعدم وجود رؤية واضحة في المسار السياسي بل انغلاقه تمامًا.
- وكذا القوة الباطشة للنظام الاستبدادى والإفراط في الانتهاكات والاعتقالات بل والدماء أيضًا.
- ممارسات وسياسات التحالف الوطني والتي خلال العام الماضي لم تثمر في إرباك النظام ولا سقوطه ولا حتى ترنحه!
وكما قال نابليون: “لا تفعل ما يريد عدوك أن تفعله .. وتجنب مجال المعركة الذي سبق له دراسته واستكشافه .. لا تهاجم أبدًا من المقدمة إذا كان بإمكانك الفوز بالالتفاف”.
وكما قال بازيل ليدل هارت: “في الاستراتيجية، الطريق الأطول الدائري غالبًا ما يكون أقصر الطرق للعودة”.
فإن الحل الآن مع هذا النظام ليست المصالحة الانهزامية التي تلوح بوادرها فى الآفاق لكن الحل في ثلاث:
- مصالحة ثورية بين أطياف وفصائل الثورة الحقيقية كحزب مصر القوية و6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وبعض الأحرار من أبناء ثورة 25 يناير، يسبقها تخلي الإخوان عن تصدر المشهد بالتنازل للثورة – بدلاً من أن يتنازلوا للمجرمين – عن عودة د/مرسى ودستور 2012 والبرلمان.
- جبهة ثورية وطنية يقيادة ثورية جديدة وأفكار وأشخاص جديدة غير التي سأمنا من وجوهها وآرائها لسنوات ثلاث خلت.
- خريطة ثورية بأهداف ثورية محددة ووسائل ثورية جديدة ومبتكرة يكون التظاهر أحد وسائلها فالتظاهر وسيلة وليست كل الوسائل.
التظاهر نعم فعل إيجابى مرغوب ومطلوب ضمن حزمة من الوسائل المرغوبة والمطلوبة أيضًا.
التظاهر فعل ثوري نقي ومؤثر وفاعل ومؤلم حينما يكون بتوافق فصائلي ووحدة هدف وميدان وغطاء شعبي.
التظاهر تكلفته باهظة نعم .. لكن أهلاً بهذه التكلفة عندما تكون في تيار جارف يقلع جذور الظلم والطغيان، تيار يحسب الخطوات ويدرس النتائج ويقف عند الأخطاء ولا يكررها ويتحرك ضمن خطة مدروسة معلومة الأهداف والوسائل والمستهدف.
التظاهر وسيلة وأداة وليس غاية فلا تلوثوا وسيلتكم ولا تشوهوا أداتكم بفرقتكم وحزبيتكم ولكن كونوا عباد الله إخوانا.