أبرز شخصيات عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وأحد واجهات الأغلبية السنية التي وضعها الأسد كواجهة لفرض حكمه الطائفي، وبرأي طيف واسع من السوريين فهو مسؤول عن العديد من الجرائم خلال سنوات حكم الأسد الأب، لكنه طالما نفى عن نفسه أية فظائع وألقى باللائمة دائمًا على آل الأسد، وهو أحد أهم المنشقين مبكرًا عن نظام بشار الأسد بعد أن تم تهميشه بشكل كبير وجعل دوره ثانويًا وهو الذي كان ذا صولة وجولة، مستغلًا منصبه لجمع ثروة تقدر بملايين الدولارات.
توفي اليوم الثلاثاء 31 آذار/مارس عبد الحليم خدام، الذي شغل منصب نائب الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، في فرنسا عن عمر يناهز 88 عامًا، وكما العادة ينقسم السوريون اليوم بين من يدعو لخدام بالرحمة وبين من يستذكر ما فعله بالبلاد التي كان جزءًا من أصعب الحقب التي مرت بها من المجازر وقمع الحريات والاعتقالات.
نشأة سياسية مبكرة
ولد عبد الحليم خدام في مدينة بانياس يوم 15 أيلول /سبتمبر 1932، وتخرج من كلية الحقوق بدمشق، وفي سن الـ 17 التحق بالعمل السياسي وانخرط في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي، تولى خدام أول مناصبه محافظًا لمدينة القنيطرة عاصمة الجولان المحتل وذلك عام 1966 نهاية عام 1967، عُيّن عبد الحليم خدام بعدها محافظًا لحماة ثم عُيّن بعدئذ محافظاً للعاصمة دمشق.
وفي تدرجه السياسي وصل إلى مجلس الوراء ليستلم حقيبة الاقتصاد والتجارة الخارجية ومن ثم تقلد وزارة الخارجية، وفي عام 1984 عُين خدام نائبًا لحافظ الأسد، وليتجه بعد ذلك لاستلام الملف اللبناني وكان من بين الذين حضروا للاتفاق الثلاثي سنة 1985 واتفاق الطائف سنة 1989 بشأن لبنان الواقع حينها في براثن الحرب الأهلية.
بدأ دور عبد الحليم خدام بالتراجع بعد وفاة حافظ الأسد واستلام بشار الأسد للحكم، وجرى تجريد خدام من الملفات الحساسة وأهمها الملف اللبناني، الذي انتقل إلى اللواء غازي كنعان لغاية العام 2002، أمسك خدام بالملف العراقي، وحذر قبل شن الحرب على العراق من رسم خريطة جديدة للمنطقة وقال “إذا نشبت حرب فإن ذلك سيرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، ولكن ليس بالشكل الذي تسعى إليه الولايات المتحدة”.
الانشقاق
ظهر عبد الحليم خدام في ديسمبر عام 2005 ليعلن انشقاقه عن نظام بشار الأسد، بعد أن تدهورت علاقته ببشار، وبعد انتقاده سياسة سوريا الخارجية لا سيما في لبنان، واختار خدام العاصمة الفرنسية باريس منفى له، داعيًا إلى العمل على التغيير السلمي بإسقاط النظام الدكتاتوري وبناء دولة ديمقراطية حديثة في سوريا تقوم على أساس المواطنة.
وخلال إعلانه الانشقاق وجه خدام انتقادات إلى نظام الرئيس بشار الأسد. موجهًا أصابع الاتهام إلى رأس النظام في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وعرقلة عملية الإصلاح وعدم الجدية في محاربة الفساد إضافة إلى التفرد في السلطة. واتهم خدام بشار الاسد بالانفراد بالسلطة وعدم السعي لتحقيق إصلاحات مؤكدًا أنه استقال لاقتناعه بأن عملية التطوير والإصلاح سياسيًا وإداريًا لن تسير.
في عام 2011 وعند قيام الثورة السورية أيدها خدّام قائلًا إن بشار الأسد يمثّل “الديكتاتور الذي لا يتعلم من تجارب سابقيه من الرؤساء ممن أقتلعتهم الثورات الشعبية من كراسي الحكم”. وفي لقاء مع القناة الثانية الإسرائيلية قال خدام إنه تلقى أموالًا ومساعدات من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي للإطاحة بالنظام السوري الحاكم.
مسيرة الفساد
يعتبر خدّام من أكثر المسؤولين السوريين فسادًا خلال فترة حكم حافظ الأسد وأكثرهم استغلالاً لمنصبه في تكوين ثروته المليارية على حساب الشعب السوري، ومن ضمن صفقات خدام الأكثر إثارةً للجدل ه الاتفاقية التي قُدرت بمئات ملاين الدولارات والتي انتهت بحسب موقع “عربي بوست“، إلى “دفن نفايات نووية في البادية السورية ما زالت أثارها حتى الآن على الإنسان والحيوان والنبات”.
خلال نكسة حرب حزيران عام 1976 أصدر عبد الحليم خدام بياناً من الإذاعة السورية بصفته محافظاً للجولان، متواطئًا مع حافظ الأسد الذي كان وزيراً للدفاع، وأعلن حينها سقوط القنيطرة بيد الإسرائيليين، وذلك قبل فترة من سقوطها الفعلي، مما أدى إلى انسحاب عشوائي تسبّب بمقتل عشرات الجنود والضباط.
أبرز انتهاكات خدام الدستورية كانت عقب وفاة حافظ الأسد، حيث كان له رفقة وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس دور بارز في تعديل المادة 83 من الدستور كي يتمكن بشار الأسد من تولي رئاسة الجمهورية، وكذلك ترقيته إلى مركز القائد العام للجيش والقوات المسلحة.
ردود فعل
قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة عقب وفاة عبد الحليم خدام، “توفي عبد الحليم خدام، لم يكن يجهل طبيعة نظام الأقلية الطائفي الذي كان فيه نائبا للرئيس، وكان يدرك أنه لن يصبح رئيسًا بحال، لكنه ومعه سائر النخبة السياسية المنتمية للغالبية؛ كانوا يعبدون مصالحهم. انشقاقه يخفف وزره، لكنه لن يعفيه؛ ولا من بقي وراءه من تلك النخبة من عبء تغطية الإجرام”.
من جهته يقول الصحفي السوري ماجد عبد النور: “كل جرائم عبدالحليم خدام في حماة وحلب ولبنان في كفة وجريمة دفن النفايات النووية في كفّة أخرى، هو من حظيرة حافظ مجرم وسفاح ولص سرق المليارات واشترى القصور في باريس، لعنة الله عليه وعلى كبيره حافظ وعلى كل رجالات البعث المجرمين”، كذلك رأى الصحفي السوري محمد الفيصل أن لخدّام: “تاريخ أسود حافل بالمجازر، وأيد ملطخة بدماء السوريين، سرق المليارات من أموال الشعب السوري وفي سجله الكثير الكثير من النقاط السوداء”.
تقول المعارضة السورية سهير أتاسي “مات عبد الحليم خدام. ومن منا نحن أبناء وبنات ربيع دمشق ينسى تصريحه الذي أعطى الغطاء لبشارالأسد ليشرعن إجهاض الربيع ومنع منتديات الحوار الديمقراطي واعتقال القائمين عليها، بقوله إن المنتديات تهدد أمن واستقرار البلاد، والبلد ليس بحاجة إلى ديمقراطية توصله إلى ما وصلت إليه الجزائر”.
توفي خدّام وفي رقبته العديد من الملفات التي لا يمكن للسوريين أن يصفحوا عنها، وعلى الرغم من وجود من يغفر له كل ما فعل بحجة انشقاقه إلا أن الكثير لا يرون به إلا وجهًا من وجوه الفساد والإجرام الأسدي الذي أسس لجمهورية الرعب والتي ما زالت تمتد حتى يومنا هذا.