في 5 من مارس/آذار 2020، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حالة الطوارئ في جميع الأراضي الفلسطينية لمدة شهر، من أجل مواجهة فيروس كورونا، ومنذ ذلك الحين، اعتقلت أجهزة السلطة الأمنية أكثر من 45 فلسطينيًا على خلفية انتمائهم السياسي، واستدعت العشرات للمقابلة، ومددت اعتقال آخرين بتهم سياسية، وفق ما قالت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية لـ”نون بوست”.
وبذلك، استثنت السلطة الاعتقالات السياسية من حالة الطوارئ التي أعلنتها، في وقت ارتفع فيه إجمالي عدد المصابين بفيروس كورونا إلى 117 منها 10 في قطاع غزة والبقية في الضفة الغربية، وفق ما قال الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، إبراهيم ملحم في 31 من مارس/آذار 2020.
وأضافت اللجنة التي لا تفصح عن أسماء العاملين بتوثيق تلك الانتهاكات خوفًا من أن يطولهم الاعتقال، أن “السلطة الفلسطينية داهمت خلال نفس الفترة، عددًا من منازل المواطنين وفتشتها وروعت النساء والأطفال”، وكمثال على تلك الانتهاكات، أوضحت اللجنة أن الأجهزة الأمنية “أطلقت النار في الهواء خلال اعتقالها المواطن أسعد قباجة من بلدة دورا قضاء الخليل مؤخرًا، حيث انتحل أفرادها صفة موظف في وزارة الصحة كي يتمكن من دخول المنزل”.
وتواصل أجهزة السلطة في الضفة اعتقال قرابة 20 مواطنًا على خلفية سياسية في سجونها، بينهم قرابة 15 شخصًا معتقلين منذ أكثر من 5 أعوام، وفق توثيق اللجنة.
انتقال كورونا
قال عضو المكتب السياسي لحركة “حماس”، حسام بدران: “مواصلة السلطة اعتقال عشرات المواطنين على خلفية سياسية في سجونها لا يتناسب مع حالة الطوارئ التي يعيشها أبناء شعبنا في مواجهة فيروس كورونا”، وأكد بدران في تصريح صحفي في 26 من مارس/آذار 2020، أن استمرار الاعتقالات السياسية “المرفوضة” بشكل مطلق، في ظل مواجهة وباء كورونا مستهجن ومرفوض.
وأردف “وقف الاعتقالات السياسية أصبح أولوية لتضميد هذا الجرح النازف في خاصرة شعبنا، كما نحمل السلطة مسؤولية حياتهم والعناية الصحية اللازمة لهم”.
يقبع غالبية المعتقلين حاليًّا في سجن أريحا المركزي وسجن الجنيد بنابلس، كما أن أجهزة السلطة تحتجز المعتقلين السياسيين في مختلف مراكزها المنتشرة في محافظات الضفة، وفق ما أخبرت لجنة أهالي المعتقلين “نون بوست”.
ويعد سجن أريحا الأسوأ صيتًا بين هذه المعتقلات، بحسب شهادات كثيرة وثقتها منظمات حقوق الإنسان لمن اعتقلوا فيه سابقًا، فيصفونه بـ”غوانتنامو فلسطين”، حيث تقول تقارير محلية إن هذا السجن مكون من خمس غرف، كل غرفة تعتبر سجنًا منفصلًا عن الآخر، لا نوافذ فيها إلا فتحة صغيرة يفتحها السجان من الخارج، ليحكم مراقبته للنزلاء في أثناء وجودهم داخل غرفهم، ومغلقة بصفيح من الحديد المخرم، لا يسمح إلا بدخول القليل من الهواء ولا شيء من الشمس.
سجن أريحا
وتقدم الإدارة للمعتقلين ثلاث وجبات طعام يوميًا، إلا أن المعتقلين أكدوا سوءها من حيث الكمية والنوعية، وتقول اللجنة لـ”نون بوست”: “هناك تخوفات لدى المعتقلين السياسيين وذويهم من انتقال فيروس كورونا إليهم بسبب ظروف اعتقالهم”، مضيفة: “يعاني المعتقلون السياسيون من الإهمال الطبي في سجون السلطة، حيث تمنع الأجهزة الأمنية توفير الدواء والمستلزمات الطبية لهم، فقد رفضت تقديم العلاج للمعتقل السياسي أحمد الشبراوي وطالبت عائلته بدفع 3 أضعاف الثمن المتعارف عليه للدواء حتى يتم توفيره له، مما اضطره لخوض الإضراب المفتوح عن الطعام في محاولة للحصول على أبسط حقوقه”.
كما ذكر معتقلون آخرون في شهاداتهم عن ظروف الاعتقال أن أجهزة السلطة تحتجز المعتقلين السياسيين في زنازين صغيرة لا يتجاوز حجمها المترين في متر، ولا يتوافر بها متطلبات الحياة الأساسية، كما أن الأجهزة الأمنية تصادر الأغراض الشخصية للمعتقلين والأدوات الصحية مثل فرشاة الشعر والصابون والشامبو وغيرها من الأدوات.
وتجعل الأجهزة الأمنية المعتقل السياسي ينام على سرير حديدي دون توفير أي أغطية أو وسائد أو فرشات، وذكر بعضهم، والحديث للجنة، أن “توافر هذه الأدوات كان يقتصر فقط عند وجود مؤسسات مراقبة من حقوق الإنسان، حيث كانت الأجهزة تضع هذه الأدوات في الزنازين قبل حضور المؤسسات وتعود لمصادرتها بعد انتهاء زيارتهم”.
وتؤكد اللجنة “هذا أمر يدعو للقلق في ظل الأوضاع الصحية الطبيعية، فما بالكم في ظل انتشار فيروس كورونا، ولذلك نطالب الأجهزة الأمنية بالإفراج العاجل عن كل المعتقلين السياسيين في سجونها، ووقف الاعتقال السياسي بشكل كامل والعودة لأحضان أبناء شعبها بدلًا من معاداته، وإنهاء التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي”.
وفي ظل تواصل هذه الانتهاكات، أصدر “محامون من أجل العدالة” بيانًا بخصوص لجان الطوارئ التي تشكلت إثر تداعيات انتشار كورونا، قالوا فيه: “يتوجب أن تناط كل المسؤوليات لجهات إنفاذ القانون وعدم تفويضها لأي كان، بقصد عدم المغالاة في تنفيذ أحكام الطوارئ أو الخروج على حدود القانون وإساءة استخدام واستغلال هذه الحالة وبما يلحق الضرر والأذى بأرواح وممتلكات المواطنين”.
غير قانونية
ولا تعترف السلطة الفلسطينية ولا تقبل بوصف الاعتقالات على أنها سياسية وترفض هذا التوصيف بالمطلق، خاصة أنها استطاعت سن قوانين تخدم هذه الحالة من خلال الملاحقة والاعتقال، وفق ما يقول خليل عساف رئيس لجنة الحريات في الضفة الغربية.
ويوضح عساف لـ”نون بوست” أن السلطة تتهرب من توقيف المعتقلين بطرق غير قانونية من خلال عدم تقديمهم للقضاء، وتوقيفهم عن طريق النيابة وخاصة من خلال قانون الجرائم الإلكترونية سيئ السمعة الذي رفضته كل المؤسسات القانونية لما فيه من غموض يمكن استغلاله بأسوأ الطرق كما يحدث حاليًّا من ملاحقة للناس على حريتهم بالرأي والتعبير تحت بنود ومواد هذا القانون”.
وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الذي أقره عباس عام 2018، تستطيع السلطة من خلاله اعتقال أي شخص معارض وإدانته بطريقة “قانونية”، حتى قضى “مقر المقاطعة” في رام الله على أي شكل من أشكال المعارضة.
ولم تصدر المؤسسات الحقوقية تقريرًا سنويًا يرصد الاعتقالات السياسية عام 2019، إلا أن لجنة أهالي المعتقلين السياسيين، سجلت أكثر من 4 آلاف انتهاك للأجهزة الأمنية في الضفة الغربية خلال عام 2018، منها 1251 اعتقالًا سياسيًا و949 استدعاءً للتحقيق وأكثر من 400 احتجاز، إضافة إلى مداهمات المنازل وقمع الحريات وقطع رواتب موظفين.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير حديث لها: “السلطة الفلسطينية اعترفت باحتجاز أكثر من 1600 شخص بسبب التعبير السلمي من يناير/كانون الثاني 2018 إلى مارس/آذار 2019”.
ويقول عساف: “الملاحقات لا يمكن أن تتوقف ما دام هناك انقسام قائم لأن هدفها واضح وهو منع وإقصاء وتغييب الصوت الآخر عن عيون وسمع الآخرين لكي لا يكون له أي تأثير لا سلطوي أو انتخابي مستقبلًا وإظهاره بمظهر الضعيف أو الشرير وهنا تكمن الخطورة”.
ونشرت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين، في مارس/آذار 2020، قائمة بأبرز المسجونين القدامى في سجون السلطة، ويعود أقدمهم إلى العام 2007، وهو تاريخ بداية الانقسام الفلسطيني الداخلي بين حركتي فتح وحماس.
وأكد النائب في المجلس التشريعي فتحي القرعاوي، أن استمرار الاعتقالات السياسية من أجهزة أمن السلطة بالضفة الغربية، والإصرار عليها رغم حالة الطوارئ المعلنة لمواجهة فيروس كورونا هو أمر خطير ومستغرب ومعيب، وقال في تصريح له في مارس/آذار 2020: “ليس من المعقول ولا المقبول أن تستمر الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية، في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بوباء كورونا، وما يعانيه شعبنا في ظل هذا الوضع الاستثنائي”.
وأضاف “إننا وفي ظل هذا الوباء الخطير الذي يهدد الإنسانية كلها، نطالب السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية بوقف كل أشكال الملاحقة والاعتقال والتضييق على أبناء الشعب الفلسطيني، الذي يلاقي الأمرين من الاحتلال ومن انتشار فيروس كورونا”.
ويعمق تلك المخاوف، استمرار التعذيب في السجون، حيث قالت هيومن رايتس في تقرير لها يرصد الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2017 – سبتمبر/أيلول 2019، إن عشرات الإفادات والتصاريح المشفوعة بالقسم الذي يقدمه المدعون أو ذووهم، أظهرت أن أجهزة الأمن تستخدم عدة وسائل للتعذيب أبرزها: الشـبح والعزل الانفرادي والضرب بالعصي والركل على أنحاء الجسم، وغيرها من الاعتداءات اللفظية والجسدية.
وعما إذا كان هناك تواصل بين لجنة الحريات التي أفرزتها لقاءات المصالحة الفلسطينية والسلطة بشأن المعتقلين، يقول خليل عساف لـ”نون بوست”: “نحن نتواصل مع الأجهزة الأمنية مع كل حالة تصلنا ونفعل ما نستطيع ويكون عملنا أكثر سهولة في حال لم يتم تقديم المعتقل للنيابة أو القضاء، أي عندما يكون الاعتقال على ذمة المحافظ”.
“ما يجري اعتقالات غير قانونية، بل اعتداءات على الكرامة وحجز للحرية، وهذا العمل بالقانون الفلسطيني مجرّم ويحاسب ويلاحق ويعزل من وظيفته كل من يقوم به ويعوض المعتقل ماديًا وجزائيًا ولا يسقط هذا الاعتداء بالتقادم”، يؤكد رئيس لجنة الحريات.