يواصل فيروس كورونا حصد المئات من الضحايا في دول المغرب العربي، كاشفًا في الوقت ذاته ضعف المنظومة الصحية في هذه الدول، ومع ذلك يمكن أن تشكل هذه الأزمة نقطة الضوء التي ينتظرها سكان المنطقة حتى تنظر حكومات دولهم إلى القطاع الصحي بعين الرحمة ويتم الاهتمام بهذا القطاع الحساس وتعصيره حتى لا تبقى هذه الدول رهينة الدول المتقدمة في هذا المجال.
الوضع الوبائي في المنطقة
تتصدر الجزائر دول المنطقة المغاربية من حيث عدد الإصابات والوفيات الناتجة عن فيروس كورونا، حيث بلغ عدد الإصابات في الجزائر 1468 حالة بعد تسجيل 45 حالة إصابة جديدة مؤكدة أمس الثلاثاء، فيما بلغت عدد الوفيات 193 حالة وفاة بعد تسجيل 20 حالة أمس.
أما المملكة المغربية فقد سجلت خلال الـ24 ساعة الأخيرة 64 إصابة جديدة بفيروس كورونا، ليصل العدد الإجمالي للمصابين إلى 1184 حالة إصابة، فيما سجلت المملكة أمس، وفاة 7 حالات جديدة ليصل العدد الإجمالي إلى 90 حالة وفاة، وفق وزارة الصحة المغربية.
انهيار المنظومة الصحية في الدول المغاربية، حتم عليها الالتجاء إلى الحلول الترقيعية لمجابهة انتشار فيروس كورونا
بدورها، سجلت تونس ارتفاعًا في عدد المصابين بفيروس كورونا إلى 623 حالة موزعة على 22 محافظة من أصل 24 محافظة في البلاد، بعد تسجيل 27 حالة إصابة جديدة بالفيروس أمس الثلاثاء، فيما بلغ عدد الوفيات في تونس وفق وزارة الصحة هناك 23 حالة وفاة.
رابع الدول من حيث عدد الإصابات هي ليبيا، حيث سجلت أمس حالة جديدة لمصاب من المخالطين لحالة سابقة في طرابلس، ليبلغ إجمالي عدد المصابين هناك 21 شخصًا، بينهم حالة وفاة، لامرأة تبلغ من العمر 85 عامًا، وفق المركز الوطني الليبي لمكافحة الأمراض.
موريتانيا التي ظلت في منأى عن فيروس كورونا لفترة، مقارنةً بالدول المغاربية، بقيت الحالة الوبائية فيها في استقرار، حيث لم تسجل مؤخرًا أي إصابة جديدة بالفيروس وبقيت في مستوى 6 إصابات 5 منها قادمة من الخارج، وحالة وفاة واحدة وفق وزارة الصحة الموريتانية.
منظومة صحية منهارة
أزمة انتشار فيروس كورونا كشفت عيوب قطاع الصحة العمومية في الدول المغاربية، ففي تونس أظهرت الأزمة مشاكل عديدة يعاني منها القطاع الصحي فيما يخص الخدمات الصحية التي يقدمها والتجهيزات التي يعتمد عليها والإمكانات التي ترصدها الدولة التونسية لهذا القطاع المهم والحساس الذي صار يشتكي من رداءته معظم التونسيين.
وأظهرت هذه الأزمة أيضًا الخلل بين الجهات، حيث تتركز أكبر المستشفيات في الشمال والمناطق الساحلية بينما تفتقد الجهات الداخلية للبلاد لمستشفيات حديثة يمكن تجهيزها لاستقبال مرضى فيروس كورونا، ما يمكن أن يتسبب في وفاة عدد كبير من المصابين في حال تدهورت حالتهم الصحية.
ويشمل القطاع العام في تونس 2300 مركز للرعاية الصحية الأساسية، إلى جانب 27 تجمعًا للصحة الأساسية و109 مستشفيات محلية و33 مستشفى جهويًا و18 مركزًا ومعهدًا مختصًا و12 مركزًا طبيًا و3 مستشفيات تابعة لوزارة الدفاع ومشفى واحد تابع لوزارة الداخلية، بطاقة استيعاب إجمالية تقدر بـ19630 سريرًا أي بما يعادل 1.84 سرير لكل ألف ساكن تونسي في السنة.
أما في المغرب، فالوضع لا يختلف كثيرًا، ويكشف الواقع الصحي هناك وجود تباينات جغرافية واجتماعية كبيرة، فيوجد في المغرب فقط 684 سرير في العناية المركزة لـ35 مليون نسمة، تتركز أغلبها في المدن الكبرى، وتمثل ميزانية الصحة في المغرب نحو 6% من الميزانية الوطنية، مقابل الـ12% التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية.
لا يتوافر المغرب إلا على 149 مركزًا استشفائيًا كبيرًا يضم أقل من 24 ألف سرير، في حين يوجد في جميع التراب المغربي 359 مصحة خاصة تضم 10346 سريرًا، ورغم عدد الأَسرة الأقل في القطاع الخاص مقابل القطاع العام، يستحوذ الأول على 13 ألف و545 طبيبًا، مقابل 11 ألف و412 طبيبًا للثاني.
ضعف القطاع الصحي زاد من انتشار الوباء في المنطقة المغاربية
في الجزائر، ورغم تطور العوائد التي تتحصل عليها البلاد من بيع النفط، فإن الرعاية الصحية ما زالت بعيدة عن المستوى المطلوب، نظرًا للعديد من العوامل التي أثرت سلبًا علـى مسار تطورها، ومن أهمها ضعف الاستجابة لحاجات الأفراد وغياب الرقابة واستشراء الفساد، إضافة إلى غياب الرؤية الإصلاحية للقطاع.
وكشفت أزمة انتشار كورونا اهتراء البنى التحتية للمؤسسات الاستشفائية العمومية في الجزائر، مما أفضى إلى عجزها عن توفير الحماية الصحية اللازمة للمصابين بالفيروس وهو ما يفسر ارتفاع عدد حالات الوفاة في البلاد وتصدرها الدول المغاربية في هذا الشأن، كما كشفت أيضًا عن التباين الجغرافي في توزيع المستشفيات حيث تتركز 80% منها في محافظات الشمال.
وعادة ما يذهب المرضى الجزائريون للعلاج في الخارج خاصة في تونس وتركيا، لكن في ظل هذه الأزمة فإن العلاج سيكون حصرًا في بلادهم، وهو ما يظهر بارتفاع أعداد الموتى كون المنظومة الصحية في الجزائر غير مستعدة لمجابهة مثل هذا الوباء الذي عجزت كبرى الدول عن احتوائه والتصدي له.
وفي ليبيا، زادت الحرب من معاناة المنظومة الصحية هناك، فقد أغلقت النزاعات المسلحة في البلاد أغلب المراكز والمرافق الصحية بعد أن دمرتها بالكامل، كما دفعت الأطباء والممرضين إلى الهجرة، حيث تتجاهل الأطراف المتحاربة، خاصة قوات الكرامة التابعة لخليفة حفتر، سلامة العاملين الصحيين والمرضى والجرحى والمنشآت الصحية، حتى إنهم كثيرًا ما يستهدفون مباشرة المرضى والعاملين الصحيين والمرافق الصحية.
وتعجز السلطات الليبية في الشرق والغرب عن معرفة عدد المصابين الفعليين بفيروس كورونا لعدم تمكنها من حصر الوباء، وتشكو السلطات من قلة مستلزمات التحاليل اللازمة لمعرفة المصابين بهذا الوباء.
وبالنسبة إلى موريتانيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 4 ملايين نسمة، فهي تعاني ضعفًا في الإمكانات الصحية ونقصًا في المستشفيات والكوادر الطبية المتخصصة وعجزًا عن استيعاب أعداد كبيرة من المرضى وشيخوخة في الأجهزة المختصة بكشف المرض وتشخيصه، ما يمكن أن يسبب لها كارثة في حال انتشار الفيروس وفقدان السيطرة عليه.
مبادرات
انهيار المنظومة الصحية في الدول المغاربية، حتم عليها الالتجاء إلى الحلول الترقيعية لمجابهة انتشار فيروس كورونا، حيث فتحت معظم دول المنطقة الباب أمام المبادرات الوطنية لمعاضدة مجهودات الدولة، كما نادت بضرورة التبرع بالمال والمعدات لتغطية النقص الحاصل حتى تتفادى الكارثة.
وأطلقت السلطات في الدول المغاربية بشكل مستعجل عمليات شراء معدات طبية (تحاليل سريعة، أقنعة، أجهزة تنفس) وفتحت خطوط تمويل استثنائية للقطاع الصحي، كما بدأت في تجهيز مستشفيات ميدانية تحضيرًا لأسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحصل في ظل تواصل انتشار فيروس كورونا في المنطقة.
سلطت أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد الضوء على اختلالات منظومة الصحة العمومية في دول المغرب العربي، لكنها في الوقت نفسه بعثت الأمل في التغيير بهذه المنطقة
ضمن المبادرات الوطنية أعلن مصنع مغربي لصناعة أجهزة ومستلزمات المخابز، تحويل نشاطه إلى صناعة الأقنعة الزجاجية الواقية، التي تستخدم في المستشفيات، وتوزيعها بالمجان. نفس الأمر حصل في تونس، حيث عمد عديد من الطلبة إلى صناعة أقنعة واقية ومدها إلى المستشفيات.
كما عمدت بعض المصانع إلى تغيير نشاطها وتحويله إلى صناعة الكمامات، وفي تونس شرعت ورشة الخياطة بسجن النساء بمنوبة، في إنتاج الأقنعة الواقية (الكمامات) لفائدة وزارة الصحة، وفق المعايير والشروط الصحية المطلوبة، وذلك بإنتاج أكثر من 800 كمامة في اليوم، على أن يتم الرفع إلى مستوى 1500 كمامة في اليوم للمساهمة في تلبية الحاجيات الوطنية في المجال.
وفي تونس أيضا فتح العديد من الأطباء عياداتهم عن بعد لتلقي المرضى، كما وضعت وزارة الصحة استبيانًا مجانيًا يتكون من 12 سؤالًا لتحديد أكثر عدد ممكن من المواطنين المعرضين للعدوى، وذلك لاحتواء انتشار الفيروس والسيطرة عليه، كما قامت العديد من الجمعيات بتصنيع وتهيئة دور للتعقيم والوقاية في مداخل المؤسسات.
أمل في التغيير
هذه الإجراءات حتى إن كانت بسيطة في أعين البعض، فمن الممكن أن تحمل معها الفرج وتمنح البلدان المغاربية الفرصة لتحقيق قفزة نوعية في المجال الصحي العمومي، من خلال تطوير الصناعات في المجال الصحي واستخدام الطب عن بعد.
يأمل المغاربة في تطوير البحوث العلمية في بلدانهم
يمثل الاعتماد على التكنولوجيا، أحد أهم الوسائل لتخفيف العبء عن المستشفيات المزدحمة والوصول إلى الخدمات الأساسية والرعاية الصحية بسهولة، لذلك وجب تعميم نشر الحلول الرقمية المدنية على نطاق المدن ذات الكثافة السكانية المتزايدة أو المناطق الداخلية البعيدة عن المستشفيات.
كما من شأن أزمة فيروس كورونا أن تفتح المجال أمام مراكز البحوث العلمية في المنطقة لتطوير نشاطاتها وتساهم في نهاية المطاف في ظهور الابتكارات المحلية وجعل الأوبئة مهما كانت خطورتها قابلة للسيطرة ولا تنتظر نتائج البحوث في مخابر الدول المتقدمة.
سلطت أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد الضوء على اختلالات منظومة الصحة العمومية في دول المغرب العربي، لكنها في الوقت نفسه بعثت الأمل في التغيير بهذه المنطقة، ويتوقف الأمر على إظهار الحكومات المغاربية لجديتها في تطوير القطاع برمته استعدادًا لأي طوارئ مستقبلية ولاحتياجات بلدانها القائمة أصلًا، بدل التعامل مع الأزمة كموقف عابر يمر وينتهي الموضوع هنا.