بدأ الاتحاد الأوروبي عملية جديدة قبالة السواحل الليبية من أجل مراقبة تنفيذ حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، الذي فرضه مجلس الأمن الدولي. عملية أوروبية جديدة تباينت وجهات نظر الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي بشأنها بين مؤيد ورافض ومتحفظ كونها “غامضة الأهداف”، خاصة أنها تزامنت مع عملية عاصفة السلام التي أطلقتها حكومة الوفاق لصد هجوم قوات حفتر على طرابلس.
عملية “إيريني” الأوروبية
إطلاق هذا العملية تم نهاية شهر مارس/آذار الماضي، حيث أعلن حينها مسؤول الأمن والسياسات في الاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل إطلاق عملية عسكرية لمراقبة تصدير الأسلحة إلى ليبيا، وأوضح بوريل في مؤتمر صحفي عقده ببروكسل أن مهام العملية العسكرية – التي أطلق عليها “إيريني” – تتمثل في مراقبة فرض الحظر على تصدير الأسلحة إلى ليبيا، ومحاربة تهريب النفط والاتجار بالبشر.
لم تتضح بعد الدول التي ستساهم بسفنها وطائرات الاستطلاع في العملية، لكن ألمانيا وفرنسا أكثر المتحمسين لها، فضلًا عن إيطاليا بالطبع التي سيكون مقر العملية على أراضيها، بالنظر إلى قرب موانئها من السواحل الليبية، وسبق أن أشار المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو، إلى مشاورات تجري بين الدول الأعضاء لتحديد مساهمتها في “إيريني” التي تعني باللغة اليونانية “السلام”، وتم تشكيل مجموعة عمل في هذا الصدد، وأيضًا لتحديد آليات التشغيل.
يبحث الأوروبيون عودة زمام الأمور في ليبيا وجنوب المتوسط ككل إلى أيديهم بعد أن خفت بريقهم هناك وضعفت مكانتهم لصالح قوى دولية وإقليمية جديدة على غرار تركيا وروسيا
أوضحت الخارجية الألمانية، أن هدف إيريني، فضلًا عن حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، “جمع معلومات بخصوص صادرات النفط غير القانونية”، إلى جانب مكافحة تهريب البشر وتدريب خفر السواحل الليبي، بينما أوضح المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي أن البحث والإنقاذ في البحر المتوسط لن يكون جزءًا من مهام العملية.
وسبق أن اتفقت 16 دولة ومنظمة خلال قمة برلين بشأن ليبيا على إنهاء التدخل الخارجي في النزاع الليبي الدائر منذ تسعة أعوام وتطبيق حظر تصدير السلاح للأطراف المتصارعة الذي فرضه مجلس الأمن الدولي في عدد من القرارات أهمها القرار 2292 (2016).
الحفاظ على المصالح الأوروبية
عند سؤالها عن توقعات فرنسا تجاه هذه العملية الأوروبية، قالت المتحدثة باسم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، أغنيس فون دير مول: “هذه العملية تظهر التزام الأوروبيين الحازم بالعمل معًا للدفاع عن مصالحهم السياسية والأمنية، التي هي في خطر في سياق الأزمة الليبية”.
جواب المسؤولة الفرنسية، أظهر صراحة غاية الأوروبيين من هذه العملية العسكرية الأخيرة، وهي الدفاع عن مصالح الأوروبيين في هذا البلد العربي المليء بالنفط والغاز وتفادي خسارتها بعد تقدم بعض القوى الإقليمية هناك.
تعتبر ليبيا تاريخيًا امتدادًا جغرافيًا للأوروبيين، لذلك فإنهم يرون فيها “الدمية” التي لا يجب أن تخرج من تحت طوعهم، رغم الجمود الكبير الذي اتسم به عملهم تجاه الأزمة الليبية، حتى إن الدبلوماسية الأوروبية في كثير من الأحيان تأتي متأخرة وبعد ضياع قدرتها على التأثير، ما سمح بضياع فرص كثيرة عليهم.
وتسعى الدول الأوروبية إلى تثبيت مكانة شركاتها البترولية في ليبيا، خاصة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، وذلك للفوز بعقود استثمار الذهب الأسود في ليبيا التي تمتلك احتياطات كبرى من النفط، ويخشى الأوروبيون في حال تواصل جمودهم وعدم التدخل فقدان كل الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها في هذا البلد لفائدة دول جديدة هم في خلاف معها.
يأمل الأوروبيون في التحكم بالمجال البحري الليبي
يحتوي هذا البلد العربي الواقع في شمال إفريقيا على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاته بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا، ويعتبر النفط مصدر الدخل الأساسي للبلاد، فقد مثل قبل اندلاع الثورة الليبية 95% من عائدات الصادرات الليبية.
ويبحث الأوروبيون عودة زمام الأمور في ليبيا وجنوب المتوسط ككل إلى أيديهم بعد أن خفت بريقهم هناك وضعفت مكانتهم لصالح قوى دولية وإقليمية جديدة على غرار تركيا وروسيا، وقد أرجع دخول تركيا ومن قبلها روسيا، بقوة على خط الأزمة الليبية المتفاقمة، الملف الليبي إلى دائرة الاهتمام الأوروبي، وأجبرتا، بانخراطهما فيه، الدول الأوروبية على أن يكون هذا الملف في أول أولوياتها.
ضرب “عملية السلام” لحكومة الوفاق
نظرًا لأهدافها الغامضة فقد أثارت هذه العملية الأوروبية حفيظة حكومة الوفاق الوطني الليبية، حيث أعرب وزير خارجية حكومة الوفاق محمد الطاهر سيالة عن تحفظ حكومته واستيائها من قرار الاتحاد الأوروبي الخاص بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا، بسبب عدم تضمنه الرقابة على البر والجو.
وأبلغ سيالة سفير الاتحاد بالبلاد في اتصال هاتفي بأن تطبيق القرار بهذا الشكل يجعله موضع اتهام، وقال إن المستهدف بالرقابة هو حكومة الوفاق، والعملية الأوروبية تتجاهل أي رقابة على تسليح قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وتعتبر مهمة “إيريني” الأساسية تفتيش السفن التي تنقل الأسلحة إلى ليبيا، أما بالنسبة لنقل الأسلحة والمقاتلين الأجانب برًا أو جوًا، فتكتفي العملية الأوروبية بالمراقبة الجوية والأقمار الصناعية دون أن يكون لها أي آلية تنفيذية لوقف تهريب السلاح إلى قوات حفتر.
وسبق أن أكدت تقارير استخباراتية وأممية تدفق أطنان من الأسلحة بشكل متكرر إلى قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المتمركزة في شرق البلاد، التي تسعى منذ أكثر من سنة إلى احتلال العاصمة طرابلس مقر حكومة الوفاق الشرعية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية.
تأمل قوات خليفة حفتر في وقف الدعم التركي الكبير لحكومة الوفاق الوطني التي يقودها فائز السراج، حتى تتمكن من إعادة التوازن في معركة طرابلس
هذه الأسلحة تأتي أساسًا من الإمارات ومصر والأردن على وجه الخصوص، سواء برًا عبر الحدود المصرية مع ليبيا أم جوًا من أبو ظبي عبر أجواء السعودية إلى مطار العقبة الأردني ومنه إلى قاعدة “الخادم” الجوية بشرق ليبيا، دون أن تتدخل العملية الأوروبية لإيقافها.
ما يزيد من مخاوف حكومة الوفاق، أن العملية الأوروبية تأتي مباشرة بعد إطلاق الحكومة الليبية “عملية عاصفة السلام”، التي أعلن عنها فائز السراج، ردًا على قصفها المتواصل لأحياء العاصمة، ونقضها المتكرر لوقف إطلاق النار.
حققت قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليًا، منذ انطلاق العملية، انتصارات كبرى، وكبدت خسائر فادحة لميلشيات حفتر، وسيطرت على مواقع متقدمة جنوب وغرب طرابلس، أبرزها قاعدة الوطية الجوية.
ويسجل أيضًا هيمنة سلاح الجو التابع للحكومة الليبية، على سماء المعركة في المنطقة الغربية للبلاد، لأول مرة منذ بداية عملية حفتر العسكرية ضد العاصمة طرابلس، بعد أن كانت الغلبة بشكل واضح لطيران اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه الدوليين، طيلة أشهر.
وتخشى دول أوروبية عدة على رأسها فرنسا، تفوق حكومة الوفاق في معركة طرابلس، ذلك أن هذا الأمر سيحرمها من امتيازات عديدة وعدها بها حفتر في حال احتلاله العاصمة وتمكنه من حكم البلاد وفرض النظام العسكري فيها.
ويرجع تفوق حكومة الوفاق إلى الدعم التركي الذي جاء بعد عقد “الوفاق” اتفاقًا أمنيًا مع أنقرة، في نهاية نوفمبر/تشرين الأول 2019، فمنذ ذلك الاتفاق تغيرت الكثير من الأشياء، بعد أن أصبح للحكومة الليبية حليف قوي، وسمح لها ذلك بامتلاك معدات عسكرية مهمة خاصة في مجال الدفاع الجوي والطيران المسير.
ساهم الطيران المسير التركي في تغيير المعادلة في معركة طرابلس
من شأن عملية “إيريني” أن تضعف قوة حكومة الوفاق الشرعية، فهي ستفرض حصارًا بحريًا على الحكومة التي تعتمد على الشحن البحري كوسيلة رئيسية لإيصال المدرعات والطائرات المسيرة والمعدات من تركيا التي لا تملك حدودًا برية مع ليبيا.
ترحيب حفتر بالعملية الأوروبية
تحفظ حكومة الوفاق بشأن العملية الأوروبية، قابله ارتياح كبير في معسكر الشرق بشأن نفس العملية حيث أبدى قياديون في قوات الكرامة التابعة لخليفة حفتر ترحيبهم بالعملية العسكرية الأوروبية، ورحب مدير إدارة التوجيه المعنوي بقوات حفتر، خالد المحجوب، بقرار الاتحاد الأوروبي إطلاق عملية “إيريني”، وقال في حديث لوكالة “سبوتنيك“: “الحظر يعتبر مسألة مهمة، لأنه يمس الأمن القومي ليس الليبي فقط، بل الدولي”.
يرجع هذا الترحيب في معسكر حفتر بالعملية الأوروبية إلى غض هذه العملية الطرف عن عمليات تهريب السلاح إلى حفتر، حيث تتحصل قواته بطرق غير مشروعة على الدعم العسكري من مصر عبر الحدود البرية، كما يصل الدعم العسكري عن طريق وصول طائرات عسكرية محمَلة بالأسلحة والذخائر والعربات المسلحة من الأردن والإمارات.
تأمل قوات خليفة حفتر في وقف الدعم التركي الكبير لحكومة الوفاق الوطني التي يقودها فائز السراج، حتى تتمكن من إعادة التوازن في معركة طرابلس بعد التفوق الكبير الذي أبدته قوات الوفاق خلال الفترة الأخيرة، ويسعى حفتر إلى احتلال العاصمة حتى يتمكن من تنفيذ أجنداته في ليبيا.