يبدو أن حرب أسعار النفط المستعرة بين السعودية ومنظمة أوبك من جانب وروسيا من جانب آخر، ستدخل نفقًا جديدًا، يتجاوز معه فكرة مآلات التصعيد على المستوى الاقتصادي وتهديد سوق النفط العالمية، إذ قفز البُعد السياسي ليدخل المشهد من بابه المتسع، حيث التلويح الأمريكي بإعادة النظر في العلاقات مع الرياض.
فبالأمس هدد 13 نائبًا أمريكيًا السعودية بـ”قلب العلاقات الأمريكية مع الرياض”، بسبب إحباطهم من حرب الأسعار النفطية التي تُلحق الضرر بالمنتجين الأمريكيين، وذلك عبر مكالمةٍ مثيرة للنزاع مع سفيرة السعودية في واشنطن، وهي الحرب التي تأتي في وقتٍ يواصل فيه فيروس كورونا الجديد تدمير البلاد، وذلك وفقًا لتقرير لشبكة CNN الأمريكية.
كانت وزارة الطاقة الأمريكية قد دعت في وقت سابق كل من الرياض وموسكو إلى العمل معًا لتهدئة سوق النفط، تزامن ذلك مع مباحثات مكثفة أجراها الرئيس الأمريكي مع قادة البلدين للتوصل إلى صيغة مشتركة، تجنبًا للوصول إلى السيناريو الكارثي الذي من المتوقع أن يخرج الجميع منه خاسرًا.
وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع في ظل الوضعية الحاليّة، ومع ارتفاع العرض بصورة هائلة وتراجع الطلب على الخام الأسود بصورة ملفتة، أن تصل المخازن والمصافي وأنابيب وناقلات النفط إلى أقصى قدرتها الاستيعابية وهو أمر لم يحصل منذ العام 1998، ما يعني أن النفط المنتج لن يجد سعة أو وجهة يقصدها.
تحرك أعضاء الكونغرس الأمريكي يأتي في ظل مخاوف من أن يُسرَح الناخبون في ولايتهم من وظائفهم إذا تعرض المنتجون الأمريكيون لضائقةٍ مالية، وهو ما سيلحق أضرارًا بالاقتصاد الأمريكي في هذه اللحظة الحساسة، إذ سجل أكثر من 16 مليون أمريكي طلبات للحصول على إعانات بطالة خلال الأسابيع الثلاث الأخيرة.
وتقترب السعودية وروسيا – بحسب مخرجات قمة العشرين الافتراضية الأخيرة – من التوصل إلى اتفاق لخفض الإنتاج بمعدل عشرة ملايين برميل يوميًا، إلا أن ذلك لم يحدث بعد حتى كتابة هذه السطور، وقد تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها منذ 18 عامًا، بعد أن تسبب الوباء بإغلاق اقتصادات في أنحاء العالم.
تهديد بقطع العلاقات مع الرياض
عبر عدد من النواب الأمريكيين عن غضبهم حيال الموقف الرسمي السعودي الخاص برفض تخفيض معدلات الإنتاج اليومية من النفط في اتصال هاتفي أجروه قبل أيام مع عدد من المسؤولين السعوديين على رأسهم وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان ونائب وزير الدفاع خالد بن سلمان وسفيرة السعودية لدى الولايات المتحدة الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان.
من جهته، قال دان سوليفان عن ولاية ألاسكا لـ”CNN”: “لن نعيد فقط تقييم العلاقات طويلة المدى، بل سنتخذ أيضًا إجراءات ستقوض هذه العلاقات، التي كان العديد منا يدعمها”، مضيفًا “سنرى ماذا سيقول، لكن في هذه المرحلة، سيكون صوت الأفعال أعلى بكثير من الكلمات”.
أما النائب، تيد كروز، فصرح بشكلٍ واضح بأن “تكساس غاضبة”، وفقًا لمصدرٍ آخر كان حاضرًا في أثناء المكالمة، وقال هذا المصدر: “كان غضب النواب لا يشبه أي شيء آخر سمعته من هذه المجموعة”، وأضاف في تصريح سابق له “يفترض أن المملكة السعودية صديقةٌ لنا، نحن حلفاء عسكريون، نحن حلفاء دبلوماسيون، أنت لا تتصرف كصديقٍ عندما تحاول تدمير آلاف وآلاف الشركات الصغيرة في أنحاء تكساس والبلاد”.
النواب حذروا من أن استمرار الرياض في توجهها ربما يُخسرها دعمهم، ما يعني أن المملكة ستخسر طوق نجاتها في الكونغرس الأمريكي
كروز يرى أن الوضع الحاليّ يمكن أن يتسبب في فقد عدد كبير من العمال، خاصة الموجودين في الولايات المؤيدة للجمهوريين مثل تكساس، وظائفهم، ولن تنجو شركات التنقيب عن النفط الصخري، التي استدانت أكثر من اللازم، من هذه الأزمة مطلقًا، ويلقي هؤلاء النواب باللوم على السعودية لأنها تُعتَبر حليفًا إستراتيجيًا للولايات المتحدة، فيما تقدم بتشريع لإزالة القوات الأمريكية من السعودية، وهناك مناقشات بشأن فرض عقوبات إذا لم تتعاون السعودية لإيجاد حل.
أما النائب سوليفان، فكشف بعض ما دار مع السفيرة السعودية في واشنطن، قائلًا: “قلت سيادة السفيرة، مع كامل احترامي، لا أريد أن أسمع أي نقاط للنقاش منك قبل أن تسمعينا جميعًا، أعتقد أن هناك 11 أو 12 شخصًا موجودين في هذه المكالمة في النهاية، إذا شعرت أنك ما زلت في حاجة إلى تزويدنا بنقاطك التي تريدين التحدث بشأنها، فلا بأس لكنني نظمت هذه المكالمة، كي تستمعي إلى غضب النواب الذين اعتادوا دعم العلاقات السعودية الأمريكية”.
النواب حذروا من أن استمرار الرياض في توجهها ربما يُخسرها دعمهم، ما يعني أن المملكة ستخسر طوق نجاتها في الكونغرس الأمريكي، فبعد مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، ضعف الدعم الذي يحظى به السعوديون في واشنطن على نحو هائل، وقال النواب لها أيضًا إنه دون دعمهم، ستنتعش التشريعات المعادية للسعودية أكثر.
النفط الأمريكي وترامب
الخسائر الكبيرة التي منيت بها شركات النفط الصخري الأمريكية جراء تراجع الطلب على المادة الخام بسبب فيروس كورونا بجانب حرب الأسعار الروسية السعودية، دفعت العديد من النواب إلى استمالة ترامب، حيث تقدموا له خلال الأسبوع الماضي بالتماس ناشدوه من خلاله بالوقوف إلى جانب منتجي النفط الأمريكيين.
وبحسب الالتماس المقدم أشار النواب إلى أن صناعة النفط لعبت دورًا كبيرًا في إخراج الولايات المتحدة من الركود في عامي 2008-2009، وهي النقطة التي يرى البعض أن لها قيمة كبيرة لدى الرئيس، وعليه بذل خلال الأسبوع الماضي مزيدًا من الجهود المنسقة للتوسط من أجل الوصول إلى حلٍ للأزمة، إذ أجرى مكالمات هاتفية مع نظيريه في السعودية وروسيا.
وخلال المؤتمر الصحفي مساء الخميس، 9 من أبريل الحاليّ، وصف ترامب صفقة وشيكة بين السعوديين والروس لخفض حجم الإنتاج النفطي بـ”اتفاقٍ مقبول للغاية”، وقالت مصادر إن الدبلوماسيين الأمريكيين قضوا يوم الجمعة، 10 من أبريل، وهم يحاولون إقناع السعودية بتعزيز هذه الصفقة لكنهم لم يتوصلوا إلى شيء حتى الآن.
الدول الأعضاء في منظمة أوبك اقتربت من التوصل لاتفاق غير أن المكسيك امتنعت عن دعم هذه الخطوة، حيث أصرت أنها لن تخفض إنتاجها إلا لربع القدر الذي طالبت به أوبك
ماذا عن السعودية؟
يبدو أن الضغوط الأمريكية التي تُمارس على السعودية ستؤتي حصادها قريبًا، فرغم عدم توصل مجموعة دول العشرين التي أنهت مؤتمرها الافتراضي برئاسة المملكة، أمس، إلى اتفاق بشأن خفض إنتاج النفط، فإن العديد من المؤشرات تذهب إلى احتمالية التوصل إلى صيغة مرضية للجميع خلال الساعات القادمة.
في بيانهم الختامي أكد وزراء الطاقة في دول المجموعة، وبعد مفاوضات طويلة، التزامهم بالتعاون لمكافحة فيروس كورونا، لكنهم لم يشيروا إلى أي اتفاق على خفض إنتاج النفط، وأضافوا في بيانهم الختامي: “نلتزم بضمان أن يَستمرّ قطاع الطاقة في تقديم مساهمةٍ كاملة وفعالة للتغلب على كوفيد-19 وتعزيز الانتعاش العالمي اللاحق”، وتابعوا: “نحن ملتزمون بالعمل معًا بروح من التضامن، بشأن إجراءات فورية وملموسة لمعالجة هذه المسائل خلال حالة الطوارئ الدولية غير المسبوقة”.
الدول الأعضاء في منظمة أوبك اقتربت من التوصل لاتفاق غير أن المكسيك امتنعت عن دعم هذه الخطوة، حيث أصرت أنها لن تخفض إنتاجها إلا لربع القدر الذي طالبت به أوبك، لكن اتفاقًا بين أمريكا والمكسيك قد يزيل العقبة، خاصة بعدما عرض ترامب المساعدة على الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز.
وكانت الضغوط تذهب إلى تخفيض المكسيك إنتاجها بمقدار 400 ألف برميل يوميًا، إلا أن لوبيز لم يوافق إلا على 100 ألف برميل فقط، فيما قررت أمريكا خفض إنتاجها النفطي بمقدار 250 ألف برميل يوميًا لتعويض حصة الخفض المكسيكية بالاتفاق في محاولة لإبرامه في أسرع وقت.
الخسائر التي مني بها الاقتصاد النفطي العالمي جراء حرب الأسعار السعودية الروسية بجانب الضغوط الأمريكية على الحليف السعودي ربما ستجبر كل طرف على التراجع خطوة للخلف عن موقفه السابق فيما يتعلق برفض تخفيض الإنتاج، في محاولة لوقف هذه الحرب التي بات من الواضح أن الكل خاسر فيها.