تشهد جبهات القتال في ليبيا تطورات كبرى، حيث تواصل القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني الشرعية تحقيق الانتصار تلو الآخر على حساب ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والمرتزقة التابعين له. انتصارات مهمة استعادت من خلالها حكومة الوفاق السيطرة على مدن عدة غرب العاصمة طرابلس، ليصبح الطريق مفتوحًا أمامها على امتداد الساحل الغربي باتجاه الحدود التونسية.
السيطرة على الشريط الساحلي الغربي
آخر 4 مدن غرب العاصمة، تمت السيطرة عليها عشية أمس الإثنين، حيث أحكمت قوات الحكومة الليبية، سيطرتها على مدن العجيلات والجميل ورقدالين وزلطن غربي طرابلس، الواقعة بين الشريط الساحلي وجبل نفوسة (الجبل الغربي) التي دخلتها مليشيات حفتر، بعد اقتحام قوات الوفاق قاعدة الوطية الجوية، في مارس/آذار الماضي.
قبل ذلك، تمكنت قوات حكومة الوفاق من استرداد مدينتي صبراتة وصرمان من القوات الموالية لخليفة حفتر كجزء من عملية عسكرية أطلقت عليها قوات الوفاق “عاصفة السلام”. يذكر أن مدينتي صبراتة وصرمان تقعان غرب العاصمة الليبية وكانت قوات حفتر قد سيطرت عليهما في أبريل/نيسان 2019.
بتحرير هذه المدن الصغيرة الواقعة في جنوب الشريط الساحلي القريب من الحدود مع تونس، تكون قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا قد أحكمت سيطرتها على كامل الطريق الساحلي إلى غاية زوارة الحدودية مع تونس.
خلال السيطرة على هذه المدن تمكنت القوات التابعة لحكومة الوفاق من الاستيلاء على مراكز عسكرية
تعتبر السيطرة على هذه المدن الإستراتيجية على الساحل الليبي أمرًا مهمًا جدًا لحكومة فائز السراج، ذلك أن حفتر كان يستخدم هذه المدن كرأس حربة للهجوم على طرابلس مطلع أبريل/نيسان من العام الماضي.
بعد السيطرة على هذه المدن والبلدات، لم يبق لقوات حفتر في المنطقة الغربية، إلا قاعدة الوطية الجوية التي يستخدمها حفتر كقاعدة خلفية لحماية قواته، بالإضافة إلى بلدات معزولة في الجبل الغربي مثل الأصابعة والعربان.
وتستعد قوات الوفاق لاقتحام الوطية، بعد أن هرب إليها فلول حفتر، وتأتي هذه التطورات الميدانية في سياق عملية “عاصفة السلام” التي أطلقتها حكومة الوفاق الليبية، ردًا على عمليات قصف قوات حفتر للأحياء والمنشآت المدنية في طرابلس، ما تسبب في سقوط عشرات الضحايا.
عتاد حفتر العسكري تحت يد قوات الوفاق
خلال السيطرة على هذه المدن تمكنت القوات التابعة لحكومة الوفاق من الاستيلاء على مراكز عسكرية تحتوي منصات إطلاق صواريخ غراد وذخائر وأسلحة ثقيلة وخفيفة، كما استولت على دبابات وعربات مدرعة، لجماعات مسلحة متحالفة مع حفتر.
وأظهرت صور وفيديوهات نشرت على منصات التواصل الاجتماعي كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والعربات المسلحة، حصلت عليها قوات حكومة الوفاق في أثناء سيطرتها على مدينة صبراتة غربي ليبيا.
يرجع مصدر غالبية هذه الأسلحة المسيطر عليها إلى دولتي مصر والإمارات، وتعتبر هذه الدول من أبرز الداعمين لحفتر في حربه ضد “الشرعية” في ليبيا، حيث يمدانه بالمعدات العسكرية ليحقق النصر على حساب حكومة الوفاق لكنه فشل في ذلك.
وتأتي أغلب هذه الأسلحة، برًا عبر الحدود المصرية مع ليبيا وجوًا من أبو ظبي عبر أجواء السعودية إلى مطار العقبة الأردني ومنه إلى قاعدة “الخادم” الجوية بشرق ليبيا، وسبق أن أكدت تقارير استخباراتية وأممية تدفق أطنان من الأسلحة بشكل متكرر إلى قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المتمركزة في شرق البلاد، التي تسعى منذ أكثر من سنة إلى احتلال العاصمة طرابلس مقر حكومة الوفاق الشرعية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية.
هذه التطورات، تؤكد الانهيار الكبير في صفوف قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي بدأت منذ الـ4 من أبريل/نيسان 2019، حملة عسكرية تستهدف العاصمة طرابلس التي توجد فيها حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا، فضلًا عن سفارات وبعثات الدول الأجنبية وهيئة الأمم المتحدة.
هيمن سلاح الجو التابع للحكومة الليبية، في الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق على سماء المعركة في المنطقة الغربية للبلاد
في ذلك الوقت، قال حفتر إن احتلال العاصمة لن يستغرق أكثر من 48 ساعة إلا أنه فشل في ذلك، حيث لم يتمكن إلى الآن من إحراز أي تقدم يذكر، بل وتكبدت قواته خسائر كبرى أفقدتها عتادها القادم من الدول العربية والغربية التي تدعمها في قتالها ضد قوات الوفاق.
ورغم استعانة حفتر بمرتزقة تشاديين وسودانيين في البداية ثم مرتزقة روس، عله يتقدم ولو قليلًا في المعركة، إلا أنه فشل في تحقيق أي تقدم عسكري يذكر نحو العاصمة طرابلس.
الوفاق تحكم السيطرة على “سماء المعركة”
هذه الانتصارات الأخيرة لحكومة الوفاق، ترجع إلى عامل رئيسي وهو تكريس سلاح الجو التابع للحكومة الليبية هيمنته على سماء المعركة في المنطقة الغربية لأول مرة منذ بداية الحرب على طرابلس، بعد أن كانت الغلبة بشكل واضح لطيران اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه الدوليين، طيلة أشهر.
يرجع هذا التفوق إلى تمكن قوات الوفاق من السيطرة على قاعدة الوطية الجوية، في 25 من مارس/آذار الماضي وتحييدها، وذلك بعد تدمير طائرات من نوع سوخوي 22 كانت رابضة بالقاعدة، وطائرات مسيرة، وتعتبر هذه القاعدة الكبرى والوحيدة لحفتر التي تغطي كامل المنطقة الغربية.
وهيمن سلاح الجو التابع للحكومة الليبية، في الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق على سماء المعركة في المنطقة الغربية للبلاد، ولعب طيران الوفاق دورًا مهمًا في تحقيق هذه الانتصارات المتتالية على قوات حفتر في الفترة الأخيرة.
طوال الأسبوعين الأخيرين، نجح سلاح الجو لحكومة الوفاق في تنفيذ غارات جوية في أكثر من محور، جنوب وغرب طرابلس، حيث استهدف خطوط الإمداد الطويلة لحفتر، بعد أشهر من الغياب، وبلغ عدد غارات الوفاق على أهداف تابعة لحفتر 35 غارة، منذ 30 من مارس/آذار وحتى 4 من أبريل/نيسان فقط، بحسب المتحدث الرسمي باسم قوات الوفاق محمد قنونو، أي بمعدل 5 إلى 6 غارات يوميًا.
هذا الأمر، أدى إلى تحييد سلاح الجوي التابع لحفتر، حيث أصبحت سماء العاصمة طرابلس أكثر صعوبة على طائرات حفتر، خصوصًا المسيرة الإماراتية التي تستهدف الأحياء السكانية والمنشآت المدنية في طرابلس، ما جعل حفتر يلجأ إلى المدفعية والصواريخ لقصف الأحياء، بدلاً من الطيران.
سيطرة سلاح جو حكومة الوفاق على سماء المعركة في غرب البلاد، قلبت المعادلة ورجح الكفة لصالح الوفاق، رغم مواصلة حلفاء حفتر المناهض للشرعية دعمهم له بالطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي.