تتواصل انتصارات قوات الوفاق الوطني على قوات وميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ويتتالى معها تحرير المدن الواحدة تلوى الأخرى، بعد أن تغيرت موازين القوى لصالح الوفاق، نتيجة سيطرتها على سماء المعركة.
تلك السيطرة جاءت نتيجة دخول الطائرات التركية المسيرة من نوع “بيرقدار TB2” (Bayraktar TB2) لمعركة طرابلس، واستخدام أنظمة التشويش التي نقلتها تركيا إلى ليبيا في أوائل فبراير/شباط الماضي.
الطائرات الإماراتية غير كافية
قبل 25 من مارس/آذار الماضي، كان طيران اللواء المتقاعد خليفة حفتر مسيطرًا بشكل شبه كلي على سماء ليبيا، وهو ما ساعد قواته على تحقيق انتصارات مهمة في العديد من المدن، بعد أن أخرج طيران الوفاق من سماء المعركة.
هذا التفوق جاء نتيجة تزويد الإمارات ودول داعمة لقوات حفتر بمنظومات بانتسر للدفاع الجوي ودخول مرتزقة فاغنر الروسية ميدان المعركة بخبرتهم في التحكم بالطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الجوي، بالإضافة إلى التدريب وصيانة الطائرات.
تورد دولة الإمارات منظومة بانتسر الروسية للدفاع الجوي إلى قوات حفتر، ضمن الجسر الجوي الذي تسيره نحو ليبيا منذ بدء الهجوم على طرابلس لنقل العتاد العسكري لحليفها في الشرق الليبي، ومنظومة “بانتسر-إس1” هو نظام دفاع جوي أرض- جو قصير ومتوسط المدى، روسي الصنع، أعادت دولة الإمارات إطلاق مشروع إنتاجه عام 2000 بعد أن تبنت تمويل مشروع التطوير.
كما زودت الإمارات حليفها حفتر، بطائرات صينية مسيرة من طراز “وينغ لونغ 2″، وذلك لتكثيف غاراته الجوية خاصة على الأحياء الجنوبية لطرابلس، ما تسبب في سقوط عشرات الضحايا، ما جعل طائرات الوفاق تكاد تختفي من سماء المعركة.
الوفاق تستعيد السيطرة على سماء المعركة
يوم 25 من مارس/آذار الماضي، أطلقت حكومة الوفاق الليبية “عاصفة السلام”، ردًا على عمليات قصف قوات حفتر للأحياء والمنشآت المدنية في طرابلس. بداية هذه العملية العسكرية النوعية بدأت بتنفيذ ضربات جوية تستهدف عمق قاعدة الوطية الجوية (140 كيلومترًا غرب طرابلس)، أسفرت عن القبض على عدد من المسلحين والمرتزقة بينهم طيارون وتقنيو طيران.
وتعد قاعدة الوطية الجوية ثاني أهم مركز عسكري لقوات حفتر في المنطقة وتمتد من غرب طرابلس إلى الحدود التونسية، وتعتمد عليها قواته في تسيير الطائرات من دون طيار، كما تتوافر على مراكز قيادة عمليات مرتزقة شركة فاغنر الروسية.
بعد السيطرة على هذه القاعدة المهمة، تغيرت موازين القوى، فقد توالت غارات الوفاق على قوات حفتر، ما أوقع العديد من القتلى والجرحى في صفوفها، وتم تدمير آليات مسلحة وطائرات عسكرية من نوع سوخوي22.
لعب الطيران الحربي للوفاق دورًا مهمًا في تحرير العديد من المدن غرب البلاد، حيث تمكنت القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني الشرعية من تحقيق الانتصار تلو الآخر على حساب ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والمرتزقة التابعين لها، وتمكنت قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا من إحكام سيطرتها على كامل الطريق الساحلي إلى غاية زوارة الحدودية مع تونس.
بعد قصف قاعدة الوطية الجوية، كرس سلاح جو الوفاق هيمنته على سماء المعركة في المنطقة الغربية لأول مرة منذ بداية الحرب على طرابلس، بعد أن كانت الغلبة بشكل واضح لطيران اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه الدوليين، طيلة أشهر.
نتيجة هذه السيطرة، تكبدت ميليشيات حفتر خسائر كبرى، حيث أصبحت سماء العاصمة طرابلس أكثر صعوبة على طائرات حفتر، خصوصًا المسيرة الإماراتية التي تستهدف الأحياء السكانية والمنشآت المدنية في طرابلس، ما جعل حفتر يلجأ إلى المدفعية والصواريخ لقصف الأحياء، بدلاً من الطيران.
الأسلحة التركية في الموعد
تغير موازين القوى لصالح قوات الوفاق الوطني، جاء نتيجة دخول الأسلحة التركية من طائرات مسيرة هجومية وأنظمة تشويش أرض المعركة، وذلك بعد عقد الوفاق اتفاقًا أمنيًا مع أنقرة، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وفق المحلل السياسي الليبي عصام الزبير.
ويقول عصام الزبير لنون بوست: “بعد قصف قاعدة الوطية لم نر أي تحرك لمليشيات حفتر والداعمين له من مرتزقة روس وأفارقة، وهو ما يعني ارتباك جميع خطط عملياته”، ويضيف الزبير “حتى بعد تحرير الساحل الغربي لم يحرك حفتر أي طائرة له، وهو ما يوضح أنه فقد السيطرة التي كانت لديه على الأجواء”.
بعد الاتفاق التركي الليبي، تغيرت الكثير من الأشياء، فقد أصبحت قوات الوفاق تستخدم الطائرات دون طيار التركية من نوع “بيرقدار TB2″، وتتمتع هذه الطائرات بإمكانية إجراء مهام المراقبة والاستكشاف والتدمير الآني للأهداف خلال الليل والنهار، كما تعمل على تزويد مراكز العمليات لقوات الوفاق بمعلومات آنية ترصدها خلال مهمتها بالأجواء، وهي قادرة أيضًا على استهداف التهديدات المحددة بذخائر وصواريخ محمولة على متنها.
وتحمل هذه الطائرات 2 أو 4 ذخائر دقيقة ذكية يبلغ وزنها 40 كيلوغرامًا من طراز “MAM-L”، قادرة على توجيه ضربات لأهداف أرضية من مسافة تصل إلى 7 كيلومترات (نحو 4.5 ميل).
كما تستخدم الوفاق طائرة تركية من نوع “E-7T” مزودة بـ”نظام الإنذار المبكر والتحكم الجوي” تطير قبالة الساحل لتوفير معلومات استخباراتية للقوات المقاتلة على الأرض، إلى جانب تتبع الطائرات دون طيار التابعة لحفتر، وهو ما سمح للأنظمة التركية المضادة للطائرات دون طيار بالتشويش عليها وإسقاطها.
يرجع هذا التفوق إلى استخدام قوات الوفاق أجهزة تشويش الرادار كورال “KORAL” التي نقلتها تركيا إلى ليبيا في أوائل فبراير/شباط الماضي، وساهم هذا الرادار في التشويش على أنظمة الدفاع الجوي “بانتسر” التابعة لحفتر.
تقدم فرقاطتان تركيتان “جوكسو” و”جوكوفا” دعمًا كبيرًا للحماية الجوية والبحرية لقوات حكومة الوفاق الليبية قبالة ساحل صبراتة على بعد 55 كيلومترًا (34 ميلًا) غرب طرابلس، ولهاتين الفرقاطتين القدرة على تغيير موازين القوى، فهما قادرتان على إطلاق صواريخ “SM-1” أرض-جو على الطائرات التابعة لحفتر لتحييدها.
بهذه الأسلحة التركية النوعية، يمكن لحكومة الوفاق الوطني التغلب على قوات خليفة حفتر المناهض للشرعية وحسم المعركة لصالحها، مهما كان حجم الدعم العسكري الذي يتلقاه من حلفائه العرب والأجانب.