ترجمة وتحرير: نون بوست
لطالما كان البحر الأبيض المتوسط واحدًا من أكثر النقاط الجيوسياسية أهمية في التاريخ: إذ أن السيطرة على طرق الملاحة البحرية والهيمنة على الدول المطلة عليها كانت دائما جزء من أهداف مختلف القوى لعدة قرون. وفي الوقت الحاضر بدأت أهمية البحر الأبيض المتوسط تتراجع لفائدة أجزاء أخرى من العالم، إلا أنه لم يختفي أبدًا من خارطة المصالح الدولية. وفي الأثناء يواجه هذا البحر تحديات مثل الهجرة والتغير المناخي والتوترات بين الدول المطلة عليه.
تنطوي الكتابة حول البحر الأبيض الأبيض المتوسط على مفارقة: إذ أن ثرائه التاريخي العظيم يجعل من الصعب إيجاد طريقة للشروع في الكتابة بشكل يوفيه حقه. هذا الحوض المائي الضخم الذي يمتد على مساحة تفوق 2.5 مليون كيلومتر مربع، يفصل بين جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وغرب آسيا. وبفضل هذا الموقع المتميز شهد البحر الأبيض المتوسط حدوث تبادلات ثقافية واقتصادية وسياسية عديدة عبر تاريخه. حتى أن بعض الحضارات مدينة بصعودها للنجاح في السيطرة على هذا البحر، ومن بينها الإمبراطورية الرومانية، التي بسطت هيمنتها لعدة قرون وتمكنت من رسم طرق الملاحة البحرية في المتوسط والسيطرة على الدول المجاورة. وفي وقت لاحق واصلت القوى المختلفة الصراع على البحر الأبيض المتوسط إلى حدود القرن الواحد والعشرين.
بحر تطل عليه ثلاث قارات
تتشاطر شعوب البحر الأبيض المتوسط بعض الخصائص المشتركة، وذلك نتيجة لقرون عديدة من العيش في نفس الظروف المناخية، وتعاقب إمبراطوريات مختلفة، وتيارات التبادل الثقافي والتجاري المتواصل. هذه الخصائص تشكل الهوية المتوسطية التي تحيلنا إلى النظام الغذائي المتوسطي الشهير، الذي يقوم على تناول الأطعمة المحلية. فاليوم هنالك 22 بلدا يطل على حوض المتوسط.
تكمن الأهمية الجيوستراتيجية للبحر الأبيض المتوسط في كونه يربط بين ثلاث قارات هي أفريقيا وآسيا وأوروبا. هذا سمح له بأن يكون دائمًا طريقًا بحريًا هامًا تمر منه عشرات الملايين من الحاويات في كل عام، محملة بشتى أنواع البضائع. وأهم ميناء للشحن في المتوسط هو ميناء بيرايوس اليوناني الذي تبلغ كثافة الحركة فيه أكثر من خمسة ملايين حاوية، ليكون واحدًا من أهم موانئ العالم، إلى جانب بعض الموانئ الأخرى مثل ميناء الجزيرة الخضراء في مقاطعة قادس في جنوب إسبانيا، وطنجة في المغرب.
ولكن مزايا البحر الأبيض المتوسط لم تتم ترجمتها إلى ديناميكية اقتصادية بالنسبة للبلدان المطلة عليه. إذ أن الحواجز الجمركية والتحالفات السياسية وانعدام الاستقرار في بعض البلدان تحول دون تحقيق ذلك. وفي الواقع، على الرغم من أهمية هذا البحر فإن موانئه لا يمكنها أن تنافس موانئ أوروبا الشمالية التي تحتل مكانة عالمية أفضل بكثير، على غرار روتردام الهولندي وأنتويرب البلجيكي. وحتى تميز نفسها عن البقية، تلتزم موانئ البحر الأبيض المتوسط بأن تصبح منافذ محورية، بمعنى أن تكون متخصصة في لعب دور نقطة الدعم على المستوى القاري أو في الطرق البحرية الطويلة. والكثير من هذه الموانئ توجد قرب نقاط إستراتيجية في المتوسط مثل المضائق.
المضائق أبطال تاريخ المتوسط
إلى جانب موقعه المتفرد، فإن البحر الأبيض المتوسط يتميز بخصائص جغرافية، حيث أنه يمثل بحرًا مغلقًا لا يمكن العبور إليه إلا من خلال مضائق معينة: حيث يوجد مضيق جبل طارق في الغرب والبوسفور والدردنيل في الشمال الشرقي وقناة السويس في الجنوب الشرقي. إضافة إلى ذلك فإن المتوسط منقسم في الوسط من خلال مضيق آخر تمثله جزر مالطا وصقلية. كل هذه المضائق تشبه عنق الزجاجة أو النقاط الخانقة، التي تحد من الملاحة البحرية وتسهل السيطرة عليها.
ولذلك فإن هذه المضائق كانت دائما ذات أهمية استراتيجية. وتتنافس عليها مختلف القوى، وتنظر إليها على أنها نقاط يمكن غزوها والسيطرة عليها، واستخدامها كنقاط دفاع، وأبواب مفتوحة نحو بقية العالم، ويتم ذكرها حتى في الخرافات والأساطير. إذ أن مضيق جبل طارق على سبيل المثال، الذي يعد البوابة نحو المحيط الأطلسي، مذكور في العديد من النصوص القديمة على أنه نهاية العالم المعروف. إضافة إلى ذلك فإن جبل طارق يعد أقصى نقطة تقارب بين أوروبا وأفريقيا، باعتبار أن عرضه لا يتجاوز 14 كيلومترا، وهو ما ينطوي على العديد من الفرص والمخاطر.
أما مضيقي البوسفور والدردنيل فهما يفصلان البحر الأبيض المتوسط عن البحر الأسود، ويمثلان البوابة نحو آسيا. ومن أبرز الأساطير التي تدور في الثقافة الغربية، هنالك حرب طروادة التي ذكرها هوميروس في إلياذته، والتي دارت بالضبط في هذه المنطقة، كما يعتقد كثيرون أن هذه الأسطورة قد تكون مستوحاة من حرب حقيقية دارت في ذلك العصر بين القوى الكبرى من أجل السيطرة على المضائق، التي كانت توفر أسبقية جيوسياسية كبرى. وفي الوقت الحاضر يخضع المضيقان لسيطرة تركيا، وتظل أهميتهما قائمة بما أنهما يمثلان جسرًا لنقل الموارد الطاقية، ويمثلان المنفذ الوحيد لروسيا نحو المتوسط.
وفي الختام مكّن حفر قناة السويس في القرن التاسع عشر من تعزيز القيمة الجيوسياسية للبحر الأبيض المتوسط، بعد فتح ممر مباشر نحو البحر الأحمر والمحيط الهندي. وقد أصبحت هذه القناة أسرع طريق للوصول إلى آسيا من أوروبا، دون الاضطرار للالتفاف بجانب القارة الأفريقية. وقد تنافست عديد الدول على السيطرة على هذه القناة إلى أن قررت الحكومة المصرية تأميمها في 1956. وتعد قناة السويس جزء هاما من طرق التجارة التي تربط بين مختلف الموانئ. ويرتبط الأوروبيون بالمصانع في آسيا وحقول الطاقة في الخليج، ولذلك فإن أهمية هذا الممر المائي تظهر من خلال الكلفة الباهظة التي قد تتكبدها أوروبا في حال غلقه. إذ أنه خلال فترات الاضطراب التي شهدتها مصر في انتفاضة 2011 على سبيل المثال، أشارت التقديرات إلى أنه في حال غلق قناة السويس أمام السفن فإن سعر النفط الخام قد يرتفع بنسبة 10 بالمائة.
وقد كانت السيطرة على المضائق دافعًا للعشرات من الصراعات عبر التاريخ، مثلما تظهره مالطا التي تعرضت للغزو وتغيرت هويتها عدة مرات بسبب موقعها الاستراتيجي. ولكن بالإضافة إلى فائدته في طرق التجارة، فإن البحر الأبيض المتوسط يحتوي على موارد طبيعية هامة تلعب دورًا هي أيضا في الاقتصاديات المحلية، مثل الصيد البحري الذي يتواصل إلى حد الآن في مناطق معينة باعتماد التقنيات القديمة والمستدامة.
ومن الموارد الأخرى التي باتت أكثر أهمية في السنوات الأخيرة هنالك الغاز. فبينما تتزود دول غرب المتوسط على غرار إسبانيا بالمحروقات من الجزائر، فإن الغاز بصدد تغيير المعادلة الجيوسياسية في شرق المتوسط. إذ أن اكتشاف مخزونات هامة منه في المياه الإسرائيلية واللبنانية والفلسطينية والقبرصية والمصرية، فتح الباب أمام الصراعات الإقليمية بين من يرغبون في استغلال وتسويق الغاز مثل إيطاليا وقبرص واليونان، وتركيا التي تم إقصائها بشكل أدى لإحياء الصراعات القديمة على السيادة في المياه المتوسطية.
الوحدة في المتوسط؟
بما أنها تشترك في التاريخ والثقافة والموارد الطبيعية، فإن دول البحر الأبيض المتوسط حاولت أيضا إطلاق مشاريع للتعاون السياسي. ومن بين أولى المحاولات كان هنالك مسار برشلونة في العام 1995، الذي سعى إلى إنشاء منظمة دولية تجمع الدول المطلة على هذا الحوض، في إطار مشروع الشراكة الأورومتوسطية ضمن الاتحاد الأورومتوسطي. هذا الاتحاد الذي كان مكونًا من دول الاتحاد الأوروبي التي كان عددها 15 في ذلك الوقت إلى جانب 12 بلدا آخرا، مثّل إطارا للعمل من أجل معالجة المشاكل الأمنية في هذه المنطقة بشكل صريح وعلني. ولكن تجدد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عرقل إحراز أي تقدم في بداية الألفية الثالثة.
كما سعت فرنسا للترويج لبديل في 2007، هو الاتحاد من أجل المتوسط. هذه المنظمة الجديدة كانت أهدافها مشابهة لسابقتها، وتتضمن السعي لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، وكانت تبدو كمنظمة متحدة، على الأقل كنقطة تواصل دبلوماسي وقاعدة لإطلاق المشاريع الاجتماعية. ويضم الاتحاد من أجل المتوسط 43 بلدا، هي 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي و16 دولة أخرى مطلة على البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب الجامعة العربية التي تشارك في مختلف اللقاءات. هنالك أيضا مبادرة دبلوماسية أخرى هي مجموعة الحوار خمسة زائد خمسة التي روجت لها فرنسا والتي تجمع خمس دول أوروبية مع خمس أفريقية، من غرب المتوسط، وهي مالطا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا من جهة، والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا وتونس من جهة أخرى. أما الأطراف الأخرى مثل الناتو والاتحاد الأوروبي فقد أنشأت وسائل خاصة بها لتعزيز العلاقات بين الدول المتوسطية.
تم أيضًا إطلاق مبادرة دبلوماسية مختلفة داخل الأطر الإقليمية، وهي الألعاب الرياضية المتوسطية المستوحاة من الألعاب الأولمبية. هذه الفعاليات الرياضية تواصلت منذ 1951 بهدف الترويج للهوية المشتركة والعلاقات الطيبة بين بلدان المنطقة. إلا أن هذه المبادرة لم تكن بمنأى عن الانقسامات السياسية: إذ أن يوغوسلافيا على سبيل المثال رفضت المشاركة في ألعاب برشلونة في 1955 اعتراضًا على الحكم الدكتاتوري للجنرال فرانكو. وفي نفس العام أيضًا قررت الدول العربية رفع الفيتو في وجه المشاركة الإسرائيلية، التي لم تحضر أبدا في هذه الألعاب.
وبشكل عام حققت المبادرات الدبلوماسية في البحر الأبيض المتوسط نتائج هزيلة، ويعزى ذلك بالأساس إلى سعي مختلف الدول لإعطاء الأولوية لتحالفات أو مصالح أخرى. وفي ما يخص دول الضفة الشمالية، فإن توجهاتها الدبلوماسية كانت دائما تركز على الاتحاد الأوروبي. أما دول الجنوب والشرق فإنها أضعفتها التوترات الاقليمية والاضطرابات السياسية والحروب التي منعتها من تحقيق التعاون، كما أنها بدورها تقيم أهمية أكبر لمؤسسات مثل جامعة الدول العربية.
بحر من المصالح الدولية
في ظل عجزها عن بناء منتدى دبلوماسي ناجح، تواصل دول البحر الأبيض المتوسط الانخراط في التوترات الحدودية القديمة، التي تهدد استقرار المنطقة. ومن أبرز هذه التوترات هنالك الخلاف بين تركيا واليونان على جزيرة قبرص وأجزاء من منطقة إيجة، على الرغم من أن كلاهما أعضاء في حلف الناتو. هنالك أيضا انقسامات حادة بين الجارين المغرب والجزائر، اللذان يغلقان الحدود بينهما منذ سنوات عديدة، إلى جانب الخلاف بين إسبانيا وبريطانيا حول جبل طارق. وهنالك بالطبع الصراع القديم بين “إسرائيل” وفلسطين. وقد تمكنت الثورات العربية من وضع البحر الأبيض المتوسط في قلب الاهتمام العالمي في 2011، تماما كما فعلت الصراعات والحروب في السنوات الأخيرة، مثل حرب البلقان والحرب الأهلية الجزائرية في التسعينات، والحروب الحالية في ليبيا وسوريا. وقبل عقود قليلة شهد المتوسط أيضًا حروب بين العرب و”إسرائيل” وكان مسرحًا هامًا لحربين عالميتين.
وعلى الرغم من أنه خسر البعض من أهميته السابقة لفائدة آسيا، فإن البحر الأبيض المتوسط يواصل احتلال مكانة هامة في الشؤون السياسية الدولية. وتلتقي في هذه المنطقة قوى محلية وازنة مثل فرنسا وإيطاليا و”إسرائيل” وتركيا، مع قوى دولية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا التي تمتلك حضورًا عسكريًا في المنطقة. إضافة إلى ذلك فإن السنوات الأخيرة شهدت وصول لاعبين جديدين وزيادة حضورهما، هما روسيا والصين، ولو أنهما يعتمدان إستراتيجيات مختلفة تمامًا.
وقد تمكنت روسيا من اقتناص فرصة الحرب الأهلية في سوريا، التي تدخلت فيها لدعم نظام بشار الأسد، لتعزيز حضورها في البحر الأبيض المتوسط من خلال قاعدتين عسكريتين هما ميناء طرطوس والقاعدة العسكرية اللاذقية. إلى جانب ذلك شاركت موسكو في الصراع الليبي من خلال المرتزقة ودعمت الجنرال خليفة حفتر، إلى جانب مشاركتها في الاجتماعات واتفاقات السلام في هذا البلد. هذا سوف يسمح للحكومة الروسية بالحصول على بعض الأسبقية فيما يخص الموقع الممتاز لهذا البلد وثرواته الطبيعية بعد نهاية الحرب.
من جهتها التزمت الصين باستخدام الأدوات التجارية والثقافية والدبلوماسية. حيث أن بكين تستخدم هذه الطرق في الصراعات مثل ما يجري في سوريا، إلا أن أهم مثال على هذه الاستراتيجية هو مشروع طريق الحرير الجديد، الذي تصل جهته الغربية إلى البحر الأبيض المتوسط. وفي إطار هذا المشروع تمكنت الصين في السنوات الأخيرة من الاستحواذ على امتياز إدارة ميناء بيرايوس اليوناني، وأصبحت مالكة أغلبية الأسهم في موانئ أخرى مثل فالنسيا في إسبانيا. كما أنها استثمرت في موانئ هامة مثل طنجة ومالطا إلى جانب موانئ إيطالية وحيفا في “إسرائيل” وبورسعيد وقناة السويس في مصر. وفي الجنوب وسعت بكين من نفوذها في أفريقيا وفتحت أول قاعدة عسكرية خارج حدودها في جيبوتي في منطقة القرن الأفريقي. وهكذا تنوي بكين تأمين الملاحة البحرية في هذه المنطقة، لما تكتسيه من أهمية بما أنها تربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس.
التحديات المستقبلية
على الرغم من الانقسامات السياسية التي تمنع النظر إليه على أنه كيان موحد، فإن حوض البحر الأبيض المتوسط يواجه بعض التحديات الخطيرة. إذ أن طرق التجارة الجديدة مثل تلك التي ستفتح مع ذوبان الجليد القطبي أو اكتمال مشروع طريق الحرير الجديد، سوف تنافس البحر الأبيض المتوسط وتسرق منه أهميته. وفي الجانب الآخر، هنالك أيضًا تهديد المنظمات المتطرفة الحاضرة في الجهة، وهو خطر تزايد بسبب الحربين الليبية والسورية، وبدأ يتفشى في البلقان ومصر وشمال أفريقيا. وفي منطقة الساحل الأفريقي تعاني أغلب الدول من الاضطرابات المزمنة، التي تسمح بتوسع الجماعات المتطرفة والمنظمات الإجرامية التي تمكنت من إقامة طرق للتهريب والمتاجرة بالأسلحة والبشر.
إضافة إلى ذلك، فإن انعدام العدالة بين شمال وجنوب المتوسط تجعل من هذا البحر يمثل حاجزًا وليس فضاء للاتحاد. إذ أن العنف والطفرة السكانية تدفع بالآلاف من الناس للهجرة من أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، وهو ما يؤثر على بلدان المتوسط من الجهتين. وتعتبر الهجرة حاليًا واحدة من أكبر التحديات في المنطقة، بعد أن أصبح هذا البحر مقبرة للآلاف من المهاجرين، في ظل غياب أي إجراءات جادة لتهدئة الوضع. كما لو أن ذلك لم يكن كافيًا، هنالك أيضًا أزمة اللاجئين السوريين الذين يقبعون في تركيا ودول أخرى منتظرين الفرصة للمرور إلى الاتحاد الأوروبي، وهو يمثل واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في التاريخ.
وفي النهاية هنالك أيضا مشكلة التغير المناخي التي بدأت تبرز كتهديد وشيك وحقيقي. وستكون تبعات هذا التغير وخيمة في حوض البحر الأبيض المتوسط بشكل خاص، بما أنه بدأ منذ الآن يعاني من مشاكل التصحر وندرة المياه، وهو ما سيؤدي لاندلاع توترات مثل تلك التي بدأت تتصاعد بين مصر وأثيوبيا والسودان بسبب بناء سد النهضة، والتوترات بين “إسرائيل” وجيرانها أيضا. يضاف إلى كل هذه المشاكل، المخاطر الداخلية التي تواجهها عدة دول تعاني من ضعف الدولة وتفشي البطالة وغياب العدالة والأمن الغذائي. وقد أظهرت الثورات العربية في 2011، والسودان والجزائر في 2019، أن هذه المشاكل قد تؤدي لاندلاع احتجاجات شعبية قد تقود في أحسن الأحوال للتغيير الديمقراطي، ولكنها قد تقود أيضًا لاندلاع حرب أهلية.
وفي ظل وجود تحديات أمنية وديمغرافية وبيئية مماثلة، ووجود تهديد بأن موانئها سوف تفقد أهميتها الدولية، واكتشاف مخزونات الغاز الطبيعي الذي قد يغير كل شيء، يبدو أن البحر الأبيض المتوسط يواصل منذ قرون كتابة تاريخ خاص به.