يواجه اللواء المتقاعد خليفة حفتر المتمرد على الشرعية الدولية في ليبيا هزيمة أمام قوات الوفاق الحكومية، حيث تكبدت قواته خسائر كبرى وفقد أبرز المدن والبلدات والقواعد العسكرية التي كان يحتلها في الغرب الليبي، فارتأى حلفاؤه على رأسهم دولة الإمارات تغيير ساحة المعركة وتوجيهها إلى تونس هذه المرة علهم يتداركون ما فقدوه في ليبيا.
استهداف الغنوشي.. امتدادات لصراع إقليمي
السلاح في تونس ليس طائرة مسيرة تسقط عند أول محاولة تحليق لها، ولا منظومة دفاع جوي تُدمر وهي في الطريق إلى القاعدة العسكرية، ولا مرتزقة أجانب يُقتلون عند أول مواجهة مع قوات الشرعية، بل أكاذيب وإشاعات تمس أكبر أحزاب البلاد وزعيمها الذي يرأس برلمانها.
التغير السريع في موازين القوى في ليبيا وخسارة حليفها هناك، حتم على أبو ظبي توجيه سمومها إلى تونس، مستهدفة أهم أحزابها السياسية وأحد أبرز شخصياتها الوطنية – النهضة وزعيمها راشد الغنوشي الذي يرأس برلمان البلاد – بغية إرباك الوضع السياسي هناك وضرب التجربة الديمقراطية الأبرز في العالم العربي.
بدأ الإعلام الإماراتي، حملة موجهة لنشر أكاذيب تتعلق بثروة الأستاذ راشد الغنوشي المزعومة، فقد ذهب إلى اعتقاد القائمين عليه، وهو نفسه الخاسر في ليبيا، أن النهضة والمجموعة أو الحلف الذي تنتمي إليه سببا في خسارته في ليبيا لذلك وجب القصاص منها ومن رئيسها.
المتأمل لما يجري في تونس، يرى أن الأطراف التونسية التي استدعيت لتغذية الصراع معروف عنها عداءها للنهضة حتى وإن شاركتها طاولة تسيير الدولة
سخرت الإمارات إعلامها وإعلام الدول التي تشاركها التوجه على رأسها مصر والسعودية، دون أن تغفل وسائل التواصل الاجتماعي للنيل من حركة النهضة وزعيمها، فالنهضة حليفة الوفاق والأتراك الذين كبدوها خسائر كبرى في ليبيا، صعب لها أن تتداركها هناك.
الحملة الإماراتية على النهضة والغنوشي، لم تقتصر على الجانب الإعلامي فقط، بل امتدت على أرض الواقع أيضًا، فقد تحرك أعوانها داخل تونس، وبدؤوا تنفيذ الدور المنوط بهم حتى وإن كان سيدخل البلاد في دوامة من الفوضى وانعدام الاستقرار.
بدأ اعتصام في البرلمان وإضراب جوع أيضًا لمجموعة همها الوحيد تعطيل قطار الديمقراطية التونسية، فيما بدأ التسخين لما سمي بثورة الجياع بهدف الإطاحة بمؤسسات الدولة الشرعية التي انتخبها الشعب عن طواعية وفي شفافية تامة.
يتبين من هذا أن ما يجري في تونس هو امتدادات لصراع إقليمي، أي أن ما يحصل في هذا البلد العربي ليس مشكلة تونسية تونسية، فلو كان كذلك لكان مثلًا حول الشفافية في أموال رجال الأعمال التونسيين، أو لتدخلت هيئة مكافحة الفساد في الموضوع وحسمته باعتبار أن عندها كل الوثائق المطلوبة.
ما يجري هناك، حالة مسقطة ضمن صراع إقليمي لا ينطلق من مؤسسات رسمية أو حزبية وإنما من صفحات مجهولة ممولة أجنبيًا أو شخصيات لا صفة سياسية أو حزبية لها، ومن ثم تم نقله إلى الساحة السياسية، أي أن السياسيين لم يطرحوا أجندتهم، بل هي أجندات خارجية.
أطراف تونسية لتغذية الصراع
سخرت الإمارات إعلامها لضرب راشد الغنوشي والنهضة، لكن هذا لا يكفي فالخصم قوي ولن تجدي معه هذه الأساليب، لذلك أذنت لجماعتها بالتحرك في الداخل فبدأت الاعتصامات والبيانات والدعوات لمحاسبة الغنوشي.
دعمت الإمارات وجماعتها حليفهم حفتر في ليبيا بالسلاح والمرتزقة، أما في تونس فقد دعمت حلفائها وبيادقها بالمال، علها تحقق ما عجزت عن تحقيقه في ليبيا أمام حكومة الوفاق التي لا حليف جدي لها سوى تركيا وأردوغان.
عبير موسي وحزبها
المتأمل لما يجري في تونس، يرى أن الأطراف التونسية التي استدعيت لتغذية الصراع معروف عنها عداءها للنهضة حتى وإن شاركتها طاولة تسيير الدولة.
على رأس القائمة نجد النائبة عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، التي امتهنت المس من هيبة مجلس نواب الشعب وترذيل العمل السياسي في البلاد، وقد تم اختيار موسي لهذه المهمة، لما عرفت به هذه المرأة من عداء كبير للنهضة وولاء أكبر لمن يدفع لها المال.
تُعرفت موسى أيضا بخطاباتها التي تتهجم فيها على الربيع العربي، وسبق أن قالت: “الربيع العربي انتهى والعمل الآن هو إنقاذ تونس من منظومة الخراب التي جاءت بها الثورة الوهمية التي أنجزت في الغرف المغلقة لدوائر المخابرات الأجنبية لإسقاط البلاد وتحويلها إلى دولة فاشلة”.
وسبق أن كشفنا في تقرير لنون بوست، وجود عبير موسي ضمن الذراع السياسي لشبكة مصالح إماراتية في تونس تعمل على إفشال الانتقال الديمقراطي الذي تشهده البلاد منذ سقوط نظام بن علي في يناير 2011، ومصادرة القرار السيادي التونسي.
منجي الرحوي
إلى جانب عبير موسي، نجد النائب في البرلمان والقيادي بحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (يسار) المنجي الرحوي، فمنذ فترة سكن الرحوي الإعلام الإماراتي وإعلام الدول ذات نفس التوجه للحديث عن فشل الحكومة والدولة التونسية، والتقليل من مجهوداتها في هذه الظرفية الحرجة التي تعيشها البلاد أسوة بعديد الدول في العالم، نتيجة انتشار فيروس كورونا.
إلى جانب ذلك، امتهن القيادي السابق في الجبهة الشعبية تحميل الغونشي النهضة مسؤولية وضع البلاد الصعب، فلا يفوت فرصة إلا وتهجم على الغنوشي وكال له بسيل من التهم التي تفتقد لأي سند أو حجة سوى الحقد الأيدلوجي الذي يكنه له.
أحزاب قومية ويسارية
تصدرت بعض الأحزاب القومية واليسارية هذه الحملة أيضًا، وهي التيّار الشعبي وحزب العمّال وحركة تونس إلى الأمام والحزب الاشتراكي والحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي وحزب القطب وحركة البعث.
رغم أنها أحزاب ضعيفة ولا امتداد شعبي لها، فقد أبت إلا استهداف الغنوشي والنهضة علها تربح بعض النقاط التي تمكنها من المقايضة في وقت لاحق. هذه الأحزاب التي تتكون من عدد قليل من القيادات والأنصار قررت كعادتها الاصطفاف في المحور المعادي للثورة التونسية فهي ترى ما حصل في تونس عقب يناير 2011 انتكاسة للبلاد.
استهداف الغنوشي والتجربة الديمقراطية التونسية جاء أيضا من قبل أحزاب وقيادات سياسية تعمل مع النهضة في القصبة
هذه الأحزاب رأت في اتصال الغنوشي وهو رئيس للبرلمان، بفائز السراج وتهنئته بفوزه الأخير في قاعدة الوطية، “تجاوزًا لمؤسّسات الدولة وتوريطًا لها في النزاع الليبي إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها”.
ودعت هذه الأحزاب القوى والمنظمات الوطنية لـ” اتخاذ موقف حازم” تجاه الغنوشي وجماعته، الذين “يحاولون الزج بتونس في النزاع الليبي وتوريطها مع الاحتلال التركي وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على تونس والمنطقة”، وفق نص البيان المشترك.
حليف أو عدو؟
استهداف الغنوشي والتجربة الديمقراطية التونسية جاء أيضا من قبل أحزاب وقيادات سياسية تعمل مع النهضة في القصبة، ونعني حركة الشعب القومية التي يقودها زهير المغزاوي، وقد اختار المغزاوي بدل التضامن الحكومي توجيه اتهاماته للغنوشي التي تفتقد لسند.
لم يهاجم المغزاوي وهو الحليف في الحكومة، راشد الغنوشي فقط بل رئيس كتلة “النهضة” نور الدين البحيري، وهاجم وزير النقل عن النهضة أنور معروف، وشكك في عمل وزير الصحة عبد اللطيف المكي وهو الذي يشهد الجميع بنجاحه في الوصول بتونس إلى بر الأمان خلال أزمة فيروس كورونا.
حتى التيار الديمقراطي الذي يقوده محمد عبو، موجود في هذه الحملة وإن كان بدرجة أقل، ويفهم ذلك من خلال استهداف قياداته وأنصاره على مواقع التواصل الاجتماعي للغنوشي وحزب والتشكيك في نواياهم وجديتهم في العمل الحكومي المشترك.
عماد بن حليمة
أوكلت للمحامي عماد بن حليمة الذي سبق أن شطب اسمه من جدول الهيئة الوطنية للمحامين بتونس، التحضير لاعتصام أمام البرلمان شبيه باعتصام الرحيل سنة 2013، وشحن المواطنين ضد الدولة والحكومة ومجلس نواب الشعب.
فاطمة المسدي
يشارك عماد بن حليمة في هذا العمل، النائبة السابقة في البرلمان التونسي عن نداء تونس فاطمة المسدي، وقد بدأت عملها وخصصت صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي لتوجيه الاتهامات للنهضة وزعيمها راشد الغنوشي، محملة أي نقطة سلبية في البلاد لهم.
وفاء الحزامي الشاذلي
ضمن هذه الجماعة نجد أيضًا، المحامية التونسية وفاء الحزامي الشاذلي التي تتمترس وراء شاشة قناة تونسنا وتتخذ منها منبرًا لمهاجم حركة النهضة، وتوجيه التهم إليها دون أن تقدم أي دليل على صحتها، كما أنها تمتهن مهاجمة الدول الداعمة للربيع العربي.
نبيل الرابحي
يزعم المدون نبيل الرابحي الذي يحمل الفكر اليساري أنه سيخرج يوم 1 يونيو المقبل إلى الشارع وقيادة ثورة جديدة سمها ثورة الجياع، ودعا في العديد من التدوينات على حسابه الخاص إلى قتل جميع المسؤولين واقتحام المراكز السيادية إسقاط الدولة التونسية.
خطة مشتركة
خطة هذه المجموعة تتمثل في تكثيف استهداف راشد الغنوشي الذي يحظى باحترام عالمي، لنزاهته الفكرية والسياسية والمالية، من كل المحاور لإرباكه وإشعال فتيل الصراع بينه وبين رئيس الجمهورية قيس سعيد، حتى ترتبك الدولة وتتفكك مؤسساتها السيادية وتدخل في دوامة من الصراعات.
كما تعمل هذه المجموعة التي تتلقى أغلب الأوامر من الإمارات على نشر الفتنة بين أعضاء الحكومة وإبراز ضعف التضامن الحكومي أو تغييبه كليًا، و ذلك لإرباك حكومة إلياس الفخفاخ، في هذا الظرف الحرج الذي تعيش على وقعه البلاد.
كما يعملون أيضًا على استثمار وتغذية الصراعات الإيديولوجية التي طغت على أعمال مجلس نواب الشعب وإثارة معارك جانبية في المجلس بين الكتل، للدفع إلى توقف نشاطه والترويج لصورة سيئة عنه وبالتالي كسب تعاطف شعبي حول ضرورة حله.
كل هذا الهدف منه ضرب التجربة الديمقراطية التونسية، فاستهداف أكبر حزب في البلاد ورئيس البرلمان هو استهداف لتونس، ذلك أن الإمارات لم يرق لها الاستثناء التونسي وتسعى جاهدة إلى تعطيله حتى لا يصل رياحه إلى أراضيها.