حلويات تزين موائد التونسيين في العيد

طبق حلويات تونسية

يحتفل التونسيون كغيرهم من المسلمين في سائر أنحاء العالم بعيد الفطر المبارك، لمدة ثلاثة أيام بعد انتهاء شهر الصيام والقيام، في تلك الأيام تعم الفرحة والسرور بيوت التونسيين، وتتزين الموائد بالحلويات، فالعيد مرتبط بها.

حلويات يختار بعض التونسيين أن يتم شراءها من محلات المرطبات المنتشرة في كل مكان، كل حسب طاقته الشرائية، فيما يخير آخرون أن يتم إعدادها في البيت وفق وصفات توارثوا تحضيرها عن الأجداد منذ مئات السنين.

الغربية وكعك الورقة الأندلسي

بدأت أية البالغة من العمر 16 سنة، قبل أسبوع من الآن الإعداد هي وأمها وزوجة خالها لحلويات العيد، أو “الحلو” هو الاسم الشائع للحلوى التقليدية التي توارثها التونسيون عن أجدادهم، جهزن المكوّنات الضرورية من دقيق وماء زهر وسكر مطحون والمكسّرات، لصنع هذه الحلويات.

هذه السنة قررت عائلة أية أن تتزين طاولة “العيد الصغير” كما يسمى في تونس، بـ”كعك الورقة”، وهي نوع من الحلويات التونسية ذات أصل أندلسي، تُصنع من الطّحين والسكر واللوز المرحي والزبدة ويعطر غالبًا بماء الزهر أو بالنّسري.

طبق الغريبة تونسية

يكون شكل هذه الحلويات عادةً مدوّر. ويعود أصله إلى العائلات الأندلسية التي هربت من بطش الحكّام الإسبان إلى تونس، فقد عمدت النّساء إلى تخبئة مجوهراتهم وأموالهم وصكوك منازلهم في الكعك عوض حشوه باللوز وبذلك استطاعوا تهريب كلّ ماهو ثمين.

عادة ما تترأس “البقلاوة” تشكيلة الحلويات عند العديد من التونسيين، فهي لا تغيب عن مناسبات التونسيين وأعيادهم أبدًا

تجمعن الثلاثة ليلة السابع والعشرين من رمضان الكريم في بيت العائلة، مباشرة بعد صلاة العشاء، صنعن العجينة المكونة من الطحين والملح والزبدة ثم تركنها جانبًا لبرهة من الزمن، وفي وعاء آخر خلطن اللوز المطحون، والسكّر الناعم وماء الورد حتّى تتكوّن عجينة متماسكة، استعدادًا لطهوها في مراحل لاحقة.

بعد ذلك وضعن عجينة الطحين على شكل مستطيلات عل سطح مستوٍ، ووضعن الزبدة حتى تمنع التصاق العجينة بالسطح، بعدها وضعن بداخل العجين الأول عجينة اللوز، وتم تحويلها إلى قطع دائرية حتى تأخذ شكل الكعك، ومن ثم قمن بغمر الكعك بماءٍ مغليّ للحفاظ على السطح الخارجي أملسًا، وفي الأخير يوضع الكعك في الفرن.

كعك ورقة

فضلًا عن كعك الورقة، وكعادة العائلة كل سنة، تم صنع حلو “الغريبة الحمص”، تقول أية لنون بوست وهي ضاحكة، “الغريبة”، صعبة بعض الشيء لذلك أكتفي بالجلوس وتقديم المساعدة في بعض الأشياء البسيطة، واستدركت بالقول، لكن سأتعلم يومًا ما كيفية صنعها.

وتصنع “الغريبة الحمص” بخلط مسحوق الحمص مع السكر، مع إضافة الزبدة عند الخلط للحصول على عجينة متماسكة، تترك قليلًا، ثم يتم قطعها في شكل أصابع صغيرة في حجمها أو في شكل مربعات صغيرة أيضًا، وتوضع بعد ذلك في الفرن حتى تنضج وتتزين بالفستق أو اللوز.

وتقول أم أية لـ”نون بوست”، كل سنة نصنع الحلو في بيتنا، ولا نشتريه من الخارج أبدًا، فـ”حلّان الحلو” (صنع الحلويات منزليًّا) يعطي للعيد نكهة أفضل، هكذا تعلمنا من أمّهاتنا وأجدادنا منذ عشرات السنين، وليس بإمكاننا التخلّي عنها اليوم مهما كانت الظرفية.

البقلاوة التونسية

بدورها اختارت مروى شراء حلو العيد من إحدى محلات الحلويات القريبة من بيتها، رغم ارتفاع ثمنه هناك، فهي تعمل كامل الصباح ولا أحد له أن يساعدها في صنع الحلو في البيت، لذلك فضلت اقتناءها جاهزة من المحل.

اشترت مروى كيلوغرام من البقلاوة، وهي إحدى أنواع الحلو المشهورة في تونس، ويعود تاريخ ظهور هذه الحلويات وبوادر تصنيعها إلى القرن الثالث عشر ميلاديًا عهد الدولة العثمانية، بعد أن أخذت عن الأتراك وكانت تقدم بالأساس كحلويات رسمية داخل البلاط الملكي حيث كان يستهلكها النبلاء ووجهاء القوم في ذاك العصر ومن ذلك استمدت تسميتها ونسبت إلى الباي.

البقلاوة

عادة ما تترأس “البقلاوة” تشكيلة الحلويات عند العديد من التونسيين، فهي لا تغيب عن مناسبات التونسيين وأعيادهم أبدًا، وتتمثل البقلاوة في مُعجنات محلّاة تتكون من طبقات رقيقة من العجين، ولها عدة أنواع، منها بقلاوة بالفستق وبقلاوة بالجوز، وتُحلَّى بسكب القطر أو العسل عليها، ويجعلها ذلك أكثر تماسكًا.

وأكدت مروى في حديثها لنون بوست، أن ارتفاع أسعار الحلويات حتم عليها شراء البقلاوة فقط، فهي كانت تمني النفس بشراء أنواع أخرى كالصمصة وكعك الورقة، لكن توقف زوجها عن العمل نتيجة أزمة انتشار كورونا حتم عليها الاكتفاء بهذا القدر فلا عيد دون حلويات.

أذن القاضي والمقروض القيرواني

بجانب مروى، وقفت سلمى تختار بعينيها وتقرأ الأسعار في نفس الوقت، ثم طلبت من البائع مدها بكيلوغرامين من “أذن القاضي”، وهي من الحلويات الأندلسية التي تصنع من عجين مكون من الطحين والبيض والزبدة وماء الورد والفانيلا والسكر المطحون، وتباع في شكل أذن.

وعن أصل تسميتها بأذن القاضي، يذكر المؤرخون بأن القاضي عادة ما يطلب منه أن يكون له أذان صاغية لسماع الخصمين وتكون على الأرجح كبيرة ومن هنا يأتي وجه الشبه بين كبر حجم أذن القاضي والأذن المقلية.

أذن القاضي

اكتفت سلمى بشراء “أذن القاضي”، ذلك أن زوجها كان في عمل في مدينة القيروان وسط البلاد، وهناك اشترى المقروض، وفق قولها لنون بوست. والمقروض التونسي أو حلويات الأغالبة كما يطلق عليها البعض هو حلويات تونسية تقليدية تسمى حلويات الأغالبة نسبة لدولة الأغالبة في القيروان.

هذا النوع من الحلويات مصنوع من الدقيق المحشو بالتمر المغموس في العسل، وقد تضاف إليه بعض المكسرات المرحية مثل اللوز أو السمسم، وينتشر المقروض التونسي في كامل الولايات التونسية عامة وفي ولاية القيروان خاصة باعتبارها الموطن الأصلي له. ويحظى المقروض التونسي بشهرة كبيرة في كافة أنحاء العالم، بفضل محلات الحلويات التونسية المنتشرة في كافة أغلب الدول.

مقروض القيروان

عن مدى تمسك التونسيين بحلو العيد، تقول سلمى لنون بوست، إنها اعتادت هي وعائلتها شراء الحلو سنويا، رغم ضعف القدرة الشرائية، فهذا التقليد يستحيل عليا وعلى عائلتي وعلى كل التونسيين الاستغناء عنه، فالعيد لا يعد عيدا إن لم تزينه الحلويات.

لا يكاد بيت من بيوت تونس أيام العيد الصغير، يخلو من حلويات العيد مهما كان وضعه المادي، إذ لا تغيب هذه الحلويات عن طاولات التونسيين، رغبة منهم في الاحتفاظ ببهجة العيد وإن كانت في أدنى درجاتها.