بعد 6 سنوات من إلغائه بدعوى فقدان أهميته وغياب دوره فضلًا عن إرهاقه لخزانة الدولة، ها هو مجلس الشورى بات على بعد أمتار قليلة من العودة للساحة السياسية المصرية بعد الموافقة على إعادته مرة أخرى من مجلس النواب، لكن هذه المرة تحت مسمى “مجلس الشيوخ”.
يأتي إعادة الغرفة البرلمانية الثانية بعد إلغائها في دستور 2014 ضمن حزمة تعديلات دستورية تقدم بها ائتلاف “دعم مصر” صاحب الأغلبية داخل البرلمان المصري في فبراير 2019، وكان من بينها تعديل المادة الخاصة بالانتخابات الرئاسية التي تسمح للرئيس الحاليّ عبد الفتاح السيسي البقاء في السلطة حتى 2034.
وناقش مجلس النواب خلال جلساته على مدار اليومين الماضيين التقرير النهائي الذي أعدته لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية عن مشروع قانون الشيوخ المقدم من النائب عبد الهادي القصبي رئيس الائتلاف وأكثر من 60 عضوًا آخرين.
العديد من علامات الاستفهام تطل برأسها باحثة عن إجابة بشأن دوافع عودة هذه الغرفة في هذا التوقيت، وما الذي تغير من أسباب إلغائها في 2014 حتى تعود مرة أخرى، وما القيمة المضافة التي ستضيفها للعمل البرلماني المصري في وقت تعاني فيه الدولة من أزمات اقتصادية لا تتحمل معها مزيدًا من الإنفاق في مسائل يراها البعض غير ضرورية بالمرة، هذا بجانب التخوفات التي انتابت البعض بشأن التشكيلة الجديدة المتوقع ضخها دخل المجلس الجديد وقدرتها على تحريك المياه الراكدة في الشارع السياسي المصري.
زيادة التمثيل المجتمعي
لجنة الشؤون الدستورية بالبرلمان في تقريرها الذي تقدمت به أشارت إلى أن الهدف من إنشاء الشيوخ هو “زيادة التمثيل المجتمعي وتوسيع المشاركة وسماع أكبر قدر من اﻷصوات واﻵراء” وذلك بما يغلق الباب بصورة شبه نهائية أمام استئثار تيار معين بمنظومة التشريع في البلاد.
التقرير أشار إلى أن الواقع السياسي الآن يتطلب نافذة أخرى لإبداء الرأي والانخراط في المسار التشريعي، في ظل قصر الأداء التشريعي على مجلس النواب فقط بحسب الدستور، وعليه فإن إعادة الشيوخ بات أهمية كبيرة خاصة بعد تقييم الدور الفاعل الذي قام به مجلس الشورى منذ إنشائه وحتى صدر قرار حله، وفق التقرير.
اللجنة أوضحت في تقريرها أن مبدأ ثنائية البرلمان المعمول به في بعض دول العالم يعد “ضمانة أساسية ﻹنجاز العملية التشريعية بطريقة صحيحة، حيث تتم دراسة ومناقشة مشروعات القوانين بتأنٍ واستفاضة في كلا المجلسين، اﻷمر الذي يصعب تحقيقه عند اﻷخذ بنظام المجلس الواحد”.
من خلال مقارنة سريعة بين المجلسين يتضح أن شيوخ السيسي وشورى مبارك متشابهان حد التطابق، حتى في ديباجة التعديلات التي قدمت لإنشاء الغرفتين
وفي دفاعه عن المشروع المقدم، كشف النائب الراحل رفعت داغر، الأمين العام لنقابة الفلاحين وقتها، أنه ووفق الدستور الجديد من الممكن أن ينفرد حزب سياسي بالأغلبية وعليه يشكل الحكومة منفردًا، أما في حال وجود غرفة برلمانية ثانية فإن الأمر سيحول دون سيطرة هذا الحزب على مسار التشريع بما يخدم أهدافه السياسية.
وبحسب التعديلات المقترحة يتشكل مجلس الشيوخ من 300 عضو، وتكون مدة المجلس خمس سنوات، يُنتخب ثُلثا أعضاء المجلس، فيما يعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي، ويخصص للمرأة ما لا يقل عن 10% من إجمالى عدد المقاعد، ولا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الشيوخ ومجلس النواب.
كما حدد القانون الاختصاصات المتعلقة بالغرفة البرلمانية الثانية كونها مختصة بـ”بدراسة واقتراح ما يراه كفيلًا بالحفاظ على مبادئ ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ودعم الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة وتعميق النظام الديمقراطي وتوسيع مجالاته”.
بين الشيوخ والشورى
ما الفرق بين مجلس الشيوخ المزمع تدشينه ومجلس الشورى الملغى قبل ذلك؟ سؤال ربما يجيب عن تساؤل آخر يتعلق بالقيمة المضافة التي من المتوقع أن تقدمها الغرفة البرلمانية الثانية، وتبرر الدوافع المساقة لذلك التي تبناها أعضاء ائتلاف الأغلبية.
ومن خلال مقارنة سريعة بين المجلسين يتضح أن شيوخ السيسي وشورى مبارك متشابهان حد التطابق، حتى في ديباجة التعديلات التي قدمت لإنشاء الغرفتين، ففي دستور 1971 المعدل في 1980 اختص مجلس الشورى بـ”دراسة واقتراح ما يراه كفيلًا بالحفاظ على مبادئ ثورتين هما يوليو 1952 وثورة التصحيح في مايو 1971، ودعم الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، وحماية تحالف قوى الشعب العاملة والمكاسب الاشتراكية، والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الاشتراكي الديمقراطي وتوسيع مجالاته”، وتقريبًا هي ذاتها الاختصاصات التي تم ذكرها آنفًا في تقرير اللجنة الدستورية بشأن إنشاء مجلس الشيوخ.
المجالات الست التي حددها دستور 1980 وما تلاها من تعديلات في 2007 تتناغم بصورة كبيرة مع المجالات المقترحة حاليًّا، حيث يدور معظمها في 3 مسائل أساسية: مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومشروعات القوانين التي يحيلها إليه رئيس الجمهورية، وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشؤون العربية أو الخارجية.
ربما اللحظة الفارقة التي منح فيها مجلس الشورى الصلاحيات الأكبر كانت في فترة الرئيس الأسبق محمد مرسي، فبعد أن حلت المحكمة الدستورية مجلس الشعب في 2012، احتاجت الحكومة حينها لجهاز تشريعي لتسيير الأمور، ووقتها منحت الشورى سلطة التشريع كاملة لحين اختيار مجلس شعب جديد، إلا أنه وبعد عزل مرسي في يوليو 2013 أوقف العمل بالدستور وعليه تم تعطيل مجلس الشورى لحين تم إلغائه في الدستور الجديد.
نقيب المحامين السابق سامح عاشور، الذي كان ضمن اللجنة لفت إلى أن الصورة الذهنية الراسخة لدى المواطن المصري أن هذا المجلس جاء “كتطييب خواطر وتوزيع مواقع على قوى انتخابية لم يكن الحزب الوطني يستطيع أن يغطيها من خلال البرلمان في مجلس الشعب”
باب خلفي للفساد السياسي
بالعودة إلى 2014 حين ناقشت لجنة الخمسين المُشكلة لصياغة الدستور الجديد مسألة إلغاء مجلس الشورى والاكتفاء بغرفة برلمانية واحدة، ورغم الخلاف بينهما بشأن فكرة الإلغاء من عدمه، فإن الجميع اتفق حينها على أن هذا المجلس كان غرفة خلفية للفساد السياسي في أبهى صوره.
نقيب المحامين السابق سامح عاشور، الذي كان ضمن اللجنة لفت إلى أن الصورة الذهنية الراسخة لدى المواطن المصري أن هذا المجلس جاء “كتطييب خواطر وتوزيع مواقع على قوى انتخابية لم يكن الحزب الوطني يستطيع أن يغطيها من خلال البرلمان في مجلس الشعب”، مستشهدًا بحجم الإقبال التصويتي على انتخابات الشورى التي لم تتجاوز حاجز الـ6% من مجموع الناخبين.
أما رئيس جامعة القاهرة السابق جابر نصار، أستاذ القانون الدستوري، فكشف أن الهدف الرئيسي لإنشاء الشورى إبان فترة مبارك كان تحقيق أمرين لا ثالث لهما، أولها: تسميم التجربة الحزبية وغلق الباب أمام إنشاء أي حزب إلا بموافقة المجلس لمن يشاء، ثانيها: سيطرة الحزب الحاكم (الوطني المنحل) ومعه الحكومة، على الصحف وتكريس تبعيتها لهما.
العديد من أعضاء اللجنة من السياسيين والإعلاميين اتفقوا على أن مجلس الشورى “سيظل بنفس سوء السمعة خصوصًا أنه سيرتبط بتعيين الناس وسيكون دائمًا بابًا خلفيًا للفساد”، حتى المؤيدين للإبقاء عليه وصفوه في كثير من نقاشاتهم بأنه كان “مجلس ترضية ومجلسًا فاسدًا”.
تخوفات وترقب
عودة المجلس الجديد في هذا الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة، تعززت بصورة أعمق مع تداعيات جائحة كورونا المستجد التي أصابت الاقتصاد العالمي بحالة من الشلل، كان مثار تساؤل لدى قطاع كبير عبر عن تخوفاته بشأن الآثار الاقتصادية لهذا الإنفاق المتزايد في وقت قفزت فيه ديون الدولة، الداخلية والخارجية، قفزات مجنونة لم تشهدها منذ نشأتها.
وعن الأعباء المالية التي ستتكبدها خزينة الدولة حال إنشاء مجلس الشيوخ الجديد، قال البرلماني السابق عز الدين الكومي، في تصريحات صحفية له، إن رواتب أعضاء مجلس النواب تصل إلى 50 ألف جنيه شهريًا، مما يعني أن الغرفة الثانية ستشكل عبئًا ماليًا جديدًا يرهق كاهل الدولة بمزيد من النفقات، فضلًا عن المليارات المتوقع إنفاقها خلال الدعايا الانتخابية وميزانية إجراء العملية الانتخابية برمتها من رواتب ومنح للقضاة والمشرفين والتجهيزات الميدانية.
التخوف الأبرز من وراء هذا المجلس هو إعادة استخدامه كمنصة للترضيات السياسية عبر تعيين الشخصيات المعروف ولائها للنظام كنوع من المكافأة عما قدمته من دعم وتأييد، هذا بجانب فتح الباب للفساد السياسي مرة أخرى كما حدث في عهد مبارك حين تحولت عضوية المجلس إلى هبة من رئيس الدولة لمن يثبت إخلاصه بجانب توظيفه لشراء أصوات بعض المعارضين والحزبيين لضمان سكوتهم كما كان الحال مع حزب التجمع والوفد وقتها.
هذه النقطة حذر منها الكاتب السياسي المصري عمرو الشوبكي، الذي كان أحد أعضاء لجنة الخمسين، حيث أشار في تصريحاته لـ”مدى مصر” أن فكرة الغرفة البرلمانية الثانية ليست بالجديدة، فهي بالفعل موجودة لدى العديد من الديمقراطيات في العالم، “لكنها تعمل كغرفة للخبراء تختص بالتدقيق في القوانين ومراجعتها، وليس لضم مؤيدي النظام السياسي” على حد قوله.
وفي النهاية هل بالفعل الوضع التشريعي في مصر بحاجة لغرفة برلمانية ثانية؟ سؤال لا تحتاج إجابته إلى عناء طويل لكنه في الوقت ذاته عصي عن الإجابة، غير أنه من الواضح أن 568 مقعدًا بمجلس النواب الحاليّ ليست كافية بالشكل المطلوب لإرضاء المؤيدين من الشخصيات السياسية والعامة، فكان البحث عن مقاعد أخرى هو الحل للخروج من هذا المأزق.