أخطبوط المؤامرات.. عراب الانقلابات.. مبعوث ابن زايد لمكافحة ثورات الشعوب العربية.. صديق الجنرالات ويد “إسرائيل” الطولى لابتزاز المقاومة.. مسميات وكُنى عُرف بها محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة “فتح” الفلسطينية، الذي بات منذ 2011 سرطانًا ينخر في عظم وجسد المجتمع العربي.
لم يجد أبناء زايد شخصًا كدحلان لتنفيذ أجندتهم الإقليمية، فتاريخ الرجل وباعه الطويل في التجسس والتآمر والخيانة، سواء على بني شعبه أو بني أمته، هو جواز سفره المعتمد لتحويله إلى قبلة يقصدها العابثون في مقدرات الشعوب، الطامعون في القفز على أمن واستقرار المجتمعات.
الجولات المكوكية التي قام بها القيادي الفتحاوي المفصول خلال السنوات الثلاثة الأخيرة على وجه التحديد تكشف وبصورة كبيرة كيف تضع أبو ظبي ثقتها في هذا الرجل للقيام بالمهام الموكلة إليه، فتجده يقابل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عدة مرات، ويساهم في تأسيس حزب سوري معارض بالقاهرة، ويشارك في مفاوضات بالخرطوم لبناء سد هناك، ثم تنفيذ مهام سرية دعمًا للواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، وينتقل بعدها إلى تونس لتأليب الوضع الداخلي، هذا بجانب حضوره – غير المبرر – خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض مايو/آيار 2017.
وخلال السنوات العشرة الماضية تحول دحلان إلى أداة تخريب لمن يدفع له، بل بات ملاحقًا من العديد من الحكومات والأنظمة، فلم يكتف الرجل باتهامه بالتجسس والقتل من سلطات بلاده التي أصدرت ضده أحكامًا بالحبس فحسب، بل تلاحقه تهم أخرى على رأسها محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو 2016، ليُدرج ضمن “القائمة الحمراء”، وهي أخطر قوائم الإرهابيين المطلوبين في البلاد.
في الحلقة الخامسة من ملف “مرتزقة أبناء زايد” نستعرض مسيرة دحلان وكيف تحول إلى أخطبوط محمد بن زايد لتنفيذ أجندته التوسعية في الشرق الأوسط، عبر مهمته الرئيسية المحصورة في قيادة مخطط الثورات المضادة لوقف سير قطار الربيع العربي، ودوره المحوري في تجييش المرتزقة لخدمة الأجندة الإماراتية في المنطقة.
نشأة وصولية
نشأته في مخيم خان يونس للاجئين كانت عاملًا محوريًا في مساعي الرجل للخروج من تلك الشرنقة إلى آفاق رحبة، يعايش فيها أحلام النفوذ والمال، فهو الشاب المتمرد على حياته، بدأ تعليمه في إحدى الجامعات المصرية، لكن سرعان مع عاد إلى غزة مرة أخرى، منتسبًا للجامعة الإسلامية هناك.
في تلك الأثناء شارك في تأسيس فرع الشبيبة الفتحاوية، الذراع التنظيمي والسياسي لحركة فتح حينها في القطاع، إلا أنه قبض عليه بعد ذلك بفترة وجيزه بتهمة الانضمام إلى الحركة، حيث حُكم عليه بخمسة أعوام قضاها في السجون الإسرائيلية ما بين 1981-1986.
وفي أثناء وجوده بالسجن أتقن دحلان العبرية بصورة كبيرة، وعقب خروجه مباشرة تم ترحيله إلى الأردن، ومنها إلى مصر ثم العراق، ليستقر به المطاف بعدها في تونس، حيث تقيم قيادات حركة التحرير الفلسطينية فتح بزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات، ليتسلل بعدها إلى خبايا الزعيم الفلسطيني، واضعًا قدمه على أول طريق السياسة والنفوذ.
وإثر توقيع منظمة التحرير الفلسطينية، اتفاق أوسلو للسلام مع “إسرائيل” الذي كان من نتاجه تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 ترأس دحلان البالغ من العمر من العمر 58 عامًا (مواليد 29 من سبتمبر من العام 1961) جهاز “الأمن الوقائي” في قطاع غزة، وهي الوظيفة التي عبدت الطريق أمامه نحو التنسيق الكامل مع تل أبيب.
اتهامات بالعمالة والخيانة
منذ دخوله العمل العام حرص دحلان على تقديم نفسه كصديق صدوق لسلطات الاحتلال رغم بداياته كناشط في حركة “فتح”، حيث تكشف ميله اللافت للنظر للتقرب من القادة الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين يومًا تلو الآخر، الأمر الذي وضعه في مرمى الاتهامات.
الشهادات الموثقة لبعض السياسيين الفلسطينيين تؤكد الاتهامات التي وجهت لدحلان بالعمالة مع السلطات الإسرائيلية، حيث اتهمته القوى الفلسطينية الرافضة للتسوية مع الاحتلال، خاصة حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، باعتقال وتعذيب الآلاف من عناصرهما، بتهمة مقاومة العدو المحتل.
ورغم فقدان جهاز الأمن الوقائي الذي كان يرأسه دحلان للإمكانات الأمنية والتدريبية التي تؤهله لتوسيع دائرة عمله ونشاطاته، فإنه نفذ العشرات من حملات الاعتقالات في صفوف المقاومة، بلغت خلال الأشهر الـ18 الأولى من بداية عمله بالجهاز قرابة ثلاثة آلاف معتقل، هذا بجانب اعتقال العشرات بدعوى إساءة استخدام السلطة والسجن دون أحكام أو اتهامات واضحة والتعذيب حتى الموت.
وكشفت تلك الشهادات عن تنسيق أمني كامل كان يمارسه دحلان مع الاحتلال وأجهزته الأمنية، حيث كان يزودهم بالمعلومات التفصيلية عن الفصائل الفلسطينية المقاومة، وهي المجهودات التي دفعت الكثير من الأنظار إليه، سواء داخل سلطات الاحتلال أم القوى الإقليمية العربية ذات العلاقات الجيدة مع تل أبيب.
فاسد من الطراز الأول
استغل دحلان صلاحيات وظيفته في التربح المادي السريع، وهو ما دفع العديد من فصائل المعارضة باتهامه بالتورط في عمليات فساد وكسب غير مشروع، لتتصاعد معها المطالب بإقالته من منصبه وفتح تحقيق عاجل وموسع معه بسبب تلك الجرائم، غير أن ذلك لم يحدث.
ووفق التقارير الصادرة عن الجهات الرسمية وغير الرسمية، فقد ارتكب رئيس جهاز الأمن الوقائي العديد من الجرائم بعد توليه منصبه بفترة قصيرة، ففي عام 1997 تم الكشف أن 40% من الضرائب المحصلة من الاحتلال عن رسوم معبر كارني بقطاع غزة والمقدرة بمليون شيكل شهريًا كانت تحول لحساب شخصي لدحلان.
كما اتهم كذلك بسحب توكيل الشركة الموردة للبترول للضفة وغزة ومنحه لشركة أخرى تابعة له، هذا بخلاف حصوله على نسب كبرى في بعض شركات الأسمنت والاتصالات في القطاع، بجانب شرائه بطرق غير قانونية عشرات العقارات في غزة والضفة ومنطقة البحر الميت بالأردن، وذلك بعدما تضخمت ثروته التي قدرت منتصف 2005 بـ120 مليون دولار.
الغريب أن رغم كل تلك التهم التي تستوجب الإطاحة، فإن الرجل كوفئ على ممارساته، ففي 2003 تم تعيينه وزيرًا للأمن الداخلي في الحكومة الفلسطينية الأولى التي شكلها محمود عباس، وعليه تم انتخابه عضوًا في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006.
ومن الأدلة التي تبرهن على وصولية دحلان وميكافيللته البعيدة تمامًا عن أي شعارات أخلاقية يرفعها بين الحين والآخر لدغدغة مشاعر أنصاره، انقلابه على زعيمه الذي وضعه على أول طريق السياسة والنفوذ، حيث كان أحد الخناجر المسمومة التي طُعن بها عرفات بعد دعمه لانتفاضة الأقصى 2000.
فبعد موقفه الوطني ناصبت أمريكا و”إسرائيل” العداء للرئيس الفلسطيني الرافض للاقتراحات الأمريكية لإنجاز حل سياسي نهائي في ضوء استمرار الاحتلال، حيث فرض جيش الاحتلال حصارًا عسكريًا على مدينة رام الله منذ العام 2002 ولمدة 3 سنوات.
وفي تلك الأجواء بدأ دحلان يسوق نفسه كبديل لزعيمه، حيث شن انتقادات حادة له متهمًا إياه بالاستبداد بالرأي، هذا بخلاف مطالباته المتواصلة بفرض سيطرته على جميع أجهزة الأمن الفلسطينية، الأمر الذي رفضه عرفات الذي أجبر بعد حصاره الشديد من واشنطن على تعيين رئيس وزراء جديد لمباشرة أمور السلطة، ووقع الاختيار وقتها على محمود عباس أبو مازن (الرئيس الحاليّ للسلطة).
العديد من الوثائق المسربة تناقلتها وسائل الإعلام في هذا الوقت (2003) تشير إلى تواطؤ بين دحلان ووزير الدفاع الإسرائيلي، آنذاك، شاؤول موفاز، للتخلص من عرفات، وفي العام التالي قاد مظاهرات مسلحة في غزة ضد الرئيس المحاصر.
لم يدخر وزير الداخلية الجديد في حكومة أبو مازن، جهدًا في التخلص من عرفات إرضاءً لواشنطن وتل أبيب، وبعد مناوشات ومحاولات طويلة، توفي الزعيم الفلسطيني في 11 من نوفمبر/تشرين الثاني (2004) لأسباب مجهولة ولم تعلن نتائجها حتى كتابة هذه السطور، لتترك الباب مفتوحًا لكل الاحتمالات.
اغتيال قادة المقاومة
من قرابين الولاء التي قدمها دحلان للحصول على الرضا السامي الأمريكي والإسرائيلي وحلفائهما في المنطقة ضلوعه في اغتيال عدد من قادة المقاومة الفلسطينية، وهو ما أشار إليه أبو مازن في خطاب سابق له برر فيه فصل القيادي الأمني من حركة فتح.
ومن أبرز القادة الذي اتهم باغتيالهم الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الوقائي، صلاح شحادة، القيادي البارز في حركة “حماس” عام 2002، كذلك قادة آخرين من فتح في مقدمتهم رئيس التليفزيون الفلسطيني سابقًا هشام مكي ومحمد أبو شعبان وأسعد الصفطاوي وخليل الزبن ونعيم أبو سيف وخالد محمود شحدة.
وقال عباس خلال كلمته آنذاك: “في المحاولة الأولى لاغتيال صلاح شحادة جاء دحلان وقال: صلاح شحادة سينتهي خلال دقائق.. وبعد دقائق سمع انفجار ضخم، فذهب دحلان للخارج وقال بالحرف الواحد: ابن (..) نفد (ترك) البيت قبل لحظة واحدة”.
وكان نتيجة لهذا السجل المشين من جرائم الخيانة والعمالة، بجانب الاتهامات الجنائية والمالية أخرى، قررت اللجنة المركزية لفتح فصل دحلان بصورة نهائية وإنهاء أي علاقة رسمية له بالحركة وذلك في 12 من يونيو/حزيران 2011، لتتحول دفة الرجل إلى أبو ظبي حيث التآمر لإجهاض ثورات الربيع العربي والتخطيط للانقلابات العسكرية في المنطقة.
دحلان وابن زايد
وجد دحلان في ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ضالته في تحقيق حلم السياسة والنفوذ بعد طرده من غزة، فيما وجد الأخير فيه مساعدًا قويًا لتنفيذ أجندته الإقليمية الساعية إلى إيجاد موطئ قدم للإمارات في الشرق الأوسط ووضعها ضمن قائمة الكبار حتى لو كان ذلك على حساب مرتكزات الإمارة التي وضع أسسها الشيخ زايد آل نهيان.
كان القيادي المفصول أكبر الداعمين لصعود ابن زايد السياسي بعد مواراة أخيه غير الشقيق، خليفة بن زايد، عن الأنظار بعد إبعاده عن السلطة إثر إصابته بجلطة دماغية، وهو ما جعل أبو فادي لاعبًا أسياسيًا ومحوريًا في دائرة الحكم داخل الإمارة الخليجية.
صحيفة “لوموند ” الفرنسية، في تحقيق لها، نُشر في أكتوبر 2017، وصفت النفوذ الذي يتمتع به دحلان داخل الأسرة الحاكمة في الإمارات، نقلًا عن دبلوماسي عربي في باريس، أنه يعامل “كشيخ من الأسرة الحاكمة، أي معاملة تفوق تلك التي تخصص للوزراء، ففي باريس مثلًا، تفتح له السفارة الإماراتية قاعة الشرف في المطار ويستقبل بالسيارات الليموزين”.
أما عن المهمة التي جمعت بينه وبين ابن زايد التي وصفته بأنه “ولي نعمته” فكانت العمل على إعادة بناء شرق أوسط ما بعد “الربيع العربي”، للتصدي للتحالف الثلاثي الذي يؤرق مضاجع الأمير الخليجي ( لإسلاميون وإيران وقطر) وهي المهمة التي لم يدخر دحلان جهدًا لتنفيذها على أكمل وجه.
الصحيفة الفرنسية نقلت عن صحفي فلسطيني مقرب من دحلان وصفه لمهمة الأخير قائلًا: “هذا هو رجل الإمارات في حربها ضد الإخوان المسلمين، إذ إنه الوحيد من قيادات الجيل الثاني في فلسطين الذي يتمتع بعلاقات مع شخصيات رفيعة في المنطقة، إنه أخطبوط حقيقي”.
كما كشف التحقيق النقاب عن إحدى شركات الأبحاث التي يستخدمها دحلان لتحقيق مهام وظيفته الجديدة، وتسمى”الثريا” ومقرها أبو ظبي، وهي عبارة عن مركز دراسات اقتصادية، ضمن سلسلة مؤسسات يمارس من خلالها القيادي المفصول أنشطته، ولها مكاتب في بعض العواصم أبرزها في القاهرة وأوروبا.
ورغم نفي دحلان المستمر أن يكون مستشارًا لابن زايد، وأنه مجرد صديق للأسرة لا أكثر، فإن لوموند كشفت من خلال الموقع الإلكتروني لـ”إنترناشيونال كومبني بروفايل”، وهي وكالة لتقييم مخاطر القروض، أن شركة الثريا المملوكة للقيادي هي شركة تابعة لمجموعة “الإمارات الملكية القابضة”، المملوكة لأسرة آل نهيان.
أخطبوط الانقلابات
وصف دحلان بأنه “قلب المؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط” ولعب دورًا محوريًا في “تخريب ثورات الربيع العربي ومحاصرة الإسلاميين”، وذلك عبر رعاية تمويلية ولوجيستية كاملة من صديقه ابن زايد الذي قدم له صكًا غير محدد القيمة لتنفيذ مهمته على أكمل وجه.
البداية كانت من مصر، قلب العروبة النابض، التي هزت ثورة شبابها الخالدة في 25 يناير 2011 أركان حكم ابن زايد، ما دفعه لتوظيف ما لديه من إمكانات ونفوذ لوأدها في مهدها وعدم السماح لها بالتمدد الذي ربما يهدم معبد الأمير الشاب وأشقائه، ووقع الاختيار هنا على دحلان.
نجح مستشار ابن زايد في التوغل داخل مفاصل المشهد المصرين باذلًا ما في وسعه لزعزعة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، حيث تمويل الاحتجاجات ضدّه، وشن حرب مفتوحة دون هوادة ضد كل ما يمت للثورة بصلة، كما نجح في تدشين شبكة إعلامية قوية.
يذكر أنه في إحدى الجلسات التي جمعت دحلان وفريق عمل صحيفة “اليوم السابع ” المصرية الداعمة لنظام السيسي، أكد ضرورة مجابهة الإسلاميين بشتى السبل، واصفًا الثورة المصرية بالمسروقة، ومشددًا على ضرورة المضي قدمًا لاستعادتها مرة أخرى، عازفًا على وتر تأييد الجنرالات في تلك المهمة.
وكان القيادي الفتحاوي المفصول ذراع أبناء زايد للتوغل في المشهد الإعلامي فخرجت العديد من القنوات والصحف والمواقع في وقت لا يساوي في حساب الزمن لحظات، وبإمكانات مادية مهولة كانت بمثابة الصدمة لكثير من المتابعين للشأن الإعلامي المصري.
وإيمانًا بهذا الدور الذي ساهم في الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، حصل الرجل على العديد من التسهيلات من الحكومة المصرية، منها مثلًا أنها سمحت لزوجته جليلة، في أبريل/نيسان 2015، بدخول قطاع غزة عبر معبر رفح، وبرفقتها حقيبة محملة بالأموال، في الوقت الذي أغلقت فيه “إسرائيل” معبر بيت حانون (إيريز).
ومن المشهد المصري إلى جاره الليبية، حيث اتهم دحلان بشراء السلاح من “إسرائيل” لصالح سيف الإسلام القذافي خلال الثورة الليبية، وأخذ “عمولة” مالية مقابل ذلك، وفق ما ذكر أبو مازن في خطابه في مارس 2014، فيما أشار موقع “ميدل إيست آي” في أكتوبر/تشرين الأول 2017 إلى رسالة مسربة من المحكمة الجنائية الدولية تظهر أنها نظرت أواخر عام 2012 في مدى تورط دحلان مع سيف الإسلام.
العبث في المشهد الليبي بالوكالة عن ابن زايد استمر حتى بعد سقوط القذافي، حيث كان دحلان أبرز الفاعلين في مجال تصعيد خليفة حفتر سياسيًا وعسكريًا، وذلك من خلال إمداده بالسلاح والمرتزقة من السودان وتشاد وأوغندا وخلافه، وهو الدعم الذي أعاد الجنرال الليبي للساحة بعد أن كان على بعد خطوات قليلة من الانتهاء.
ويعتمد الأخطبوط في تحركاته على علاقاته القوية مع قيادات سابقة من نظام القذافي مثل محمد إسماعيل والملياردير حسن طاطانكي الناشط في سوق الأسلحة، وكذلك أحمد قذاف الدم ابن عمّ العقيد الليبي الراحل، حيث ساعدت تلك الأسماء البارزة دحلان على السفر أكثر من مرة إلى برقة منذ 2012 وحتى اليوم، وذلك للتنسيق الأمني والعسكري مع حفتر ومليشياته بمساعدة ودعم من القاهرة.
ومن ليبيا إلى تونس.. محطة جديدة يصلها دحلان في مسيرة إجهاضه لثورات الربيع العربي، حيث نسج علاقات مع قيادات من النظام السابق بجانب شبكة علاقات متعددة مع شخصيات بارزة من اليسار المعارض لحركة النهضة الإسلامية، من بينهم رفيق الشلي مسؤول سابق في الداخلية خلال حكم زين العابدين بن علي ورئيس حزب مشروع تونس، ومحسن مرزوق المستشار السابق للرئيس الباجي قايد السبسي.
الصحيفة الفرنسية في تحقيقها السابق تنقل عن مراقبين قولهم إن دحلان حث حزب حركة نداء تونس على فك تحالفه بحزب حركة النهضة، في محاولة لتطويق النفوذ القطري في البلاد، بجانب العمل على إقصاء الرموز الثورية الأخرى في مقدمتهم الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي.
كما وظف مستشار ابن زايد توغله في مفاصل الساحة التونسية لخدمة الأجندة الليبية كذلك، حيث سعى “لإقناع التونسيين بإغلاق الحدود مع ليبيا للتسبب في شح الموارد الغذائية في العاصمة طرابلس، وإثارة الفوضى، مما سيساعد مجموعات حفتر على التقدم” حسبما نقلت لوموند عن مصدر خاص بها.
المهمة ذاتها قام بها الرجل في سوريا حيث ساهم في مارس/آذار 2016 في بعث “تيار الغد” بقيادة الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا عبر حفل أقيم في القاهرة كان عبارة عن مسمار في نعش الثورة السورية وتفتيت قواها الموحدة بعدما تصدر المشهد رجل مقرب من الأسد ومعروف عداءه للإسلاميين ولقطر وتركيا، وهو بذلك متناغم مع دحلان وولي نعمته بصورة متطابقة تقريبًا.
وفي لبنان لا يختلف الوضع كثيرًا، فأياديه السوداء، الممولة إماراتيًا، تعبث هناك في كل مكان، فلديه مليشيات منشقّة عن حركة فتح على غرار مجموعة محمد عيسى في مخيم عين الحلوة، المعروفة سابقًا باسم “لينو”، وهي المجموعة التي دخلت في مواجهات عسكرية مع مجموعات نظامية من حركة فتح بين عامي 2011 و2013.
ثم يأتي ضلوعه في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف 2016 لتؤكد إخلاص دحلان في تنفيذ أجندة ابن زايد على أكمل وجه، فالرجل لم يتوقف عند حاجز إجهاض ثورات الربيع العربي وفقط، بل يسعى بكل إتقان لزعزعة كل الأنظمة التي تناهض توجهات ولي عهد أبو ظبي.
وقد اتهمت أنقرة أبوظبي بدعمها الحركة الانقلابية ماليًا، وذلك عبر توفير ثلاثة مليارات دولار قدمتهم الإمارات – عن طريق دحلان – لفتح الله غولن، رجل الدين المقيم في أمريكا، الذي تؤكد الحكومة التركية تزعمه لمحاولة الانقلاب الأخيرة.
وكانت وزارة الداخلية التركية قد أدرجته ضمن “القائمة الحمراء” للإرهابيين المتورطين في محاولة الانقلاب، راصدة مكافأة قد تصل 10 ملايين ليرة تركية (نحو1.7 مليون دولار) لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على مستشار ابن زايد الذي بات ملاحقًا في عدة دول أخرى.
في النهاية كان عراب الانقلابات حلقة الوصل بين الإمارات وصربيا لتوثيق العلاقات بينهما بصورة كبيرة، واتفاقهما على ضرورة استئصال تيارات الإسلام السياسي بالكلية، وهو ما عزز مسار التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تتبنى الهدف ذاته، ويؤدي فيه دحلان دورًا محوريًا في ظل علاقاته القوية بالكوادر الأمنية والسياسية في تل أبيب.