تعمل الأحزاب السياسية التركية في الآونة الأخيرة على دراسة وتطوير أدوات عملها مع الفئات الشابة وتحديدًا الفئات التي تبلغ أقل من 24 عامًا، أو كما يطلق عليها “الجيل Z”، من خلال العمل على تعبئة وتوجيه هذا الجيل باتجاه سرديتها السياسية، والأهم، كسب أصواتهم في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة وعلى رأسها الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر انعقادها في العام 2023.
لم يغب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض خلال مؤتمره العام الـ37 المنعقد في الفترة من 25-26 من يوليو/تموز الانتباه إلى ذلك، حيث دخل رئيس الحزب كمال كيليتشدار أوغلو القاعة على أنغام الأغنية الرئيسية للمؤتمر التي غنيت بواسطة مغني راب تركي.
لم يقتصر الاهتمام على الأحزاب السياسية التركية، بل امتد النقاش إلى مؤسسات الدولة والمؤسسات البحثية التي وجدت في اهتمام الفاعلين في المجال العام بخصائص وصفات الجيل فرصة لتنتج عددًا من الدراسات المسحية عن فئات وأفراد الجيل.
تناول المقال السابق الخصائص العمرية والاقتصادية للجيل “Z” وفي هذا المقال نتطرق لبعض الخصائص السياسية والفكرية التي يتميز بها هذا الجيل، من خلال قراءة عدد من الدراسات البحثية التي اهتمت بموضوعات خاصة بالجيل “Z”.
الجيل الأكثر انفتاحًا والأقل تدينًا
أعلن مركز “Gezici” التركي للأبحاث والدراسات المسحية في يونيو/حزيران الماضي نتائج دراسة بحثية أجريت في 12 مدينة و18 حيًا، تناولت الدراسة تصورات عينة مكونة من 1062 شخصًا من أفراد جيل “Z” عن عدد من المفاهيم السياسية والثقافية.
أظهرت الدراسة أن 45% من العينة تبنوا مواقف مدافعة في القضايا المتعلقة بالحريات والمساواة، كما أظهرت نسبة معتبرة من أفراد العينة ميلًا نحو تحييد الفروقات المذهبية والدينية والسياسة في التعامل مع الأشخاص الآخرين، فعلى سبيل المثال أكد 82.2% من العينة إمكانية أن يتزوجوا بأشخاص مخالفين لهم في الدين والمذهب، بينما نجد أن النسبة لدى الأشخاص من جيل “Y” هي 32.8%.
فيما يتعلق بالمسائل الدينية والاجتماعية أظهرت الدراسة أن 15.7% من العينة أكدوا التزامهم بأداء الفرائض الدينية من صيام وصلاة، فيما جاءت نسبة من لم يؤد هذه الفرائض 55.8% من العينة، وأبدى 28.5% عدم تبنيه أي عقائد دينية، ووفقًا للدراسة وصلت نسبة من يصوم شهر رمضان من الأجيال الأخرى 62%، فيما عبر 32% عن التزامهم بأداء العبادات بشكل منتظم.
وفيما يتعلق بالمفاهيم السياسية، أكد 76.4% من العينة المستطلعة أن مفاهيم مثل الحرية والديمقراطية ذات أهمية، وأوضحت الدراسة أن نسبة 78.6% من العينة المستطلعة أظهروا موقفًا إيجابيًا من الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تصل النسبة لدى الأجيال الأخرى إلى 35.6%.
وبخصوص موقف أفراد الجيل من المكونات السياسية الحاليّة، أظهرت الدراسة أن 68.7% من العينة لا تصنف نفسها وفقًا للتقسيمات السياسية القائمة (الأتاتوركيون، المحافظون، القوميون، اليساريون وغيره)، كما أكد 86.7% من العينة أن تصويتهم في الاستحقاقات الانتخابية لن يكون نتيجة لتأثير والديهم إنما لقرارهم الخاص.
مراد غزجي رئيس مركز “Gezici” التركي للأبحاث
الجيل الأقل قبولًا للاختلاف
في العام 2019 أجرت أستاذة الإعلام في جامعة إسكودار إيلن أونال، وأستاذ الإعلام في جامعة مرمرة ليفنت دينيز دراسة بحثية تناولت معدل قبول الآخر عند الأجيال التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، واستندت الدراسة إلى عينة مكونة من 516 شخصًا أكثر من نصفها من الإناث، شكلت نسبة من هم من جيل “Z” بينها 52.1%، فيما شكلت نسبة من هم من الجيل “Y” 35.5%، وسعت الدراسة إلى قياس معدلات قبول الآخر على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال استخدام مقياس “قبول التنوع: (Farklılıkları Kabul Ölçeği (FKÖ” الذي يتكون من ثلاث مجموعات أساسية: الأولى تركز على “قبول التنوع الإثني والديني”، والثانية تركز على “قبول التنوع استنادًا إلى المظهر الخارجي” والثالثة تركز على “قبول التنوع الفكري والقيمي”.
توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج والخلاصات، ففيما يتعلق بمقياس “قبول التنوع الإثني والديني” الذي احتوى على ثلاث مقولات أساسية: “يشكل وجود شخص مختلف دينيًا مصدر إزعاج لي” و”من الممكن أن أعمل مع مجموعات تحتوي على أشخاص مختلفين دينيًا” و”لا يمكن لي العمل مع أشخاص مختلفين إثنيًا”، أظهر الأفراد المنتمون إلى جيل “Z” معدلات أقل – أي قبول أقل – من الأجيال الأخرى كافة.
أما المقياس المتعلق بـ”قبول التنوع استنادًا إلى المظهر الخارجي”، احتوى على ثلاث مقولات أساسية: “أقبل بالشخص الذي يضع حلقًا على أنفه أو أذنه أو حاجبه أو الضائع ثقافيًا” و”أشعر بالأسف على الشخص الذي يعلق حلقًا أو قام برسم وشم على جسده” و”لو كنت صاحب عمل فلن أفضل شخصًا يضع على جسده وشم”، وأظهرت النتائج أن الأشخاص المنتمين إلى جيل “Y” هم الأكثر تسامحًا من باقي الأجيال، وجاء الأفراد المنتمون إلى جيل “Z” في أسفل سلم الأجيال قدرة على التسامح والقبول بالمظهر الخارجي.
إيلين أونال أستاذة الإعلام بجامعة إسكودار
مما سبق يتضح أن دراسة أونال ودينيز تختلف بشكل كبير عن الدراسة التي أجراها مركز “Gezici” للأبحاث التي أظهرت أن الجيل “Z” من أكثر الأجيال قبولًا للاختلاف واستعدادًا للتعايش، في حين توصلت دراسة أونال ودينيز إلى أن الجيل “Z” هو الأقل تقبلًا للاختلاف والأقل استعدادية للتعايش.
الوزن الانتخابي
وفقًا لبيانات دائرة النفوس التركية الصادرة عن العام 2019، فإن 6.7 مليون شخص من مواليد الفترة 1997-2012 قد بلغ أو تجاوز عمرهم 18 عامًا أي يحق لهم المشاركة في الانتخابات ترشحًا وانتخابًا، وجاءت المشاركة الانتخابية الأولى للفئات المصنفة على الجيل “Z” في الانتخابات العامة للعام 2015 حين شارك ما يقرب من 1.3 مليون شخص من هذا الجيل، ولاحقًا شارك مواليد العام 1998 والعام 1997 في الاستفتاء بشأن الانتقال إلى النظام الرئاسي عام 2017، إذ شارك من الفئات المصنفة على الجيل “Z” ما يقرب من 2.7 مليون شخص.
وتضاعف العدد في الانتخابات العامة يونيو/حزيران 2018، التي شارك فيها مواليد العام 1997 والعام 1998 والعام 1999 فقد وصل عدد المشاركين من جيل “Z” إلى 4 ملايين مصوت، وفي الانتخابات المحلية التي عقدت في مارس 2019 شارك مواليد عام 1997 و1998 و1999 و2000 ليصل مجموع الأفراد الذين شاركوا في الانتخابات من جيل “Z” ما يقرب من 5.4 مليون شخص، وبحلول نهاية العام 2021 من المتوقع أن يصل عدد الناخبين من الأفراد المصنفين على الجيل “Z” ما يقرب من 9.1 مليون، أما العام 2023 فمن المتوقع أن يشكل أفراد هذا الجيل خُمس الناخبين في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها عام 2023.
مما سبق يتضح أن تأثير الجيل “Z” في الاستحقاقات الانتخابية سيكون مرتفعًا بل وحاسمًا في الصراع الانتخابي، كما يجب الانتباه أن أفراد هذا الجيل هم الأكثر قدرة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات التكنولوجيا الحديثة مما يجعلهم أكثر تأثيرًا، فهم جيل غير معدوم الأدوات.
أين يقف أفراد الجيل “Z” سياسيًا؟
منذ حادثة الـ”dislike” وهناك حالة من النقاش الداخلي في تركيا عن هوية وتوجهات الجيل “Z” السياسية، وموقفه من المكونات السياسية القائمة، وتسعى المعارضة إلى استغلال الحادثة وتوظيفها في سياق تنافسها مع حزب العدالة والتنمية، ورغم أن عددًا من المؤشرات تظهر وجود إشكاليات في السردية والأدوات الموجهة من حزب العدالة والتنمية تجاه هذا الجيل، فمن المبكر ومن غير المنطقي الحديث عن تمركز الجيل الجديد في مواجهة الحزب، فلا يمكن استخدام حادثة الـ”dislike” كمؤشر يبنى عليه لفهم توجهات الجيل الجديد تجاه السياسة في تركيا.
فهذه الحادثة جاءت في سياق خاص متعلق بأزمة اختبار قبول الجامعة، ووفقًا لدراسة مركز “Gezici” للأبحاث فإن 68.7% من أفراد جيل “Z” لا تصنف نفسها وفق التقسيمات السياسية القائمة، بالتالي فالصراع على أفراد هذا الجيل ما بين المعارضة والسلطة ما زال قائمًا والنجاح فيه يعتمد بالدرجة الأساسية على خلق سردية قادرة على تعبئة أفراده والأمر الآخر يتمثل في امتلاك الأدوات اللازمة القادرة على إيصال هذه السردية وفتح قنوات تواصل وحوار مع أفراده، ويقف ذلك اليوم على رأس أجندة جميع الأحزاب التركية.