غالبًا ما يناقش موضوع زراعة النخيل وتكثيره تحت بند الإنتاج الغذائي والفوائد الاقتصادية المتحققة منه، لكن اليوم ننظر لعماتنا النخل كسلاح ليس محارب للجوع والفقر فقط، ولكن كأداة لمحاربة المشاكل البيئية المتعددة من تلوث الى التصحر وصولًا لارتفاع درجات الحرارة.
تمتلك نخيل التمر صفات خلقية وطبيعة متناسبة من تضاريس وطقس بلادنا العربية، ما يحثنا على محاولة تسليط الضوء على أهميتها كركيزة في معالجة مشاكلنا البيئية المتفاقمة في العقود الأخيرة.
نستعرض في هذا التقرير المشاكل البيئية وكيف تمثل نخيل التمر حلولًا واقعية يمكن تنفيذها لتلافي تلك المشاكل في منطقتنا.
النخيل في مواجهة مشكلة التصحر
يقصد بمشكلة التصحر تعرض الأرض للتدهور في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، مما يؤدي إلى فقدان الحياة النباتية والتنوع الحيوي بها، ويؤدي ذلك إلى فقدان التربة الفوقية ثم فقدان قدرة الأرض على الإنتاج الزراعي ودعم الحياة الحيوانية والبشرية.
يُغطّي التصحر نحو 68% من المساحة الإجمالية للدول العربية وبواقع 28% من جملة المناطق المتصحرة في العالم، وهذا الرقم المخيف يجعل مشكلة التصحر على قائمة المشاكل البيئية التي تواجه الدول العربية.
ويمكن لنخيل التمر أن تكون سلاحًا حقيقيًا في مواجهة التصحر حيث تعد من أكثر الأشجار تكيفًا مع الظروف المناخية القاسية، كما أنها تتطلب الحد الأدنى من الاحتياجات المائية خاصة مع اعتماد وسائل ري حديثة، ولها قدرة على تحمل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والتكيف مع تغيرات المناخ.
وتمتاز نخيل التمر بمواصفات خاصة تجعلها قادرة فعلًا على مهمة مكافحة التصحر، فجذورها تمتد وتنتشر عموديًا وأفقيًا في التربة حتى تصل إلى المناطق الرطبة التي تحصل منها على احتياجاتها المائية.
كما أن أوراقها “السعف” تكون مركبة ريشية، ووريقاتها “الخوص” مغطاة بطبقة شمعية تكون منطوية بشكل طولي من منتصفها مكونة ما يشبه الزورق، ويكون قعرها مواجهًا للسماء لتقليل فقد الماء بالتبخر.
بالإضافة لحجم ثغورها الصغيرة والغائرة والموزعة على الوريقات بشكل يقلل فقدان الرطوبة حيث يكون عددها في السطح السفلي للورقة أكثر من السطح العلوي.
هذه المواصفات تجعل نخيل التمر في مقدمة الأشجار الصالحة لتكوين غطاء نباتي مقاوم للتصحر، وعلاجًا ناجعًا في مواجهة هذه المشكلة البيئية التي تعصف بالدول العربية.
النخيل كحزام أخضر للمدن
في ظل التوسع العمراني واتساع المدن وزيادة الكثافة السكانية في العقود الأخيرة ظهرت مشكلة بيئية جديدة من تفاقم التلوث وتقلص الغطاء النباتي واستبداله بالأبنية الخرسانية، مما دفع الكثير من الدول لاعتماد نظام الحزام الأخضر وهو نظام تشكيل غطاء نباتي كثيف حول المدن لمساعدتها على امتصاص التلوث وتكوين رئة لتحسين جودة التهوية في المناطق الحضرية والمساهمة أيضًا في علاج مشكلة التصحر التي تعاني منها أغلب البلاد العربية.
فالعراق على سبيل المثال يعاني من هذه المشكلة بشكل متفاقم مما دفع الدكتور حسن الجنابي سفير العراق في منظمة التغذية والتنمية الزراعية التابعة للأمم المتحدة إلى تقديم مقترح لمشروع الحزام الاخضر الوطني الذي يمتد لأكثر من 1000 كليو متر من الموصل شمالًا وحتى البصرة جنوبًا، لكنه لم يبصر النور للأسف، وهناك ما يشابهه من المشاريع في عدد من البلدان العربية.
ولعلنا ننوه هنا أن بساتين النخيل مناسبة جدًا لتكوين الحزام الأخضر حول أغلب مدن البلدان العربية، لما تمتلكه من مواصفات ذكرناها في المحور الأول بالإضافة لحجم أشجار النخيل وصلابتها مما يجعلها تصلح لتكون مصدات هوائية للعواصف الرملية التي تضرب المدن بشكل متكرر، وقد كانت مدن مثل بغداد والبصرة في العراق تمتلك حزامًا أخضر من بساتين النخيل تعرضت في العقود الأخيرة للتخريب نتيجة الحروب والتجريف والإهمال والتوسع العمراني.
النخيل في مواجهة الاحتباس الحراري
تمتص الأشجار ثاني أوكسيد الكربون من الهواء وتقوم بتخزينه على هيئة لحاء وأنسجة مختفلة، وتقول الدراسات إن أفضل حل لمشكلة الاحتباس الحراري هي إعادة عملية التشجير لمناطق واسعة من العالم.
وليس بعيد عن الاحتباس الحراري تعاني مدنا العربية من ارتفاع شديد في درجات الحرار وهذه المشكلة التي تعاني منها المناطق الحضرية وخاصة المدن الكبيرة كنتيجة لحفظ الأرصفة والشوارع المكسوة بمادة الإسفلت بالحرارة طوال النهار ثم بثها ليلًا مما يرفع بشكل عام درجات الحرارة داخل المدن، وأثبتت دراسة أعدها باحثون في جامعة ويسكونسن أن زراعة الأشجار داخل المدن لتغطية الشوارع والأرصفة، يمكنها أن تكون حلًا ناجحًا لتخفيض درجات الحرارة.
بالعودة للنخيل تحديدًا فإن النخلة وما توفره من ظل جزئي وحماية من الرياح الحارة صيفًا تعتبر الحل الأفضل لتشجير الشوارع داخل المدن العربية، كما يمكنها خلق مناطق جديدة لزراعة المحاصيل والخضروات في المناطق الصحراوية في أطراف هذه المدن، لكونها توفر الحماية للأشجار والنباتات التي تزرع معها أو تحتها، فشجرة النخيل تعطي منظرًا إذا نظر إليها من الأسفل وكأنها مظلة شمسية تحمي كل ما هو دونها، ويمكن استغلال أرض بستان النخيل بزراعات بينية كالمحاصيل الحقلية والخضروات والأشجار المثمرة.
مخلفات النخيل كسماد للتربة
أشجار النخيل لا تقتصر فوائدها البيئية على خفض الحرارة ومنع التصحر فقط، وإنما تمتد عبر مخلفات النخيل من جريد وسعف، حيث ينتج من النخلة الواحدة حوالي 100 كجم في العام الواحد، ويمتاز الجريد المجمع بارتفاع محتواه من العناصر الغذائية والمواد العضوية التي تصلح لتحويلها لمادة “الكمبوست” وهي سماد من النوع الجيد يصلح لاستخدامه في دعم الزراعة، وهو منتج صديق للبيئة ويحافظ عليها عبر إعادة تدوير المخلفات بدل حرقها.
بالنظر لما سبق ما تزال فكرة الاستفادة من النخيل بيئيًا غير مستغلة بشكل يتناسب من الفائدة التي تحملها هذه الشجرة، التي يمكن أن تشكل طوق نجاة لمدننا التي يهددها التصحر ويقض مضجعها التلوث وارتفاع درجات الحرارة.