أعلنت السلطات السعودية عن حزمة جديدة من الزيادات في أسعار البنزين لشهر أغسطس/ آب الجاري، وصل بعضها إلى نحو 113% مقارنة بما كانت عليه في شهر مايو/أيار الماضي، حسبما كشفت شركة أرامكو، وهي الزيادة الأكبر في تاريخ المملكة.
ونقل التلفزيون السعودي عن شركة النفط الوطنية تحريكها لأسعار بعض أنواع البنزين بنسب متفاوتة، حيث رفعت سعر البنزين أوكتان 91 من 67 هللة إلى 1.43 ريال للتر، كما حددت سعر البنزين أوكتان 95 عند 1.60 ريال للتر بدلًا من 82 هللة قبل ثلاثة أشهر.
تأتي هذه الخطوة في وقت تتحسن فيه نسبيًا أسعار النفط العالمية (44.74 دولار للبرميل) مقارنة بما كانت عليه قبل عدة أشهر (20 دولار للبرميل في إبريل الماضي) وهو ما أثار حالة من الجدل لدى الشارع السعودي الذي تساءل عن سبب ارتفاع أسعار البنزين المحلي رغم تحسن أسعاره عالميًا.
استمرار رفع أسعار المواد البترولية يأتي ضمن خطة التقشف التي تبنتها الحكومة السعودية لمواجهة تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد، التي ألقت بظلالها القاتمة على الاقتصاد الوطني، الأمر الذي دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات قاسية لتعويض هذا العجز، إذ شملت فرض العديد من الضرائب بنسب كبيرة وإيقاف بعض البدلات والمنح التي كانت ممنوحة للسعوديين قبل ذلك.
إستراتيجية مواجهة العجز
لجأت الرياض إلى تبني استراتيجيات اقتصادية مرحلية لمواجهة العجز الذي تواجهه بسبب تداعيات الوباء والهزة العنيفة التي تعرض لها سوق النفط خلال الأشهر الماضية، هذا بخلاف تعدد منافذ الإنفاق الخارجية التي ترهق ميزانية بعشرات المليارات من الدولارات سنويًا.
موقع “نيوز. ري” الروسي في تقرير له ترجمه “عربي 21” تحدث عن دراسة المملكة لبعض الاستراتيجيات لمواجهة صدمة الاقتصاد الذي تعاني منه، منها خصخصة أصول الدولة في مجالات الصحة والتعليم والموارد المائية، وفرض ضريبة على الدخل وذلك في مواجهة الصدمة المزدوجة للاقتصاد نتيجة الوباء وتراجع أسعار النفط.
الموقع الروسي نقل عن وزير مالية السعودية، محمد الجدعان قوله إن الوضع الاقتصادي في بلاده قد يستمر في التدهور وبالتالي تواصل الحد من الإنفاق العام، لافتًا خلال مؤتمر عبر الفيديو نظمته وكالة “بلومبيرغ” أن جميع الخيارات قيد المراجعة في محاولة لتقليل حدة الأزمة.
وكان من ضمن إرهاصات هذا التوجه أن قطعت المملكة التمويل عن 13 برنامجًا يندرج ضمن رؤية 2030، هذا بخلاف الزيادات المستمرة في قيمة الضرائب المفروضة على السعوديين، على رأسها ضريبة القيمة المضافة والتي زادت ثلاث مرات، منذ الأول من يوليو / تموز/ يوليو، وحتى الآن، من 5 إلى 15%.
بيانات الربع الأول من العام الجاري تشير إلى تجاوز نفقات المملكة للإيرادات بشكل كبير، حيث اقترب عجز الموازنة العامة من حاجز الـ 9 مليارات دولار، الأمر الذي يتوقع معه انكماش الاقتصاد السعودي بنسبة 5.2% هذا العام وفقا لصندوق النقد الدولي.
4 سنوات من التقشف
بعيدًا عن رفع القيمة المضافة لثلاثة أضعاف خلال الفترة الماضية، فقد اتخذت الحكومة السعودية عشرات القرارات والإجراءات القاسية التي كان لها وقعها السيئ على نفوس السعوديين، لاسيما ما يتعلق بإيقاف بدل غلاء المعيشة لموظفي الدولة، بدءًا من شهر يونيو/ حزيران الماضي .
وزير المالية تعليقًا على خطة التقشف تلك أشار إلى أن “الإجراءات التي تم اتخاذها وإن كان فيها ألم إلا أنها ضرورية للمحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي من منظور شامل وعلى المديين المتوسط والطويل.. وتجاوز أزمة جائحة كورونا العالمية غير المسبوقة وتداعياتها المالية والاقتصادية بأقل الأضرار الممكنة”.
خبراء يرون أن المرحلة القادمة في المملكة قد تكون مرحلة “ربط الأحزمة” وهو ما تبدو إرهاصاته في الأفق، حيث بدأت السلطات في التخلي عن سخاء الإنفاق على قطاعات حكومية محددة في ظل تصاعد منسوب العجز لديها، هذا بخلاف إشراك القطاع الخاصة بالقوة في تحمل تلك الأعباء، وهو ما ينعكس بالضرورة على المواطن.
وبعيدًا عن تحميل فيروس كورونا وحده مسؤولية الإجراءات التقشفية التي اتخذتها المملكة، فإن هذا التوجه العام بدأ منذ العام 2016، أي قبل ظهور الوباء، حين اتخذت الدولة بعض الإجراءات المؤلمة طالت بعض الحوافز الموجهة للموظفين، فضلًا عن خفض الدعم عن الوقود والكهرباء وبعض الخدمات الأخرى، هذا بجانب الضرائب والرسوم المضاعفة التي تم فرضها على الوافدين والتي تستهدف منها الرياض إنعاش خزائنها المجهدة بسبب كثرة الإنفاق في الداخل والخارج.
#اسعار_البنزين
اقوى دولة منتجة للنفط اعلى من انتاج امريكا
ومع ذلك شعب طفران لا سكن ولا رواتب زي الناس شوفوا دول الخليج قطر الامارات كيف عايشين لا تقول لي شعبهم قليل شوف الاحصائية ذي كيف انتاج السعودية دبلهم عشر مرات pic.twitter.com/zbiPLJDh6w— شليويح الطفران (@6fshan_300) August 10, 2020
سخط شعبي
عبر العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن سخطهم الشديد حيال الزيادات الجديدة في أسعار البنزين، متسائلين عن دوافعها رغم تحسن أسعار النفط العالمية، الأمر الذي يجعل من هذه القفزة غير المبررة في الأسعار مسألة يشوبها الشك والريبة في توجهات الدولة تجاه مواطنيها.
وتحت وسم “#أسعار_البنزين عبر العشرات من السعوديين عن غضبهم الشديد من الإجراءات التي اتخذتها المملكة تجاه المواطنين والتي أرهقت كاهلهم بصورة كبيرة، ما بين قيمة مضافة ورسوم إضافية وزيادة في أسعار السلع والخدمات وصولا إلى تعليق المنح والإعانات.
بندر العنزي طالب على حسابه على تويتر بصورة ساخرة من الحكومة السعودية أن تسمح له بركوب الجمال والتنقل بها في الشوارع والطرقات، لافتًا إلى أن هذا هو الحل العملي أمام تلك الزيادات في أسعار البنزين، فيما تساءل مشاري: الحين الضريبة مو ارتفعت بسبب انخفاض اسعار النفط، وبدل غلاء المعيشة وحساب المواطن طارو لنفس السبب، طيب الحين وش الوضع بعد ارتفاع اسعار النفط ؟؟”.
مع ارتفاع البنزين و الغلاة المعيشي اللي تشهدها السعوديه نطالب الحكومه تسمح لنا بركوب الجمال بالشوارع والسفر عليها بدل من السيارات pic.twitter.com/U2vMYQNVM0
— بندر العنزي (@ooo12451) August 10, 2020
بعض رواد السوشيال ميديا أبدوا حنينهم لعهد العاهل الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مستعيدين قراراته بخفض أسعار البنزين والخدمات والسلع تخفيفًا على كاهل السعوديين، فيما استشهد زياد الحربي بالحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فأرفق به» رواه مسلم.
#اسعار_البنزين
شايل علي غلاء المعيشه وحساب المواطن
تقللت الوظائف
زياده الضرائب 15 ٪ على كل شيء
البنزين كل شهر يرتفع
انا ما ادري هل قياس مستوى معيشه الشعب على بعض اللي يطلع بالاعلام ؟
للاسف السعوديه تقلد دول الغرب لكن بشكل عكس تأخذ السلبي وتترك الاجابي
طبلنا لين تعبنا— albalwi??#هاينكس (@germany_39) August 10, 2020
وقد شهدت المملكة هزات اقتصادية عنيفة خلال السنوات الماضية جرّاء سياسات ولي العهد محمد بن سلمان، الداخلية والخارجية على السواء، الأمر الذي دفع ثمنه المواطن السعودي الذي لا يملك إلا الاستجابة للأمر السامي، خشية أن يتعرض لمصير أكثر قسوة، لاسيما والنماذج الحية أمامه بين منشار يقطع وفرقة خصصت لاغتيال المعارضين وإسكات أي أصوات تخرج عن الخط المرسوم.