لا يتوقف الصراع مع حزب العمال الكردستاني على تركيا أو العراق، فكان لأكراد شمال العراق صراع أيضًا مع نظرائهم الأكراد من الأصول التركية المتمثلين بمقاتلي PKK المصنف في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنه تنظيم إرهابي.
صراع تاريخي
يمتد صراع الأحزاب الكردية مع العمال الكردستاني إلى تسعينيات القرن الماضي، يقول أستاذ العلوم السياسية محمد خليل في حديثه لـ”نون بوست”: “على الرغم من أن الأهداف العامة للأحزاب الكردية العراقية وحزب العمال الكردستاني تتمثل بانتزاع حقوق الأكراد، فإن لكل حزب من هذه الأحزاب وجهته ونظرته الخاصة للوضع”.
يشير خليل إلى أن حزب العمال الكردستاني الذي تأسس في سبعينيات القرن الماضي تأسس على النظرية الماركسية وكان امتدادًا لتوجه الاتحاد السوفييتي، في حين أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تتزعمه عائلة البارزاني (يعد الحزب الكردي العراقي المخالف تمامًا لتوجهات العمل الكردستاني) نشأ في أربعينيات القرن الماضي وتأسس وفق مبدأ أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة التي تستطيع دعم الأكراد في نيل حقوقهم.
من جهته، يقول الصحفي السوري خورشيد دلي في بحث نشر على موقع الجزيرة: “على الرغم من أن الصراع قديم بين الطرفين (الديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني)، فإن وجود عوامل مستجدة تجعله يتفاقم يومًا بعد آخر، وبما يفتح المجال أمام الصدام المسلح”.
ويعزو دلي ذلك إلى أسباب عدة أولها البُعد الأيدولوجي، إذ يعتقد العمال الكرستاني (PKK) أن زمن الزعامات العائلية والإقطاعية والدينية للنضال القومي الكردي قد ولى، في إشارة إلى حكم عائلتي البارزاني والطالباني، وأن هذه الزعامات لم تعد صالحة مع المتغيرات والظروف والتعقيدات التي يمر بها الملف الكردي عامة، وبالتالي يرى العمال الكردستاني أنه لا بد من تأسيس الحركة الكردية في مختلف أجزاء كردستان على أسس جديدة بعيدة عن الزعامات العائلية والعشائرية والدينية ودون أي حدود جغرافية لوجود الأكراد.
في عام 1997 هاجم حزب العمال الكردستاني الآشوريين والمدنيين المؤيدين للحزب الديمقراطي الكردستاني على حدود أربيل
يؤكد دلي أن عاملًا آخر يتسبب بالخلافات بين أكراد العراق والعمال الكردستاني، ويتمثل بالخلافات البرامجية والسياسية، ويضيف “انطلاقًا من البعد الأيديولوجي، ثمة خلاف برامجي بين الحزبين في كيفية التعاطي مع القضايا الكردية، فالحزب الديمقراطي الكردستاني ينطلق من أولوية بناء كيان (دولة) في إقليم كردستان العراق، واعتبار ما يحصل في الإقليم هو شأن يتعلق بأكرد العراق فقط، ولا يحق للأحزاب الكردية من الأجزاء الأخرى التدخل في شأن الإقليم، فيما يرى حزب العمال أن القضية الكردية واحدة وإن اختلفت الظروف بين هذا الجزء أو ذاك، وأنه من حقه وباقي الأحزاب الكردستانية المشاركة في بناء الحالة الكردية في أي جزء، كما أنه من حق هذه الأحزاب استخدام أي جزء من الأجزاء الكردية في النضال ضد الأنظمة التي تهيمن على كردستان، وهو ما يرفضه البرزاني، إذ يرى أن هذا السلوك يشكل خطرًا على إقليم كردستان لا سيما أن الدول الإقليمية، وتحديدًا تركيا وإيران، لن تسمحا بمثل هذا الأمر، على اعتبار أنه يشكل تهديدًا لأمنهما القومي”.
صراع مسلح
شهدت فترة التسعينيات من القرن الماضي أول الصراعات الدموية المسلحة بين الأحزاب الكردية من جهة والعمال الكردستاني من جهة أخرى، يقول الخبير الأمني حسن العبيدي في حديثه لـ”نون بوست”: “قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني واجهت كلًا من قوات الاتحاد الوطني بزعامة جلال الطالباني وقوات حزب العمال الكردستاني (المدعومة من إيران) عام 1996 عندما استطاعت قوات الاتحاد السيطرة على مدينة أربيل وطرد الحزب الديمقراطي منها”.
ويضيف العبيدي أنه وبعد أن طلب البارزاني من الجيش العراقي التدخل، استطاع البرزاني استعادة السيطرة على مدينة أربيل، إلا أنه وفي عام 1997 هاجم حزب العمال الكردستاني الآشوريين والمدنيين المؤيدين للحزب الديمقراطي الكردستاني على حدود أربيل بعد أن تحالف العمال الكردستاني مع حزب الاتحاد الوطني بزعامة الطالباني وبدعم إيراني، لافتًا إلى أنه وردًا على ذلك شنت القوات التركية عملية (هامر) في شهر مايو/أيار من ذلك العام.
ويفصل العبيدي تلك الفترة، إذ يضيف أنه وفي شهر سبتمبر/أيلول من عام 1997، دخلت القوات التركية شمال العراق بعد أن تحالفت مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وشنت القوات الكردية العراقية بزعامة البارزاني مع القوات التركية هجمات على مواقع الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني، وخلفت تلك العملية مئات القتلى في صفوف العمال الكردستاني المناهض لتركيا.
شكّل دخول مقاتلي حزب العمال الكردستاني انعاطفًا في انتشار الحزب داخل العراق، فهذا التدخل في مدينة سنجار لم يلبث أن تحول إلى نقطة خلاف حادة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والـPKK
استمرار الصراع
يرفض الحزب الديمقراطي الكردستاني وجود حزب العمال في كردستان العراق، ويأتي هذا الرفض بسبب المشكلات التي يسببها الحزب في علاقة أكراد العراق مع تركيا وقصف الأخيرة المتكرر للقرى التي يوجد بها مقاتلو الحزب، إذ يشنَّ العمال الكردستاني هجمات على الجيش التركي انطلاقًا من جبال قنديل الحدودية بين العراق وإيران وتركيا.
في السنوات السابقة، تحول الصراع بين الأحزاب الكردية العراقية والعمال الكردستاني إلى صراع على مناطق النفوذ والسيطرة على الأراضي، فمنذ عام 1991 فرض مجلس الأمن الدولي حظرًا جويًا على مناطق شمال العراق، واستغل العمال ذلك وبنى قواعد ومقار عسكرية له في جبال قنديل، ومنذ تلك الحقبة وسَّع الـPKK سيطرته على مناطق في شمال العراق تدريجيًا، حتى إنه بات يسيطر على 657 بلدةً وقريةً كرديةً في مناطق دهوك والعمادية وزاخو والزاب وقنديل مع حلول عام 2016، فضلًا عن أنه أنشأ نقاط سيطرة وحواجز عسكرية له في تلك المناطق التي لا تستطيع قوات البيشمركة التابعة للإقليم الوصول إليها.
يستمر الصراع بين الأحزاب الكردية سياسيًا وأمنيًا، فبعد أن اجتاح تنظيم الدولة (داعش) مدينة الموصل في يونيو/حزيران 2014، هاجم التنظيم في أغسطس/آب من ذلك العام مدينة سنجار التي تقطنها الأقلية الأيزيدية الكردية، إلا أن مقاتلي حزب العمال الكردستاني حالوا دون تمكن تنظيم الدولة من السيطرة على جبل سنجار الذي تحصن فيه آلاف الأيزيدين.
شكّل دخول مقاتلي حزب العمال الكردستاني انعاطفًا في انتشار الحزب داخل العراق، فهذا التدخل في مدينة سنجار لم يلبث أن تحول إلى نقطة خلاف حادة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والـPKK، إذ يتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البارزاني حزب العمال بالسيطرة على سنجار ومنع عودة النازحين إليها، فضلًا عن أن وجود حزب العمال في تلك المنطقة بات يشكل بؤرة توتر جديدة، بعد أن استطاع الحزب فرض سيطرته على كثير من المناطق المجاروة لسنجار.
نيجيرفان بارزاني: “كردستان العراق يجب ألا تكون منطلقًا لمنظمة حزب العمال الكردستاني لمهاجمة تركيا أو أي دولة جارة”
وفي الأشهر الأخيرة، ازدادت حدة التواترات بين الأحزاب الكردية ذاتها، وبينها وبين حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى، إذ تحدثت تقارير عن تقدم قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني في بلدة (زيني ورتي) الإستراتيجية شمال أربيل التي تعد بوابة جبال قنديل في شمال العراق.
تعدُّ بلدة زيني ورتي إستراتيجية كونها تفصل مناطق النفوذ بين إيران وحزب العمال الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني من جهة، والحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة أخرى.
لكن رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني قال إن هدف الانتشار يتمثل في السيطرة على حدود المنطقة بسبب فيروس كورونا ومحاولة البعض تهريب أشخاص في تلك الحدود بخلاف الإجراءات الصحية المتخذة في الإقليم مع تفشي فيروس كورونا.
إلا أن رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني لم يخف هدفًا آخر من تقدم قواته، إذ لمَّح إلى وجود دور آخر يتعلق بمواجهة نفوذ حزب العمال الكردستاني، مضيفًا بالقول: “كردستان العراق يجب ألا تكون منطلقًا لمنظمة حزب العمال الكردستاني لمهاجمة تركيا أو أي دولة جارة”، لافتًا إلى أن إقليم كردستان ليس ساحة حرب لحزب العمال، ويجب ألا يُتخذَ الإقليم منطلقًا للهجوم على تركيا، مؤكدًا أن حزب العمال لا يحترم سيادة العراق والإقليم، لهذا فإن القصف التركي للمنطقة متوقع.
هي صراعات سياسية واقتصادية وأمنية تظهر حينًا وتختفي في أحيانٍ أخرى بين الأحزاب الكردية ذاتها، وبينها وبين حزب العمال الكردستاني الذي لا يلبث أن يسيطر على مزيد من الأراضي خارج حدود الدولة التركية، في ظل عدم تمكن أي طرف من حسم الصراع لصالحه، خاصة أن جميع الأحزاب الكردية لا تود الدخول في حرب مع حزب العمال الكردستاني التي قد تتسبب بخسائر فداحة للطرفين، فضلًا عن ضياع المكاسب الاقتصادية والأمنية التي حققها الإقليم طيلة السنوات السابقة.