يتذكر مسلمو الهند شهر فبراير/شباط الماضي بكل أسى وحزن، فقد تعرضوا لهجوم هندوسي عنيف، راح ضحيته العشرات منهم، وجاء هذا الهجوم بدعم حكومة الهند التي يقودها ناريندا مودي، وهو العضو السابق في مجموعة هندوسية متشدّدة، ومنذ فاز مودي بالانتخابات وأصبح رئيسًا للوزراء عام 2014 ومن ثم أعيد انتخابه 2019، تزايدت أعمال العنف ضد المسلمين.
منحت الحكومة الهندية غطاءً للقائمين على الهجمات ضد المسلمين، بسبب شعائرهم الدينية وبحجة أنهم لا يحرمون أكل لحم البقر، ولم تمنح السلطات حمايتها للعصابات المعتدية فقط، إنما ساهمت باضطهاد المسلمين، حيث أعادت تسمية عدد من المدن التي تحمل أسماء إسلامية، وغيرت بعض الدروس في الكتب المدرسية للتقليل من أهمية إسهامات المسلمين في الهند، وذلك عدا عن توظيفها وسائل الإعلام ضد المسلمين.
نتناول في هذا التقرير ضمن ملف “الهند المسلمة”، أوضاع المسلمين في الهند، توزعهم وانتشارهم وأعدادهم التي يظن البعض أنها قليلة لما عانوه من إهمال وتهميش منقطع النظير، والأمر ليس جديدًا إنما تعود جذوره لعقودٍ مضت.
الإسلام في الهند
يعتبر الإسلام ثاني أكبر الديانات بعد الهندوسية في الهند ( تبلغ نسبتها ما يقارب 80% من إجمالي سكان البلاد)، واختلفت المعلومات عن عدد المسلمين على الأراضي الهندية، إذ تذكر الإحصاءات الرسمية الهندية بأن عددهم بلغ 172 مليون حتى عام 2011 من بين مليار ومئة وخمسين ألف نسمة، ما يجعل الهند ثالث أكبر بلد من حيث عدد المسلمين في العالم بعد إندونيسيا وباكستان.
بمعنى آخر، يمثل المسلمون 14% من سكان الهند، وينتشرون في جميع ولايات البلاد، حيث يمثلون الأغلبية في ولاية جامو وكشمير المتنازع عليها والتي فرضت الهند أحكامها عليها في 2020، كما يمثل الإسلام أغلبية السكان في جزر لكشديب، فيما تتنوع نسبتهم بين ارتفاع وانخفاض في باقي الولايات.
ينتشر المسلمون في ولاية آسام بنسبة 34.5% بتعداد سكاني يفوق 10 ملايين نسمة، كما أن نسبتهم في ولاية بنغال الغربية تتجاوز 27% من سكان المنطقة بعدد يفوق الـ24 مليونًا من أصل 90 مليونًا، أما في ولاية كيرلا يتوزعون بمعدل 26.6% ويزيد عددهم على 8.5 مليون مواطن من أصل سكان المنطقة، وبنسبة تزيد على 19% ينتشر مسلمو الهند في ولاية أتر برديش بتعداد كبير يصل إلى 38.5 مليون من أصل 200 مليون مواطن.
تترواح النسب في باقي الولايات الهندية بين الـ1% إلى 15% من إجمالي قاطني كل منطقة، وتظهر بعض الإحصاءات أن المسلمين في البلاد يتميزون بمعدل خصوبة يزيد على المجتمعات الأخرى، كما يُلاحظ ارتفاع نسبة المسلمين من 10% إلى ما يزيد على 14% منذ عام 1951 حتى 2013. ويلي الإسلام الديانة المسيحية بتعداد تبلغ نسبته 2.4%، وبعدها تأتي ديانة السيخ بنسبة تفوق على 1.5%، وتمثل باقي الديانات والطوائف 2.%.
طوائف المسلمين في الهند
إلى جانب المسلمين من الطائفة السنية، يوجد المسلمون الشيعة الذين يشكلون جزءًا من تعداد المسلمين الإجمالي، ويبلغ عددهم بحسب الإحصاءات بين 30 و40 مليونًا، إلا أن عبد السلام أحمد رئيس الجامعة الإسلامية وعضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية في الهند ينفي هذه الإحصاءات، مبينًا أن تعداد الشيعة في البلاد لا يتجاوز 2% من إجمالي المواطنين المسلمين في البلاد، موضحًا أن هذه الطائفة لا تؤثر على وجودهم بشكل عام رغم قيامهم ببعض الفعاليات والأنشطة.
غياب التمثيل السياسي
يضيف أحمد في هذا السياق قائلًا: “على الرغم من أن المسلمين يمثلون الأقلية الأولى بعد الهندوس، إلا أنه يتم التعامل معهم كأقلية في نهاية المطاف، وأصواتهم ضئيلة كما أن مشاركتهم في الأحزاب السياسية ضعيفة”، وبالتالي فإن قضاياهم أقل طرحًا وتمثيلًا مقارنة بغيرهم.
كما يشيرعضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية إلى وجود أحزاب سياسية مسلمة في الهند، لكنها ليست قوية بما يكفي، وقد تكون بعض الأحزاب الإسلامية ببعض الولايات قويةً فقط في منطقتها، لكن لا يوجد حزب سياسي قوي يمثل المسلمين في عموم البلاد.
في انتخابات عام 2014 التي جاءت برئيس الوزراء الهندي الحاليّ ناريندا مودي وحزبه بهارتيا جانتا، لم يتمكن المسلمون من الفوز إلا بـ22 مقعدًا في البرلمان من أصل 543 مقعدًا، أي بنسبة 4% فقط، فمثلًا في ولاية أنتر براديش التي يقطنها ما يفوق 38 مليون مسلم لم يتمكن المسلمون فيها من كسب أي مقعد في الانتخابات، أما في انتخابات عام 2019 التي حصل فيها مودي أيضًا على الفوز لم يرتفع رصيد النواب المسلمين عن الانتخابات التي سبقتها إلا بـ5 نواب.
انتخابات 2019 أشعرت المسلمين بكثير من الخوف، حينها كثرت تصريحات الأحزاب الهندوسية المهددة للمسلمين، حيث خرجت وزيرة شؤون المرأة والطفل في الهند مانيكا غاندي في مقطع مصور وهي تهدد تجمعًا من المسلمين بالتصويت لها وإلا سيتم تهميشهم في حال عادت إلى السلطة قائلةً: “أنا أفوز بمساعدة الناس. لكن إذا جاء ذلك دون دعم من المسلمين، فلن يكون الأمر جيدًا سيترك ذلك شعورًا بالمرارة، وعندما سيأتي أي مسلم بطلب ما، فسأقول لنفسي لا يهم”.
وبحسب تقرير ساشار الحكومي الهندي الذي صدر عام 2006، فإن “لجنة ترسيم الحدود أعلنت عن حجز عدد من الدوائر الانتخابية ذات الكثافة الإسلامية كحصص ولكن لغير المسلمين، وبالتالي منعت المسلمين من التمثيل الصحيح فيها”.
تقرير ساشار، صدر عن لجنة شكلها رئيس الوزراء السابق مانموهان سينغ عام 2005، حيث عهد إلى لجنة مكونة من سبعة قضاة يرأسهم راجيندر ساشار، دراسة الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي للمسلمين في الهند، وأوصى التقرير بالسماح بتمثيل سياسي عادل للمسلمين الهنود في كل الانتخابات التي تحصل في الهند وليس فقط في الانتخابات النيابية.
الحالة الاجتماعية
يذكر تقرير ساشار أن عمل المسلمين في وظائف الدولة منخفض باستمرار منذ سنة الاستقلال 1947، حيث تبلغ نسبة الذين يشتغلون منهم في وظائف الخدمة المدنية في الهند، وخاصة في الخدمات الإدارية والخارجية ودوائر الشرطة 3% فقط، أما في الأجهزة الإدارية فعددهم لا يتجاوز 1.8%، فيما يشغل 4% فقط من المسلمين وظائف في الخارجية الهندية ومثلهم في جهاز الشرطة و4.5% من موظفي السكك الحديدية.
إضافةً إلى تلك النسب، فإن مسلمي الهند يشغلون ما نسبته 6.5% في مجال التعليم، فيما يعمل 7.3% في الشؤون الداخلية. ونظرًا لهذه المعطيات، حمّل تقرير لجنة ساشار غطرسة قوات الأمن في التعامل مع المسلمين مسؤولية خلق شعور عدم الأمان والخوف بين المسلمين، ما يجعلهم يلجأون للعيش في أحياء الأقليات.
انعكست هذه الأوضاع مباشرةً على وضعهم المادي في البلاد، فهم من بين الفئات الأكثر فقرًا في البلاد، وبحسب الإحصاءات، فإن متوسط إنفاق الفرد المسلم 23.7 روبية أي ما يعادل نصف دولار يوميًا، وهي أدنى نسبة إنفاق بين فئات الشعب الهندي.
وغني عن القول أن انخفاض نسبة إنفاق المسلمين يعود سببه إلى تدني نسبة العمالة بينهم، إذ تبلغ نسبة العاملين منهم 33%، فيما تبلغ نسبة العمالة بين الهندوس 41% من الهندوس و41.9% من المسيحيين.
تاريخ من الاضطهاد
تعرض مسلمو الهند إلى هجمات متكررة لا يمكن حصرها، وأبزها هجمات كالكوتا عام 1964 التي تسببت بمقتل قرابة 100 مسلم وإصابة المئات وآلاف المعتقلين، وجاء ذلك نتيجة هجمات متطرفين هندوس على أحياء المسلمين، حيث تحولت مناطق المسلمين في المدينة إلى مناطق معزولة ومحاصرة.
انتقالًا إلى مذبحة نيلي عام 1983، التي وقعت في ولاية آسام ذات الحضور المسلم الكبير، وراح ضحيتها 1800 مسلم بقرية نيلي، وكان معظم الضحايا من النساء والأطفال الذين لم يتمكنوا من الفرار أمام هجمات المتطرفين الهندوس، وبمزاعم مثل وقف الهجرة إلى الهند قامت حركة آسام الهندوسية المتطرفة بالمذبحة، ونتيجةً لهذه المذبحة قامت لجنة رسمية باسم “تيواري”، بصياغة تقرير عن المذبحة، لكنه بقي سريًا حتى اليوم.
في سنتي 1969-1989، تعرضت مدينة غوجارات الهندية لهجمات متطرفين هندوس على المسلمين في المنطقة، ففي السنة الأولى قُتل 630 شخصًا مسلمًا، أما في عام 1980 لقي 2500 شخص مصرعهم في مدينة مراد آباد، وصولًا إلى العام 1989، قُتل أكثر من ألف شخص في بهالجالبور، بسبب عمليات استعراض القوة التي قام بها نشطاء من حركة “في إتش بي” الهندوسية، لتخويف الأقليات المسلمة.
تسببت مذبحة هاشيم بورا عام 1987 بمقتل 42 شابًا مسلمًا بولاية أوتار براديش، بأحداث عنف كبيرة، وجمعت الشرطة الشبّان ونقلتهم عبر شاحنة وأطلقت عليهم النار وألقت جثثهم في قنوات تصريف المياه، ليعثر على جثثهم عائمة بعد أيام.
حادثة مسجد بابري التاريخي في بومباي التي ذهب ضحيتها 900 قتيل مسلم، قام بها قوميون هندوس، ويزعم الهندوس أن موقع البناء كان لمعبد “الإله راما” المقدس لديهم. وحصلت موجة نزوح للمسلمين لمناطق أخرى، ووجهت اتهامات للأمن والاستخبارات، بأنهم كانوا يملكون معلومات وتقاعسوا عن مواجهتها.
في عام 2020 استمرت الاضطهادات والهجمات، حيث هاجمت جماعات هندوسية متطرفة تحت غطاء حكومة مودي التي وقفت متفرجةً على الانتهاكات بحق المسلمين، وحصلت هذه الهجمات في مدينة جعفر آباد بنيودلهي، وذلك على خلفية رفض المسلمين لقانون الجنسية الجديد، الذي بدوره سيلغي مواطنتهم، وراح ضحية الهجمات أكثر من 40 قتيلًا ومئات الجرحى.
قانون الجنسية
في سبعينيات القرن الماضي، ظهرت حركة في ولاية آسام التي تضم عددًا كبيرًا من المسلمين، هذه الحركة الشعبية أصبحت تدعو لإخراج المهاجرين الذي هم من بنغلاديش وبورما بدعوى سلبهم لفرص العمل وتعريض ثقافة الولاية للخطر، وفي عام 1985 وقعت حكومة الهند مع هذه الحركة اتفاقية لإجراء إحصاء في الولاية على اعتبار أن يكون هنديًا كل من كان والداه في الولاية قبل عام 1971.
لم يتم عمل هذا الإحصاء إلا عام 2019، حيث أُعلن أن مليوني شخص بولاية آسام أجانب، في البداية كانت الحكومة وبعض المنظمات تظن أن غالبية المهاجرين من المسلمين، وعلى ذلك الأساس سيكون ترحيلهم سهلًا، إلا أن غالبية هؤلاء المهاجرين كانوا من قومية الهندوس، عندئذٍ عدّلت الحكومة قانون الجنسية الموضوع في منتصف خمسينيات القرن الماضي، حيث نص التعديل على أن البلاد ستقبل بالمهاجرين من ثلاث دول هي: بنغلاديش وباكستان وأفغانستان شرط أن يكونوا هندوسًا أو بوذيين أو سيخًا أو مسيحيين فقط.
عقب هذا القانون اندلعت بعض الاحتجاجات للمسلمين في آسام والعديد من الولايات الهندية التي لاقت عنفًا كبيرًا من المتطرفين الهندوس تحت غطاء حكومة مودي، وفي كل احتجاجات يتضح أكثر فأكثر غياب الفاعلية السياسية الإسلامية في الهند وضعف التعامل مع الأحداث في البلاد، ويأتي ذلك نتيجة لعمل هندوس الهند على إضعاف مسلمي البلاد وخطط حكومية تعمل على تهميشهم، الأمر الذي يزيد من عزلة المسلمين.