في الأول من يونيو الماضي 2014، نشرت صحيفة “الوطن” المصرية، تقريرًا بالمستندات والتفاصيل عن مناقصة حكومية تؤكد سعي الحكومة المصرية لفرض رقابة واسعة على الإنترنت وتتبع المعارضين، بعدها بأيام نشرت “كريستيان ساينس مونيتور” تقرير بعنوان: “مصر تكثف مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي بحجة مكافحة الإرهاب”، قالت فيه إن السلطات المصرية لن تكتفي فقط بمراقبة النشطاء الذين يدعون لمظاهرات ويخرجون في مظاهرات ضد النظام، ولكنها بدأت “مراقبة المقيمين في منازلهم الذي ينشرون رأيهم على الإنترنت ويبدون إعجابهم بآراء الآخرين أيضًا”.
وقالت “ساينس مونيتور” إن وزارة الداخلية المصرية طلبت أن يكون النظام الإلكتروني المقترح قد سبق استخدامه من قبل في الولايات المتحدة أو أي دولة أوروبية، وأنه وقع اختيارها على شركات أوروبية رغم التكلفة العالية ذكرت منها 7 شركات لها سابق خبرة في المراقبة والتجسس على الإنترنت، أبرزها شركة (جاما) الدولية ومقرها لندن، و(فريق الهاكرز) ومقرها إيطاليا، و(بلو كوت) ومقرها الولايات المتحدة.
وفي 17 سبتمبر الجاري، نشر موقع موقع “بازفييد” Buzzfeed الأمريكي تقريرًا، ترجمه نون بوست، حول تفاصيل خطة الحكومة المصرية لمراقبة الإنترنت، كشف فيه -على لسان مسئول أمني مصري لم يذكر اسمه – أن المنافسة جرت بين شركة الإنترنت “بلو كوت” Blue Coat وشركتي “جاما” البريطانية و”ناروس سيستم” ومقرها إسرائيل، وفازت بها شركة مصرية تدعي “سي إيجيبت” See Egypt تابعة لشركة “بلو كوت” الأمريكية.
موقع بازفييد Buzzfeed قال إن سلطات الأمن المصرية صعدت الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى في الشبكة العنكبوتية داخل مصر، وركزت بشكل متزايد على الاتصالات عبر الإنترنت لجماعات يعتبرونها تمثل أصوات المعارضة ضد الحكومة الحالية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ونقل الموقع عن مسئول في الأمن المصري، أن الشركة الأمريكية زودت أجهزة الرقابة الإلكترونية المصرية بالفعل بالعديد من الخدمات، التي تزيد من قدرة مباحث الإنترنت المصرية على رقابة مختلف المواقع بشكل مكثف، وأضاف: “إننا نبحث في أي محادثة، أي تفاعل مقلق، ونريد أن نبقي على كثب متابعين ما يُكتب”.
وقال المسئول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “نحن نراقب المحادثات بين الإسلاميين، أو أولئك المحسوبين علي الإسلاميين ونراقب المجموعات المختلفة التي نعتبرها خطرًا لإيقاف أى أعمال إرهابية”، ولم ينسَ تخفيف وتبرير المراقبة بقوله إن الهدف أيضًا هو مراقبة الجماعات التي تعتبر مضادة لقيم المجتمع مثل الشواذّ جنسيًّا ومجموعات الحث على الدعارة؛ حفاظًا علي الأخلاق.
موقع “بازفييد” نقل أيضًا عن “على منيسي” رئيس مجلس إدارة شركة “سي إيجيبت” أن الشركة زودت جهاز “الأمن الوطني” – أمن الدولة سابقًا – بأنظمة تُزيد كفاءة الرقابة في العالم الافتراضي، مضيفًا أن الشركة تقوم بتدريب المسئولين داخل الجهاز على التعامل مع تلك الأنظمة، لتطبيقها في رقابتهم على مواقع الإنترنت والمحادثات في موقعي فيس بوك وتويتر والمشاهدات في يوتيوب.
وفي السياق نفسه، قال “رامي رؤوف” الباحث في شئون الأمان الرقمي وحرية المعلومات، إن السلطات المصرية لها باع طويل في التجسس عبر الإنترنت وهواتف المحمول، تم اكتشاف ذلك بشكل مؤكد عقب اقتحام مقار أمن الدولة في مارس 2011، وقال: “إن وزارة الداخلية ليست منزّهة عن محاولة التجسس على الأفراد، في المحادثات والمراسلات الشخصية من خلال برامج الهواتف المحمولة والويب”.
وبعد 24 ساعة من نشر موقع BuzzFeed هذه الأنباء، أصدرت شركة “بلو كوت” ومقرها الولايات المتحدة بيانًا تنأى بنفسها عن مشروع مراقبة تويتر، الفيسبوك، وسكايب في مصر، وقالت: “إن منتجاتها لا يتم بيعها للحكومة المصرية”.
وقالت الشركة (في تقرير آخر نشره موقع بازفيد): “لم تستجب بلو كوت، ولا تنوي الاستجابة إلى أي مناقصة لعملية مراقبة الشبكة الاجتماعية في مصر”، وقالت إن الشركة المصرية (سي إيجبيت) أو (شوف مصر) هي مجرد بائع يعيد بيع منتجاتها، وأنها لا تمت بأي شراكه مع بلو كوت.
وقالت الشركة الأمريكية: “إنها تدعم الحق في الخصوصية وحرية التعبير المعترف بها دوليًا ولا تقبل أي استخدام من قبل الحكومة المصرية لمنتجاتها من أجل الإساءة لخصوصية الإنترنت وحرية التعبير لمواطنيها”، مشيرة إلى أنها “تبيع منتجاتها للمستخدمين النهائيين من خلال أكثر من 2000 موزع في جميع أنحاء العالم وتطلب من موزعيها بالالتزام بنفس الشروط القانونية والمعايير الأخلاقية التي تلتزم هي بها”.
والملفت أن بيان النفي الصادر من الشركة الأمريكية بأنها باعت بشكل مباشر أجهزة مراقبة للإنترنت إلى مصر عبر الشرطة الوسيطة (سي إيجيبت)، جاء عقب صدور بيان أيضًا من مصدر أمني مسئول بوزارة الداخلية يقول إن: “ما تم تداوله بأحد المواقع الإلكترونية الأمريكية حول تعاقد وزارة الداخلية مع إحدى الشركات لمراقبة أنشطة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ليس له أي أساس من الصحة”.
وقال بيان الشرطة المصرية: “إن هذا الخبر عارٍ عن الصحة جملةً وتفصيلًا، وناشد وسائل الإعلام مراجعة الأجهزة المعنية بوزارة الداخلية قبل الترويج لمثل تلك الأخبار، خاصةً خلال تلك المرحلة التي تواجه فيها البلاد تحديات تهدف إلى زعزعة الثقة وإثارة الرأي العام والإسقاط على جهود وزارة الداخلية وتضحيات أبنائها”، بحسب البيان.
وما لم تقله الشركة الأمريكية أو الشرطة المصرية في نفيهما أن ما تبيعه الشركة هو أجهزة مراقبة للإنترنت لا أشياء أخرى، وأن هذه الشركة سبق أن نفت بيع هذه الأجهزة لدول عربية مثل سوريا والسودان وأيضًا لإيران، وظهر أنها غير صادقة، وكل ما في الأمر أنه تم البيع عن طريق طرف ثالث أوصل الأجهزة لهذه الدولة التي تراقب شعبها في نهاية المطاف.
حيث كشفت مجموعة من القراصنة تدعى Telecomix-Collective وجود 13 خادمًا بروكسي لشركة “بلو كوت” في شبكة الاتصالات السورية تم استخدامها في تتبع وتحليل الاتصالات المشفرة بـ “Https”، وأنكرت الشركة في البداية قيامها بتوريد برامجها وأجهزتها إلى النظام السوري، إلا أنها اعترفت في النهاية بوجود 13 من أجهزتها في سوريا تم نقلها من موزع الشركة في دبي إلى العراق ومنه إلى سوريا، وأوضحت الشركة أن هذه الأجهزة الآن لا تتفاعل مع الخدمة السحابية للشركة؛ وبالتالي لا تملك الشركة السيطرة عليها أو تعطيلها.
الأمر لم يقتصر على سوريا، فقد تم اكتشاف أجهزة بلو كوت في إيران رغم العقوبات والقيود المفروضة عليها من الحكومة الأمريكية، أحد هذه الأجهزة تمتلكه شركة تابعة للحرس الثوري الإيراني، ويعتقد باستخدامه أيضًا لتشديد الرقابة على النشطاء والمعارضين.
السودان بدورها تمتلك بعض أجهزة وتقنيات بلو كوت، ويتم استخدامها في أغراض سياسية، تشير تقارير لمنظمات حقوقية أمريكية أن 10 دول أخرى على الأقل لديها سجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان تستخدم أجهزة من شركة “بلو كوت” يأتي على رأسها دول الخليج السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت، إضافة إلى دول في شرق أسيا كتايلاند والصين ودول في أمريكا اللاتينية تأتي على رأسها فنزويلا.
وشركة بلو كوت هي شركة أمريكية متخصصة في مجالات الأمان الإلكتروني ومعدات وبرامج الرقابة على الإنترنت، يقع مقر الشركة في مدينة “سينيفل” بولاية كاليفورنيا الأمريكية، تستخدم أدوات الشركة في مراقبة تدفق البيانات عبر الإنترنت عبر تقنية تعرف بـ “Deep Packet Inspection” تستخدم في إدارة حركة الشبكة، والكشف عن الاتصالات المراد قمعها.
وقد اعترف بهذا ضمنًا “ديفيد ميرفي” المدير التنفيذي للشركة عندما قال إن “شركته لا تقوم بانتهاك المعايير ببيع هذه الأجهزة إلى حكومات تحمل سجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان، وأن هذه الأجهزة تصل إليها بطرق غير مباشرة”.
وما يرجح هذا التعامل عبر طرف ثالث، أن البرلمان الأوروبي أصدر قرارًا في يوليو الماضي طالب فيه بحظر تصدير كل أنواع تكنولوجيا التدخل والمراقبة إلى مصر، خصوصًا تلك التي يمكن استخدامها في التجسس أو قمع المواطنين، ووصف الجهاز القضائي بأنه “أداة للقمع السياسي”.
كما طالب البرلمان الأوروبي – في بيان – بالبدء في تحقيق دولي بشأن عمليات قتل المتظاهرين بمصر وعمليات التعذيب وسوء المعاملة لهم، داعيًا الحكومات الأوروبية لدعم قرار جديد بشأن الموقف في مصر خلال الجلسة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والبدء في تحقيق دولي.
ودعت المؤسسة التشريعية الأوروبية إلى حظر المساعدات العسكرية والمعدات الأمنية الموجهة لمصر، والتي يمكن أن تستعملها السلطات لقمع المظاهرات السلمية، كما حث القرار الأوروبي حكومة مصر على إطلاق كل المعتقلين في السجون فورًا ودون شروط، سواء أولئك الذين يُحتجزون على ذمة قضايا أو الذين أدينوا فقط لممارسة حقهم في حرية التعبير والتجمع.
والملفت أنّ ممارسات وزارة الداخلية المصرية أكدت النية من وراء استخدام هذه الأجهزة للمراقبة حتى قبل أن يبدأ عمل هذه التقنيات الحديثة لمزيد من إحكام المراقبة، حيث كشف موقع (ويكي ثورة) التابع لـ “المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، الذي يرأسه خالد علي، المرشح الرئاسي السابق، أن من ضمن المعتقلين حتى 15 مايو الماضي 76 شخصًا على الأقل في جرائم مرتبطة بما سمي “النشر على الإنترنت”؛ مما يزيد من قلق النشطاء مما وصفوه بـ “الطبيعة الغامضة للجرائم” التي تحددها الداخلية، وذلك من بين 41.163، قال الموقع الحقوقي إنه تم اعتقالهم منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 حتى 15 مايو الماضي.
المصدر: بازفيد + التقرير + ساسة بوست