ترجمة وتحرير نون بوست
بعد ما يقرب من شهر ونصف على الانفجار الذي دمر بيروت، يقول اللاجئون السوريون إنهم يشعرون بالنسيان والهجر بينما يكافحون للتعافي في أعقاب الانفجار ويعيدون بناء حياتهم في لبنان مرة أخرى.
في يوم 4 من أغسطس/آب انفجر نحو 2750 طنًا من نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت مما تسبب في قتل ما يقارب 200 شخص بينهم 43 سوريًا على الأقل وإصابة الآلاف، دمرت أحياء كاملة في بيروت نتيجة الانفجار تاركة ما يقرب من 300 ألف شخص بلا مأوى.
يقول البنك الدولي إن الانفجار تسبب في خسائر تصل قيمتها إلى 8.1 مليار دولار، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية بالفعل في البلاد، انتقلت العديد من الأسر السورية التي فرت من الحرب في سوريا عام 2011 إلى مناطق قريبة من مرفأ بيروت، ليجدوا أنفسهم بالقرب من مركز أكبر انفجار غير نووي مسجل في التاريخ.
فرّت ديما حاج صطيفي – 16 عامًا – من محافظة إدلب شمال غرب سوريا مع أسرتها في 2014 بعد أن دمرت الضربات الجوية منزلهم، بدأت الأسرة في إعادة بناء حياتها في منطقة حي كارنتينا ببيروت، وبدأ أحمد والد ديما في العمل بكشك منظفات لتوفير لقمة العيش.
يقول أحمد: “كانت لدينا حياة لطيفة وطبيعية في سوريا، لكن عندما بدأت الحرب والضربات الجوية كنا نعيش في خوف مستمر واضطررنا للقدوم إلى لبنان، كنا نعتقد أننا أصبحنا أخيرًا سعداء وآمنين وبدأنا في مواصلة حياتنا، لكن وقع الانفجار وتدمر كل شيء مرة أخرى”.
كانت الأسرة قد قررت تمديد احتفالها بإجازة عيد الأضحى وذهبت إلى الشاطئ صباح يوم الانفجار، كانت والدة ديما قد أعدت العشاء للتو عندما انهار المبنى فوقهم ما تسبب في وفاة والدة ديما واثنتين من أخواتها لطيفة – 22 عامًا – وجودي – 13 عامًا -.
أما أختها ديانا – 18 عامًا – فقد أنقذوها بعد أن علقت في الأنقاض 11 ساعة وما زالت في المشفى تخضع لعمليات جراحية عديدة لمعالجة جراحها، تدمر أيضًا كشك أحمد وأصبح بلا عمل مثل العديد من اللاجئين السوريين الذي رأوا مصدر معيشتهم يتدمر أمامهم في الانفجار.
مشردون مرتين
ما زالت ديما تعاني لتعالح خسارتها بعد أكثر من شهر على الانفجار، تقول ديما وهي تبكي: “ما زلت لا أصدق أنهن رحلن، أحاول أن أغلق عيني بإحكام وأتخيل أمي وشقيقتي وأحضنهن بقوة في أحلامي وأخبرهن أن كل شيء بخير”.
تقول جيهان قيسي المدير التنفيذي لاتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية “URDA” إن أوضاع اللاجئين السوريين من أسوأ ما حدث في أعقاب الانفجار، فقد أصبحوا بلا مأوى للمرة الثانية، وتضيف: “بعد الانفجار ركزت الكثير من وسائل الإعلام على أرواح اللبنانيين التي فقدوها، لكن السوريين تأثروا بشدة أيضًا”.
“لقد أصبحت الظروف أكثر سوءًا الآن بالنسبة للسوريين، لقد فقدوا منازلهم للمرة الثانية ويمرون بتلك الصدمة مرة أخرى، كان للعديد منهم حياة جيدة قبل أن يفقدوا منازلهم في سوريا والآن مرة أخرى في لبنان”.
ما زالت بعض الأسر السورية تعيش في منازلها المنهارة قرب المرفأ، لكنهم يقولون إن ذكريات الانفجار تطاردهم ويندمون على الانتقال إلى لبنان، يعيش أحمد عثمان وميادة حسين في شقتهما المدمرة التي تقع أمام المرفأ مباشرة، كانت الأسرة قد تركت سوريا في 2014 بعد تدمير منزلها بحثًا عن حياة أفضل.
بعد شهر من الانفجار تقول حسين إنها لم تحصل على أي دعم من الحكومة أو المنظمات الإغاثية، رغم أنها حامل في شهرها الثامن ولديها طفلان تعتني بهما، وتضيف: “كانت المعيشة في سوريا أسهل، لأننا نعلم أننا في حرب لذا نتوقع حدوث ذلك في أي وقت، لكن غير المتوقع هو ما حدث هنا، لقد جاء العديد من الناس هنا وأخذوا أسماءنا وسألونا بضعة أسئلة لكن لم يساعدنا أحد”.
لم تتمكن الأسرة بعد من التعافي من الانفجار، فشقتهم في الطابق الثاني ما زالت بلا حوائط أو نوافذ، كما فقد عثمان مصدر دخله الوحيد، تقول حسين: “لا أستطيع النوم ليلًا، أشعر بالقلق دائمًا على أطفالي وأخشى أن يسقطوا من جانب الشقة لعدم وجود حوائط أو نوافذ، كل ما نريده هو مكان له سقف وأبواب ونوافذ”.
يضم لبنان نحو 1.5 إلى مليوني لاجئ سوري يعيش مئات الآلاف منهم في مخيمات اللاجئين عبر البلاد، بعيدًا عن بيروت في مخيم موسى الهندي للاجئين في محافظة البقاع تقول العائلات إنهم أصبحوا مهملين بسبب فيروس كورونا.
يعيش محمد غاتي وزوجته أم جميل وأطفالهما الـ11 في خيمة من غرفة واحدة، حيث جعل الوضع الاقتصادي المتقلب في لبنان حياتهم أكثر صعوبة، تقول أم جميل: “منذ أن بدأ فيروس كورونا توقف عمال الإغاثة والمنظمات الإغاثية عن القدوم للمخيم وتوصيل المساعدات، لا يوجد لدينا أي عبوات غذائية منذ رمضان، هذا الفستان أرتديه منذ 8 سنوات لأننا لا نستطيع أن نتحمل تكلفة أي شيء خاصة مع ارتفاع سعر الدولار”.
الخوف من الشتاء
مع اقتراب الشتاء القاسي، تخشى الكثير من العائلات من عدم قدرتها على الصمود دون مساعدات، اعتاد حلمي أن يعمل كنحات خشب وفنان في سوريا، لكن بعد تدمير منزله اضطر للقدوم مع أسرته إلى لبنان.
والآن في مخيم الأبرار بوادي البقاع، تقول أسرة حلمي إنهم ينتظرون الحزم الغذائية التي انخفض عددها بشكل كبير، عندما ستصلهم تلك الحزم سيضطرون لبيعها لتسديد الديون التي اقترضوها لشراء الطعام.
مع تعليق المدارس بسبب كورونا لم يعد حلمي قادرًا على مواصلة عمله حيث كان يعمل سائق حافلة مدرسية، لذا تعاني أسرته لدفع إيجار الخيمة وتوفير أساسيات الحياة اليومية مثل الطعام وملابس الشتاء.
في العام الماضي ضربت موجة أمطار وثلوج ثقيلة المخيمات مما ترك أكثر من 66 مخيمًا للاجئين متأثرين بالفيضانات ودرجات الحرارة المتجمدة، يخشى اللاجئون الآن من قدوم الشتاء الذي سيكون أسوأ من العام الماضي.
يقول حلمي: “قبل ذلك كنا نعتمد على الأصدقاء والعائلة ونساعد بعضنا البعض في الأوقات الصعبة، أما الآن فكل الأسر تعاني ماديًا ولا سبيل للحصول على المساعدة”.
المصدر: ميدل إيست آي