عندما تسربت الأخبار أن “عبد الملك الحوثي” قد قُتل في غارة جوية عام 2009، تنفس المسئولون اليمنيون الصعداء بارتياح، كان الحوثي زعيم الحوثيين، وهي جماعة شيعية متمردة تتخذ من شمال اليمن مقرًا لها، قد شنت حربًا أهلية على مدار السنوات الست التي سبقت، مئات الآلاف من المدنيين شُردوا بسبب النزاع الذي كان يهدد بالوصول إلى المملكة العربية السعودية، وإذا خرج زعيمهم خارج الصورة، فسيضعف الحوثيون بشدة، ولربما تستطيع الحكومة اليمنية أخيرًا استعادة السيطرة على أراضيها.
بعد أيام ظهر شريط فيديو للحوثي على قناة الجزيرة، المقطع الذي تم تصويره في غرفة مضاءة بشكل خافت، يُظهر شابًا بكتفين عريضين منحدرين، وشارب خافت، جالسًا على كرسي ويحمل ميكروفونًا في يده، كان أحد أسلحة الحوثي ملقى إلى جانبه بإهمال ويبدو مكسورًا، كان الرجل يبدو مستعدًا وواثقًا من نفسه.
“أكاذيب!” هكذا رد الحوثي عندما قام شخص خلف الكاميرا بسؤاله عن مزاعم اغتياله، وتابع “النظام يطلق تلك التصريحات لتبرير المجازر واستهداف المدنيين والنساء والأطفال”، ومضى الحوثي في إدانة التحالف بين الولايات المتحدة وحكومة اليمن التي يتهمها بأنها أكثر ولاءً لقوى خارجية من ولائها لشعبه، الحوثي يلخص رسالته بقوله: إذا حاول النظام أن يهاجم الحوثيين مرة أخرى، فسيفشل!
قد يكون الحوثي اليوم أقوى رجل في اليمن، ففي سن العطاء، وبـ 32 سنة من عمره يقف الرجل على رأس انتفاضة هزت الحكومة من أساسها، وبعد شهر من الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار الوقود، استولى مقاتليه خلال الأسبوع الماضي على العاصمة، واستطاعوا السيطرة على مبان حكومية، والبنك المركزي، ومقرات وزارة الدفاع، والتليفزيون الرسمي، وقصرا طابعا لأحد أمراء الحرب الإسلاميين الأقوياء.
وافق الرئيس اليمني على تعيين رئيس وزراء جديد وقدم مقترحًا بدعم الوقود، لكن المتمردين لم يتراجعوا حتى الآن، الذي سيقرره الحوثي بعد ذلك – في حال تراجع ووافق على وقف إطلاق النار، أو قرر الاستيلاء على السلطة لنفسه – سيحدد مصير الانتقال في اليمن وتوازن القوى في المنطقة.
اليوم، ترقد الثورة اليمنية في يدي رجل لا يعرف الناس عنه الكثير، رجل استطاع في غضون سنوات أن يحول نفسه من زعيم متمرد إلى صانع ملوك، كيف فعل ذلك؟
ولد “عبد الملك الحوثي” عام 1982 في محافظة صعدة الشمالية بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية، كان الأصغر بين ثمانية أخوة، كبر الحوثي تحت رقابة وثيقة من والده بدر الدين الحوثي، وهو عالم دين بارز من الأقلية الزيدية الشيعية في اليمن (الزيديين، هم الأغلبية في صعدة، ويشكلون نحو 30٪ من سكان اليمن).
كان شقيق الحوثي الأكبر، حسين، عضو برلمان أسس الحوثيين عام 2004، وهي حركة تهدف إلى دعم حقوق الزيديين وتوفير الخدمات التعليمية والاجتماعية، كان من أشد منتقدي صالح ومواقفه المؤيدة للولايات المتحدة بعد 9/11.
في 2004 اتهمت الحكومة اليمنية حسين بإنشاء مراكز دينية غير مرخصة ومحاولة إنشاء دولة دينية شيعية في شمال البلاد، وقدمت مكافأة تصل إلى 55 ألف دولار لمن يساعد على اعتقاله، وأطلقت عملية تهدف إلى القضاء على تمرده المزعوم في الشمال.
عندما قُتل حسين في غارة جوية في وقت لاحق من ذلك العام، دُعي عبد الملك لقيادة الجهود العسكرية ضد الحكومة، أثبت الشاب البالغ من العمر 23 عامًا نفسه كقائد ميداني قوي وتكتيكي داهية، باستخدام معرفته بتضاريس صعدة، وجبالها الوعرة وعواصفها الرملية المتكررة، استطاع الحوثي أن يوقف تقدم قوات النظام.
وعندما توفي والده في عام 2006، أصبح الحوثي زعيم الحركة، لكن يقول محللون إنه لم يدرك دوره كزعيم إلا بحلول 2011 وانطلاق انتفاضة الربيع العربي.
“فرناندو كارفاخال” مستشار منظمة غير حكومية سابق في اليمن، يقول “إذا نظرت إلى خطب عبد الملك قبل عام 2011، كانت بالأساس صاخبة ومعادية للولايات المتحدة وللسعودية، تدعو إلى إعطاء الزيديين حقوقهم الدينية، كما كان يقدم وعظًا للمتحولين إلى الإسلام”.
وتابع كارفاخال “بعد الانتفاضة، بدأ الحوثي في مخاطبة الشعب اليمني والحديث عن المظالم المشتركة، وأسعار الوقود، وهجمات الطائرات بدون طيار، لقد اكتسب الحوثي الكثير من الثقة، وحاليًا، يتحدث الحوثي كمن يعرف هدفه جيدًا، إنه لا يضرب بشكل عشوائي!”.
في خطبة ألقاها في 2011 بعنوان “الثورة المبدعة”، اتهم الحوثي باراك أوباما بمحاولة خلق شرق أوسط جديد من خلال “سلاح الطائفية، إلا أن ذلك تم إحباطه بالربيع العربي” وفي خطاب آخر يتهم الحوثي السعودية بالتحريض على الطائفية والقبلية في المنطقة.
نادرًا ما يعطي الحوثي مقابلات مع الصحافة الدولية أو المحلية، عندما تواصل موقع “ميدل إيست آي” مع “علي العماد” المتحدث الرسمي باسم الحوثيين، رفض أن يرتب مقابلة، مؤكدًا على المخاوف بشأن سلامة الحوثي.
“كل شخص قوي في اليمن، يعارض الرئاسة، هو في خطر” وتابع العماد “لكن شيخنا في مكان آمن لن يستطيع النظام أن يصل إليه”.
الحوثي يعيش منتقلاً من مكان إلى آخر، بين سلسلة حصينة من البيوت الآمنة، وفقًا لنوال المقحفي، الصحفي اليمني الذي زار صعدة في 2011.
استطاع المقحفي أن يرتب مقابلة للقاء الحوثي لفيلم وثائقي كان يعده لقناة “برس تي في” الإيرانية، لكن قبل دقائق من موعد الاجتماع تم إبلاغه بإلغائه.
يقول المقحفي “أخبرني حراسه أنه سيكون من الخطير للغاية مقابلتي، تم استهداف عدد من أعضاء عائلته، إنه لا يثق بأي شخص”.
في كثير من الأحيان يتم مقارنة الحوثي بحسن نصر الله، الزعيم الروحي لحزب الله اللبناني، اكتسب الحوثي تأييدًا ضخمًا من الشباب والرجال المخلصين الذين، يقول محللون، إنهم يعدونه كشخصية ذات سلطة دينية وسياسية.
“بعد عقود من حكم كبار السن، يمثل الحوثي وجهًا جديدًا في المشهد السياسي اليمني” كما يقول عبدالغني العرياني، المحلل اليمني، ويتابع “سياسته محافظة وحملاته غالبًا ما تكون عنيفة، لكنه وجه جديد، شاب يجمع بين القوة والحزم”.
حسين البخيتي، وهو طالب يبلغ من العمر 28 عامًا من صنعاء، شارك في الاحتجاجات الأخيرة التي نُظمت من قبل الحوثي أكد الرأي نفسه.
“إذا نظرت إلى قادة الحزب الحاكم أو المعارضة ستجدهم جميعًا كبارًا في السن، في سن جدك! لكن هذا الرجل جديد، إنه شاب!” كان يتحدث البخيتي عبر سكايب لمراسل ميدل إيست آي.
“الكل في اليمن يعرف أن الثورة فشلت، لكنه كان الشخص الوحيد الذي كان شجاعًا بما يكفي ليقف ويقول ذلك، إن الشباب في المناطق الريفية وغير الحضرية في اليمن يتطلعون إليه”.
الأربعاء الماضي خاطب الحوثي الأمة، وفي خطاب مثير تم بثه على عدة قنوات تليفزيونية في اليمن، تحدث الرجل عن ثورة ثانية ووعد بالاهتمام بمظالم الجماعات المتباينة في البلاد.
“سيتم إعادة دعم الوقود، وسيتم تنفيذ إصلاحات اقتصادية، اليمنيون لن يسمحوا للطغاة بحكم البلاد مرة أخرى” كان الحوثي يتحدث ملوحًا بإصبعه أمام الكاميرا، مرتديًا كوفية فلسطينية على كتفيه.
“سنفضل أن يظل قائدًا لنا، زعيمًا روحيًا” قال البخيتي في رده على سؤال عما إذا كان يود أن يرى الحوثي يحكم اليمن، وتابع “إذا أصبح رئيسًا فلن يستطيع البقاء في السلطة سوى فترتين فقط، من الأفضل أن يبقى فوق السياسة”.
المصدر: ميدل إيست آي / ترجمة عربي 21