توفي وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري في دمشق عن عمر يناهز الـ 79 عامًا، قضى جزءًا كبيرًا منها في أروقة الدبلوماسية السوريّة، فقد عاصر المعلم حكم حافظ الأسد وابنه بشار الذي عينه وزيرًا للخارجية. ونعت حكومة النظام المعلم، اليوم بعد عمل استمر نحو 56 عامًا في الوزارة، ولم تذكر الحكومة أي تفاصيل عن سبب وفاة المعلم، مشيرة إلى أنه كان في مشفى الشامي بدمشق.
لم يقف المعلم مع ثورة السوريين التي انطلقت عام 2011، لكنه دافع بشراسة عن النظام وجيشه، ولم يحزن على ضحايا الكيماوي، وإنما سخر من آلام الشعب السوري، مفضلًا الوقوف إلى جانب مجرمي الحرب، ما يجعله نموذجًا لدبلوماسية الدم.
من هو المعلم؟
ولد وليد المعلم في دمشق عام 1941، ودرس فيها، وتخرج من جامعة القاهرة التي درس فيها الاقتصاد وتخرج عام 1963، ثم التحق بوزارة الخارجية عام 1964، وعمل في السلك الدبلوماسي في تانزانيا، والسعودية، وإسبانيا، وبريطانيا، وعين لاحقا سفيرا لبلاده في رومانيا في 1975 لمدة خمس سنوات، وبعدها شغل المنصب ذاته في أمريكا لغاية عام 1999.
وفي بداية عام 2000، عُين المعلم معاونًا لوزير الخارجية فاروق الشرع آنذاك، ثم أصبح نائبًا له عام 2005. وفي تلك الفترة، عرف بأنه المسؤول عن العلاقات مع لبنان، فقد أجرى العديد من الزيارات إلى بيروت قبيل اغتيال رفيق الحريري.
وفي عام 2006، تولى حقيبة الخارجية خلفًا للشرع، وعمل على إعادة إحياء العلاقات مع الدول الغربية إلى أن توترت الأوضاع السياسية بين نظام الأسد ودول العالم خلال عام 2011.
المعلم والثورة السورية
منذ انطلاق الثورة السورية عمل وليد المعلم على جعل وزارة الخارجية السورية مقرًا للتشبيح الدبلوماسي، فقد كان فريق هذه الوزارة دائمًا ما يحاول إخفاء جرائم النظام أمام العالم واختلاق روايات كاذبة لوصم الشعب المنتفض فيها، فقد وصف الثورة الشعبية في بلاده أنها “مؤامرة خارجية”.
وفي بداية الثورة عرض المعلم في مؤتمر صحفي، فيلما مصورا يثبت فيه أن هناك إرهابيين بين المتظاهرين يقتلون الناس بالسلاح ويطلقون النار، ليتبين فيما بعد أن الفيلم مصور في لبنان من أحداث نهر البارد لتنظيم فتح الإسلام.
وعلى الرغم من تأكيدات المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة أن نظام بشار الأسد استخدم الكيماوي ضد شعبه وقتل الآلاف بهذا السلاح المحرم دوليًا، إلا أن المعلم أنكر تلك الحقيقة مرارًا.
ونتيجة لاصطفافه بجانب نظام الأسد، أدرجت كل من أمريكا والاتحاد الأوروبي اسمه ضمن لوائح العقوبات الأولى عام 2011، وشملت العقوبات تجميد أصوله ومنعهِ من السفر، وفي أحد كلمات المعلم التي ألقاها في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة أظهرت لقطات تلفزيونية قاعة بمقاعد شبه خالية من الحضور، مقارنة بالحالة لدى إلقاء رؤساء الوفود الأخرى كلماتهم، فيما بدا ثلاثة موظفين يجلسون في المقاعد المخصصة للولايات المتحدة وهم منهمكون بتسجيل الملاحظات.
وحتى يوم وفاته ظل المعلم مدافعًا عن الأسد، متجاهلًا الأحول المآساوية التي وصلت إليها البلاد، وذلك بقوله:”الرئيس بشار الأسد خط أحمر”، مضيفًا “نحن لن نحاور أحدًا يتحدث عن مقام الرئاسة، وبشار الأسد خط أحمر وهو ملك للشعب السوري”.
وتأكيدًا على ثبات موقفه تجاه النظام، علق المعلم على قانون قيصر الذي يفرض عقوبات شديدة على نظام الأسد، بقوله: “الأسد باق.. والأمريكيون يحلمون بأن ترضخ سوريا لعقوبات قيصر”.
فريق المعلم
لم يكن المعلم وحيدًا، بل أحاطت به شخصيات تحترف الدفاع عن جرائم الأسد ويدل على ذلك تصريحات نائب وليد المعلم فيصل المقداد المرشح الأبرز لخلافته الذي علق على الاتهامات للنظام السوري باستخدام الكيماوي: “لايحق أخلاقيًا لهذه الدول أن تدعي أن دولاً أخرى استخدمت الكيماوي. فنحن لا يمكن لنا أن نستخدم مثل هذا السلاح ضد شعبنا. ولماذا نستخدمه، الأسلحة العادية كافية”.
وبالإضافة إلى المقداد، يعد مندوب النظام إلى الأمم المتحدة بشار الجعفري ذراعًا قوية لوليد المعلم، ولطالما خالف قواعد الدبلوماسية بتصريحاته المثيرة للجدل، دفاعًا عن نظام الأسد وتبريرًا للجرائم التي ارتكبها.
“بشار الجعفري هو نتاج خبرة مخابراتية متراكمة” هكذا وصفت تقارير صحفية مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة، إضافة إلى أن “الخبرة المخابراتية تجلت خلال وجوده في باريس، حيث كان يتولى مراقبة نشاطات السوريين المعارضين ويرفع التقارير عنهم. ليقوم بعد توليه لمنصبه الدبلوماسي في السفارة السورية، بتوظيف العديد من الطلاب السوريين الدارسين في فرنسا، كمخبرين يراقبون نشاط زملائهم”.
يضيف التقرير أيضًا أن الجعفري “قد برع في مهمته الأمنية حينها، وهو ما يفسر توليه منصب مدير إدارة المنظمات الدولية في وزارة الشؤون الخارجية في دمشق، الذي تولاه بين العامين 2002 و2004، حيث تعتبر هذه الإدارة ذراعاً أمنية تعمل تحت غطاء وزارة الخارجية، ما يؤهلها للتحرك في الميدان الدبلوماسي”.
بخلاف الملف السياسي والحقوقي، لا يراعي الجعفري في كلامه المقدسات، إذ إنه استهزأ بالقرآن الكريم عندما قال في أحد مؤتمراته الصحفية: “لن يكون هناك تفاوض، نحن هنا لإجراء محادثات غير مباشرة على شكل حوار سوري – سوري دون شروط مسبقة، ودون تدخل خارجي ثم زاد عليها احفظوها هذه، لأنها فاتحة بالقرآن تبعنا، ليختم بالقول: صدق الله العظيم”.
الشمال السوري المحرر
بمناسبة نفوق وليد المعلم pic.twitter.com/ePrRv0DZqL
— انس المعراوي (@anasanas84) November 16, 2020
ومع وفاة وليد المعلم، يكون بشار الأسد فقد أحد أركان نظامه والملمعين الأساسيين لسياسته وانتهاكاته، واقفين في وجه الشعب وثورته، ليعطوا بذلك صورةً قاتمةً ودموية عن دبلوماسية دولة الدكتاتور.