بحلول أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، خسرت أكثر من مليون روح بشرية معركتها ضد فيروس كورونا وتخطت الإصابات عالميًا 55 مليون إصابة، بالتزامن مع إجراءات الـLock Down التي بدأت تنتهجها غالبية الدول للمرة الثانية بعد التزايد الكبير في أعداد الإصابات بحلول الشتاء واللغط المثار عن الموجة الثانية.
في هذه الأثناء لاح في الأفق بريق أمل بإعلان شركتي Pfizer الأمريكية وحليفتها الألمانية BioNTech عن توصلهما للقاح بفعالية تفوق 90% وإمكانية استخدامه حالما يحصل على الترخيص نهاية 2020.
اليوم في هذا المقال نحاول إلقاء الضوء على تفاصيل لقاح كورونا وأبرز الشركات المصنعة، محاولين الإجابة عن بعض التساؤلات فيما يخص فعالية اللقاح ومدة المناعة المتوقعة وهل هناك حاجة إلى جرعات تعزيزية، بالإضافة إلى الحديث المطروح عن الجانب الأخلاقي للدول والشركات المصنعة بضرورة التزامها بتوفير اللقاح للدول ذات الدخل المنخفض.
لقاح كورونا
الفكرة من اللقاح بأبسط تعبير هي محاولة خداع جهاز المناعة بتعريضه لنسخة ضعيفة، ميتة أو ربما جزء صغير من الفيروس المسؤول عن الإصابة، هذه النسخة لا يمكنها إلحاق جسم الإنسان بأذى أو إصابته بمرض، لكن لها القدرة على جعل جهاز المناعة ينتج أجسامًا مضادة ذات قدرة على محاربة الفيروس في حال حدوث عدوى حقيقية.
آلية إنتاج اللقاح ليست سهلة أو بسيطة، حيث تستغرق عدة سنوات (5-10 سنوات) من البحث والتجارب قبل أن يتم التصريح للقاح ما وطرحه للاستخدام، لكن هذه المرة الأولى عالميًا التي يتم فيها عقد تحالفات غير مسبوقة بين الشركات واختزال الوقت ودمج العديد من المراحل والعمل على تسريع بروتوكولات الترخيص والتداول المعروفة من أجل طرح اللقاح بأسرع وقت ممكن.
ولغرض إنتاج لقاح ما يعتمد الباحثون على عدة مقاييس تمكنهم من اختيار الصيغة التي سيعمل بها اللقاح.
وبصورة عامة هناك أربع طرق مختلفة:
1- اللقاحات الحية المضعّفة Live-attenuated vaccines
يتم استخدام نسخة حية لكن ضعيفة من الفيروس المسبب للعدوى، ونظرًا لكون هذه اللقاحات تشبه إلى حد كبير العدوى الحقيقية فإنها تخلق استجابة مناعية قوية وطويلة الأمد، والمثال الأشهر لهذا النوع هو اللقاح الثلاثي MMR.
2- اللقاحات المعطّلة Inactivated vaccines
هنا يتم استخدام نسخة مقتولة من الجرثومة المسببة للمرض، لكن تكون الاستجابة المناعية أقل من اللقاحات المضعفة لذلك تحتاج إلى جرعات معززة، مثال عليها لقاح شلل الأطفال ولقاح داء الكلب.
3- اللقاحات المؤتلفة Subunit, recombinant, polysaccharide, and conjugate vaccines
يتم استخدام جزء معين من الفيروس كالغلاف أو البروتين أو وحدات معينة بدلًا من الفيروس ككل، والمثال على هذا النوع هو لقاح الكبد الفيروسي نوع B.
4- لقاحات السموم Toxoid vaccines
يتم استخدام السموم التي تنتجها الجراثيم وبذلك يتم صناعة أجسام مضادة ضد هذه المواد السامة ومثالها لقاح الخناق والكزاز.
وهناك أنواع أخرى يطورها العلماء مثل اللقاحات المعتمدة على الحمض النووي DNA vaccines ولقاحات النواقل Recombinant vector vaccines.
رغم تصريح منظمة الصحة العالمية أن تجهيز لقاح ضد فيروس كورونا يستغرق ما لا يقل عن 18 شهرًا، إلا أن التنافس بدأ باكرًا
بعد نشر الصين للتسلسل الجيني لفيروس كورونا مطلع عام 2020، بدأت المراكز البحثية والجامعات وشركات الدواء في سباقها للوصول إلى لقاح فعّال وآمن، وبحلول أكتوبر 2020 كان هناك 321 لقاحًا مرشحًا قيد التطوير في جميع أنحاء العالم، 57 منها وصلوا للمرحلة التجريبية على الإنسان و13 فقط بلغوا المراحل الأخيرة.
ورغم كون منظمة الصحة العالمية صرحت أن تجهيز لقاح ضد فيروس كورونا يستغرق ما لا يقل عن 18 شهرًا في أفضل الأحوال، لكن الإعلان عن التوصل إلى لقاح فعال الذي خرجت به فايزر الأمريكية المتحالفة مع بايونتيك التركية مطلع نوفمبر الحاليّ وتلتها موديرنا الأمريكية ومن ثم جامعة أوكسفورد وحليفتها أسترا زينكا، جعل المنافسة على أشدها بين هؤلاء.
فيما يلي نستعرض اللقاحات التي يتوقع طرحها نهاية هذا العام، وأبرز التحديات التي تواجه طرحها للاستخدام.
لقاح Pfizer – BioNTech
أُعلن للمرة الأولى في العالم في الـ9 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ التوصل إلى لقاح فعال بنسبة تزيد على 90% ومن ثم تم زيادة هذه النسبة إلى 95% بعد اكتمال باقي النتائج عن اللقاح فيما يخص كفاءة اللقاح في فئة كبار السن.
يعتمد لقاح Pfizer وBioTech على تقنية الحمض النووي الريبي mRNA باستخدام جزء من مواد جينية معدلة بصورة علمية (الشفرة الجينية للغلاف الخارجي لفيروس كورونا) الذي يتم حقنه كلقاح ليدخل إلى ريبوسوم الخلية البشرية التي تقرأ هذه الشفرة وتصنع هذا الغلاف الخارجي لكن بنسخة من صنع جسم الإنسان، يتعرف بعد ذلك جهاز المناعة على الجزء الخارجي للفيروس محفزًا جهاز المناعة لصنع أجسام مضادة ويتم تحفيز المناعة الخلوية أيضًا.
يحتاج هذا اللقاح إلى جرعة منشطة بعد 4 أسابيع من الجرعة الأولى، ومن المتوقع أن يعطي مناعة يمكنها أن تدوم لمدة سنة ويقدر تكلفة الجرعة بنحو 20 دولارًا.
ورغم كمية الأمل التي صاحبت الإعلان عن هذا اللقاح، تواجه هذا اللقاح العديد من المشاكل اللوجستية، حيث يحتاج إلى درجة حرارة منخفضة جدًا في أثناء النقل ( ْ70- مئوية) هذه الدرجة المنخفضة تشكل تحديًا كبيرًا من عدة أوجه، منها أن الزجاج الذي يتم وضع اللقاح به لا يتحمل مثل هذه الدرجات المنخفضة، بالإضافة إلى الحاجة لتوفير الثلج الجاف وهو الشكل الصلب لغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يستخدم كعامل تبريد لنقل اللقاح ناهيك عن افتقار البنى التحتية للمستشفيات التي سيتم توفير اللقاح فيها لثلاجات خاصة تحفظ اللقاح.
حاليًّا تسعى فايزر بدعم من الحكومة الأمريكية بعد تقديمها طلب الترخيص بشكل رسمي من الـFDA على تجاوز هذه العقبات، حيث تم الاتفاق مع بايندر (أكبر شركة مصنعة لغرف التبريد في العالم)، لتوفير تخزين ونقل آمن للقاح، كما تعمل فايزر على إنتاج حقائب خاصة باللقاح ذات سعة 5000 جرعة لكل حقيبة بإمكانها الحفاظ على درجات حرارة ثابتة للحفاظ على سلامة اللقاح ومزودة بـGPS.
لقاح Moderna
تلقت شركة مودرنا دعمًا من الحكومة الأمريكية بنحو مليار دولار لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا بالتعاون مع معاهد الصحة الوطنية الـNIH وتم الإعلان في الـ16 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ عن التوصل للقاح فعال بنسبة 94.5%.
يعتمد لقاح مودرنا على نفس مبدأ عمل لقاح فايزر-بايونتك لكنه يختلف عنه بعدم حاجته إلى درجة عالية من التبريد، فهو يحتاج إلى ْ20- مئوية كما أن الجرعة الثانية تكون خلال 3 أسابيع من الجرعة الأولى، لكنه مرتفع السعر بحدود 38 دولارًا للجرعة.
لقاح جامعة أوكسفورد وأسترا زينكا
أعلنت جامعة أوكسفورد بالتعاون مع شركة الدواء البريطانية-السويدية AstraZeneca في الـ23 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ عن توصلها إلى لقاح فعال بنسبة 70% قد تصل إلى 90% في حال تم التعديل في جرعة اللقاح.
ورغم من أن تجارب اللقاح تم توقيفها في وقت سابق من هذا العام بسبب ظهور مرض عصبي نادر في أحد المتطوعين، لكن بعد التحقيق تم التأكد من عدم ارتباطه باللقاح، وبهذا يعتبر لقاح أوكسفورد اللقاح الذي سيغير قواعد اللعبة، فاللقاح سيكون رخيص الثمن (نحو 4 دولارات) ويمكن نقله وتخزينه بدرجة حرارة الثلاجة الاعتيادية (بين 2-8 درجات مئوية) ولا يحتاج إلى تبريد خاص كما في لقاح فايزر وموديرنا، ما يجعله مثاليًا للاستخدام في الدول النامية، بالإضافة إلى فعاليته على الفئة العمرية الأكثر تعرضًا للإصابة (فئة كبار السن)، كما أعلنت أسترا زينيكا أنها لا تسعى للربح من إنتاج اللقاح.
اتخذ العلماء فكرة حصان طروادة لتصنيع هذا اللقاح، باستخدام فيروسات أخرى كناقل Virus Vector لإدخال جزء من المادة الوراثية لفيروس كورونا ليتعرف عليها لاحقًا جهاز المناعة.
اللقاح الصيني Coronavac
اعتمدت مراكز الأبحاث الصينية على الطريقة التقليدية القديمة في إنتاج اللقاح بالاعتماد على فيروس كورونا ميت أو مضعّف، مثل لقاح شركة Sinovac Biotech ولقاح معهد ووهان Wuhan Institute of Biological Products الذي تم ترخيصه للاستخدام في الصين والإمارات، لكن تم إيقاف الأبحاث المتعلقة بهذا اللقاح في البرازيل بعد موت أحد المتطوعين في تجارب اللقاح، ولا يزال هذا الموضوع قيد التحقيق.
– اللقاح الروسي Sputnik V
أعلن المركز الوطني للعلوم الوبائية والأحياء الروسي غاماليا عن توصل الروس للقاح فعال بنسبة 92% لا يحتاج إلى درجات حرارة منخفضة أو ظروف خاصة لنقله وتخزينه، معتمدًا على مبدأ الفيروس الناقل، لكن لا تزال هناك علامات استفهام بخصوص اللقاح كون الأبحاث التي أجريت وعدد المتطوعين محدودة.
رغم احتمالية توافر اللقاح قريبًا، لا يزال الناس عرضة للإصابة وتبقى لحد الآن الحماية الفردية والقيود المجتمعية السبيل الوحيد المتاح
متى سنكون قادرين على تلقي اللقاح؟
رغم أن شركة فايزر تقدمت بطلب تصريح لمنظمة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) التي قررت لجنتها الاستشارية الاجتماع في ديسمبر القادم لمناقشة منح التصريح للقاح فايزر التي أعلنت أنها ستوفر اللقاح خلال 24 ساعة من حصولها على التصريح، فإن إمكانية الحصول على اللقاح ستكون صعبة لأن الأولوية ستكون للأشخاص المعرضين لخطورة عالية كالعاملين في القطاع الصحي وكبار السن، كما أن الجرع التي ستنتج حتى نهاية هذا العام ستكون بأعداد محدودة واشترتها مسبقًا حكومة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لذلك سيكون احتمال الحصول على اللقاح قبل ربيع 2021 ضعيفًا.
ورغم أن منظمة الصحة العالمية قادت تحالفًا دوليًا بالتعاون مع الـCoalition for Epidemic Preparedness Innovations CEPI (منظمة تجمع التبرعات عالميًا من أجل توفير المال لتطوير وتوفير اللقاحات في الدول النامية) في سبيل توفير لقاح كورونا في الدول ذات الدخل المحدود، فإن المخاوف متزايدة من إمكانية تحقيق ذلك على أرض الواقع، فقد استحوذت الدول الغنية على حصة الأسد من اللقاحات التي تم إعلانها بمعدل يقارب 85%، حيث اشترت مليار جرعة لقاح من أصل 1.35 مليار جرعة من المقرر لفايزر إنتاجها حتى نهاية 2021.
من جانب آخر يسعى COVAX (وهو تحالف دولي يسعى إلى تسريع إنتاج وتوزيع عادل للقاح فيروس كورونا) لتوفير ملياري جرعة لقاح بحلول 2021، ورغم مشاركة 156 دولة في هذا التحالف، فإن الدول الغنية كالولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا لا تدعم هذا التحالف بشكل جاد، فقد اشترت أغلب الدول الغنية جرعات لقاح كافية لتلقيح أكثر من 20% من سكانها بينما بقية الدول لن تتمكن من تلقيح أكثر من 3% من سكانها، ما يجعل الجدل يُثار عن البعد الأخلاقي الذي يجب أن تنتهجه الدول والشركات المنتجة للقاح فيما يتعلق بالعدالة في توزيع اللقاح على بلدان العالم كافة دون تمييز.
ورغم احتمالية توافر اللقاح قريبًا، لا يزال الناس عرضة للإصابة وتبقى لحد الآن الحماية الفردية والقيود المجتمعية هي السبيل الوحيد المتاح للوقاية من المرض.