أعاد حادث الاعتداء الجسدي من أفراد شرطة على منتج موسيقي أسود في باريس، إلى الواجهة، عنصرية الشرطة الفرنسية والعنف “الممنهج” لديها ضد الأقليات. عنصرية ما فتئت تتنامى خاصة في ظل رعاية الدولة لها، وهي ما نستعرضه في هذا التقرير.
عنف واعتقال
قبل يومين، بدأت منصات التواصل الاجتماعي في تداول فيديو يظهر ميشال زيكلير، وهو منتج أسود، يتعرض للضرب عند دخوله إستوديو الموسيقى الخاص به في باريس، وأظهر الفيديو الذي نشره أولًا موقع “لوبسايدر” الإخباري الفرنسي مشاهد لعملية اعتقال عنيفة بحقه، في الدائرة الـ17 بالعاصمة باريس.
وظهر زيلكر في اللقطات وهو يتعرض للضرب على يد الشرطة عند مدخل إستوديو للموسيقى، وتظهر لقطات كاميرات المراقبة من الإستوديو أو التي التقطها جيران المنتج، ثلاث عناصر -اثنان بالزي الرسمي وواحد بزي مدني- وهم يدخلون إلى الإستوديو، ويمسكون بالرجل ثم يلكمونه أو يركلونه أو يضربونه بهراوة.
ويشاهد في اللقطات نفسها المنتج يقاوم توقيفه ثم يحاول حماية وجهه وجسده، واستغرقت اللقطة خمس دقائق، وحاولت الشرطة فتح الباب بالقوة، فيما ألقى شرطي رابع عبوة غاز مسيل للدموع داخل الإستوديو، وتعود هذه الحادثة إلى مساء السبت 21 من نوفمبر/تشرين الثاني.
تسببت الشرطة الفرنسية في مقتل عدد من الشباب من أصول إفريقية أو عربية خصوصًا، في أثناء اعتقالهم أو مطاردتهم
لم تكتف الشرطة الفرنسية بضرب ميشال زيكلير فقط، بل وصفوه بعبارات عنصرية، فقد قال زيكلير عند تقديمه شكوى إلى المقر الرئيسي للمفتش العام للشرطة الوطنية: “قالوا لي مرات عدة زنجي قذر وهم يوجهون اللكمات لي”.
لإبعاد الشبهات عنهم، اقتاد عناصر الأمن ميشال إلى مركز الشرطة القريب، هناك اتُهِمَ بإهانة رجال الشرطة ومحاولة سرقة أحد أسلحتهم، لكن فاتهم أن هناك كاميرا داخل إستوديو المنتج، التقطت أفعال الضباط منذ البداية.
احتُجِز مايكل لمدة 48 ساعة قبل الإفراج عنه دون تهمة، فيما يخضع الضباط الأربع حاليًّا للتحقيق في المقر الرئيسي للمفتشية العامة للشرطة الوطنية، وهم ملاحقون بموجب تحقيق بتهمة “عنف ممارس من شخص يتمتع بسلطة عامة” و”تزوير وثائق رسمية”.
عنصرية ممنهجة
حادثة الاعتداء على ميشال زيكلير، تعيد إلى الواجهة وحشية رجال الشرطة الفرنسية وعنصريتهم الممارسة ضد السود والمسلمين والمهاجرين على حد السواء رغم إنكارهم لذلك، حيث يمتلك رجال الشرطة في فرنسا تاريخًا كبيرًا من العنصرية، فقد تسببوا خلال السنوات القليلة الماضية في مقتل عدد من الشباب من أصول إفريقية أو عربية خصوصًا، في أثناء اعتقالهم أو مطاردتهم.
تثبت العديد من الحوادث هذا الأمر، فقبل أيام قليلة قامت الشرطة بتفكيك وحشي لمخيم للاجئين وسط باريس أقيم لإيواء مئات اللاجئين الذين تم إجلاؤهم من مراكز إيواء مؤقتة في الضواحي دون توفير بديل.
DOCUMENT: la séquence intégrale des 13 minutes de l’agression policière contre un producteur de musique parisien. Attention: images difficiles de violences et d’insultes racistes. pic.twitter.com/37EbfgID2T
— Loopsider (@Loopsidernews) November 26, 2020
خلال هذه العملية، لم تكترث الشرطة الفرنسية لصراخ اللاجئين ولا لبكائهم، حيث استخدموا مباشرة الغاز المسيل للدموع لتفكيك نحو 500 خيمة زرقاء اللون أقامها متطوعون ومهاجرون – معظمهم أفغان – ما دفع المهاجرين للتفرق في شوارع باريس.
صور تفكيك المخيم التي التقطها ناشطون وصحفيون، أثارت صدمة واسعة في فرنسا، حيث تم تقديم شكوى للمفتشية العامة للشرطة التي نددت “بالاستخدام غير المتكافئ للقوة”، بموجب ذلك تم إطلاق تحقيقين رسميين: أحدهما في ضابط شرطة تم تصويره وهو يضرب مهاجرًا يهرب من الضباط مما تسبب في سقوطه بشدة، والثاني يتعلق بضابط شرطة يحتجز صحفيًا على الأرض بينما يبدو أنه يهدده بهراوة.
وقبل أشهر قليلة، كشفت وسائل إعلام فرنسية، عن تبادل 11 شرطيًا بمدينة روان (شمال) يؤمنون بتفوق “العرق الأبيض” لرسائل عنصرية عبر هواتفهم، أهانوا من خلالها عددًا من الطوائف الأخرى بالمجتمع كالسود والعرب واليهود، فضلًا عن النساء.
قبل ذلك، صرحت المغنيةكاميليا جوردانا في برنامج تليفزيوني شهير “فرنسيون من أصول عربية وإفريقية يتعرضون إلى عنف الشرطة وهناك آلاف الأشخاص الذين لا يشعرون بالأمان أمامها. وأنا واحدة منهم”.
في سنة 2017، نشر المدافع عن الحقوق “جاك توبون” – يمثل توبون السلطة الإدارية المستقلة المكلفة الدفاع عن حقوق المواطنين في فرنسا – تحقيقًا كشف فيه عن احتمال تعرض شباب سود أو عرب للتوقيف والمساءلة من رجال الأمن تزيد 20 مرة على احتمال تعرض شاب أبيض لذلك.
أضاف التحقيق أن نسبة الشباب السود أو العرب الذين يقولون إنهم تعرضوا للتوقيف في خلال السنوات الخمسة الماضية تصل إلى 80% من بين الأشخاص الذين استُطلعت آراؤهم، في حين تنخفض هذه النسبة بين عامة الفرنسيين إلى 16% في خلال المدة نفسها.
ليس هذا فقط، بل مات العديد من الأفارقة على يد الشرطة الفرنسية، مثل وسام اليامني الذي مات في أثناء اعتقاله سنة 2012، وتيو لوهاكا الذي عنفه عناصر شرطة واغتصبوه عام 2017، أو أبو بكر فوفانا الذي قُتل بعيار ناري أطلقه رجل أمن في 2018، دون أن ننسى أداما تراوري الذي قضى نحبه داخل ثكنة للدرك بعد ساعتين من توقيفه في منطقة باريس في ختام عملية مطاردة أمنية نجح في مرحلة أولى في الإفلات منها في 19 من يوليو/تموز 2016.
عنصرية مستمدة من الدولة
كل هذه المؤشرات، تؤكد أن جهاز الشرطة الفرنسية ينتهج “عنصرية منهجية” في تعامله مع السود والأفارقة والعرب والمسلمين أيضًا. عنصرية لها تاريخ مرتبط بتاريخ فرنسا نفسها، ما جعل البعض يقول إنها أصلًا مستمدة من الدولة.
تصرف الشرطة الفرنسية بشكل غير قانوني إزاء بعض المواطنين من أصول أجنبية، راجع إلى كونهم يعملون في بيئة نمت فيها ثقافة العنصرية منذ أمد بعيد، فالدولة تحمي ذلك، من خلال الدفاع عن المذنبين وسن قوانين لحمايتهم من الملاحقة القضائية.
ضمن هذا التمشي، أقر البرلمان الفرنسي، مؤخرًا، قانون “الأمن الشامل” الذي تقدمت به الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم “الجمهورية إلى الأمام”، الذي يعزز من سلطات الشرطة في المراقبة وينتهك الحريات الإعلامية، الأمر الذي عجل بخروج الآلاف في احتجاجات عارمة.
يمثل هذا القانون، وفق العديد من الإعلاميين والحقوقيين، انتهاكًا صارخًا للحريات ويقوض من صلاحيات الصحافة والإعلام ورقابتها على ممارسات الشرطة التي يتصاعد عنفها يومًا تلو الآخر وسط تصاعد موجات الغضب الشعبي ضد سياسات ماكرون.
وتقيد المادة الـ24 منه، نشر صور ضباط الشرطة في أثناء عملهم، مع فرض عقوبة بالسجن لمدة عام واحد وغرامة قدرها 45000 يورو على أي شخص ينشر صورًا لضابط شرطة أو درك “وجه أو أي علامة تعريفية” في أثناء أداء وظيفته من أجل إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي به.
من شأن هذا القانون الجديد لنظام ماكرون أن يزيد من انتهاكات الشرطة الفرنسية ضد المواطنين، خاصة أنها تواجه العديد من الانتقادات والاتهامات بارتكاب ممارسات وحشية ضد المتظاهرين والمشتبه بهم.