تمكنت القوات الاتحادية الإثيوبية، في أقل من شهر، من السيطرة على مدينة ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي، وبالتالي انتهاء العملية العسكرية في الإقليم بنجاح وفق ما أعلنه رئيس الوزراء الإثيوبي الحائز على جائزة نوبل للسلام العام الماضي آبي أحمد، لكن السؤال المطروح الآن ماذا بعد السيطرة على الإقليم؟
السيطرة على عاصمة الإقليم
من الصعب الحصول على تفاصيل مؤكدة عن القتال الدائر بإقليم تيغراي بسبب قطع جميع وسائل الاتصال من هاتف ثابت وهاتف نقال وإنترنت مع الإقليم، لكن رئيس الوزراء الإثيوبي، أوضح في خطاب متلفز، أن الجيش تمكن من دخول العاصمة ميكيلي دون أن يلحق الأذى بالمدنيين الأبرياء.
في ذات السياق، كتب آبي أحمد في تغريدة له عبر تويتر أن الجيش فرض سيطرته التامة وأن هذا “يمثل نهاية المرحلة الأخيرة (من هجوم الجيش)”، وقال آبي أحمد: “يسرني أن أشارككم الخبر بأننا أتممنا العمليات العسكرية في منطقة تيغراي وأوقفناها”.
I am pleased to share that we have completed and ceased the military operations in the #Tigray region.
Our focus now will be on rebuilding the region and providing humanitarian assistance while Federal Police apprehend the TPLF clique. #EthiopiaPrevails https://t.co/WrM2BAPCD6
— Abiy Ahmed Ali ?? (@AbiyAhmedAli) November 28, 2020
آبي قال إن الجيش أطلق سراح آلاف الجنود الذين احتجزتهم جبهة تحرير شعب تيغراي وإنه يسيطر على المطار ومكاتب الإدارة الإقليمية، مضيفًا “العملية نُفذت مع العناية الواجبة للمواطنين”، مؤكدًا “أمامنا الآن المهمة الحرجة الخاصة بإعادة بناء ما تم تدميره وإعادة أولئك الذين فروا”.
يذكر أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، قد شن في الـ4 من هذا الشهر عمليات عسكرية على تيغراي، بعد أن اتهم السلطات المحلية بمهاجمة مركز عسكري في المنطقة ومحاولة نهب أصول عسكرية، وتنفي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التهمة الموجهة إليها واتهمت رئيس الوزراء بتلفيق القصة لتبرير شن الهجوم.
تصفية قادة الجبهة
مباشرة إثر دخول الجنود الحكوميين عاصمة الإقليم “ميكيلي“، بدأت الشرطة الفيدرالية الإثيوبية في البحث عن قادة جبهة تحرير شعب تيغراي للقبض عليهم وتقديمهم للعدالة، وفق بيان صادر عن رئيس الوزراء الإثيوبي.
يسعى آبي أحمد من خلال ذلك إلى تصفية قادة الجبهة، خاصة أنهم يمثلون عبئًا كبيرًا عليه في سبيل إحكام قبضته على البلاد، فهم من كانوا يمسكون بزمام الأمور في البلاد، على مدى أكثر من 20 عامًا تحت راية تحالف يسيطرون على مفاصله.
في الأشهر الأولى بعد توليه منصبه في أبريل/نيسان 2018، فعل آبي أحمد أشياء رائعة في البلاد، حيث عزز خطاب الحب والمصالحة، وقدم نفسه رجلًا إصلاحيًا للعالم، وأطلق سراح آلاف السجناء السياسيين، وأوقف الرقابة التي كانت مفروضة على مئات المواقع، ورفع حالة الطوارئ، لكنه الآن يسعى للاستفراد بالحكم وإقصاء المعارضة.
أخرج آبي أحمد التغرايين من عمليات حفظ السلام، كما قبض على العديد من الضباط، لأنهم من عرق تيغراي
عاد آبي أحمد إلى شكل من أشكال الاستبداد، مستعينًا بما لديه من قوة مركزية حول نفسه، حيث أراد السيطرة على الجهاز الأمني والجهاز العسكري الذي يسيطر عليه قادة التيغراي، ومنع أي نقاش في هذا الموضوع، ما جعل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تستعيد القاعدة الشعبية التي فقدتها قبل سنوات، وتفوز بالانتخابات الأخيرة في الإقليم.
ضمن هذا التمشي، أخرج آبي أحمد التغرايين من عمليات حفظ السلام، كما قبض على العديد من الضباط، لأنهم من عرق تيغراي، دون أن يعرف أحد ما مصيرهم، إلى جانب ذلك قام آبي بتغيير رئيس الأركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطنية (كلاهما من التيغراي)، في تعديلات هي الأولى من نوعها منذ 17 عامًا.
كما شن آبي أحمد، مؤخرًا، حملة إقالات في صفوف التيغراي، حيث أعلن أن حكومته عينت مولو نيجا رئيسًا جديدًا للإقليم، كما عين آبي مقربين منه على رأس المناصب الأمنية، حيث تم إقالة قائد الجيش ورئيس جهاز الاستخبارات ووزير الخارجية، وأوقف أيضًا التحويلات المالية إلى إقليم تيغراي.
تتهم أقلية التيغراي التي كانت ماسكة بزمام الحكم لسنوات طويلة، آبي أحمد باستهدافها، لأنه يدرك وزنها لا سيما في أروقة جميع الوزارات وداخل نظام الاستخبارات والشرطة
ترى جبهة تحرير تيغراي – التي قادت المشهد السياسي في إثيوبيا خلال الفترة بين 1991 و2018 – أن خطط آبي أحمد الإصلاحية تستهدف قياداتها ورموزها، وهو ما جعل الجبهة تصبح من أشد وأبرز المعارضين للحكومة الاتحادية.
وسبق أن رفضت التيغراي الاندماج ضمن حزب الازدهار الذي أعلن أبي أحمد إنشاءه في 1 من ديسمبر/كانون الأول 2019، بحجة أن الطبيعة الفيدرالية لإثيوبيا كانت سبيلًا أفضل لإدارة الانقسامات العرقية العميقة في البلاد.
ويضم 8 أحزاب، بينها 3 رئيسية تشكل الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، وهي الأورومو الديمقراطي والأمهرا الديمقراطي والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا المكون الرئيسي للائتلاف الحاكم، إلى جانب الأحزاب الموالية للائتلاف وهي: عفار والصومال الإثيوبي وجامبيلا وبني شنقول جومز وهرر.
هل انتهت الحرب؟
السيطرة على عاصمة الإقليم وتصفية قيادات الجبهة سواء الميدانية أم التي تشغل مناصب عليا في البلاد، هل يعني ذلك أن الحرب التي بدأت منذ الـ4 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ قد انتهت وأن آبي أحمد حقق أهدافه؟
لا يبدو أننا قادرين على معرفة المعلومة الصحيحة قريبًا، فمن المعلوم أن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد وزعيم جبهة تحرير شعب تيغراي دبرصيون جبرميكائيل عملا في نفس الاستخبارات ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وخدمة المعلومات المضللة، فهما خبراء في هذا المجال، وهو ما يفسر غياب المعلومة.
تقول جبهة تحرير شعب تيغراي إن لديها 250 ألف جندي وأسلحة وذخائر ثقيلة، ما يعني أنها لن تسلم الإقليم للحكومة الاتحادية بسهولة، فحتى إن دخل الجنود عاصمة الإقليم فسينتقل مسلحو الجبهة إلى الجبال وشن حرب عصابات، وسبق أن قال زعيم الجبهة دبرصيون جبرميكائيل إن قوات تيغراي “مستعدة للموت دفاعًا عن حقنا في إدارة منطقتنا”.
في حال صدقت تصريحات آبي أحمد واستعادت أديس أبابا السيطرة على ميكيلي، فستعود الجبهة من حيث أتت أول مرة -أواخر ثمانينيات القرن الماضي – إلى الجبال، وهي بارعة في هذا النوع من القتال وقد تمكنت من خلاله من إنهاء حكم الديكتاتور منغستو هايلي ماريام ذي التوجهات اليسارية.
تتهم أقلية التيغراي التي كانت تمسك بزمام الحكم لسنوات طويلة، آبي أحمد باستهدافها، لأنه يدرك وزنها لا سيما في أروقة جميع الوزارات وداخل نظام الاستخبارات والشرطة، إلا أن آبي أحمد ينفي ذلك، ويرى أن الجبهة تمردت على السلطة الاتحادية ويجب معاقبتها، في أثناء ذلك شردت الحرب بين الطرفين عشرات آلاف الإثيوبيين وتسببت في موت المئات ما يجعل هذا البلد الإفريقي على حافة أزمة إنسانية كبيرة.