بعد أكثر من 16 عامًا على دخول شبكة الهاتف النقال وخدمات الإنترنت للعراق وإتاحتها لجميع العراقيين، لا تزال البلاد تعاني من سوء خدمة الإنترنت التي تعتمد على خدمات الجيل الثالث في الوقت الذي باشرت فيه العديد من الدول باعتماد خدمات الجيل الخامس.
الفرق بين الجيلين الثالث والرابع
قليلة هي الدول التي لا تزال تعتمد على تقنية الـ3G للاتصالات، فمن منظور علمي تعد الأخيرة قديمة، خاصة أن الدول المتقدمة بدأت باستخدامها منذ بداية الألفية الجديدة ومنذ ما قبل غزو العراق عام 2003.
يقول الخبير في مجال المعلوماتية والاتصالات أحمد حافظ في حديثه لـ”نون بوست” إن خدمة الجيل الثالث بدأت في الولايات المتحدة بين عامي 2001 و2002، وبحلول عام 2005 لا تكاد توجد دولة غربية إلا واستخدمت هذه التقنية، وتعد اليابان أول دولة استخدمت الجيل الثالث رسميًا في أكتوبر/تشرين الأول عام 2001 ووصلت قدرة نقل المعلومات من خلالها إلى 42 ميغابايت في الثانية كحد أقصى.
ويضيف أن في علم الاتصالات ومنذ بدء الاتصالات الخلوية، فإنه يمكن القول إن جيلًا جديدًا من شبكات الاتصالات تظهر كل 10 سنوات، لافتًا إلى أنه وفي عام 2010 بدأت اليابان في استخدام خدمات الجيل الرابع كأول دولة في العالم كذلك.
ولتبسيط الاختلافات بين خدمات الجيل الثاني والثالث والرابع، يضرب حافظ مثالًا في أنه لو كان لدينا فيلم بحجم واحد جيجا بايت، فإن شبكات الجيل الثاني توفر خدمة تحميل الفيلم في 35 ساعة، أما خدمات الجيل الثالث فالوقت الذي تستغرقه عملية التحميل يصل لـ28 دقيقة، أما الجيل الرابع فيمكن المستخدم من تحميله في 5 دقائق فقط أو أقل من ذلك بحسب الدولة.
ويؤكد الخبير أن العراق وعلى الرغم من أن شبكاته تعمل بنظام الجيل الثالث، فإنه ومن الواقع الملموس، فإن خدمات الإنترنت في العراق أقرب للجيل الثاني منها للثالث بسبب بطء شبكة الاتصالات وعدم تطورها.
ويختتم حافظ حديثه لـ”نون بوست” بالإشارة إلى أن خدمات الجيل الرابع في العموم أسرع بـ10 أضعاف من الجيل الثالث، وهو ما يتيح خدمة اتصالات ثابتة في الاتصالات الهاتفية عبر الإنترنت فضلًا عن مكالمات الفيديو، وهو ما باتت دول العالم تعتمده بشكل شبه مطلق في ظل جائحة كورونا وتحول التعليم والاجتماعات حول الكرة الأرضية إلى الافتراضي.
تأثر الاقتصاد العراقي
تشير التقارير الدولية إلى أن العراق واليمن الدولتان الوحيدتان في الشرق الأوسط اللتان لا تزالا تعتمدان خدمة الجيل الثالث في الاتصالات، وهو ما ينعكس بصورة مباشرة على الاقتصاد العراقي.
وتعمل في العراق 3 شركات اتصالات هي: “آسيا سيل وكورك تيليكوم وزين العراق”، وهذه الشركات تستحوذ على الاتصالات في العراق من خلال عقود التراخيص التي حظيت بها بعد الغزو الأمريكي للبلاد ولا تزال مستمرة حتى الآن، وظلت هذه الشركات تقدم خدمات الجيل الثاني للاتصالات حتى عام 2015 عندما بدأت شركة زين للاتصالات بإدخال الجيل الثالث ومن ثم أعقبتها شركتا آسيا سيل وكورك تيليكوم.
وفيما يتعلق بالخسائر الاقتصادية للعراق، يعيش العراق منذ سنوات حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي ما انعكس سلبًا على الوضع الاقتصادي بكل قطاعاته وعلى رأسها قطاع الاتصالات.
حيث سجل سوق الاتصالات العراقية انخفاضًا منذ عام 2013 بما يزيد على 40%، وهو ما أثر على انخفاض معدلات العائد على رأس المال المستثمر للفترة السابقة في قطاع الاتصالات، إذ إن نسب العائدات تتراوح بين 5-6% وهي النسبة الأقل مقارنة بالشركات العاملة في المنطقة في ذات القطاع.
وكان النائب في البرلمان العراقي محمد شياع السوداني قد رفع دعوى قضائية قبل أشهر حصلت مؤخرًا على الدرجة القطعية من مجلس القضاء الأعلى بإبطال التراخيص التي منحتها الحكومة لشركات الاتصالات في تطوير خدمات الجيل الرابع، ما يعني أن العراق سينتظر حتى نهاية العام القادم من أجل طرح الاستثمار في الجيل الرابع للشركات العالمية، وهو ما يعني بصورة أدق خسارة البلاد لعامين آخرين، إذ إن عقود الشركات الحاليّة تنتهي بنهاية عام 2022.
أما الخبير الاقتصادي محمد الحمداني فيؤكد في حديثه لـ”نون بوست” أن العراق يخسر مليارات الدولارات سنويًا (في القطاعين العام والخاص) بسبب تردي خدمة الإنترنت واستمرارية البلاد في اعتماد خدمات الجيل الثالث.
ويضيف الحمداني أن العراق هو الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط إضافة إلى اليمن، حيث لا يزال يفتقر لأدوات الدفع المالي الإلكتروني والنظام المصرفي الإلكتروني الذي لن يكون متاحًا ما لم تدخل خدمات الجيل الرابع للاتصالات في البلاد التي تزود العراقيين بسرعة اتصال أكبر من الجيل الثالث بمئة ضعف في حدها الأقصى.
ويشير الحمداني إلى أن المصارف العراقية وعلى الرغم من محاولاتها الانتقال إلى نظام الدفع الإلكتروني، فإنه ومن الناحية الموضوعية وبغض النظر عما يشوب عمل هذه المصارف من قضايا فساد وغيرها، فإن نظام الدفع الإلكتروني يحتاج لخدمة اتصال بالإنترنت ثابتة ومستقرة وهي غير متاحة في البلاد حتى الآن.
ويحاجج الحمداني الحكومة العراقية في أنه كان بإمكانها تطوير شبكات الجيل الثالث والارتقاء بسرعة الاتصالات حتى موعد دخول الجيل الرابع، غير أن التدخلات السياسية والفساد وتباطؤ الشركات كلها عوامل أدت إلى الوضع الحاليّ الذي يدفع فيه العراقيون أموالًا طائلة لقاء خدمة سيئة وغير مستقرة بتاتًا.
وفي الوقت الذي تشير فيه تصريحات حكومية إلى أن إدخال خدمة الجيل الرابع للعراق سيقلل من الفساد المالي والإداري المستشري في مؤسسات الدولة العراقية، ينفي استشاري أمن المعلومات علي مصطفى ذلك ويقول: “الحديث عن محاربة فساد العراق عبر تقنية الجيل الرابع مجرد تصريحات حكومية لا أساس لها على أرض الواقع”، لافتًا إلى عدم وجود أنظمة مؤتمتة داخل الموسسات الحكومية.
ويؤكد مصطفى أن أتمتة دوائر الدولة العراقية بحاجة إلى إنترنت فائق السرعة، مشيرًا إلى سيطرة إحدى شركات الإنترنت في العراق على وزارة الاتصالات.
غلاء خدمة الإنترنت
العراق ومن خلال وجود مؤسستين معنيتين بالاتصالات في العراق هما هيئة الإعلام والاتصالات ووزارة الاتصالات، بات العراقيون يرددون المثل الشعبي المعروف (بين حانا ومانى ضاعت لحانا) وهو ما يبدو واضحًا فيما يحصل من خلافات كبيرة بين هاتين المؤسستين.
ففي عام 2012 أقامت وزارة الاتصالات دعوة قضائية استمرت لـ3 سنوات لتأكيد أحقيتها في تأسيس شركة اتصالات وطنية وتشغيلها بكوادر حكومية، إلا أن القضاء العراقي أعطى الأحقية لهيئة الاعلام والاتصالات الحكومية كذلك، دون أن تعمل الأخيرة على تأسيس أي شركة.
يتهم عضو لجنة الاتصالات والإعلام النيابية علاء الربيعي هيئة الإعلام والاتصالات الحكومية بعرقلة تشغيل شركة اتصالات وطنية في البلاد، لافتًا في تصريح لإحدى وسائل الاعلام المحلية إلى أن شركات الهاتف الخلوي في العراق تعمل بغطاء سياسي وحزبي، وأن عقود عمل الشركات يجب أن تجدد بمبالغ مالية تتناسب مع ما تجنيه تلك الشركات من أرباح.
بدوره، يرى عضو مجلس النواب محمد شياع السوداني أن عدم تأسيس شركة اتصال وطنية أمر مقصود، عازيًا ذلك لمحاولات حصر سوق الاتصالات في العراق بيد الشركات الثلاثة العاملة فيه، مشيرًا إلى أن هيئة الإعلام والاتصالات غضت الطرف عن مخالفات شركات الهاتف النقال وأنها ستواجه القضاء لتسببها بهدر المال العام.
أما عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر فأكد في تصريح صحفي أن شركات الاتصالات في العراق تزود العراقيين بخدمة الجيل الثاني باسم الجيل الثالث، في الوقت الذي أشار فيه إلى أن دول العالم بدأت فعليًا بالدخول لخدمة الجيل الخامس، مضيفًا أن شركات الاتصالات في العراق مدينة للدولة ولم تدفع ديونها وتريد في ذات الوقت تجديد تراخيصها.
من جهته، يوضح المهندس في مجال الاتصالات زيد الجبوري في حديثه لـ”نون بوست” أن الكلام عن تأسيس شركة اتصالات وطنية بعيد عن الواقع، مستدلًا بأن المحافظات العراقية ومنذ عام 2003 شهدت تدميرًا شبه كلي لقطاع الاتصالات الأرضية.
ويضيف الجبوري أن وزارة الاتصالات وعلى مدى الـ17 عامًا الماضية لم تفلح في إعادة خدمة الهاتف الأرضي، وبالتالي ومع عجز الحكومة عن ذلك وعجزها عن توفير خدمة الـADSL (الاتصال عبر الكيبل الضوئي الثابت) فإن وزارة الاتصالات أبعد ما تكون عن قدرتها في تأسيس شركة وطنية للاتصالات، لما يتطلبه ذلك من بنى تحتية غير متوافرة، فضلًا عن عدم وجود كوادر فنية لديها الخبرة لتأسيس مثل هذه الشركات.
تكلفة باهظة للاتصالات في العراق
يدفع العراقي شهريًا ما لا يقل عن 33 دولارًا في الحد الأدنى لخدمة الإنترنت المنزلي كأرخص عرض مقدم من شركات الاتصالات، في الوقت الذي يدفع فيه المواطن التركي ما قيمته 13 دولارًا فقط نظير خدمة الإنترنت من الجيل الرابع التي لا يمكن الحصول عليها في العراق بأي ثمن.
يذكر تقرير اقتصادي عن مجموعة المرشدين العرب للأبحاث، أن أعلى تكلفة لخدمات الإنترنت عربيًا في العراق، فيما كانت تونس الدولة العربية الأقل تكلفة في هذا المجال، ويلفت التقرير إلى أنه إذا قورنت الأسعار بناءً على متوسط دخل الفرد في كل بلد، فإن أسعار الخدمة في دول الخليج الأكثر معقولية عربيًا.
ويكشف مصدر مسؤول في وزارة الاتصالات خلال حديثه لإحدى وسائل الإعلام عن أن سعر حزمة الميغا (وحدة قياس سرعة الإنترنت) تبلغ نصف دولار عالميًا، بينما تعمد وزارة الاتصالات لبيعها إلى الشركات المجهزة بـ200 دولار أمريكي لتغطية نفقات رواتب موظفيها الحكوميين، حيث تعتمد الوزارة على التمويل الذاتي في النفقات التشغيلية وفي صرف رواتب موظفيها.
بدوره، يؤكد المهندس عامر دريد أن سعر الميغا بايت الواحد يباع في كل من تركيا والأردن والسعودية بمبلغ لا يتجاوز 3 دولارات في الوقت الذي تبيعه وزارة الاتصالات بأكثر من 190 دولارًا، مبينًا أن من يدفع ثمن هذه التكلفة المواطن العراقي الذي يدفع أموالًا طائلة نظير خدمات سيئة، مؤكدًا أن الحكومة هي المسؤول الأول والأخير عنها.
ويؤكد دريد الذي يعمل في إحدى شركات الاتصالات المحلية أنه وفي حال استمرار الأوضاع على ما هي، فإن السنوات القادمة ستشهد مزيدًا من الصعوبات التي سيواجهها العراقيون في تصفح شبكة الإنترنت أو في اجتماعات الفيديو، معللًا ذلك بأن الخدمات والبرمجيات والتطبيقات التي تطلقها الشركات والمواقع الإلكترونية باتت تتطلب شبكات الجيل الرابع المتقدمة LTE على أقل تقدير.
يواجه العراقيون معضلة بطء شبكات الإنترنت وهم في أمس الحاجة إليها، بعد أن أجبرت جائحة كورونا العراق على التحول في النظام التعليمي من المباشر في المدارس والجامعات إلى الافتراضي الذي يتطلب سرعة إنترنت مستقرة وهو ما لن يكون متاحًا للعراقيين حتى 3 سنوات على أقل تقدير.