بالوقوف على مشارف السنة الجديدة والنظر إلى عامنا الذي يحزم حقائبه للمغادرة، نلاحظ أن مسار 2020 لم يجعل منها السنة الألطف في الألفينيات، فقد شهدت الكثير من الأحداث والتغيرات المهمة التي سيطر على معظمها طابع الخوف والحزن والقلق، بدءًا من حرائق أستراليا مطلع العام إلى مقتل اللواء الإيراني قاسم سليماني (وهو خبر مفرح للكثيرين) وما أججه من توتر سياسي كان أحد نتائجه مأساة إسقاط طائرة مدنية أوكرانية من قبل الحرس الثوري، ثم الحدث الأبرز الذي صبغ العام في جميع أنحاء العالم وهو الكشف عن مرض فايروس كوفيد 19 الذي أدخل العالم بحلول شهر مارس/آذار في حالة من الإغلاق التام، وأودت جائحة كورونا بحياة أكثر من 1.3 مليون إنسان حتى الآن.
الحرائق سوف تندلع أيضًا في دول غربية وعربية، مثل كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا ولبنان ودول عدة في المنطقة العربية، وسيثور بركان في الفلبين، ولا ننسى طبعًا المظاهرات الواسعة التي شهدتها الولايات المتحدة بعد حادثة مقتل جورج فلويد الشهيرة، وغيرها الكثير من الأحداث المفصلية.
ومن الواضح أنه ليس من السهل في ظل هذه الأوضاع أن نحاول النظر إلى نصف الكأس الممتلئ، لكن ما سنفعله في هذا المقال هو المحاولة، وبالتأكيد هذا لا يعني التقليل من التحديات التي شهدتها البشرية خلال هذا العام، فهنالك الملايين ممن فقدوا أحباءهم أو ممن يعانون من ظروف مادية ونفسية مرهقة.
وفي حين يتفق الجميع أننا مررنا بسنة عصيبة، إلا أنه من الصعب أن ننكر ما منحتنا إياه 2020 من لحظات لطيفة أيضًا، سواء كانت أحداثًا عالمية أم محلية أم فنًا أم أخبارًا ومبادرات فردية، أم حتى مقاطع مصورة مؤثرة انتشرت بقوة على مواقع التواصل، في القائمة التالية بعض منها:
إطلاق مركبة كرو دراغون التاريخي
جرى إطلاق كبسولة كرو دراغون المأهولة إلى محطة الفضاء الدولية بعد انقطاع ناسا عن إرسال هذا النوع من الرحلات لمدة تسع سنوات، كما تعد حدثًا مهمًا لأنها الأولى من نوعها من حيث تمويلها من شركة SpaceX بالتعاون مع NASA (وكالة الفضاء الأمريكية)، وهي شركة خاصة لمالكها إيلون موسك، لتفتتح بذلك عصرًا جديدًا في مجال استكشاف الإنسان للفضاء بأموال القطاع الخاص، وما قد يعنيه ذلك من فتح باب فعلي وجاد لسياحة الفضاء.
تقدم مهم في تمثيل الأقليات والنساء في المحافل العلمية والسياسية
بالحديث عن رحلة كرو دراغون، سجلت هذه المهمة حدثًا تاريخيًا آخر، وهو إرسال أول رجل فضاء أسود في مهمة تتطلب إقامة طويلة الأمد في محطة الفضاء الدولية، كما سيكون فيكتور جلوفر الرجل الثاني في قيادة المهمة خلال فترة وجودها في الفضاء لمدة ستة أشهر.
وأحرزت سنة 2020 إنجازًا آخر في مجال زيادة تمثيل الأقليات يُعد الأهم خلال هذا العام، وهو انتخاب كامالا هاريس نائبًا للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، وبذلك تكون هاريس أول امرأة تشغل هذا المنصب، والأهم أنها أول امرأة من أصول جنوب آسيوية، ومن المتوقع أن تكون هاريس الأوفر حظًا في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي بعد أربع سنوات من الآن، وهذا يمكن أن يمنحها فرصة أكبر لدخول التاريخ، كأول رئيسة للولايات المتحدة.
أما فيما يخص النساء في مجال السياسة، أشار تقرير الأمم المتحدة عن النساء لعام 2020 إلى أن وجود المرأة تضاعف في المقاعد البرلمانية عالميًا، بالإضافة إلى وجود 20 حكومة حول العالم ترأسها امرأة الآن.
الطبيعة تجدد نفسها بفضل الحجر الصحي
تنفست الطبيعة من جديد بعد انخفاض نسبة تلوث الهواء جراء حجر كورونا، ويمكن ملاحظة تحسن نوعية الهواء بالعين المجردة.
صورة لمدينة ميلانو في إيطاليا قبل وبعد الحجر الصحي
ويرجع سبب هذا التحسن إلى تراجع نشاط الإنسان مما أدى إلى انخفاض نسبة الدخان المنبعث من المركبات والمصانع والمحلات وغيرها. وتم توثيق نتائج الحجر الصحي على البيئة باستخدام صور الأقمار الصناعية التي تُظهر بوضوح انخفاض التلوث.
عودة الحيوانات للمدن بعد غياب الإنسان
وفي ظل الحجر الصحي الصارم في الكثير من بلدان العالم، عادت الحيوانات للظهور في شوارع وشواطئ المدن في أثناء غياب الإنسان عنها.
وشهد العام الفائت انتشار مئات الصور ومقاطع الفيديو لحيوانات برية تغزو الأحياء السكنية، منها مشهد قطيع الماعز البري في أحد مناطق إقليم ويلز البريطاني، الذي بات مهجورًا من البشر خلال فترة الإغلاق العام.
ومن أكثر المقاطع المصورة تداولًا كان فيديو الدلافين على شاطئ البوسفور في إسطنبول.
دور الفن خلال الوباء العالمي
لعبت الفنون بأنواعها دورًا مفصليًا خلال الأيام العصيبة التي مر بها العالم، سواء كان هذا الدور من خلال توثيق هذه الأيام بأعمال فنية مَرِحة ستبقى في ذاكرتنا لفترة طويلة مثل أغنية “عم تخطر عبالي بالحجر الصحي”:
أم من خلال تخفيف الشعور بالوحدة على المحجورين في منازلهم لأيام وربما أشهر باستخدام الشرف وأسطح المباني للغناء أو العزف، وكان أشهر هذه المقاطع على الإطلاق هو مقطع عزف أغنية “بيلا تشاو” في إيطاليا، الذي لقي تفاعلًا غير مسبوق بسبب انتشاره خلال الفترة الأسوأ بالنسبة لإيطاليا بمحاربة فيروس كورونا، حيث مات في أثنائها الآلاف من الشعب الإيطالي بسبب الفيروس.
استخدام الفكاهة لمحاربة توتر البقاء في المنزل
لا يمكن إنكار الدور الكبير الذي لعبته منصات التواصل الاجتماعي أيضًا خلال فترة الوباء العالمي والعزل الاجتماعي، فبالإضافة إلى دورها في نقل الأخبار، استطاعت الترفيه عن ملايين البشر الذين يمرون بتحديات وظروف صعبة متنوعة، وانتشرت العديد من المقاطع والصور والنكات التي لقيت تفاعلًا واسعًا على مستوى الوطن العربي، العديد منها حمل رسالة جدية لكن تم تقديمها بأسلوب ساخر أو مرح.
#ارجع_يا_تامر هو واحد من الوسوم التي انتشرت خصوصًا في الأردن، بعد هروب أحد المصابين من قسم الحجر الصحي بمستشفى الأمير حمزة، ونُشرت مئات التغريدات التي انقسم فيها المغردون بين مؤيد ومعارض لتامر.
أما في “كيبوه” إحدى القرى الإندونيسية الصغيرة، قامت السلطات بتسيير دوريات لمتطوعين متنكرين على هيئة أشباح في شوارع القرية لتخويف الناس وإجبارهم على البقاء في المنزل.
كما لجأ الناس في العديد من البلدان العربية مثل المغرب وسوريا إلى السخرية لانتقاد سياسات حكوماتهم في التعامل مع فيروس كورونا.
وهذه التغريدة لشاب مغربي يسخر من طريقة تعامل الحكومة المغربية مع المسافرين القادمين إلى المغرب وطريقة التأكد من عدم إصابتهم بالفيروس:
الإجرائات الوقائية المتخدة في مطارات المغرب ضد فيروس كورونا :
– ياكما فيك كورونا؟ ?
– لا ?
– إوا أحلف ?
– وحق الله العضيم ?
– دوز مرحبا بك في البلاد ??♂️… pic.twitter.com/TV0vUBhwad
— ????? ???è ? (@FCB_Driss_Cule) February 26, 2020
وهذه الصورة الساخرة التي انتشرت بصورة كبيرة بين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي تعبّر عن إهمال الحكومة السورية للوضع الكارثي في سوريا والعالم في ظل وجود الفيروس، وعدم الاعتراف بوجوده من الأساس خلال الموجة الأولى من انتشاره.
مؤشرات واعدة لإمكانية اكتشاف لقاح لمرض السرطان
في شهر يوليو/تموز أفاد علماء أستراليون أن الدراسات المخبرية للقاح جديد ضد مرض السرطان أظهرت علامات مبشّرة، وعبروا عن أملهم باستخدام هذا اللقاح في علاج سرطانات الدم بالإضافة إلى الأورام الخبيثة بما في ذلك سرطان الثدي والرئة والكلى والمبيض والبنكرياس والورم الأرومي الدبقي، وطور اللقاح باحثون أستراليون بالتعاون مع جامعة كوينزلاند.
بدء حملات التطعيم ضد فيروس كورونا
لا يمكن الحديث عن اللقاحات أو عن أخبار عام 2020 الجيدة دون ذكر التوصل أخيرًا إلى لقاحات لمكافحة فيروس كورونا، فقد ختُمت السنة بالبدء بحملات التطعيم في العديد من دول العالم، على أمل أن تساعد هذه اللقاحات بانفراج الأزمة التي سيطرت على الكوكب لمدة عام كامل.
دعوات الخير والإحسان تثبت فعاليتها خلال 2020
رغم العراقيل التي فرضها الوباء العالمي على الأفراد والمنظمات، استطاع برنامج الغذاء العالمي مكافحة الجوع في أكثر من 88 دولة حول العالم وتقديم الدعم لأكثر من 100 إنسان.
أما على الصعيد العربي، فقد أعلن مهندس لبناني رغبته بترميم وإعادة بناء بيوت الفقراء المتضررة جراء انفجار بيروت بشكل مجاني.
من جهة أخرى، أثبتت الدراسات أن التعامل بلطف مع الآخرين بمختلف أشكاله مفيد للصحة، حيث أشارت الدراسة إلى وجود روابط بين القيام بأعمال تطوعية أو خيرية بشكل دوري والصحة الجيدة وانخفاض نسب الإصابة بأمراض القلب أو الموت المبكر.
ويمكن إضافة عشرات الأخبار والأحداث الإيجابية أو التي ساهمت برسم البسمة على وجوهنا خلال العام الماضي، لكننا غفلنا عنها في خضم محاربتنا لفيروس كورونا المستجد وتبعاته الصحية والاقتصادية والاجتماعية، على أمل أن تُطوى صفحة هذا المرض الذي سيطر على الكوكب خلال العام القادم.