يحيا الشارع الأمريكي هذه الأيام أجواءً تتشابه بدرجة كبيرة مع تلك التي عاشها خلال الفترة من يونيو/حزيران وحتى أغسطس/آب 1974، حين اضطر الرئيس الأمريكي ريتشاد نيكسون إلى الاستقالة بعد فضيحة “ووترغيت“الشهيرة التي وضعته أمام خيارين أحلاهما مر.
التهم التي واجهها نيكسون آنذاك (إعاقة العدالة وإساءة استخدام سلطاته الرئاسية وعدم الامتثال للاستدعاءات القضائية) تتقاطع بشكل أو بآخر مع تلك التي من المتوقع أن توجه للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بعد تورطه في تحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكونغرس، ما أسفر عن مقتل 4 مواطنين وإصابة آخرين في مشهد صدم الجميع، مؤيدين ومعارضين.
توحيد كلمة الجمهوريين والديمقراطيين ضد نيكسون قبل 46 عامًا، انتصارًا لقيم الديمقراطية التي تسعى أمريكا ترسيخها، يتناغم حد التطابق مع الموقف الحاليّ ضد ترامب، رغم الفارق بين الحدثين، فالاجتياح الأخير استهدف أحد أبرز ركائز نظام الحكم في البلاد، مقارنة مثلًا باستهداف حزب سياسي كما حدث مع ريتشارد.
وبينما كان يؤمل الرئيس المهزوم نفسه بولاية جديدة، إذ به يواجه مصيرًا مجهولًا، في ظل جمع الأضداد على طي صفحته من السجل الأمريكي لما لاقته البلاد على يديه من هزات عنيفة، كان لها أسوأ الأثر على الداخل والخارج الأمريكي، وهو ما جعل فترة حكومة واحدة من أحلك الحقب السياسية في تاريخ الدولة الأكبر عالميًا.
ترامب وحيدًا
أدت سياسة ترامب على مدار السنوات الأربعة الماضية إلى أن ينتهي به المطاف وحيدًا، فعلى عكس العادة لن يحضر الرئيس المهزوم مراسم تنصيب الرئيس المنتخب، وفق ما أعلنه رسميًا، وذلك بعدما وجد نفسه منبوذًا حتى بين دائرته المقربة التي تضيق يومًا تلو الآخر.
عدم حضور ترامب لحفل تنصيب بايدن رغم أنه الحدث الذي لم يتكرر منذ 150 عامًا إلا أنه الرابع في تاريخ أمريكا، وذلك بعد جون آدمز الذي لم يحضر مراسم تنصيب خلفه توماس جيفرسون 1801، وجون كوينسي آدمز(نجل جون أدمز) الذي لم يحضر مراسم تنصيب خلفه آندرو جاكسون عام 1829، ثم آندرو جونسون الذي رفض حضور مراسم تنصيب الرئيس يوليسيس غرانت عام 1869.
عزلة ترامب توسعت أكثر بعد موجة الاستقالات التي شهدتها الدائرة المحيطة به، فبعد ساعات قليلة من واقعة الاعتداء على الكابيتول انسحب العشرات من المعسكر الجمهوري إلى الديمقراطي في التصويت على نتائج الانتخابات الرئاسية فيما لم يتبق مع ترامب إلا 6 أعضاء فقط.
وفي أحدث موجات العزلة استقال 4 مستشارين كبار في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، إيرين والش ومارك فاندروف وأنتوني روجيرو وروب غرينواي، بجانب العديد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب على رأسهم إيلين تشاو وزيرة النقل وزوجة ماكونيل ووزيرة التعليم بيتسي ديفوس.
علاوة على ما يثار بشأن تقديم بعض المسؤولين استقالتهم – غير المؤكدة بعد – منهم وزيرة الاتصالات هوب هيكس ومستشار الأمن القومي روبرت أوبرين، بينما يتردد أن وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخزانة ستيف منوشين، يفكران في الخطوة ذاتها رغم التحذيرات بخطورة هذا التحرك على أمن البلاد قبيل تسليم السلطة بشكل رسمي لبايدن.
العديد من المصادر ذهبت إلى أن بينس يعارض سيناريو تفعيل المادة الدستورية الخاصة بالعزل، خشية المزيد من الانقسام والفوضى داخل البلاد
3 سيناريوهات
ثلاثة سيناريوهات متباينة ترسم مصير ترامب المجهول خلال العشرة أيام المتبقية في حكمه، الأول ما يميل له الديمقراطيون وكتلتهم النيابية المتعلق بتحريك المادة 25 من الدستور الخاصة بعزل الرئيس بعد موافقة ثلثي البرلمان (الشيوخ والنواب).
رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أشارت إلى أن المجلس بدأ بالفعل في اتخاذ إجراءات محاكمة ترامب تمهيدًا للإطاحة به، مناشدة نائب الرئيس والحكومة من أجل الإسراع بهذه الخطوة، مضيفة “علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لحماية الشعب من هجوم ترامب غير المتوازن على بلادنا وديمقراطيتنا”.
غير أن هذا السيناريو يقابله العديد من التحديات، أبرزها ضيق الوقت، بجانب عدم رغبة شريحة كبيرة من الجمهوريين الوصول إلى هذه المرحلة المخزية، عزل ترامب، لما لذلك من تداعيات سلبية على مستقبل الحزب وصورته في الداخل والخارج.
يواجه ترامب السيناريو الأسوأ في تاريخه، البعيد عن خيالات حتى أكثر المتشائمين
العديد من المصادر ذهبت إلى أن بينس يعارض سيناريو تفعيل المادة الدستورية الخاصة بالعزل، خشية المزيد من الانقسام والفوضى داخل البلاد، إضافة إلى أن قبول نائب ترامب بهذا المقترح ربما يجهض حلمه حال انتوى الترشح للانتخابات القادمة، بحسب موقع “بيزنس إنسايدر”.
السيناريو الثاني ذهب إليه وزير الخارجية الأسبق كولن باول، الذي تمنى أن يحذو ترامب حذو نيكسون ويستقيل من منصبه، لافتًا في مقابلة له مع شبكة “إن بي سي” (NBC) إلى أن على أحدهم أن يتوجه إلى ترامب ويخبره بأن الأمر قد انتهى وأن الطائرة تنتظره في الخارج.
وأضاف باول، الجمهوري المخضرم، “على ترامب أن يحس بالعار وأن يحول هذا العار إلى استقالة في أسرع وقت ممكن، ولدينا نائب رئيس يمكن أن يقود البلاد لما تبقى من هذه الولاية”، مستبعدًا سيناريو العزل والمحاكمة البرلمانية التي تحتاح لوقت طويل.
أما السيناريو الثالث والأخير فهو الانتظار حتى انتهاء ولاية ترامب رسميًا وتسليم السلطة لبادين في 20 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، مع تضييق الخناق على الرئيس المهزوم لئلا يواصل مساعيه التحريضية مرة أخرى، وهو ما بدأت إرهاصاته بالفعل عقب غلق شركتي تويتر وفيسبوك حسابات ترامب الشخصية من على مواقع التواصل الاجتماعي، في خطوة سيكون لها تأثيرها الكبير على تقليم أظافره.
وهكذا يواجه ترامب السيناريو الأسوأ في تاريخه، البعيد عن خيالات حتى أكثر المتشائمين، وكما قلنا في تقرير سابق لـ”نون بوست” بأن أمريكا بعد 6 من يناير/كانون الثاني 2012 لن تكون كما قبله، فما فعله الرئيس المغرور سيكون نقطة فاصلة بين تاريخين ومرحلتين فاصلتين في مسيرة البلاد.