نفوذ اليهود المغاربة في “إسرائيل”.. لمن الولاء؟
عندما حل مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات في زيارة رسمية إلى المغرب، أواخر العام 2020، وقف أمام العاهل المغربي محمد السادس في إجلال واحترام، ثم انحنى كمن يقدم فروض الطاعة والولاء للملك قائلًا: “الله يبارك في عمر سيدي”، وهي عبارة يرددها جموع المبايعين للعاهل المغربي في أثناء حفل الولاء المرافق لمناسبة عيد العرش.
لم يفوت بن شبات، المنحدر من أصول مغربية، التعبير عن فرحته بتلك “الساعة المباركة” كما شاء له وصفها، يعني بها مراسم توقيع الاتفاق الثلاثي بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”.
لقد فعل المستشار الإسرائيلي المولود في مدينة أسفي المغربية 1966، كل ما بوسعه للتعبير عن تشبثه بجذوره المغربية، بل كاد يطير من الفرحة عند استئناف العلاقات الرسمية بين الرباط وتل أبيب، شأنه شأن كل الإسرائيليين من أصل مغربي، وليس كل المغاربة اليهود الذين يعيشون في المملكة.
الولاء للصهيونية
المناسبة “المباركة والسعيدة” التي جاء خلالها بن شبات على رأس الوفد الإسرائيلي بمعية عراب التطبيع جاريد كوشنر، تغذي المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى انتزاع الاعتراف العربي بالكيان العبري وفك العزلة عنه، في مقابل التضييق على الفلسطينيين وإجهاض الحلم بتحرير أراضيهم المغتصبة، أو على الأقل وقف مشاريع بناء المستوطنات الآخذة في توسيع رقعة الاحتلال منذ بدايته عام 1948.
مائير بن شبات واحد من المغاربة اليهود الذين شقوا طريقهم نحو النفوذ داخل هياكل الدولة العبرية، بعدما لم يرضوا بالهامش الذي وضعتهم فيه الحركة الصهيونية عندما استجلبتهم من المغرب، حيث لم يجدوا بدًا من أن ينتفضوا ضد سياسة “إسرائيل” العنصرية، أو يتفانوا في خدمة الجيش الإسرائيلي، ولهذا تجدهم حاليًّا نافذين في الدفاع والسياسة، في حين أنهم غائبون تقريبًا في مجالي الاقتصاد والتكنولوجيا.
من بين ستة ملايين نسمة، يعيش حاليًّا في “إسرائيل” أكثر من مليون يهودي من أصول مغربية، وهذا العدد مرشح للارتفاع لأنهم الأكثر إنجابًا، أما الآن فهم يأتون في المركز الثاني بعد اليهود الروس، ضمن التركيبة الديمغرافية الهجينة في المجتمع الإسرائيلي.
ثلث حكومة الاحتلال
يزخر المشهد السياسي لدولة الاحتلال بأسماء من أصول مغربية، الذين هم في العادة ينتمون إلى أحزاب يمينية، لهذا يحاول زعماء اليمين استرضاءهم بالنظر لقاعدتهم الانتخابية، حتى إن بنيامين نتنياهو حين شكل حكومته الأخيرة مع بيني غانتس، شملت بالإضافة إلى رئيس الكنيست عشرة وزراء من أصل مغربي، أي ثلث وزراء “إسرائيل”.
يأتي في الطليعة آرييه مخلوف درعي، المولود في مدينة مكناس المغربية عام 1959، ليس لأنه يشغل منصب وزير الداخلية، بل يضرب به المثل في الإنجاب، فهو أب لـ12 ابنًا.
ظهر درعي على الساحة السياسية حينما كان عمره 26 سنة بتوليه منصب مدير عام وزارة الداخلية، وفي انتخابات عام 1999، حينها كان درعي وزيرًا للداخلية، فاز حزب “ساش” الديني المتطرف الذي يقوده درعي بـ17 مقعدًا، إلا أنه استقال فور ظهور النتائج من عضوية الكنيست بسبب ملاحقات قضائية، في واحدة من أكبر قضايا الفساد في “إسرائيل” وحكم عليه بالسجن سنتين نافذتين، فاختفى عن المشهد السياسي لمدة 12 سنة، بعدها أضحى مألوفًا أن يتسلم درعي منصب وزير الداخلية بعد كل انتخابات إسرائيلية، وهو منصب مهم بالنسبة للمتدينين لأنه يتيح السيطرة على ميزانية البلديات.
وزير الأمن الداخلي أمير أوحانا، المولود في مدينة بئر السبع عام 1976 من أبوين مغربيين. انخرط في الخدمة العسكرية الإجبارية، ثم اشتغل في الشرطة العسكرية بدءًا من عام 1997، إذ أسندت له عدة وظائف أبرزها القائد العسكري في حاجز كارني بقطاع غزة، كما خدم في جهاز المخابرات العامة “الشاباك”.
في العام 2010 ترك أوحانا العمل العسكري، وتفرع للعمل السياسي في حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وهو حزب يمين وسط يؤمن بفكرة “إسرائيل” الكبرى التي تشمل الضفة الشرقية لنهر الأردن.
يعد أمير أوحانا أول وزير ميوله مثلية في حكومة إسرائيلية، وهو يسكن مع شريكه وطفليهما التوأم بالتبني في تل أبيب، ويرأس مجموعة مثليي الجنس في حزب الليكود.
دافيد أمسالم وزير الاتصال بين الحكومة والكنيست، هو أحد المقربين من نتنياهو في الحكومة وحزب “الليكود”. ولد في القدس من أبوين مغربيين عام 1960، ويعيش حاليًّا في مستوطنة معاليه أدوميم التي أقيمت على أراضي الفلسطينيين، وهي أكبر مستوطنة في منطقة القدس.
كما يشغل منصب وزير الاقتصاد والصناعة عمير بيرتس، المولود في مدينة أبي الجعد المغربية عام 1952، برز في اللعبة السياسة عندما وصل إلى الكنيست بعد انتخابات 1988 عن حزب العمل، أقوى منافس لحزب الليكود.
وقبل ذلك عمل بيرتس رئيسًا لمستوطنة سديروت على حدود غزة، ثم رئيسًا لاتحاد نقابات العمال الإسرائيلية – الهستدروت، وشغل وزارة الحرب، وأشرف على إنتاج منظومة القبة الحديدية للتصدي للصواريخ، ثم نائبًا لرئيس الوزراء في 2006-2007، ووزيرًا للبيئة.
من الجناح الأكثر تطرفًا في حزب الليكود، برزت ميري ريغيف، وزيرة المواصلات والبنى التحتية، المولود عام 1965 في كريات غات جنوب “إسرائيل” والملاصقة لقرية الفالوجة الفلسطينية، من أب مغربي وأم إسبانية.
ريغيف ليست يمينية متطرفة فحسب، بل اعتادت استخدام كلمات نابية في خطاباتها، ومهاجمة النواب العرب بعنف، كما تقدمت باقتراحات لقوانين ذات صبغة عنصرية، منذ وصولها إلى الكنيست لأول مرة في انتخابات 2009.
تعيش ريغيف حاليًّا مع زوجها وأبنائها الثلاث غير بعيد عن تل أبيب في مستوطنة روش هعاين التي أقيمت على أراضي قرية مجدل الصادق الفلسطينية المشهورة بكثرة ينابيع المياه.
تجديد العهد
لقد لقي إعلان استئناف الاتصالات بين الرباط وتل أبيب ردود فعل إيجابية من الإسرائيليين من أصول مغربية، فإطلاق خط جوي مباشر سيسهل عليهم حضور احتفالات “الهيلولة“، فهناك منهم من يحج بانتظام إلى المغرب للمشاركة في هذا الموسم الديني الذي يقام بأضرحة لحاخامات وربيين يهود، أشهرها يقع بمدن الصويرة وفاس ووزان ومراكش وأكادير والرباط والدار البيضاء.
لا تتوقف مواسم الهيلولة على الصلاة والاحتفال فقط، بل هي مناسبة لتجديد العهد مع الأصول وصلة الرحم مع الأحباب، إذ يحرص اليهود القادمون من “إسرائيل” وباقي الدول على زيارة أصدقاء الطفولة والجيران القدامى.
ما زال الكثير منهم يحتفظون بجنسيتهم المغربية، بعدما قررت الرباط عام 1976 عدم إسقاط الجنسية عن اليهود الذين هاجروا في سنوات سابقة إلى أي بلد بما في ذلك “إسرائيل”، رغم مشاركتهم في جيش الاحتلال، حيث تعد هذه الخدمة إجبارية وليست اختيارية، بالتالي لا يسقط عنهم الحق في استرجاع مواطنتهم.
جالية أم محتلون؟
رسميًا يوصف الإسرائيليون (المغاربة سابقًا) المقيمون في دولة الاحتلال بأنهم جالية مغربية أو من أصل مغربي، كما ورد في بلاغ للديوان الملكي الذي صدر عقب استئناف العلاقات الثنائية، مؤكدًا أن هذه الخطوة تأتي “اعتبارًا للدور التاريخي الذي ما فتئ يقوم به المغرب في التقريب بين شعوب المنطقة، ودعم الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط، ونظرًا للروابط الخاصة التي تجمع الجالية اليهودية من أصل مغربي، بمن فيهم الموجودين في “إسرائيل”، بشخص جلالة الملك”.
وعلى النقيض يرى مناهضو التطبيع في المغرب أن الإسرائيليين من أصول مغربية لا يمكن اعتبارهم جالية أسوة بمغاربة العالم الذين استقروا في بلدان مختلفة من أجل العمل والدراسة، وليس من أجل الاحتلال والاستيطان على أراضٍ نزعت غصبًا من أصحابها بعد تقتيلهم وتهجيرهم ليصبحوا لاجئين في مخيمات.
لقد تفانى الإسرائيليون من أصل مغربي في خدمة المشروع الصهيوني، وهم متورطون في جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، باعتبار أن الكثير منهم مسؤولون في الأجهزة العسكرية والأمنية الصهيونية، أما الذين لا يشاركون في الجيش والسياسة، فهم يسكنون في منازل هي أصلًا ملك لفلسطينيين، لهذا الأجدر بهم أن يعودوا إلى أرض الأجداد بما أنهم يحكون عن حنينهم إلى المغرب كلما أتيحت لهم الفرصة.